التعليم في السعودية: من الكتاتيب إلى المدارس النظامية عبر عقود من الكفاح والمعاناة والخوف من 65 ألف طالب قبل نصف قرن إلى 5 ملايين طالب وطالبة حاليا
بدر الخريف
الخميـس 08 شعبـان 1425 هـ 23 سبتمبر 2004 العدد 9431
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: قضايـا
مر التعليم في السعودية وخصوصا تعليم البنات قبل وبعد قيام الدولة السعودية الحديثة، بمحطات كثيرة، وشهد رحلة كفاح بدأت بما يسمى بنظام «الكتاتيب» الذي عرفته أغلب مناطق البلاد، وصولا إلى إنشاء جهاز مستقل لتعليم البنات الذي كان غائبا عن خريطة التعليم، وانتهاء بدمج هذا الجهاز مع وزارة المعارف ثم تعديل مسمى القطاع إلى وزارة التربية والتعليم.

وتفتح «الشرق الأوسط» خلال هذه السطور سجل التعليم في السعودية، وترصد المتغيرات التي حدثت في هذا القطاع في البلاد طوال العقود الماضية، وتقدم معلومات تنشر لأول مرة عن احداث ومحطات لافتة في مسيرة التعليم تشير إلى وجود وعي متقدم لدى السكان والقائمين على التعليم، كما تكشف هذه الاحداث التي صاحبت افتتاح المدارس النظامية وخصوصا مدارس البنات، ردود فعل متباينة وآراء بين مد وجزز، رفضا وقبولا في ما يمكن تسميته بدوران النخبة وصراع الأجيال.

* أساليب غير تقليدية في تعليم البنات

* باستثناء مناطق في الحجاز والشرقية وبعضا من المناطق الشمالية والجنوبية السعودية، فإن التأخير في افتتاح مدارس حكومية لتعليم البنات في المنطقة الوسطى من البلاد اجبر كثيرا من الاهالي والأسر على البحث عن أسلوب امثل لتعليم بناتهم في ظل غياب هذا النوع من التعليم، ولم يجدوا سوى الاستعانة بمناهج البنين التي كانت قد اقرت من قبل، وقيام الاب أو الأم أو من نال حظا من التعليم داخل الأسرة بدور المعلم أو المعلمة، لكن بعض الأسر التي لا تملك مثل هذه الحظوظ قادها تفكيرها إلى طرق أبواب العلم لبناتها وإلحاقهن مع ابنائها الذكور في مدارس البنين، لكن طلباتها قوبلت بالرفض بل والاستهجان من قبل مديري المدارس ومسؤولي التربية والتعليم، وقد يعود ذلك إلى خوف مديري المدارس من المساءلة الرسمية أو خوفا من أعين الرقيب في ما لو باركوا هذا الاسلوب من التعليم داخل الفصول المدرسية التي كانت مشغولة بالبنين، ومع ذلك كله فإن بدايات تعليم البنات وافتتاح المدارس الحكومية للجنس اللطيف قوبلت هي الأخرى بحملة شعواء لمنعها، وجاءت من بعض فئات المجتمع والذين لا يمثلون الأكثرية، وما زال الناس يتذكرون ما حدث في عهد الملك فيصل عندما توافد على قصره بالرياض مئات الغاضبين من إدخال تعليم البنات، وانتهى هذا الحدث العابر بافتتاح أول مدرسة نظامية في العاصمة السعودية ولو أنها خطوة جاءت متأخرة بعض الشيء عما حدث في بعض المناطق، وسرعان ما امتد تعليم البنات ليشمل كافة المناطق لدرجة ان المقاعد والفصول ضاقت بالطالبات ليجد المعارضون لهذا النوع من التعليم انفسهم خارج دائرة الاهتمام بل وأصبحوا مادة دسمة للاستهجان، ولم تجد الأسر التي رفض أربابها تعليم بناتهم سوى ممارسة الضغوط على الآباء لإلحاق بناتهم بالمدارس ويستسلم الآباء في النهاية أمام هذه الضغوط ويحملوا ملفات بناتهم إلى إدارات التعليم بحثا عن مقعد مدرسي لهن بعد ان اقتنعوا لاحقا ان معارضتهم تدريس بناتهم غير مبررة.

وبعد سنوات وعقب حصول بناتهم على الثانوية العامة عاد ذات الآباء لحمل ملفات القبول لبناتهم من جديد بحثا عن مقعد في الجامعة بل وفي كليات الطب والتمريض والحاسب، التي يعرف الأب أن مصير خريجيها سيكون في اعمال يوجد بها الرجال إن لم يكن فيها اختلاط تقتضيه طبيعة العمل.

ولعل اللافت ان وضع بعض المدن والقرى والأرياف والهجر التي غاب عنها التعليم النظامي أو الحكومي للبنات أخذ شكلا آخر، حيث شهدت بعض المدارس الخاصة بالبنين اول تعليم نظامي مختلط ولكنه بطرق غير رسمية، وتم ذلك بإلحاح من الأهالي، حيث حمل الأب ملف ابنته واجبر مدير المدرسة على إلحاق ابنته بالمدرسة المخصصة لتعليم الذكور وسارت الأمور بصورة طبيعية حتى تم افتتاح مدارس خاصة للبنات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعليم البنات تأخر كثيرا عن تعليم البنين الحكومي بنحو 6 عقود، وهو ما يعطي تبريرا لحماس الأهالي على تعليم الإناث سواء بشكل مستقل أو جنبا إلى جنب مع الذكور، كما يشار إلى ان أول مديرية للمعارف في السعودية تأسست قبل نحو 81 عاما وبالتحديد في عام 1923، وكان أول مدير لها هو الشيخ صالح بن بكري شطا، ثم الشيخ كامل القصاب، فالشيخ ماجد الكردي، وبعده الشيخ حافظ وهبه، ثم الشيخ محمد امين فودة، وتولى بعده الشيخ ابراهيم الشوري، فالشيخ محمد طاهر الدباغ، ثم الشيخ محمد عبد العزيز بن مانع، الذي تولى مديرية المعارف من عام 1945 وحتى 1953 . وقد انشئت فروع لمديرية المعارف عرفت بالمعتمديات ـ مفردها معتمدية ـ ويطلق على مدير المعتمدية لقب «المعتمد»، وكان أول مدير لمعتمدية المعارف بالمنطقة الشرقية هو محمد علي النحاس، وفي المدينة المنورة عبد القادر شلبي، وفي نجد عبد الملك طرابلسي، وفي جدة حسين بخش، وفي القصيم صالح سليمان العمري، وفي أبها كان أول مدير اسماعيل كتبخانه، الذي عين في الطائف لاحقا وبالتحديد عام 1953، وفي جازان كان أول مدير لمعتمدية المعارف هو سالم باعشن. ويلاحظ ان المدارس قبل التعليم الحكومي النظامي كانت في اغلب مناطق السعودية على شكل كتاتيب للذكور والإناث، وبعضها كان مختلطا، ثم تحولت إلى مدارس شبه نظامية، أهلية ثم حكومية، واستحوذت مدن الحجاز (مكة وجدة والمدينة والطائف) على النسبة الأكبر في عددها سواء بنظام الكتاتيب أو الاهلي أو الحكومي.

* أول مدرسة نظامية في السعودية

* يسجل في تاريخ التعليم في السعودية أن أول مدرسة نظامية في جدة انشئت عام 1898، وهي المدرسة الرشدية، التي تحول اسمها إلى المدرسة الهاشمية بعد تغيير الدراسة بها من اللغة التركية إلى اللغة العربية، كما أنشئت أول مدرسة تحضيرية أولية في الحجاز عام 1911، وكانت تسمى مدرسة الخياط التي سميت في ما بعد مدرسة المسعى، ثم تغير اسمها إلى مدرسة الرحمانية الابتدائية، نسبة إلى والد مؤسس المملكة العربية السعودية الإمام عبد الرحمن آل سعود. وكان مدير المدرسة آنذاك العالم الكبير محمد حسن خياط، وكانت الدراسة الابتدائية فيها تشتمل على مرحلتين: المرحلة التحضيرية ومدتها ثلاث سنوات، ثم المرحلة الابتدائية ومدتها أربع سنوات.

وفي ما يتعلق بمدارس البنات التي تأخرت كثيرا عن مداس البنين، فإن العاصمة السعودية شهدت افتتاح أول مدرسة حكومية للبنات قبل 45 عاما فقط، ويعتبر هذا التاريخ متأخرا هو الآخر عن تاريخ افتتاح أول مدرسة شبه نظامية للبنات في السعودية بحوالي ربع قرن، وهي المدرسة التي أنشئت في جدة سنة 1945، وملحقة بالمدرسة الصولتية للبنين ولكنها في مبنى مستقل.

* وعي متقدم

* لعل ما وصل من معلومات عبر «المشافهة»، أو من خلال الكتب التي أرخت للتعليم في البلاد حول وجود نوع من الاختلاط في التعليم، واهتمام الأسر بتعليم بناتها، يؤكد ان الوعي الاجتماعي بل الوعي بشكل عام كان في ذلك الوقت متقدما، فمقارنة إلحاح الأهالي على إلحاق بناتهم مع البنين في مدرسة واحدة وبمباركة من مسؤولي التربية التعليم ومديري المدارس في ذلك الوقت في ظل عدم وجود مدارس مستقلة للبنات وبين الحملة التي صاحبت دمج رئاسة تعليم البنات في وزارة المعارف في العقد الحالي، يتبين ان الناس كانوا اكثر وعيا وأقل حساسية في ما يخص موضوع المرأة، وبالذات موضوع الاختلاط بين الطلاب والطالبات، مقارنة بموضوع الدمج بين الجهتين الإشرافيتين على التعليم، والذي تم في نطاق إداري بحت ولم يصل إلى المدارس والفصول، بل ان الاختلاط بين الصغار في مرحلتى الروضة والتمهيدي اختفى من كثير من المدارس الأهلية والحكومية قبل الدمج الإداري، وهو ما يؤكد ان الحملة الشرسة التي صاحبت موضوع الدمج ليس لها ما يبررها.

وما زال القدامي يتذكرون قبل ثلاثين عاما تصريحات من مسؤولي تعليم البنات يشيرون فيها إلى أن هناك تفكيرا لإسناد تعليم الصفوف الثلاثة الأولى في المدارس الابتدائية للبنين إلى معلمات، لأن المرأة أعرف من الرجل بنفسية الطفل وأكثر قدرة على التعامل معه في هذه المرحلة العمرية، وأعقبت هذه التصريحات إشارات إلى توجه جاد لجعل التعليم في الصفوف الثلاثة الأول من هذه المرحلة مختلطا، لكن هذه الإشارات والمطالب قوبلت بعاصفة من النقد لفئة من الناس وتم وأد الفكرة في مهدها.

* 65 ألف طالب فقط قبل نصف قرن

* يشير الأديب السعودي عبد الله عبد الجبار عند تناوله لواقع التعليم في البلاد قبل عقود ضمن كتابه التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، إلى أن مجموع الطلاب في السعودية عام 1954، بلغ 65 ألفا، وهو رقم متواضع جدا إذا قيس بعدد السكان الذين قدر عددهم في ذلك الوقت بـ6 ملايين نسمة.

ويضيف: «ان حديثا دار بيني وبين وزير المعارف منذ ثلاث سنوات عن حركة التعليم في بلادنا قلت له في ختامه: ان العادة جرت في البلاد الراقية ان يكون عدد المتعلمين على اختلاف درجاتهم في المدارس والكليات مساويا لسدس عدد السكان، ومعنى هذا ان يكون عدد الطلاب في شتى مراحل التعليم بقلب الجزيرة لا يقل عن مليون طالب، وبعبارة أخرى ان يتضاعف العدد الحالي أكثر من 15 مرة، ولا أظن ان هذا العدد بعد ثلاث سنوات أي في سنة 1959، قد زاد كثيرا إذا افترضنا دقة هذه الإحصائية وصحتها».

وجاء في الكتاب: «أن الاستاذ أحمد أبو بكر ابراهيم، يرى وفقا لما جاء في كتاب «الأدب الحجازي في النهضة الحديثة»، أن التعليم الأساسي الأولي والتعليم الابتدائي أديا رسالتهما في المدن على الوجه الأكمل، حتى انك لتجد الكثرة الغامرة من البنين والبنات في هذه المدن يجيدون القراءة والكتابة».

وعلق العبد الجبار على ذلك بقوله «إن هذا كلام يدعو للعجب، فأي إنسان لا يجرؤ على أن يقول اليوم ـ أي في سنة 1959 ـ إن أكثر البنين في المدن الحجازية استكملوا تعليمهم الابتدائي في سنة 1948، حين أبدى السيد أحمد رأيه ذاك. أما بالنسبة للبنات فالخطأ أكثر شناعة، ذلك ان السلطات لا تعترف لهن بحق التعليم». ويشدد العبد الجبار بالقول: «ولذا فالجهل سائد بينهن... وما أشبه تعليم البنات في الحجاز وفي سائر الاقاليم بعملية تهريب المخدرات». وبالرغم من كل ما وضع في سبيلهم من معوقات فقد صممت قلة من الوطنيين المخلصين على تعليم الفتيات بوجه أو بآخر في الداخل أو في الخارج، بل ان بعض الأسر آثرت ان تقيم بمصر لا لشيء إلا لتنال بناتها حظهن من التعليم في المدارس المصرية المختلفة.

* محاولات لجعل تعليم البنات أمرا واقعا

* يتناول العبد الجبار جزءا من تاريخ منسي حول تعليم البنات قبل إنشاء جهاز رسمي خاص به، كما سجل طرفا من رحلة الكفاح التي قادها البعض في سبيل جعل تعليم البنات امرا واقعا في بلاد وضعت للتو قدمها على أولى درجات التنمية في ظل مجتمع لم يعرف بعد شكل الدولة الحديثة. يقول: «أن أول من أدخل ابنته مدرسة حكومية ـ بطريقة غير رسمية طبعا ـ هو السيد إبراهيم نوري كبير مفتشي المعارف سابقا، وممن لهم تأثير قوي في حياتنا التعليمية، فقد أتاح لها أن تدرس بالمدرسة الفيصلية التي كان مديرها الشيخ مصطفى يغمور، واقتدى به السيد طاهر الدباغ، وبعد نحو أربعة اشهر حدثت ضجة رجعية فاضطر لاخراجهما لتتعلما في المنزل أو بإحدى مدارس البنات الخاصة».

ويتابع: «في عهد السيد طاهر الدباغ أيضا صدرت الأوامر بإغلاق مدارس وكتاتيب البنات، وطلب إلى مفتش المعارف أن يأخذ تعهدا على مديرات المدارس بأن يمتنعن عن التعليم. ولكن المفتش الوطني بعد أن اخذ عليهن التعهد المطلوب همس في آذانهن سرا أن يمضين في الطريق». وسجل العبد الجبار طرفا من كفاح المخلصين والمخلصات في سبيل تعليم البنات بالبلاد، فإلى جانب الكتاتيب المعروفة توجد مدارس للفتيات أشار إلى بعضها وهي: في مكة مدرسة هزازية، التي كانت بسوق الليل ثم انتقلت إلى الشامية، وهي في المستوى الابتدائية، ومدرسة الفتاة بمحلة القرارة، وبها نحو 300 بنت وتستخدم في حفلاتها السنوية مكبرات الصوت، وهي تسير على نظام وزارة المعارف وشهادتها في مستوى الشهادة الابتدائية الحكومية، ومديرتها السيدة صالحة حسين، والمتخرجات بها يدرسن بعد الظهر التفصيل والتدبير المنزلي ومبادئ الإنجليزية، وروضة الأطفال التي يديرها عمر عبد الجبار، ويتعلم بها البنين والبنات، وهي حديثة وسيكون لها مستقبل زاهر. أما في جدة فهناك مدرسة البنات الفلاحية، وهي أول مدرسة أسسها الشيخ محمد صلاح جمجوم عام 1932، وكان منهجها دينيا مع قليل من الكتابة والحساب، وبلغ عدد تلميذاتها 300 بنت، وأقفلت بعد ثلاث سنين من تأسيسها، والمدرسة التي انشأتها مؤسسة الثقافة الجامعية ومديرها أسعد جمجوم ومنهجها كمنهج الدراسة الابتدائية الحكومية، وبها ما لا يقل عن 400 تلميذة، وتدّرس بها سيدات حجازيات وفلسطينيات ومصريات، والمدرسة النصيفية، وهي مدرسة ابتدائية منتظمة تديرها حرم الشيخ عمر نصيف مدير أوقاف جدة الذي يقوم بالإشراف عليها، وحديقة الأطفال وهي على نظام رياض الأطفال المعروف، وكانت مختلطة تجمع بين البنين والبنات، ومدرسة روضة الأطفال وبها نحو 300 تلميذه وتتبع برامج وزارة المعارف وتتوفر بها الأدوات والامكانيات الحديثة، وتعنى باللغات الأجنبية وتدرس بها أميركية من أصل لبناني، وهي زوجة لأحد المواطنين. وفي المدينة المنورة هناك مدرسة الخوجة التي تقوم بالتعليم النظري وتعليم الخياطة والتدبير المنزلي. ويضيف العبد الجبار: «ولا يفوتنا أن نشير إلى جهود حرم السيد زين العابدين دباغ، ثم الدكتورة ليلى سليمان فيضي، التي تجاوز نشاطها محيط المرأة إلى ميدان الصحافة فأسهمت فيها بمقالاتها التربوية والاجتماعية.

* العاصمة بلا مدارس

* ويقول العبد الجبار إن أهم حدث تعليمي في منطقة نجد هو إنشاء أول مدرسة ابتدائية منظمة في عنيزة وبريدة وغيرهما من البلدات، فقد كانت السلطات والجامدون من النجديين يأبون أن يمتد اليهم هذا النوع من التعليم المنظم. وكان السيد طاهر الدباغ مدير المعارف السعودية قبل نحو بضعة عشر عاما متحمسا اشد التحمس لتعليم النجديين وتثقيفهم وتزويدهم بالمعارف والأساليب الحديثة، وكان بعض الحجازيين يقولون له: «فيما عناؤك ما داموا لا يريدون التعليم؟». ولكن السيد الدباغ مضى في طريقه الوعر، واستطاع أن يجتاز العقبات، فافتتحت في عهده المدارس الابتدائية في البلدتين السابقتين (عنيزة وبريدة) وغيرهما، وإن اخفق في أن يفتتح أول مدرسة ابتدائية بالرياض. ولكن عجلة الزمن تدور فإذا بالأهالي في كل بلدة وقرية يلحون بشتى الوسائل على الحكومة أن تنشيء لهم المدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد العلمية المختلفة. ويشدد الأديب العبد الجبار بالقول «إن الوعي الجديد الذي ينمو وينتشر هناك يوما بعد يوم كان مصدره تلك الشمعة الصغيرة التي أضاءها لهم طاهر الدباغ، وما أحرانا اليوم أن نخلد ذكرى هذا الرجل الفذ، فنطلق اسمه على عدد من المدارس الثانوية والمعاهد العلمية اعترافا بفضله الكبير، ولو لم تكن إقامة التماثيل من البدع المنكرة التي لا يقرها المذهب الديني السائد في البلاد، لما ترددنا في الاقتراح على الوزير المختص بأن يقيم له تمثالا في فناء وزارة المعارف».

* أخطر حدث في تاريخ التعليم الحديث

* ويشير العبد الجبار إلى أن اخطر حدث في تاريخ التعليم الحديث في السعودية اجمع، هو افتتاح أول مدرسة ثانوية بمكة على غرار المدارس الثانوية في الإقليم المصري، وقد سميت تلك المدرسة باسم «تحضير البعثات»، واسمها يدل على الغرض من إنشائها، وما لبثت أن اثمرت ثمارها فتخرج منها الفوج الأول الذي التحق بالجامعات المصرية ثم تتابعت أفواج البعوث منها. واعتبر العبد الجبار بأن تأسيس مدرسة تحضير البعثات حدث خطير في تاريخ الحياة التعليمية في البلاد، فلولاها ما كان لنا هذا العدد من الجامعيين، ولولاها ما أقدمنا على إنشاء جامعة الرياض.

* طالبتان مع الطلاب في مقاعد الدراسة

* وسجلت قريتان نجديتان قبل أربعة عقود حادثتين لا فتتين وغير مألوفتين في المدارس السعودية، تمثلت في وجود طالبتين تدرسان في المرحلة الابتدائية جنبا إلى جنب مع الطلاب البنين، وهذا يعطي مؤشرا على الوعي المتقدم للسكان في ذلك الوقت، وهو أمر لا يمكن أن يحدث في الوقت الحاضر. ففي بلدة الغطغط (80 كيلومترا غرب الرياض) التحقت طفلة بالمدرسة الابتدائية الخاصة بالبنين، وهي الوحيدة في البلدة، وذلك قبل أربعة عقود، وتم ذلك بإلحاح من والدها، واحتلت البنت مقعدا لها في الصف جنبا إلى جنب مع أقرانها البنين، وواصلت دراستها الابتدائية في المدرسة ذاتها ثم زفت إلى بيت الزوجية عقب تخرجها مباشرة من المدرسة.

وشهدت بلدة الرمحية (100 كيلومتر شرق الرياض) نوعا من التعليم غير المألوف، إذ درست طالبة جنبا إلى جنب مع الطلاب الأولاد، وكان مشهدا مألوفا لم يغضب سكان البلدة أو الهيئة التدريسية بالمدرسة، بل أن وجود الطالبة في صف واحد مع الأولاد خلق نوعا من التنافس بينهم. وحول هذين الحدثين اللافتين تعلق الدكتورة هند الخثيلة، وهي سعودية ناشطة في الدفاع عن قضايا المرأة في بلادها، وأكاديمية وكاتبة، ولها طروحات ومداخلات لافتة كان أبرزها في ندوة الحوار الوطني التي عقدت في السعودية أخيرا، بقولها «إن المجتمع السعودي مليء بالنماذج الجملية سواء من الرجال أو النساء، معتبرة أنها كامرأة، تدين بالجميل لمثل هؤلاء الرجال الذين أخذوا بيدها وبيد الكثيرات إلى أفاق رحبة أوصلت نساء كثيرات إلى تحقيق حضور في المجتمع». وتعتبر الخيلة والدها الراحل ماجد بن خثيلة وهو من مدرسة المؤسس الملك عبد العزيز أحد هؤلاء الرجال الذين كان لهم تأثير ايجابي في حياتها وحياة أسرتها، إضافة إلى الشيخ عثمان الصالح الذي يستحق لقب المربي الفاضل، وكان له بصمات واضحة في مجال التربية والتعليم، وكذلك الشيخ عبد الله النعيم الذي عمل مديرا للتعليم بالرياض في عقود مضت. وتوضح الدكتورة هند الخثيلة بأن والدها سجل موقفا لافتا منذ عدة عقود عندما ألحق ابنته البندري (أخت الدكتورة هند من الأب) في مدرسة الغطغط الابتدائية للبنين لتتعلم وتحصل على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية مع أقرانها من البنين، وظلت خلال سنوات هذه المرحلة المبكرة من الدراسة تتعلم مع الأولاد في مقاعد من دون أن يثير ذلك ضجة في القرية. مشددة بالقول أن هذا الموقف يؤكد على الوعي المتقدم للأسرة والمجتمع بشكل عام في ذلك الوقت. وتشير إلى أن أختها البندري بعد أن أنهت دراستها في الابتدائية في مدرسة البنين دخلت مرحلة جديدة في حياتها، حيث تزوجت في سن مبكرة وكان عمرها آنذاك 13 سنة، لافتة إلى أن دراسة أختها مع البنين تمت في إطار رسمي، حيث أن المدرسة الحكومية مخصصة للأولاد ولم يكن وقتها في القرية خلال السبعينات الهجرية، أي وجود لمدرسة حكومية للبنات، بل أن جهاز تعليم البنات لم ير النور في البلاد إلا في نهاية السبعينات الهجرية، وكانت المدارس الخاصة للبنات محدودة وتوجد في المدن والقرى الكبرى، بل أن عددها آنذاك لم يتجاوز العشرين في بداية هذا النوع من التعليم. من جانبه يوضح عبدالمحسن العبدان (وهو من قدامى الأسرة التعليمية في السعودية وعمل معلما ثم مديرا في عدة مدارس في قرى ومدن مختلفة وطلب أخيرا احالته إلى التقاعد المبكر) انه في بداية حياته العملية عقب تخرجه من معهد إعداد المعلمين عمل معلما في قرية الرمحية وبمدرستها الابتدائية، وكان مدير المدرسة آنذاك من الجنسية الفلسطينية.