المحكمة الإسرائيلية العليا تعطي الضوء الأخضر لتهجير الفلسطينيين والسلطة تصف يوم القرار بـ«يوم أسود في تاريخ حقوق الإنسان»

اليوم تنفذ سلطات الاحتلال إبعاد انتصار وكفاح العجوري إلى غزة لعلاقتهما بمخطط عملية تفجيرية

TT

رفضت محكمة العدل العليا الاسرائيلية مطلب الحكومة اضفاء الشرعية على عمليات الابعاد الجماعية للفلسطينيين، ولكنها في الوقت نفسه اعطتها الضوء الاخضر لتنفيذ عمليات ابعاد محدودة في اطار العقوبات الجماعية التي تمارسها ضدهم، بحجة ردع الشباب عن تنفيذ عمليات تفجيرية.

وبناء على هذا القرار ستقوم قوات الاحتلال، اليوم، بطرد الشقيقين كفاح وانتصار العجوري من مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين (قرب نابلس) الى قطاع غزة، وهما شقيقا علي العجوري احد عناصر كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكري لحركة فتح الذي اعتقل قبل شهر وهدم منزله. وقررت المحكمة ابقاء عبد الناصر عصيري شقيق ناصر عصيري احد قادة كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، في نابلس المتهم بالمسؤولية عن عملية عامونئيل التي قتل فيها 8 اسرائيليين واصيب 10 آخرون، رهن الاعتقال بغية تقديمه الى المحاكمة.

وتزعم سلطات الاحتلال ان انتصار العجوري التي تعمل صيدلانية في مدينة نابلس هي المسؤولة عن خياطة الحزام الناسف الذي استخدمه شابان من المخيم جندهما شقيقها علي لتنفيذ عملية تفجيرية فدائية في تل ابيب في 17 يوليو (تموز) 2001 في حين تتهم شقيقه كفاح بتوفير ملجأ له ومراقبة المنطقة اثناء نقل المتفجرات.

ورفضت السلطة الفلسطينية هذا القرار. واعتبر نبيل ابو ردينة المستشار الاعلامي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في تصريحات للصحافيين في رام الله القرار «جريمة حرب اخرى تقدم عليها اسرائيل الى جانب كونه خرقا للاتفاقيات الموقعة». واشار الى وجود اتصالات مع مجلس الامن الدولي لعقد جلسة لبحث قضية الابعاد فضلا عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال.

ووصف صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين القرار بأنه «خطير للغاية». واعتبر يوم صدوره بأنه «يوم اسود في تاريخ حقوق الانسان». واشار الى ان هذا القرار يمثل نوعاً من العقوبات الجماعية التي تتخذها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بأسره. وقال ان اسرائيل تحاول ان تؤطر العقوبات الجماعية لتكون جزءاً من قوانينها. ولفت المسؤول الفلسطيني الى ان المحكمة الاسرائيلية اجازت في السابق وما زالت لجيش الاحتلال بأن يقوم بتدمير بيوت الفلسطينيين على رؤوس ساكنيها.

ويعتبر قرار المحكمة الاسرائيلية مبدئياً ترقبته الاوساط السياسية والقانونية والديمقراطية في اسرائيل وبعض دول اوروبا بفارغ الصبر، وذلك لأن الحكومة والجيش والمخابرات ارادت ان تفسح المحكمة المجال امامها لاستخدام الابعاد من الضفة الى القطاع سلاحا وعقابا جماعيا للعائلات الفلسطينية التي يخرج منها فدائيون تفجيريون او رجال مقاومة مسلحة حتى لو لم يكن لهذه العائلات اي ضلع في العمليات نفسها. وأرادت ان يكون ابعاد كفاح وانتصار وعبد الناصر بمثابة بداية ونموذج رادع. وخططت تطوير هذا السلاح الى الابعاد عن الوطن كله وليس فقط من الضفة الى القطاع.

وبسبب حساسية الموضوع وابعاده الدولية، وإثر الضغوط التي شنتها الحكومة واذرعها الامنية وقوى اليمين المؤيدة لهذا العقاب الجماعي والضغوط المقابلة من قوى اليسار والديمقراطية وحقوق الانسان، قرر رئيس المحكمة البروفسور اهرون باراك قطع عطلته الصيفية في الولايات المتحدة ليشكل طاقما برئاسته من تسعة قضاة. وبعد نقاش دام ثلاثة اسابيع توصلوا الى القرار الرافض للمبدأ الذي ارادته الحكومة من جهة، ولكنهم في الوقت نفسه فتحوا الباب لها بأن تمارس الابعاد وسط قيود معينة. فقد حظروا ابعاد العائلة كلها وأباحوا ابعاد من يثبت بشكل قاطع انه ساهم في عملية تفجيرية نفذها احد الاقرباء من الدرجة الاولى (اخ، اخت، أب، أم).

ورحب ممثل نيابة الدولة، المحامي شاي نتسان، بقرار المحكمة وقال: «حققنا هدفنا ولو جزئياً في اتخاذ هذا الاجراء الرادع للمخربين الفلسطينيين». اما المحامية التي ترافعت باسم جمعيات حقوق الانسان عن الشباب المهددين بالابعاد، منال حزّان، فقد اعربت عن ارتياحها للقرار قائلة: منعنا الطرد الجماعي لأفراد العائلات البريئين، مع اننا نأسف للقرار الذي يتيح طرد ولو فلسطيني واحد. وقالت المحامية ليئا تسيمل، زميلة حزّان في الدفاع عنهم، ان القرار احتوى على موقف سياسي بالغ الاهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني اذ انه اكد ان الضفة والقطاع هما كل لا يتجزأ، واعتبر طرد الشابين من الضفة الغربية الى قطاع غزة عبارة عن نقل سكاني في نفس الدولة. ولكنه في الوقت نفسه اضاف الى سجل القضاء الاسرائيلي دعامة اخرى للاحتلال الاسرائيلي في سياسته المعادية للشعب الفلسطيني.

وبناء على هذا القرار سيكون على اجهزة الامن الاسرائيلية ان تجري التحقيق مع افراد عائلات الشبان الفلسطينيين منفذي العمليات. وفقط بعد الحصول على ادلة دامغة تشير الى مشاركتهم في العمليات، تستطيع ابعادهم الى غزة. ولكن هذا القرار ينطوي على جديد في الممارسات الاسرائيلية، اذ ان الطرد اصبح سلاحا شرعيا في حالة وجود تهمة. علماً بأن قوات الاحتلال لم تنفذ طردا ضد الفلسطينيين لأسباب امنية منذ عشر سنوات، عندما ابعدت اكثر من 400 شخص من نشطاء «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية»، الى مرج الزهور في لبنان.

يذكر ان المحكمة نفسها كانت قد سمحت لقوات الاحتلال بهدم بيت كل من يثبت تورطه في عملية تفجيرية، حىت لو لم يكن صاحب البيت وكان مجرد ساكن فيه.

وستخوض المحكمة العليا امتحانا آخر في القانون الدولي عندما يطرح امامها قرار وزير الداخلية، ايلي يشاي، سحب الجنسية والمواطنة الاسرائيلية من مواطنين عرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) ومن سكان القدس المحتلة عقابا لهم على مشاركتهم في عمليات ارهاب. وكان الوزير قد اصدر قراره هذا ضد ثلاثة فلسطينيين. فاعترض اثنان منهم على القرار الى المحكمة العليا هما: قيس حسن كامل عبيد من مدينة الطيبة، وهو يعيش حاليا في لبنان ومطلوب للسلطات الاسرائيلية بدعوى الانتساب الى حزب الله ومحاولة تجنيد جواسيس اسرائيليين لصالحه، وشادي الشرفا، وهو معتقل في سجن نغمة الطحراوي في النقب للاشتباه بأنه حاول خطف اسرائيليين الى لبنان ونفذ «عمليات عدائية» ضد اهداف اسرائيلية. وقدم الاعتراض باسميهما محامون اسرائيليون.