العرب والبحر... من الشراع إلى زمن البخار
كتاب كويتي عن أول شركة ملاحة بحرية كويتية
الاحـد 24 شـوال 1423 هـ 29 ديسمبر 2002 العدد 8797
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: كتب
الكويت: «الشرق الاوسط»
يمثل الكتاب محاولة لتسليط الأضواء على صفحات مغيبة من تاريخ الكويت الاقتصادي واسهامات طبقة التجار في ذلك، باستقراء الوثائق المحلية خاصة وثائق أسرة المؤلف التي في حوزته.

يتطرق المؤلف في المبحث الأول، وبعد التوطئة، لحكاية تأليفه لهذا الكتاب والمرتبطة أساساً بالكشف عن تأسيس أول شركة مساهمة للنقل بواسطة البواخر.

وأعطى تفاصيل مسهبة عن تلك الشركة وعن مؤسسها الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم. وكان بودنا ان يوجز في ذلك ويجعله ضمن التوطئة، أما بقية التفصيلات فيضمها الى المبحث الأخير والمتعلق بتلك الشركة ليشكل من تلك المادة التاريخية المثيرة نسيج وحدة مترابطة ومتكاملة.

في المبحث الثاني أراد المؤلف في ما يبدو، ان يجعله مدخلاً لموضوع كتابه فجعل عنوانه «العرب والبحر» لكنه انزلق في حديث طويل عن الصراعات التي ثارت بين القوى الأوروبية من اجل السيطرة على التجارة العربية البحرية، بدلاً من ان يتحدث المؤلف عن التفاعل الطويل بين العرب والبحر ويبرز دورهم المتميز في علم البحار وما يرتبط من حركة الرياح والنجوم، اضافة الى صناعة السفن وما يرتبط بها من اقلاع ورسو وأشرعة. مع الاشارة الى الرواد في ذلك ابتداء (بزورق شهريار مروراً بسليمان التاجر وابن زيد السيرافي وانتهاء بالمهري وابن ماجد) وبذلك يتوافق الحديث مع السياق العام للكتاب.

وعاد المؤلف سريعاً في المبحث الثالث ليركز اهتمامه نحو شمال الخليج العربي وبالذات نحو الكويت وتمازج سكانها مع بيئتهم البحرية المصدر الأساس لمعاشهم وبروز مهارتهم في الابحار وفي صناعة وسائطه المختلفة في أحجامها وأغراضها، مستشهداً بعدد من الرحالة الأوروبيين الذين مروا بالكويت.

ثم أورد المؤلف معلومات مفيدة عن أسماء عدد من ملاكها من الكويتيين، ومن ضمنهم أفراد أسرة المؤلف نفسه.

ولا بد من الاشارة الى ان مبحث «الكويتيون في الهند...» يرتبط أساساً بالبحث الذي تحدثنا عنه تواً، فكان من المفترض ان يتلو احدهما الآخر او يدرجا ليشكلا معاً مادة تاريخية تتوافق في وحدة موضوعها وزمنها.

دخل المؤلف في المبحث الرابع الى صلب موضوعه والمتعلق بتعامل الكويتيين مع وسائط النقل البحري الجديدة وهي السفن البخارية، ليحدد عام 1868م لدخول أول سفينة بخارية الى مياهها وعلى ظهرها الشيخ يوسف بن عبد الله آل ابراهيم اكبر تجار اللؤلؤ في الخليج، قادماً من بومبي جالباً حمولة تجارية تعود له، فكان ذلك حدثاً كويتياً بارزاً حيث قام الشيخ عبد الله الصباح حاكم الكويت بزيارة الباخرة وتفقد مرافقها.

ثم يتوالى بعد ذلك ببضع سنين وصول السفن البخارية الى الكويت وتتعدد أسماء شركات البواخر العاملة في الخليج العريي.

يورد المؤلف بعدها تفصيلات عن السفينة التي استقلها الشيخ يوسف آل ابراهيم كذلك عام 1893م قادمة من بومبي وبرفقته عبد الله ويليامسون، المغامر الانجليزي المعروف الذي اعتنق الاسلام واستقر بعدها الى حين وفاته في البصرة.

أما المبحث الذي يليه ويحمل عنوانه «شركة الهند الشرقية» فكان يجب ان يضم الى المبحث الثاني لأنه لصيق به، وبذلك يبقى في هذا المبحث الحديث عن الشركة البريطانية الهندية للملاحة.

أما المبحث السادس الذي خصص للحديث عن امتلاك الكويتيين للزوارق البخارية (اليخوت) فهو طريف لأنه يؤرخ دخول التقنيات الحديثة الى الكويت وهنا يأتي ايضاً اسم الثري الكويتي يوسف آل ابراهيم كأول شخص امتلك زورقاً (يخت) بحرياً في عام 1897م، بعد نزاعه المعروف مع الشيخ مبارك الصباح الذي أصبح حاكماً للكويت عام 1896م.

إلا ان الشيخ يوسف لم يلبث ان أهدى يخته الى حمدي باشا والي البصرة في 24 ذي الحجة 1316هـ الموافق مارس (آذار) 1899م، أي بعد اعلان الحماية البريطانية على الكويت ببضعة أشهر.

كما أن المؤلف أورد ذكر زورق بخاري (يخت) آخر امتلكه الشيخ مبارك الصباح سنة 1907م، أي بعد عشر سنوات من امتلاك يوسف آل ابراهيم لزورق بخاري.

ومن المفيد أن نشير هنا الى ان الرحالة الهندي «كورستجي» الذي زار الكويت سنة 1916 ذكر ان الشيخ جابر بن مبارك الصباح كان يملك زورقين بخاريين وأن شيخ المحمرة كان يتردد على قصره في الكويت بزورقه البخاري الخاص ايضاً.

ومن الطريف ان نذكر هنا ايضاً ان الرحالة المذكور شاهد سيارة لدى الشيخ جابر كان يستخدمها في تنقلاته، ولكن سائقه اذا ما عاقر الخمر يوماً ما فانه يضطر الى ركوب فرسه لمدة يومين او ثلاثة لئلا يخاطر بحياته، إذ ان هذا السائق سيد الموقف فلا منافس له في الكويت في مجال عمله.

وكان الشيخ قد أرسله الى الهند لتعلم قيادة هذه السيارة فتعلم مع قيادتها معاقرة المدام، ومن المحتمل ان يكون هذا السائق أول مبتعث كويتي ولكنه اختار ان يدخل التاريخ من أضيق أبوابه ومن عنق زجاجة.

والجدير بالذكر ان المؤلف ذكر بأن الشيخ جاسم بن محمد آل ابراهيم قد أهدى الى الشيخ مبارك الصباح سيارة في ام 1912م، لذا فمن المحتمل ان تكون هي السيارة نفسها التي أشار اليها الرحالة الهندي.

ومن المفيد ان نذكر ان للشيخ جاسم آل ابراهيم مآثر أخرى، ومنها كونه من المساهمين في شركة بترول بورما البريطانية في عام 1910.

خلاصة التقويم ان الكتاب وعلى صغر حجمه كبير في قيمته ومنطلقاته، خاصة انه طرق باباً لم يطرقه أحد من الباحثين قبله، وهو تسليط الضوء على دور التجار الكويتيين ودورهم في نسيج المجتمع الخليجي وفي أحداثه التاريخية.

ان الملاحظات المنهجية التي أوردناها لا تؤثر مطلقاً على القيمة العلمية للكتاب، وقد يؤاخذ البعض المؤلف على كثرة استشهاده بأسرته، فالأمر يعود الى القدر الذي جعل تلك الأسرة تلعب دوراً مفصلياً في تاريخ الكويت خاصة والجزيرة والخليج عامة بالاضافة الى الاعتماد الأساسي على وثائق الأسرة التي لم تر النور من قبل واستخدمت لأول مرة لالقاء الضوء وتعريف القارئ والباحث على حقيقة غير مسبوقة. ولولاها لما تمكن من توثيق تلك الحقبة التي تعتمد أساساً على الوثائق اكثر من الروايات، اضافة الى انه لم يهمش دور الآخرين كلما توفرت لديه معلومة او مادة حولهم.. ولعل لسان حاله يردد مع الشاعر في مقولته:

اولئك أجدادي فجئني بمثلهم إذا ما دعت يوماً يا جرير المفاخر.

* من الشراع الى البخار..

* قصة أول شركة ملاحة بحرية المؤلف: يعقوب يوسف الابراهيم

* الناشر: شركة الربيعان، الكويت