المؤرخ الإسرائيلي الملاحق في بلاده: حزب العمل سينقرض ولا حل في الشرق الأوسط إلا بفرض العقوبات الدولية على إسرائيل

الدكتور بابي لـ«الشرق الأوسط»: القادة اليمينيون يريدون للعمليات الانتحارية أن تستمر ليبرروا شن الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين

TT

«حزب العمل الاسرائيلي، الذي قاد الحركة الصهيونية منذ نشأتها واسس دولة اسرائيل وظل يحتكر قيادتها سنين طويلة وصل الآن الى نهاية طريقه وسينقرض، واليمين تحول الى حاكم مطلق، ولا حل من اجل السلام الحقيقي الا بأن يدرك الغرب ابعاد التطورات الاسرائيلية ويفرض التسوية فرضا، بالاقناع او باتخاذ اجراءات عقابية ضد اسرائيل. والبديل عن ذلك هو الدمار لمنطقتنا. وليس فقط لمنطقتنا، بل سينتقل الضرر سريعا الى دول العالم الاخرى التي تتفرج الآن على المشهد».

هذا بعض ما قاله المؤرخ الاسرائيلي المعروف الدكتور ايلان بابي المطارد اليوم من السلطات وتقوم ادارة جامعة حيفا بمحاكمته تمهيدا لطرده من العمل.

والدكتور بابي (51 عاما) يسكن اليوم في بلدة طبعون الواقعة في قلب حرش اخضر على تلة جميلة ما بين الناصرة وحيفا. برز اسمه قبل اكثر من عشر سنوات كواحد من مجموعة أكاديميين متخصصين في التاريخ الحديث تمردوا على المؤسسة وفضحوا زيف التاريخ الذي وضعته للمنطقة، وعرفوا باسم «المؤرخين الجدد». فقد اعلنوا مبادرة لاعادة كتابة تاريخ الحركة الصهيونية في فلسطين ما قبل اسرائيل، واعادة كتابة تاريخ اسرائيل، خصوصا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وقالوا بجرأة ان التاريخ المكتوب حاليا ينطوي على الكثير من التزييف وكتب لخدمة اغراض سياسية آنية واخفى الكثير من الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وشوه حقيقة الموقف الاسرائيلي والمواقف العربي بما يتلاءم وخدمة سياسة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.

وعرف بعض هؤلاء المؤرخين ايضا باسم «الصهيونيين الجدد» او «علماء ما بعد الصهيونية». لكن بابي لا يعتبر نفسه صهيونيا، ولم يكتف بنشاطه الاكاديمي، بل انتسب الى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الممثلة اليوم بثلاثة نواب في الكنيست (محمد بركة وتمار غوجانسكي وعصام مخول) وهي الكتلة العربية اليهودية التي تضم الحزب الشيوعي واوساطا شعبية غير حزبية. وبابي نفسه ليس حزبيا ولىس شيوعيا على عكس بقية اليهود في الجبهة. ومن المتوقع ان يكون مرشحا متقدما على لائحة هذه الجبهة الى الكنيست في الانتخابات المقبلة.

وفي السنتين الاخيرتين اشتهر بابي بقضيتين احداهما تؤدي الى فصله من العمل على ما يبدو والثانية قد تكلفه ثمنا اكبر، لكنه لا يظهر أي تردد في مواصلة طريقه، رغم ادراكه للاخطار. والقضيتان هما:

* مجزرة الطنطورة

* بصفته أستاذا قديما ومحاضرا كبيرا في قسم التاريخ في جامعة حيفا، وصل اليه باحث اكاديمي يهودي يدعى تيد (ثيودور) كاتس، ينشد الحصول على شهادة الماجستير، واقترح ان يقدم اطروحته حول تاريخ قريتين فلسطينيتين في منطقة حيفا، احداهما تدعى الطنطورة التي هجر سكانها سنة 1948 وهدمت بيوتها فيما بعد فوافق بابي على الموضوع واعطى الطالب الباحث الضوء الاخضر لاجراء بحثه.

وانتهى البحث الى الاستنتاج بأن الجيش الاسرائيلي ارتكب مذبحة في الطنطورة لدى احتلالها سنة 1948، وقدم البراهين على ذلك من خلال شهادات حية قام بجمعها من عشرات شهود العيان، بعضهم فلسطينيون مهجرون التقاهم في اماكن الشتات داخل البلاد وخارجها، وبعضهم الآخر يهود من المشاركين في الاحتلال وحتى المجزرة ومن الجيران الذين كانوا يعيشون بسلام ومودة مع سكان القرية قبل الحرب ولم يخفوا انزعاجهم من المجزرة فتحدثوا عنها بصراحة.

واجاز بابي، ومن ثم طاقم ادارة الابحاث الاكاديمية هذا البحث. لكن النشر عن الموضوع في وسائل الاعلام جعل بعض الشهود يتراجعون عن شهاداتهم ويرفعون دعوى الى المحكمة ضد كاتس والجامعة. فتراجعت الجامعة عن اجازة البحث، رغم معارضة بابي. فخرج يهاجمها في الصحف ويشكوها الى المؤسسات الاكاديمية في العالم. واتهم ادارة جامعة حيفا، صراحة بأنها تنازلت عن الاعتبارات الاكاديمية لحساب المواقف السياسية والنفاق للحكومة. وبدأت الجامعة تتضايق من ردود الفعل الاكاديمية في العالم على موقفها فقررت الانتقام من بابي بفصله من العمل. ولهذا الغرض عينت هيئة قضائية برئاسة رجل قانون ستبت في امره في غضون بضعة ايام. وكان بابي قرر مقاطعة هذه الهيئة بادعاء انها مجرد خاتم مطاطي. لكن المحامي العربي حسن جبارين (من فلسطينيي 48) اقنعه بضرورة الظهور امامها وتحويل المحاكمة الى لائحة اتهام ضد ادارة الجامعة والجهات السياسية الرسمية التي تقف وراءها. وعليه قرر بابي ان يترافع عنه امام المحكمة الجامعية المحامي جبارين نفسه، وهذا بحد ذاته رمز كبير، فالمحاضر اليهودي يختار لنسه محاميا فلسطينيا يدافع عنه امام محكمة يهودية.

* العقوبات

* اما القضية الثانية فانها تتعلق بالعمليات الحربية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، فقد كان بابي واحدا من المحاضرين الجامعيين البارزين الذين ثاروا ضد جامعاتهم لأنها سكتت على جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وقيادته خلال عملية «السور الواقي» مارس (آذار) ـ أبريل (نيسان) الماضيين، ورأوا ان هذا السكوت خيانة للأمانة الاكاديمية.

وتوجه بابي وحوالي 50 محاضرا آخر الى عدد من الجامعات والمؤسسات الاكاديمية في أوروبا والولايات المتحدة التي تتعامل مع الجامعات الاسرائيلية طالبين تدخلها. ثم وقعوا على عريضة، مع جامعيين وعلماء كبار في الغرب، تطالب الاتحاد الأوروبي عموما والجامعات خصوصا باتخاذ اجراءات عقابية ضد المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية التي تواصل الصمت ازاء جرائم الحرب تلك.

واثار هذا التصرف هستيريا اليمين الاسرائيلي، فخرج يهاجم ويحرض عليهم ويتهمهم بالخيانة، الامر الذي بات يهدد حياة كل واحد منهم، لكنهم يستمدون التشجيع من انه بعد هذه الضجة انضم اليهم عشرات آخرون من العلماء.

«الشرق الأوسط» التقت ايلان بابي عندما كان نبأ البدء باجراءات فصله ما زال طازجا. ومن رد فعله الاولي اتضح ان ما يشغل باله ليس مكان العمل الذي سيفقده، اذ ان امثاله من الباحثين يستقبلون بالترحاب في كل معهد اكاديمي يحترم نفسه، لكنه قلق ازاء الوضع الديمقراطي عموما في اسرائيل، مشيرا الى انه ليس أول من يتعرض لمثل هذا الاجراء.

* هل تقصد انك لن تكون آخر المحاضرين المفصولين؟

ـ نعم بالتأكيد، مع ان ردود الفعل العالمية ضد فصلي كانت كبيرة جدا ولم اتوقعها بهذا الحجم وكذلك لم تتوقعها ادارة الجامعة، وآمل ان يؤدي هذا الرد الى ردع الادارة عن قرارها، ليس من اجلي، انما من اجل نقاوة الحياة الاكاديمية في اسرائيل.

* ما هي الحجة الرسمية التي يستندون اليها في فصلك؟ هل يقولون صراحة ان السبب يعود الى انتقاداتك للجامعة؟

ـ نعم. يقولونها صراحة ويطرحون على هيئة المحكمة سبعة تقارير تفصيلية عن مواقفي اولا في موضوع الطنطورة نفسه ثم بشأن في موقف الجامعة.

* لا نذكر ان ادارة أي من الجامعات الاسرائيلية اقدمت على خطوة مكارثية كهذه في الماضي، فما الذي يحدث اليوم؟ كيف تفسر هذا التدهور؟

ـ التدهور لا يقتصر على الجامعات وحدها انما وصوله الى الجامعات يعني انه بات بدرجة بالغة الخطورة، فالسلك الاكاديمي، من المفروض، ان يكون احد اول السدود في وجه الاعتداءات على الديمقراطية واحد آخر التحصينات التي ينفذون فيها الاعتداءات.

* هل من الممكن ان تحدد لنا المشكلة اكثر؟

ـ المشكلة تكمن في كل «العليتا» فى اسرائيل (الطبقة العليا او الشريحة الحاكمة ذات النفوذ سواء في المجالات السياسية او الاقتصادية او العسكرية او الاعلامية) فهذه الشريحة تشعر، وبحق، ان الشعب يساندها. وكما تعرف فان الايديولوجيات اختفت، وزالت الفوارق بين الكتلتين السياسيتين الكبيريين الحاكمتين، حزب الليكود وحزب العمل، وباتا في ايديولوجيا واحدة. هذا الواقع يجعل تلك الشريحة تشعر ان بمقدورها ان تعمل كل ما يخطر في بالها. لذلك يتنازلون عن لعبة الديمقراطية.

* هل الديمقراطية في إسرائيل لعبة؟

ـ لا. توجد اسس ديمقراطية واضحة، لكنهم يتلاعبون بها. يستخدمونها كيفما يشاؤون. وقد مارسوا الاعتداءات على الديمقراطية بشكل ذكي. في البداية ضد الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة. وقد منحهم الجمهور شرعية لذلك، باعتبار ان هؤلاء «اعداء» و«مخربين». ثم راحوا يمارسونها ضد الفلسطينيين سكان اسرائيل. وهنا ايضا ساد الصمت ازاء الاعتداء على الديمقراطية، اذ نجحوا في تأليب الجمهور اليهودي عليهم. وها هم يصلون الآن الى المجتمع اليهودي.

* تماما كما في أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية؟

ـ الى حد كبير. فهم لا يريدون ولا يتحملون من يقف ضد التيار السائد والجارف حتى لو كان يهوديا.

* ولكن، من المفروض ان اليهود هم اكثر الفئات وعيا وادراكا لمثل هذا الخطر. فهم ضحية الفاشية الاولى في أوروبا. فهل ينجحون معهم؟

ـ لا اقول ان المؤسسة الحاكمة في اسرائيل ستنجح. لقد شاركت يوم السبت الماضي (10 مايو (ايار) 2002) في مظاهرة المائة الف ضد الاحتلال في تل أبيب وشاهدت هناك قوى تشارك لأول مرة في المعركة ضد سياسة الحكومة ومن اجل اقامة الدولة الفلسطينية. فبالاضافة الى معسكر السلام التقليدي، الذي عاد الى ساحة الكفاح بعد فترة من الركود، شاهدنا الأديب عاموس عوز والفنان دودو طوباز والوزير السابق الدكتور يوسي بيلين وغيرهم. وقد تحدثوا بصراحة عن الخطر على الديمقراطية في اسرائيل. واشاروا الى الغاء برنامج غابي غزيت (صحافي اسرائيلي يساري يقدم برنامجا وراء الاخبار لا يخفي فيه مواقفه الانتقادية اللاذعة) والى الهجوم على الفنان دودو طوباز والمطربة يافا يركوني والتهديد بقتلهما. ربما يكون هناك وعي ويقظة جماهيريان ازاء هذه الاخطار. كما لا تنسى الدور الأوروبي والأميركي ويهود العالم. فاسرائيل ليست جزيرة بعيدة كما يحلو لنا ان نقول.ان العالم ينظر اليها بأربع عيون، ويراقب وضعها الداخلي، ويهتم بها اهتماما كبيرا. ويهود العالم ليسوا مع الحكومة، كما يحاولون الايحاء. هناك قوى كبيرة واسعة ومؤثرة جدا ترفض ان تكون اسرائيل دكتاتورية وترفض ان يستمر الاحتلال. كل هذا يؤثر، كما اعتقد وآمل.

* أنت مؤرخ معروف وترصد التطورات في التاريخ الاسرائيلي بشكل مباشر. كيف تحلل هذه الظاهرة؟ أين يكمن سبب التدهور؟

ـ يكمن في سياسة القوة والغطرسة. نحن الآن نفهم اكثر ما الذي جرى في مسألة السلام حسب اتفاقيات اوسلو. فقد حسبت شريحة الحكم في اسرائيل آنذاك ان قوتها العسكرية والسياسية والدولية والاقتصادية تتيح لها ان تفرض الحل السياسي الذي تريده على الفلسطينيين. وان تفرض عليهم قبول مساحة الارض التي تحددها لهم اسرائيل. هكذا افهم رؤساء الحكومات الاسرائيلية شعبنا، بدءا بذلك الذي وقع على الاتفاقيات المرحوم اسحق رابين الى شيمعون بيريس وايهود باراك وحتى بنيامين نتنياهو. وعندها ظهر الموقف الفلسطيني على حقيقته، وبدا فيه بوضوح ان الفلسطينيين لا يقبلون هذه الاملاءات ويريدون دولة مستقلة في شروط اخرى، صدم الاسرائيليون. واعتبروا الفلسطينيين رفضيين ومعادين للسلام ومؤيدين للعنف ولقتل كل يهودي. وكان الانفجار، ورأينا النتيجة. فاليمين الحاكم وجد نفسه محرجا ووجد الشعب الاسرائيلي جاهزا لأي قرار، فاتجه نحو الحرب الشرسة. وراح يسمح لنفسه ايضا ان يتحدث عن تخليد الاحتلال الاسرائيلي وعن الترانسفير (ترحيل الفلسطينيين عن وطنهم) كحل وحيد للازمة ويمارس ابشع انواع القتل والهدم والدمار.

إنني اريد ان اؤكد ان ارييل شارون (رئيس الحكومة) ليس غبيا، فهو يخلق اجواء الرعب في اسرائيل من ان هناك خطرا على وجود الدولة العبرية، بقصد جعلها حربا بلا حدود وبلا قيود. انه، بوصفه شريكا في الحكم على مختلف المستويات من خلال 54 عاما، يعرف تماما ان الشعب في اسرائيل، الذي تربى على مفاهيم القوة والغطرسة، سيؤيده في حرب كهذه بلا تحفظ. وهذا هو ما نراه ايضا في الواقع.

* لكن اليمين لا يحكم اسرائيل وحده. وعلى الرغم من ذوبان الايديولوجيات، تبقى هناك قوى ليبرالية في وسط الخارطة السياسية لها دورها وتأثيرها، سياسيا واقتصاديا على الاقل، مثل حزب العمل وشينوي والمركز.

ـ أنت تعرف جيدا ان حزب العمل لم يعد بديلا سياسيا لليكود. ليس فقط بسبب ضعف قيادته، انما ايضا بسبب ضحالة طرحه السياسي. اليوم يفطن الى طرح برنامج سياسي يساري. ولكنه لا يبدو مقنعا. لقد تحدثنا قبل لحظات عن شارون انه ليس غبيا. ويمكنني القول الآن ان بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة الاسبق، الذي ينافس شارون حاليا على رئاسة الليكود) ليس غبيا ايضا، فهو يقرأ الخارطة السياسية لدى الجمهور ويدرك انه لكي يكون رئيس حكومة في اسرائيل سنة 2003 يجب ان يسلك الطريق اليميني المتطرف. لهذا تجده يهاجم شارون ويطالبه بالمزيد من القمع.

* بناء على ذلك، كيف تتصور الخارطة السياسية في الانتخابات المقبلة؟

ـ الاتجاه الواضح الآن، وربما ليس في الانتخابات المقبلة بالضبط بل التي تليها، هو ان حزب العمل سينقرض. قسم منه سيعتزل، اليمين فيه سينضم الى شارون، واليسار منهم سينضم الى اليسار الصهيوني، الذي سيكبر بدوره، لكن ليس الى درجة السيطرة على الحكم.

* لدى تحفظان هنا. الأول انك لم تتطرق الى حقيقة ما يتضح من استطلاعات الرأي حول مواقف المواطنين الاسرائيليين، فقد اجريت عدة استطاعلات رأي من عدة مصادر، اكدت كلها ان هناك اكثرية ساحقة في المجتمع الاسرائيلي (52 في المائة الى 57 في المائة) تؤيد المبادرة السعودية ـ العربية ومستعدة للسلام العادل مع الفلسطينيين والدول العربية على اساس الانسحاب الكامل من مناطق 1967 واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وازالة الاستيطان. اذن فالجمهور الاسرائيلي ليس بهذه اليمينية؟

ـ معك حق. والصحيح ان هناك تناقضات كثيرة في المجتمع الاسرائيلي تعكسها استطلاعات الرأي، هذا احدها. فتجد 57 في المائة يريدون السلام كما ذكرت، وهم انفسهم يؤيدون شارون في حربه الابادية ضد الفلسطينيين وثلثهم يؤيدون الترانسفير. لا ادري. ربما يتشاطرون مثل الحكومة فيتظاهرون بالرغبة في السلام بينما هم في الواقع يفكرون بطريقة اخرى. وربما هم صادقون في السلام، لكن العمليات العسكرية تدفعهم الى الانطلاق للحرب. هناك بلبلة. وهناك تضليل كبير.

* أنت تعرف كم هو هذا التوجه خطير؟ فاذا شعر الفلسطينيون ان الشعب في اسرائيل، وليس الحكومة فقط، مخادع فانهم لن يترددوا في جعلها حربا يائسة تماما، ويصبح الجميع انتحاريين؟

ـ هذا بالضبط ما يريده القادة اليمينيون في اسرائيل. يريدون تيئيس الشعب الفلسطيني ليواصل العمليات، حتى يظل لديهم المبرر لشن الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين. فالاسرائيليون مقسمون الى قسمين: الأول، الذين لا يفهمون ما يجري وينجرفون وراء التضليل، والثاني الذين يفهمون ويمارسون العنف سلاحا.

* التحفظ الثاني يتعلق بالدور الفلسطيني والعربي. فما هو تأثير هذا الدور على اسرائيل حكومة وشعبا؟ ولنتحدث عن الدور الايجابي.

ـ هناك تأثير كبير بالطبع. فأولا يجب عدم اعطاء اسلحة لليمين الاسرائيلي يدير بها وعلى اساسها حربه الجنونية.

* تقصد العمليات الانتحارية؟

ـ اقصد كل الممارسات والتصريحات. ولكن الدور العربي والفلسطيني لا يكفي للتأثير على اسرائيل مباشرة ويجب ان يتم تفعيله ايضا على الغرب. فأنا اعتقد ان السبيل الوحيد للتأثير على اسرائيل قيادة او شعبا او كليهما معا، هو في الضغط الدولي الجاد والقوي والقاسي.

* ما تعني بالقاسي؟

ـ اقصد اتخاذ اجراءات عقابية ضد اسرائيل في كل المجالات. فهذا هو السلاح المؤثر. أنا ضد الضغط العسكري، ليس فقط لأنني لست رجل حرب، بل لأن نتيجته على المجتمع الاسرائيلي والدولي تكون عكسية تماما. علينا جميعا، الفلسطينيين والعرب ونحن قوى السلام الاسرائيلية، ان نجند العالم حتى نصل الى هذا الضغط. واقول العالم واقصد هذه الشمولية. علينا ان لا نستثني الرأي العام الأميركي ايضا.

* أنت تعرف ان الادارة الأميركية تساند الايديولوجيا الحاكمة في اسرائيل اليوم، ولولا دعمها لما كان شارون شن حربه المدمرة؟

ـ نعم. هذا صحيح. وأنت نفسك قلت «اليوم» اين تقصد الادارة الأميركية الحالية، مثلا وليس السابقة. وهذا يعني ان هناك مجالا لأن تتغير السياسة الأميركية بتغيير الادارة. صحيح ان التيار اليميني مسيطر اليوم على الحكم في واشنطن، لكن مدة الحكم هناك اربع سنين فقط ويمكن اسقاطها ويمكن ايضا التأثير عليها. فالشعب الأميركي بسيط وليس من طبعه ان يؤيد القمع او الاحتلال او العنصرية. فعندما يقتنع بأن السياسية الاسرائيلية تمارس على هذا النحو ضد الفلسطينيين لا يمكن ان يواصل دعمه للسياسة الاسرائيلية ولا يمكن لحكومته ان تتجاهله.

* أنت على علاقات واسعة من الشريحة العلمية والسياسية في أوروبا. فكيف تقومّ الدور الأوروبي؟

ـ دعني أولا اذكر عنصرا مهما في السياسة العربية. لقد اطلقت السعودية مبادرة بالغة الاهمية، زاد من اهميتها قيام مؤتمر القمة العربية في بيروت بتبنيها. هذه المبادرة تحظى باهتمام عالمي وحتى اسرائيلي. فاذا قمنا بالجهد اللازم يمكننا تطويرها وتجنيد التأييد لها في الولايات المتحدة واسرائيل بشكل كبير ومؤثر.

اما بالنسبة لسؤالك، فالدور الأوروبي مهم وهو اهم بكثير من القيمة التي نعطيها له. وكذلك الامر بالنسبة للأمم المتحدة. فاذا استثنينا من أوروبا دولة ألمانيا، التي بسبب النازية وما فعلته لليهود باتت مترددة ومتخوفة من ان تتهم باللاسامية، فان جميع دول أوروبا قادرة على التأثير على اسرائيل. تستطيع فرض اجراءات موجعة وتستطيع فرض الحرمان على معاملات اخرى ثقافية، وعلمية وحتى رياضية وفنية.. وكلها موجعة ومؤثرة. والأمم المتحدة التي لا تستطيع حتى الآن اتخاذ اجراءات ضد اسرائيل بسبب الفيتو الأميركي، لن تستطيع الصمود في هذا التوجه واستمرار تجاهل ممارسات اسرائيل واحتلالها.

والقضية اذن ان نعمل، ان نوصل كلمتنا، بكل صغيرة وكبيرة. فعلى الرغم من اجواء التشاؤم التي تحدثت فيها لكم، فانني ما زلت أؤمن بالمستقبل ولا مكان لليأس.