المقاوم الوحيد الناجي من مجزرة الزرارية يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل المواجهات مع الإسرائيليين (2 ـ 2)
اللبنانيون يستعيدون في ذكرى التحرير أيام الاجتياح السوداء
الجمعـة 01 ربيـع الاول 1422 هـ 25 مايو 2001 العدد 8214
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: أخبــــــار
بيروت: محمد محيي الدين
في الرابع والعشرين من مايو (ايار) 2000 اكملت القوات الاسرائيلية جلاءها شبه العشوائي عن المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، بعد 22 عاما ونيف من احتلالها الذي بدأ في مارس ( آذار) 1978 واوصلها في يونيو (حزيران) 1982 (بقيادة مناحيم بيغن ووزير دفاعه ارييل شارون) الى بيروت والقسم الاكبر من جبل لبنان بعدما اجتاحت الجنوب والقسم الجنوبي من سهل البقاع اللبناني. وقد ارتكبت في العديد من المناطق اللبنانية على مدى ثلاث سنوات الكثير من المجازر ولا سيما في بيروت وصيدا وغالبية القرى الجنوبية. الا ان افظع المجازر هي التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية بين شهري مارس ويونيو من عام 1985 في اطار انسحابها من صيدا فبراير (شباط) وبعض قرى الجنوب في محافظتي صيدا والنبطية، ثم اضافت اليها في العام 1986 مجازر قانا والقليلة والنبطية الفوقا... ولعل ابرزها المجارز التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في بلدة الزرارية في الحادي عشر من مارس 1985، قبل اقل من شهر من جلائها عن مدينة صيدا ومنطقتها 16 فبراير انتقاما من عمليات المقاومة الجريئة والمميزة التي قام بها نفر شجاع من شبان البلدة على مدى سنوات الاحتلال والتي كان مسرحها مثلث جغرافي يمتد من الطريق الساحلية بين عدلون والقاسمية غربا في اتجاه الشرق عبر وادي الليطاني جنوبا ووادي انصار شمالا على تماس مع مناطق تمركز قوات الاحتلال في تلال بدياس المشرفة على نهر الليطاني في منطقة صور وتلال انصار ووادي عربصاليم في محافظة النبطية.

تميزت العمليات التي نفذها المقاومون من بلدة الزرارية ضد القوات الاسرائيلية ابان احتلالها المنطقة بالجرأة والدقة، وكان المقاومون المنتمون لاكثر من طرف قد شكلوا «وحدة ميدانية» نفذت سلسلة عمليات توزعت على رقعة جغرافية واسعة امتدت من بلدة البازورية وبلدة القليلة جنوباً الى منطقة القاسمية ـ ابو الاسود على الطريق الساحلية وبلدة عربصاليم على التخوم الجنوبية لاقليم التفاح (حيث قتل احد كبار ضباط الاحتلال برتبة جنرال) وبلدة الصرفند على الطريق الساحلية الى الزهراني.

المقاوم م. ع. مروة الذي كتبت له الحياة دون العديد من رفاقه في «الوحدة الميدانية» في بلدته قال لـ «الشرق الاوسط»: «ان توسيع ساحة عمليات المقاومة كان هدفه ابعاد «الشبهة» عن الزرارية موطن «الوحدة الميدانية» لتجنيب البلدة ردات الفعل الانتقامية، وتوفير حرية الحركة للمقاومين».

ويضيف المقاوم مروة «ان الشبان المقاومين تمكنوا من صنع المتفجرات من مواد كيميائية تستخدم في المجال الزراعي. كما ان بعض المجندين في الجيش اللبناني (في حينه) شكلوا عصباً مهماً في تنفيذ العمليات النوعية». ويشير الى «ان الاحتضان الشعبي شكل عاملاً هاماً في حماية المقاومين وتوفير حرية الحركة لهم، وقد تلقى الاهالي الكثير من الضربات الاسرائيلية الانتقامية من دون ان تفت في عضدهم وحمايتهم للمقاومين، وكان احد الرعاة من بلدة الزرارية ينقل الزاد الى المقاومين في مغاور الوديان والتلال الوعرة فيربطها تحت بطون الماعز من قطيعه مما ساعد في اخفائها عن اعين الدوريات الاسرائيلية التي كانت كثيرة التنقل بين القرى وعلى الطرقات العامة والفرعية».

ويروي المقاوم مروة «ان الشباب نفذوا عملية نوعية ضد دورية اسرائيلية تواكبها آليات في وادي الليطاني وانسحبوا سالمين، وعندما تقدمت قوة عدوة الى ساحة البلدة وجدت لفيفا من الفتيان يلعبون الكرة في ساحة البلدة، فانهال ضابط القوة عليهم بالضرب والسباب قائلاً: في الزرارية يهاجموننا ويعودون ليلعبوا «الفوتبول»... فممن ننتقم؟» وعندما هاجمت القوات الاسرائيلية الزرارية تقدمت اليها من ثلاثة محاور (القاسمية ـ انصار ـ بريقع) على شكل فكي كماشة تحت غطاء من القصف المدفعي الكثيف استمر من السادسة مساء 10 مارس الى السادسة صباح 11 مارس، فيما عمدت المروحيات العسكرية الى انزال قوات كومندوز ليلا حول البلدة لمحاصرتها ونصب كمائن منعت المقاتلين اللبنانيين من الانسحاب، بحيث تمكنت الدبابات وقوى المشاة التي تقدمت الى البلدة من جهات الغرب والشمال والجنوب، وقوات مدعومة بالاليات تقدمت من قرية بريقع ( النبطية) على مسافة 3 كيلومترات من الزرارية، من الاطباق على البلدة ومحاصرة سكانها المدنيين وكل من كان فيها من مقاتلين، الأمر الذي مكنها من تصفية 22 منهم لدى اعتقالهم بعد نفاد ذخيرتهم في مواجهات غير متكافئة مع اكثر من ثلاثة آلاف جندي اسرائيلي معززين بحوالي الف دبابة وآلية قتالية والمروحيات العسكرية والطائرات الحربية. وقد قضى العديد من المدنيين دهساً تحت جنازير الدبابات التي اجتاحت سيارات مدنية كان ركابها يحاولون الهرب عبر الطريق الرئيسية نحو قرية ارزي حيث انزلت قوات العدو الكثير من وحدات الكومندوز.

واجتاحت قوات العدو في تقدمها حاجزا للجيش اللبناني في الطرف الجنوبي الشرقي للزرارية لجهة بريقع. وسجلت التقارير الميدانية في حينه حصول معارك شرسة عند مداخل البلدة وفي شوارعها الداخلية حيث التحم المقاتلون الوطنيون مع جنود الاحتلال بالسلاح الابيض قبل ان تتمكن القوات الاسرائيلية من السيطرة على الوضع، واسفرت المجزرة عن استشهاد 22 مواطنا ومقاوماً بينهم 17 عنصرا من حركة « امل» وشهيد من الجيش اللبناني، وجرح 34 شخصا واسر 105 آخرين، ودمر وتضرر 58 منزلا. مجازر بالجملة وفي اليوم التالي الخميس 14/3/85 سقط اكثر من ثلاثين شهيداً في مجزرة اسرائيلية جديدة استهدفت عدداً من القرى. فقد اجتاحت قوة اسرائيلية ضخمة قدرت بستين آلية من بينها دبابات «ميركافا» المزودة بمدافع من عيار 155 ملم وميليشيات انطوان لحد عشر قرى محررة في قضاءي الزهراني والنبطية وهي جباع وعين قانا وكفر فيلا وحومين الفوقا وصربا ورومين واركي وعرب الجل وحومين التحتا. وقد تقدمت قوات الاحتلال على ثلاثة محاور انطلاقا من بلدة عربصاليم.

ومهدت قوات الاحتلال لاجتياحها بقصف كثيف تركز بشكل خاص على حومين التحتا وكفر ملكي، فيما انزلت المروحيات قوات مظلية على التلال، واشتبكت قوات الاحتلال مع جنود الجيش اللبناني في كفر فيلا واجبرتهم على التراجع الى كفرحتى فعمدت الى قصفها بمدفعية الدبابات والرشاشات الثقيلة من تلال عين بوسوار وجرجوع، وأدى القصف الى تدمير خمسة منازل على الاقل ومقتل العديد من المواطنين. وكانت بلدة حومين التحتا من اكثر البلدات تضرراً، حيث اقتحمتها قوات الاحتلال بأكثر من اربعين آلية بعد قصف مدفعي كثيف هدّم المنازل على رؤوس سكانها ودمر العدو موقعين للجيش اللبناني على مدخل البلدة وعند مفترق رومين ـ صربا.

ولدى دخول قوات الاحتلال حومين جمعت الاهالي ممن هم بين سني الـ14 والـ70 في باحة المدرسة وتركز التحقيق معهم على عمليات المقاومة الوطنية ومن يعرفون من رجال المقاومة، فيما عمد جنود الاحتلال الى تدمير البيوت ونسف المدرسة، واطلقوا نيران الرشاشات الثقيلة وأدى القصف والمواجهات الى مقتل عدد آخر من المدنيين.

وفي يوم الاحد 17/3/85: أطلقت قوة اسرائيلية من كمين مسلح نصبته على طريق البابلية ـ انصاريه قذيفة صاروخية، على سيارة مدنية فاحترقت من بداخلها ـ ويوم الاثنين 18/3/85: في مدينة النبطية انتشر رجال الاستخبارات الاسرائيلية في شوارعها وراحوا يطلقون النار في كل الاتجاهات مما أدى الى مقتل مواطن. وفي منطقة صور، اقتحمت قوة للعدو بلدة معروب بعد تطويقها بعدد كبير من الآليات وجمعت الاهالي في باحة المدرسة وسمعت اصوات انفجارات من داخل البلدة. واعتقلت نحو 20 مواطناً. ونشر الاسرائيليون جنودهم على طريق دير قانون النهر وفي جوار بلدة معروب على شكل كمائن.

ـ ويوم الاربعاء 20/3/85 اقتحمت قوات الاحتلال الاسرائيلي بلدة عبا في قضاء النبطية بعد تطويقها بعشرات الآليات ومئات الجنود، واطلقت النار على المواطنين وقصفت دبابة اسرائيلية في كفر ملكي مجموعة من الصحافيين مما ادى الى مقتل مراسلين لبنانيين لشبكة التلفزيون الاميركية «سي بي اس»، وقد اعلن الصليب الاحمر اللبناني انه اخلى 12 جثة وجريحين من حومين التحتا وجثتين وثلاثة جرحى في كفر ملكي.

ـ ويوم السبت 30/3/85: مجزرة اخرى ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي عندما اقتحمت بلدة جباع بأكثر من 30 آلية وناقلة جند من محوري جزين ـ جباع والنبطية ـ جباع وتمركزت على المدخل الجنوبي للبلدة في حين تقدمت قوة مشاة من محور ضهر الرملة وبصليا من جهة جزين، ودعا آمر القوة الاهالي عبر مكبرات الصوت الى عدم التجول والتزام منازلهم، وعمد جنود الاحتلال الى تجريد حوالي 20 جنديا من الجيش اللبناني من اسلحتهم الفردية ثم اجبروهم على مغادرة البلدة. واطلقت القوة المعادية النار على عدد من المواطنين والسيارات التي حاولت مغادرة البلدة فقتل خمسة مواطنين. ودمر المكمن الاسرائيلي على طريق جباع كفر فيلا ثلاث سيارات مدنية اصيب بداخلها سبعة مواطنين نقلوا الى مستشفى في صيدا.

وكانت مصادر عسكرية اسرائيلية قد اعترفت يوم الخميس في 28/3/85 ان الجيش الاسرائيلي قتل 70 لبنانياً واعتقل 500 آخرين ودمر 84 منزلاً في غارات على 23 قرية جنوبية في إطار سياسة «القبضة الحديدية» في الفترة الممتدة من 12 شباط الى 25 آذار..