ليس مجرد مسابقة

TT

عندما نلجأ إلى مصدر لتعريف كلمة «دوري» كرة قدم، أو مفهوم كلمة «مشكلة»، نصاب ببعض الحيرة والإرباك؛ فهاتان المفردتان (دوري + مشكلة) اللتان يمكن الربط بينهما بسهولة في إطار السياق المحلي السعودي؛ يمكن أن ينظر إليهما باعتبارهما متلازمتين، وفي أحسن الأحوال تمران بـ«سيناريو» يكتنفه التشويش، فالدوري الذي ينبغي أن تمثل واحدا من أهم روافد المتعة والترفيه والإثارة للرياضيين السعوديين، تحول حتى بعد تغير نظامه إلى قضية متشعبة عصية على الإصلاح.

كثيرون يعتقدون أن لدينا أفضل دوري كرة قدم عربي، ويتصورون أن هذا الدوري هو أنجع طريقة لتطوير اللاعبين والفرق، جراء المشاركة في ماراثون لا يتوقف إلا لفترات قصيرة خلال أيام الفيفا، ويستمر الماراثون حتى يصل الأطول نفسا، والأكثر استعدادا وقوة، والأوفر تحضيرا، والأجدر انضباطا وتدريبا وإدارة، إلى قمة الترتيب ويفوز بالبطولة. والذي لا يعرفه البعض خارج الوسط الرياضي أن ملايين السعوديين يتابعون الدوري، غير أنهم يصابون بالإحباط جراء التوقفات والتأجيلات التي لا مسوغات قوية تسندها سوى التزامات المنتخب والفرق بمباريات خارجية، وفترات توقف قسرية محلية.

لو تمعنا في الأسباب المذكورة آنفا سنلحظ أن معظم الدول التي تدير دوريات ناجحة تواجه ثلاثة في الأقل من العوامل التي أشرنا إليها، لكنها عبر اتحاداتها المتفاعلة مع الحدث استحدثت الوسائل الملائمة لمواجهتها، ومع ذلك لا تتوقف مسيرة الدوري فيها. وبطبيعة الحال سيطرح سؤال عن كيفية ذلك.. والإجابة: إنهم يعدون منتخباتهم بطرق مقننة في أيام محددة وقصيرة؛ لأنهم يرون أن الاستمرار في فعاليات الدوري بجميع اللاعبين هو أفضل إعداد واستعداد للمنتخبات الوطنية، ويتم جمع لاعبي المنتخبات قبل مشاركتهم المستحقة بأيام قليلة فحسب، وعدد المباريات المؤجلة محدود، ومشاركة الفرق في المسابقات الخارجية معلومة مسبقا، بحيث لا تتعارض مع مسابقة الدوري، أما التوقف لمناسبات أخرى فلا وجود له إلا في أضيق الحدود.

سيظل الدوري السعودي يفتقر إلى المتعة والإثارة والفائدة المطلوبة ما لم يجد الاتحاد السعودي لكرة القدم الحلول المناسبة للتعامل مع المشكلات التي أشرنا إليها أعلاه، وسيظل يراوح مكانه ما دمنا مستمرين في اعتباره مجرد مسابقة نقدم ونؤخر مبارياتها وفق أهواء الأندية لمشاركاتها في مسابقات باهتة في أغلبها، أو بحجة إعداد المنتخب لفترات طويلة باعتباره أولوية وطنية، ويصر المدربون على ذلك إصرارا عجيبا باعتباره مسمار جحا الذي سيتكئون عليه في حالات الفشل، وسيظل كذلك ما لم نستفد من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، وسيظل الأمر كذلك ما لم نرفع من مستوى الوعي الاحترافي لدى الجميع وفي كل الاتجاهات!!

الدوري وبوضوح يحتاج إلى تطوير وفكر عصري متجدد.. وقرارات جريئة وتاريخية من الجهة المعنية.. وتضحيات كإلغاء بعض المسابقات أو تحويرها وتطويرها والحد من تأثيرها السلبي.. ويظل الدوري الممتاز العامل والمعيار الأكثر مصداقية لقياس مدى تطور كرة القدم.