عنيزة: مهد البرحي.. وموطن الغضا.. ونافذة الانفتاح
المدينة المتسامحة في قلب نجد * علماء عنيزة القدماء كانوا يرحلون لخارج الحدود النجدية لطلب العلم أو بثه* ثلاثة أسباب للاختلاف بين عنيزة وجارتها الكبرى بريدة * خرج منها أبرز رجل أعمال سعودي بلغ صيته العالم كله
الاحـد 02 ذو الحجـة 1424 هـ 25 يناير 2004 العدد 9189
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: تحقيق
عنيزة: طارق الحميد
عنيزة، أو «باريس نجد» كما اسماها امين الريحاني، ثاني اكبر مدن القصيم التي تقع في قلب السعودية، لها تاريخ عريق، وقصص تروى، اكثرها تشويقا صلتها القديمة بالانفتاح، وهي في قلب نجد. والمثير فيها مناكفتها للجارة الكبرى بريدة، التي تبعد عنها مسافة 30 كم، او «حذفة حصاة» وفق المثل الشعبي، حيث تقع عنيزة شمال غرب العاصمة الرياض، على بعد ما يقارب 330 كم.

ولموقعها الجغرافي والتاريخي أثر سياسي وتجاري، حيث تقع في الجزء الشمالي الأوسط من هضبة نجد إلى الجنوب من مجرى وادي الرمة أكبر أودية شبه الجزيرة العربية. وتحيط بها كثبان رملية من الشمال والغرب تسمى رمال (الغميس)، بينما تقع إلى الجنوب منها رمال وغابات الغضاء، قبل ان تنحسر، في منطقة الشقيقة. تقع عنيزة على خط عرض 26 شمال خط الإستواء، وعلى خط طول 44 شرق خط جرنيتش. وكانت مدينة محاطة بسور تغلقه في وجه الغزاة. الطريف انها وجيرانها من قرية الشماسية غزوا عام 1743 اهل بريدة! اما عن سكانها فتظهر اخر الاحصائيات الرسمية انهم يزيدون على اثنين وتسعين الف نسمة.

عنيزة مدينة التسامح والنخيل والتجارة. زراعيا تشتهر باطيب انواع التمور، واشهرها (البرحي)، وقلة الذين يعلمون ان نخيل البرحي جلب اليها والى الجزيرة العربية لأول مرة من العراق. فقد جلبه آل عبد الله من عائلة البسام المشهورة في عنيزة، حيث قاموا بجلب اربع فسائل من نخيل البرحي على اربعة جمال، يرافقها جملات يحملان قرب الماء لرش الفسائل حتى لا تموت. كان ذلك في عام 1894 . ومن ثم جلب آل عبد القادر من عائلة البسام مثلها من العراق عام 1899، فانتشرت في نجد والجزيرة العربية. وحتى اليوم يشعر الزائر وكأن المدينة بستان كبير.

في عنيزة يشتهر الغضا، وقديما قالت العرب «أحر من نار الغضا»! وهو افخر انواع الحطب، واغلاه، محظور احتطابه حاليا للحفاظ عليه من الانقراض. جمره الابقى، والازكى رائحة، تراه منثورا في صحاريها كأنه يلوذ بها من الانقراض. تغنى به الشعراء قديما وحديثا، فكل يصف لوعته عن حبيبه الغائب بجمر الغضا! ومثلها مثل مدن نجد فلعنيزة باع في الدين والشريعة، لكنه لا يشبه ما لدى جارتها بريدة! فعدد شيوخها اقل من نظرائهم في بريدة. وعن ذلك يقول الداعية الشاعر عايض القرني مادحا شيخها بن عثيمين:

إذا بريدة بالأخيار قد فخرت ... يكفي عنيزة فخرا شيخنا فيها

كما عرف عن مشايخها اللين والتسامح، ومن ابرزهم الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمه الله، المتوفى عام 1957 في مدينته عنيزة، عن عمر يناهز 69 عاما، الذي عرف بالنظرة العصرية المتطورة للفقه الاسلامي قياسا بعلماء نجد في وقته، وكان متأثرا بمدرسة الشيخ رشيد رضا السلفية الاصلاحية في مصر. ويؤثر عن السعدي لبسه للعقال، احيانا، وذلك ما لم يكن مشايخ نجد يتسامحون فيه، فكيف يقبلونها من فقيه؟ ومن ابرز تلاميذه الشيخان بن عثيمين، وعبد الله البسام رحمهما الله. واستمرارية لخط السعدي لبس الراحل بن عثيمين العقال، بعض الاحيان. وكان الشيخ السعدي منفتحا ومطلعا، وهو الذي قراء كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) بعد ان ترجم له وحفظ للمؤلف دانييل كاربيجيني حقه. وكان شيخا مستجيبا للنقاش والمساءلة، وبات هذا شأن شيوخ عنيزة، دون سواهم من علماء نجد.

كان اول مايكرفون استخدم في مساجد القصيم في الجامع الكبير الذي كان يحاضر فيه الشيخ السعدي، وفي عنيزة على وجه التحديد. اخذاً بالاعتبار المقاومة الشديدة التي وجدها ادخال تلك الالة الحديثة في مساجد بريدة من قبل بعض مشايخها. ويؤكد الباحث في التاريخ النجدي عبد الرحمن البطحي ان الشيخ السعدي كان اول من تحدث باباحة نقل الاعضاء، وقبل الشيخ يوسف القرضاوي في وقتنا الحالي. من ابرز تلاميذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وهو الشيخ الذي عرف عنه التسامح واللين والدقة. افتى بجواز التصوير الفوتوغرافي، ورفض هدم مئذنة جامع عنيزة الكبير الطينية في عهد الملك خالد رحمه الله، حينما اعيد بناء الجامع الطيني بالاسمنت المسلح، واصر على بقائها برغم هدم الجامع حفاظا على تاريخ المدينة وتراثها، في بادرة لم يتعود عليها المزاج السلفي النجدي. نأى بنفسه عن الصراعات السياسية. وهو من المشايخ الذين نالوا قدرا كبيرا من الشهرة في السعودية والعالم العربي، وكان شيخا ومعلما، نال الشهادات العلمية، ولم يتتلمذ فقط على ايدي مشايخ في المساجد وحسب، اي ان تعليمه لم يكن تقليديا. والبعض يرى ان هذه الشخصية العنيزاوية لدى بن عثيمين قد تعثرت برياح (الصحوة) وشروطها، التي جاءت في بدايات الثمانينات الميلادية، وتجلى ذلك بتراجعه عن بعض الفتاوى الاولى، ومنها التصوير الفوتوغرافي. ايضا هناك الشيخ والقاضي والاديب والمؤرخ، ساكن مكة المكرمة، عبد الله البسام رحمه الله، الذي تلقى العلم على يد الشيخ السعدي، وعلى ايدي مشايخ من مصر، ومن ضمنهم الشيخ المفسر محمد متولي الشعراوي، رحمه الله. وعرف عن الشيخ البسام، تسامحه ومواقفه الايجابية تجاه الطوائف والديانات الأخرى، حيث التقى احد رؤساء الحكومة الايرانية السابقين عباس هويدي وتباحث معه في سبل حل الخلاف بين السنة والشيعة. وقيل ان في عائلة الشيخ البسام من يتحدث اربع لغات. وعمل الشيخ من ضمن ما عمل في اول وظيفة له كمراقب اعلامي ليومين في الاسبوع في ميناء جدة على ساحل البحر الاحمر غرب السعودية ليمارس الرقابة على الكتب الوافدة للبلد وإجازتها او منعها، من وجهة نظر دينية. وامضى خمسين عاما في سلك القضاء، كما عرف عنه اهتمامه بتاريخ نجد وكتابة الشعر. ومن ابرز تلاميذه الشيخ عبد العزيز المسند، وهو من اهل بريدة.

كان لدى علماء عنيزة القدماء مسلكية علمية فريدة، فقد كانوا يرحلون لخارج الحدود النجدية لطلب العلم او بثه. يشير بعض الباحثين في هذا الصدد الى عالم عنيزة القديم صالح العثمان القاضي الفقيه الحنبلي الذي تعلم وعلم في مكة المكرمة قبل اكثر من قرن من الزمان. ومن مشايخ عنيزة، من غير اهلها، الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابا بطين الذي تولى القضاء في عنيزة فترة طويلة، وهو من ابرز فقهاء الحنابلة في نجد، ولقب بمفتي الديار النجدية. تتميز بيئة عنيزة العلمية بالمرونة والترحيب بالطرق الحوارية، واثارة الاسئلة، حتى في القضايا الفقهية الصغيرة، مما انعكس على طريقة علمائها في التدريس. يتضح ذلك في اسلوب كل من الشيخ عبد الرحمن السعدي، وتلاميذه من امثال محمد بن عثيمين وعبد الله البسام حيث كانوا لا يمرون اي مسألة في دروسهم، وخصوصا بن عثيمين، من دون بحث وتوقف وتكليف للطلاب في المسجد باعداد الابحاث والتقارير عنها لعرضها مجددا للنقاش والنظر. وهذه الطريقة في المساءلة والبحث لم تكن مألوفة لدى علماء نجد الآخرين الذين اشتهروا بالطريقة التقليدية القائمة على التلقين والحفظ وقلة الاسئلة.

والشيء بالشيء يذكر، فعنيزة أول مدينة في نجد تدرس فيها العلوم غير الدينية، مثل الرياضيات والجغرافيا وغيرهما. واول مدارس البنات في القصيم افتتحت بها. يقول عبد الله النغيمشي، موجه تربوي من اهالي بريدة «حتى اوائل الثمانينات الميلادية كانت غالبية معلمات مدارس البنات في بريدة يقدمن من عنيزة».

وهنا قد يتبادر السؤال التالي: لماذا الاختلاف بين عنيزة وجارتها الكبرى بريدة؟ يقول عبد الرحمن البطحي، الباحث في التاريخ النجدي، ان هناك ثلاثة اسباب وراء الاختلاف وهي «الفارق الثقافي، والجانب العسكري، والفارق الاقتصادي». وقبل ان يشرح البطحي، وهو يجلس في مزرعته في عنيزة امام (الوجار)، المدفئة الموقدة بالحطب، رافضا تصويره ولو للذكرى، مفلسفا ذلك بالقول «الحياة كلها لا تستحق الذكرى»،! وبعد محاولات لاقناعه باءت بالفشل واصل حديثه شارحا الفرق بين بريدة وعنيزة بالقول «كان الناس في عنيزة يربطون تجارتهم باملاك واصول ثابتة في كل من الهند والبصرة وبغداد ومصر والشام، تدر على اهالي عنيزة القابعين في جوف نجد. اموالهم تختلف عن اموال اهالي بريدة فهي ليست جمالا تقطع الصحارى لتباع في الشام والعراق، وعليه فان لدى اهل عنيزة متسعا من الوقت في كل ليلة للتسامر والتحدث». اما بريدة، وحسب البطحي «فتجارتهم على طريقة العقيلات حيث يقطعون الصحاري سفرا لمدة اشهر» فلا متسع للوقت والتسامر والاسترخاء.

وهناك الجانب العسكري، والذي يلخصه البطحي بالقول «بريدة تحالف، وعنيزة تعاند»! شارحا ذلك "بان تجارة اهل بريدة مربوطة بين الشام والعراق وتقتضي السفر في الصحراء فكان لا بد ان تحالف، والا خسرت تجارتها من قبل الغزاة وقطاع الطرق، وهذا ذكاء شديد من قبل اهل بريدة». اما عنيزة، والحديث لعبد الرحمن البطحي «فكانت تعاند لأنها تخزن اقواتها بداخلها، وكل ما على اهلها فعله هو اغلاق السور والبقاء بأمان». وهنا ايضا يتجلى البعد الاقتصادي، حيث ان لديهم المؤن، واستثماراتهم مستقرة.

* من عنيزة الى وول ستريت

* واذا ابتعدنا عن تجارة ذلك العصر سواء فوق ظهور الإبل أو بطونها، فان التجارة الوقتية شهدت ايضا منافسة بين المدينتين. الملاحظ ان عدد تجار بريدة يفوق نظراءهم في عنيزة، الا انه منها خرج ابرز رجل اعمال سعودي، بلغ صيته العالم كله فتربع على عرش نحو 40 شركة تدار تحت مسمى عائلته، وقدرت ثروته عام 2002 بقرابة 7.7 مليار دولار. جاء ترتيبه 34 بين اكبر اغنياء العالم، وهو الراحل سليمان الصالح العليان، الذي كتب سيرته الصحافي البريطاني مايكل فيلد في كتاب عنوانه «من عنيزة الى وول ستريت».

العليان، الذي اطلقت كلية الاعمال في الجامعة الاميركية ببيروت اسمه عليها، وصف مدينته عنيزة بالقول «ولدت في بلدة رقيقة، لطيفة، هي عنيزة وكانت زراعية. لم يكن عندنا كهرباء او مجار، لكن البلدة كانت نظيفة وكنا نعتمد على انتاجنا المحلي في سد حاجتنا، ولا اذكر اننا كنا نستورد غير الشاي والسكر والقهوة». وصفه البعض بانه «عقل خالص.. مع قليل من العاطفة»، وقال عنه جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن انه «رجل دولة».

كان العليان واحدا من اهم الذين غيروا تاريخ تصويت الكونغرس تجاه صفقة طائرات الاواكس للسعودية في مطلع الثمانينات، عندما طار الى سياتل في شمال غرب الولايات المتحدة، حيث كان هناك قائد حملة المعارضة للصفقة التي كانت مهددة بالفشل بسبب معارضة اصدقاء اسرائيل لها. وبعدها بيوم واحد قرر قائد المعارضة الا يؤيد الصفقة والا يعارضها ايضا لينطفئ واحد من إشكالاتها. واليوم يضطلع ابناء العليان بادارة اموال والدهم ومنهم لبنى، وهي إحدى ابرز سيدات الأعمال السعوديات والعربيات اللواتي حققن نجاحات واضحة. فقد تم تكريمها من قبل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري بجائزة «الريادة في الانجاز» التي تعني أن المكرم هو من الرواد في ميدان اختصاصه.

* سيدات بارزات

* وهذا يقودنا الى دور المرأة في تاريخ عنيزة. وهنا تبرز قصة مزنة المطرودي التي اشتهرت في قصة يرويها عبد الرحمن البطحي، الباحث في التاريخ النجدي «كانت ماشية المطرودي تسرح في بر عنيزة واغار عليها قطاع طرق وهرب الراعي منهم، ولم يكن سواها في المنزل، وذلك لذهاب الرجال لصلاة الجمعة. فما كان منها الا ان لبست ثوب شقيقها، وتلقفت بندقيته وامتطت صهوة جواده واغارت على قطاع الطرق مطلقة النار على اشدهم بأساً وهي تصرخ ردوا الحلال وامنعوا». اي دعوا الماشية وحافظوا على حياتكم. ويضيف البطحي بعد ذلك «ذهب قطاع الطرق لوالدها معتذرين، وشاكرين صنيع ابنه الذي لم يقتلهم، فما كان من والدها الا ان قال لهم انها ابنته مزنة وليس ابنه الذي اغار عليهم»! هذا الموقف دفع جلوي بن تركي أخو الامام فيصل بن تركي جد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود للبحث عنها ومن ثم الزواج بها.

ومن ابرز النساء كذلك موضي بنت عبد الله بن حمد البسام، ولها قصة شهيرة حول اسرى معركة الصريف عام 1901 التي وقعت بين بن رشيد ومبارك الصباح، وهزم فيها الأخير. يقول البطحي «بعد المعركة اجارت موضي اربعمائة من فلول جيش مبارك بن صباح واشترت لهم جمالا محملة بالزاد والطعام واعادتهم لاهاليهم»! وعرفت موضي البسام بفعل الخير، وحسب كتاب (نساء شهيرات من نجد) كان الملك الراحل عبد العزيز آل سعود حريصا على السلام على موضي البسام كلما زار عنيزة، وينعتها بـ «العمة». واليوم من ابرز من تقلد المناصب في السعودية من سيدات عنيزة ابتسام البسام مديرة أكاديمية الملك فهد في لندن، سابقا، وهي من اعرق اسر عنيزة التي اشتهرت بالتجارة والدين والادب.

وهناك سيدة أخرى، لا يمكن تجاهلها، وهي نورة بنت سليمان الرهيط. أو «رائدة التعليم في عنيزة» فهي وحدها قصة! ولدت في عنيزة عام 1925 وتلقت تعليمها على يد والدها. وما ان بلغت نورة الرهيط السادسة عشرة من عمرها حتى افتتحت (كتابا) في منزلها لتعليم فتيات عنيزة القراءة والكتابة. وواصلت على ذلك الحال حتى شرعت الحكومة السعودية بانشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، وفتح المدارس النظامية في منطقة القصيم للبنات عام 1961. وبعد ذلك التحقت نورة الرهيط معلمة منتظمة في التعليم، لتواصل رسالتها التيآامنت بها منذ نعومة اظفارها، حتى تقاعدها ووفاتها عن عمر يناهز الواحد والسبعين عاما. ومما تنفرد به عنيزة عن بريدة استمرارية العائلة السياسية الأبرز في تاريخ عنيزة وهم ال سُليم، فالمحافظ الحالي لمدينة عنيزة هو من الأسرة نفسها. ومن ابرز رموز هذه الأسرة زامل آل سُليم. ومن ابناء عنيزة المعروفين اول وزير مالية في عهد الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله وهو عبد الله السليمان، الذي عين في عام 1932. وكذلك وزير المعارف السابق، ووزير الدولة حاليا، الدكتور عبد العزيز الخويطر، وعبد الله بن علي النعيم امين امانة الرياض السابق، والدكتور عبدالرحمن بن سبيت السبيت وكيل الحرس الوطني للشؤون الثقافية، والدكتور عبد الله بن صالح العثيمين أمين جائزة الملك فيصل وعضو مجلس الشورى، والمؤرخ المعروف، وحمد القاضي، رئيس تحرير مجلة «العربية»، كذلك الدكتور الذي خاض معركة الحداثة قبل عشرين عاما، واثار سجالا حول تحديث المناهج التعليمية الدينية في السعودية عبد الله الغذامي. ومنها، ايضا، ناصر الدغيثر الذي قاد القوة النجدية لمشاركة الثوار العرب في محاربة الجيش الفرنسي، في موقعة ميسلون في دمشق عام 1920. ومنها المؤرخ الشهير مقبل الذكير. كما اشتهر فيها، قديما، شاعرها علي الخياط، وهو الذي يحفظ له كثير من اهل عنيزة بيتين من الشعر الشعبي وهما:

يا دارنا لا ترهبي يومك سعيد... حنا حماة الدار وشب اشعالها هذي عنيزة ما نبيعه بالزهيد... لا فرعن البيض نحمي جالها وقبل ما يقارب اربعين عاما، وحين كان التلفاز قضية بين تحريم واجازة، فضلا عن العادات والتقاليد الحازمة التي تفرض على الرجل الصرامة وان حباه الله بخفة الظل، اشتهر لدى السعوديين في الراديو، والتلفاز الممثل الكوميدي عبد العزيز الهزاع. ولم يشتهر فقط بخفة ظله، بل اشتهر ايضا بتقمص شخصية نسائية عرفت بشكل واسع في السعودية باسم (ام حديجان)، حين كانت المرأة قضية حساسة، وخطا احمر. كانت (ام حديجان) من نسيج خيال الهزاع، لكن كل منزل في نجد، انذاك، كان يشعر وكأنه يعرفها جيدا، كانت من صميم المجتمع. وما دام الحديث عن التلفاز، فان عنيزة تعد من اوائل مدن القصيم في جلب اطباق الساتلايت لمشاهد الفضائيات، حين كانت هناك فتاوى خاصة بتحريمها. وفي سجل اولوياته في الاعلام، ان اول سعودي نال شهادة الدكتوراه في الاعلام كان احد ابنائها وهو الدكتور عبد الرحمن الشبيلي.

وهذا ليس كل شيء، ولكن عندما كان الحديث عن الغناء محرما، ولا يجرؤ أحد على النقاش حوله في بريدة ومعظم نجد، اشتهر في منطقة القصيم، وعنيزة على وجه التحديد، فنان اسمه عبد الله الصريخ. وفي محافظة عنيزة دار للفنون الشعبية مهمتها الحفاظ على الالوان الفنية الخاصة بها التي تشتهر عن باقي المدن السعودية بلون السامري. يقول الموسيقار السعودي محمد المغيص «ان سامري عنيزة مميز من حيث الغناء بالمجاميع، ومختلف من حيث طريقة الشيلة والعزف». والمغيص نفسه دليل على حديث الباحث في التاريخ النجدي عبد الرحمن البطحي الذي يؤكد ان «بعض العوائل هي نفسها التي تقطن بريدة وعنيزة»، فوالدة الموسيقار المغيص من عنيزة، ووالده من بريدة! عنيزة مدينة مطلة على العالم، وان لم يكن يحدها من الجهات الاربع ساحل او حدود خارجية. انفتاحها من سعة الأفق. وذاك كان بالعقول والصدور. مدينة تمردت على جغرافيتها، وتحدت تاريخها، فلا غرابة حين تستمع لأحد ابناء بريدة، صالح الدبيبي، وهو يقول «افضل التسوق بصحبة زوجتي في عنيزة على ان افعل ذلك في بريدة».! وقديما قال امين الريحاني «عنيزة ملكة القصيم، حصن الحرية، محط ابناء الامصار. عنيزة قطب الذوق والادب، باريس نجد، وهي اجمل من باريس. فليس لباريس نخيل وليس لباريس منطقة من ذهب النفود». ويقول ايضا عن اهالي عنيزة «ساح ابناؤها في البلدان القصية والامصار شرقا وغربا.. والغريب ينسى في هذه البلدة كونه غريبا، فهو يشعر انه بين اناس الفوا مثله».