محسون!

«في ذكرى الصديق الدكتور محسون جلال رحمه الله»

TT

على قمةٍ ترنو إلى البحر.. ترقدُ كأنك صقرٌ حيث حلّق.. يُلَحدُ تخيرت للنومِ الأخير وسادةً من الغيمِ.. تستدني النجوم.. فتَصعدُ سمْوتَ.. وأنسامُ الحياةِ رطيبةٌ وتسمو.. وإعصارُ المنونِ يعربدُ عليك سلام اللهِ.. ما سقط الندى على جبهةِ الصحراء.. والفجرُ يُولدُ عليك سلام الله.. ما طابتِ الوغى لفرسانها.. والنصر يدنو.. ويَبعدُ عليك سلام الله.. ما قستْ النوى على كبدٍ مصدوعةٍ تتنهدُ عليك سلام الله.. ما طافت الرؤى على «سيدي بوسعيد».. التي تتوسدُ

* أتونس هذي؟! أين ما كنتُ أشهدُ؟

أتونس هذي؟! أين ما كنت أعهدُ؟

أتيتُ فلم تشرق لرؤياي بسمةٌ وجئتُ.. فلم يفرح بلقياي أغيدُ خليج «قمرتٍ» بالوجوم مسربلٌ ولونُ الضحى في شمسِ «قرطاج» أسودُ ولم يبق في «المرسى» من الصحب سامرٌ ولا ردّد اللحن الموشح مُنشِدُ معاذ الوفا! ما زلت تونسُ فتنةً ولكن طرفي بالفجيعة أرمدُ

* أسائلُ هذا القبر.. كيف ضَممَته؟

أما كان كالبركانِ يعلو.. ويَخمدُ؟

أما كان في حجم الحياةِ.. بصحوها وأمطارها.. هل تُحتَوى.. أو تُحددُ؟

وكان عنيفاً كالمحيطِ إذا طغى وكان رقيقاً مثل طفلٍ يُهدهَدُ وأعرفُ أن الطينَ يرجُعُ للثرى ويبلى.. وعمر الروحِ في الغيبِ سَرمدُ أأبكيك؟! يدعوني إلى الدمع مشهدٌ حزينٌ.. وينهاني عن الدمع مشهدُ عهدتُك تأبى الدمع كبراً.. وترتضي بدمعٍ حبيسٍ في الضلوعِ يُصَفدُ تعد بكاء العين عجزاً.. وذلةً وتبكي بقلبٍ واهنٍ يتفصد أأبكيك؟! لا أبكيك! أكتم في دمي بكائي.. ويبدو أنني المتُجلِّدُ

* أمحسونُ! هل أروي حكاية ثائرٍ قضى عُمره، أو جلّه، يتمردُ؟

أبى أن يجاري الناس.. واختار خطةً كما شاءها، إذ شاءها، لا يُقلِّدُ وطبعُ الورى طبعُ القطيعِ.. يسرهُ خضوعٌ.. ويؤذيه الجَسُورُ المُجدِّدُ وهل يستريح الناس إلا إذا قضوا على كلِ فذٍ.. حيثما يتفردُ؟

وتعجبُ أن عاداك قومٌ.. وخاصموا وأعجبُ أن حاباك قومٌ.. وأيدوا!

* أمحسونُ! هل أروي حكاية ناقمٍ عنيدٍ.. تحدى الفقرَ.. والفقرُ أعندُ؟

وقاتل من أجلِ الجياع بعالمٍ حضارتُه تذرو الجياعَ.. وتَحصُدُ وسافر في طولِ البحارِ وعرضها يواسي.. ويعطي لقمةً.. ويضمدُ إلى أن وهى عظمٌ.. وشابت عزائمٌ وما زال غُولُ الفقرِ في الأرضِ.. يُفسدُ وما زالت الدنيا أسيرة شهوةٍ تهيمُ بعجلِ السامريِّ.. فتسجدُ يعود بحرمانٍ.. نصير مبادئٍ ويرجعُ بالأسلابِ مَنْ يتصيدُ

* أمحسونُ! هل أروي حكايةَ صاحبٍ وفيٍ.. وحزِبُ الأوفياءِ مُهددُ؟

تعودتَ في وجهِ الرياءِ صراحةً وكم قائلٍ: «يا بئس ما يتعوّدُ!» تحاربُ إن حاربت ضِمْن رجولةٍ فلا أنتَ غدارٌ.. ولا أنتَ تحقدُ وتصدقُ والدنيا عدُّوةُ صِدقها تكابدُ.. والكذابُ بالكذبِ يَسعدُ تحمل هذا القلب ما لا يطيقهُ ومن لك بالقلبِ الذي ليس يُجهدُ؟! أمرّ على «دار المسّرَة» كاسفاً وكم كنت آتيها.. ونفسي تُغرّدُ هنا كان لي عمرٌ جميلٌ.. ورِفقةٌ كِرامٌ.. وأشعارٌ حسانٌ تُردّدُ هنا كان لي حصنٌ حصينٌ.. وفارسٌ نبيلٌ إذا ما ضقتُ بالعيشِ ينجدُ هنا كانت الدنيا.. وكنا ملوكها وكان لنا عرشٌ.. وسعدٌ.. وسؤددُ نعمنا بحلمٍ رمته ليس ينقضي سلامٌ على الحلمِ الذي يتبددُ سلامٌ على عمرِ الشبابِ الذي انتهى وأواهِ!.. لو كان الشبابُ يُخّلدُ!

* برغمي ورغم الحب أخلفتُ موعداً وما بيننا إذ يإذن اللهُ مِوعدُ لندن أغسطس 2002