ثياب يعربية

TT

قلبت مؤخرا صحفا مختلفة في مجلس صديق عزيز، فتنقلت سائحا بين صفحات السياسة والمحليات والتعليقات والأخبار والتقلبات والأزمات الإقليمية والدولية، وما تنبئ عنه أحداثها من مستقبل محفوف بمخاطر لا يعلم إلا الله كيف ستكون نهايتها أو نتائجها. وفي النهاية عبرت إلى الصفحات الرياضية المتكاثرة هذه الأيام، والتي تحمل القليل من الأخبار والمعلومات المفيدة والمطمئنة، والكثير من التحليلات والمواعظ والحكم والأحكام والصور الضخمة والاستنتاجات القطعية التي تتزين بصور الأصدقاء والأحباء وأصحاب الحظوة والجاه والمال!

ليس أسهل من إصدار الأحكام النمطية النابعة من محصلة مترسخة، وليس أكثر سهولة من الكتابة عن الأسوأ والأفضل! وغيرها.. فقد نصب «بعضهم» من ذواتهم «قضاة» يصدرون شهادات البراءة أو الإدانة، كما فعل «الحكيم» في عودة «الضمير» أو انغماس «بدوي» اغترافا من فلسفة التغريب الفرنسية والألمانية ومحاولة إلباسها ثيابا «يعربية».

ما الفائدة التي يجنيها المتلقي من مثل هذه التصنيفات عن أفضل مدرب أو لاعب أو كابتن أو فراش أو مشجع أو بائع شالات؟ ما هي النتائج الإيجابية المترتبة على ذلك؟ فمثل هذه التصنيفات المصطنعة التي لا يحكمها شيء سوى التحيز، يقوم بها البعض بدافع الاستجداء أو البروز الإعلامي.

لو دققنا برهة.. فإن «المنطق السوي» سيظهر أن عمليات الفرز والتصنيف والتفضيل التي لا يكل مروجوها من تشنيف آذان وعقول الجماهير بها لا تقوم على دلائل علمية أو إحصائية لدى معظم من يميلون إلى هذا النمط من «ثقافة الأسود والأبيض»!

هذه الطروحات وما يقابلها من هجمات مضادة لا تستهوي سوى المتعصبين، ولا يعتد بها لافتقادها إلى «الشرعية المنطقية»، والأسانيد الإحصائية الدقيقة، والمعلومات الرسمية الموثقة، وواقعها أنها لا تختلف كثيرا عما يطرح من غثاء عبر بعض ما يسمى بـ«المنتديات» التي تنتهك حرمات الناس بلا رقيب أو حسيب، حتى بلغ الأمر مبلغا لم يعد من الممكن السكوت عليه.

ولعل من أسخف ما تبثه بعض هذه «المنتديات» ما يطلقون عليه عبثا أو اعتباطا اسم «استفتاءات» عن ذات الأفضليات والتفوقات والنجوميات و«الأفضل» و«الأسوأ»، وإطلاق النتائج المعدة سلفا بألوانها وتوجهاتها، فيخلطون ويستخرجون «نتائج» مضحكة! عن رؤساء ونجوم وقادة وفطاحلة.. وبأرقام مفبركة لا مرجعية علمية لها، فتبدو للمتلقي كتعبيرات «عصرية» متطورة مناظرة لثقافة الاستفتاءات والانتخابات على الطريقة الغربية أو العربية إن شئت وشاء الله!

هذه الطروحات المنمطة وما سيتبعها ليست من اختصاصات أي «منتديات» فئوية أو متحيزة أو ملونة، فضررها أشد فتكا من نفعها، فأقل ما فيها أنها تبث الحقد والضغينة والتنابذ بالألقاب وتحوير الحقائق، وإثارة الفتنة و«ثقافة» التحريض، والحط من قيم الآخرين من أبناء الوطن الواحد.. ثم إن مسألة تحديد الأفضل أو الأقبح لا تقدم ولا تؤخر، فهي قبل كل هذا تقوم بها جهات فاقدة للأهلية أصلا!