السينما على الطريقة اليابانية

سمير فريد يكتب عن صناعة السينما في اليابان وتطورها واتجاهاتها الرئيسية

TT

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب عن صناعات السينما المختلفة، كما عبر عنها نقاد السينما العرب، او ما نشر عن هذه السينما او تلك باللغة العربية.

ونعرف من الكتاب ان صناعة السينما في اليابان بدأت عام 1900، وامتلأت الاستوديوهات فيها بالعديد من المخرجين الطموحين الذين لم ينالوا سوى التعليم الاساسي، وكانت لديهم رغبة عارمة في التعلم، من هؤلاء كان المخرج الرائد كينجي ميزوجوتشي الذي قدم اول اعماله في عام 1923، والمخرج تيفوسوكي كيتوساجا الذي قام باخراج اول فيلم ياباني ذا ثقل واهمية عام 1926، وهو فيلم «الصفحة المجنونة»، اما المخرج الثالث، هيروشي ايناجاكي، فقد حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان فينسيا الدولي عام 1958 عن فيلمه «حياة ماتسو المتمرد».

في الثلاثينات ازداد اقبال خريجي الجامعات على العمل في السينما، وكان منهم المخرج كوروساوا والمخرج تاداشي ايماي، وكان مجال العمل في السينما، في هذه الفترة، من اكثر المجالات الاجتماعية اليابانية تنوعا، فكان هناك الذين ثقفوا انفسهم ذاتيا واليمينيون واليساريون وخريجو الجامعات، فاصبحت الاستوديوهات مراكز نشر للافكار التقدمية التي تعبر عن المشاعر العامة للشعب الياباني، وقامت الحكومة بقمع موجة هذه الافلام، ولكن مع نشوء الحرب مع الصين، قام المخرجون بصورة مفاجئة بخلق تيار جديد من الافلام التي تمجد الروح العسكرية، ومن بينهم اولئك الذين قدموا افلاما تقدمية.

تأثرت صناعة السينما اليابانية بالافلام الاجنبية، فاخذت الشكل التعبيري الالماني، في عرض الموضوعات، كذلك اقرت بعض الافلام الدنماركية والالمانية في تطوير وادخال الواقعية في الافلام اليابانية.

مع عرض تفصيلات الحياة اليومية فيها، وكان لنظرية ايزنشتاين في المونتاج تأثير كبير على المخرجين وخاصة مخرجي الافلام التقدمية الذين تأثروا بالافلام السوفياتية، وتم تجريب الاسلوب التسجيلي للواقعية الايطالية الجديدة مع تبني موضوعاتها التي تهتم بمشاكل المجتمع. وفي الاربعينات تم تقليد بعض الافلام الاميركية الكلاسيكية، وخاصة من قبل بعض الشبان الذين مقتوا المناخ القمعي في مجتمعهم وتاقوا الى روح الحرية الواضحة في الافلام الاميركية، وقد امتد تأثير هذه الافلام الى تشكيل مواصفات البطل الياباني وتغيير المواصفات التي يجب ان يكون عليها الممثل الذي يؤدي هذه الشخصية.

في فترة الخمسينات، وبعد انسحاب قوات الاحتلال الاميركي، ظهرت الحركة الانسانية، وقدم مخرجو هذه الفترة : (كوروساوا، كينوشيتا، ايتشيكاوا، كوباياشي)، موضوعات تؤكد حرية الفرد واعلاء قيمته الانسانية. وفي هذه الفترة ازدهر الانتاج السينمائي، وانتجت افضل الافلام على الاطلاق: (قصة طوكيو، اوجستو، مأساة يابانية، السيد بو، غرفة ذات جدران عالية والساموراي السبعة)، وظهر في السنوات الاخيرة لعقد الخمسينات الايقاع السريع في الافلام اليابانية واستمر بوضوح في الستينات، ونتج الايقاع السريع عن طبيعة الموضوعات ذاتها وعن حركة الكاميرا النشيطة، ففي فيلم «قبلات» عام 1957 لاحقت الكاميرا العاشقين الصغيرين وهما على دراجتهما، اثناء تجوالهما في شوارع طوكيو، وكان هذا شيئا جديدا في اسلوب السينما اليابانية. مثلت فترة الستينات مرحلة تطور هامة في تاريخ السينما اليابانية، فقد ظهر فيها الاسلوب التسجيلي مع المخرج سوموهاني في «اطفال الفصل الدراسي» الذي اذهل الجميع بفيلمه التسجيلي هذا خاصة انه تعامل فيه مع اطفال صغار، وتأثر بهذا الاسلوب كثير من المخرجين وطبقوه في افلامهم، بحثا منهم عن الحقيقة، مثلما كان يبحث عنها المخرج شوهي ايمامورا من مخرجي الموجة الجديدة.

جاءت افلام ما بعد الحرب في اليابان بمثابة وسيلة احتجاج على المجتمع، وظهر جيل جديد ساخط على الاوضاع الاجتماعية والممارسات السياسية السائدة وعلى المادية الجديدة والتقاليد البالية، وطرح هذا الجيل افكارا تحررية جديدة من خلال نظرة تقدمية واتخذ من السينما وسيلة استطاع من خلالها التعبير عن هذا الرفض واعلان هذه الافكار.

بدأت الموجة الجديدة على ايدي مجموعة من المثقفين التقدميين، كان منهم: (ناجيزا اوشيما ـ شوهي ايمامورا ـ يوشجي يوشيدا ـ ماسهيرو شينودا)، وقد بدت هذه الموجة عام 1959 بظهور اول فيلم لـ ناجيزا اوشيما وهو «مدينة الحب والامل» الذي يعتبر اول انواع الرفض، وعبر اوشيما بهذا الفيلم عن ميله الثوري المتسم بالعنف ورفضه لكل الافلام التقليدية التي تؤكد الترابط الاسري التقليدي، ومن التيمات المتكررة في اعمال مخرجي الموجة الجديدة: الجنس والعنف والجريمة والانحراف والعدوانية وعبادة الامبراطور، في اطار رسالة لادانة المجتمع والاحزاب التقدمية.

لقد اثر انتعاش اليابان اقتصاديا في فترة السبعينات على اختفاء نوعيات محددة من الافلام كانت لها شعبية وتأثير كبير في الماضي، مثل افلام «الام» و«المجرم المغامر» وافلام «الهروب من الفقر» وازدادت شعبية سلسلة الافلام الكوميدية الناجحة «السيد كورا»، وهو الشخصية الرئيسية في هذه السلسلة المعروفة باسم «من الصعب ان تكون رجلا». وظهر في السنوات الاخيرة حوالي عشرين مخرجا جديدا، اطلق عليهم النقاد لقب الموجة الحديثة، وقد خرج هؤلاء الشبان بافكار وموضوعات جديدة وطرق مختلفة للتعبير عنها وباساليب فنية خاصة، اذ تعرض معظمهم لمسألة الاصالة والمعاصرة، وتناولها بعضهم بصورة جادة الى درجة التشاؤم، وهذا ما نراه عند اوجوري ويانا جيماتشي، ومنهم من تناولها بصورة هزلية ساخرة مثل اينامي جوزو. وامتدت هذه الصورة الـى الشكل العبثي كما عند بوشيمتسو موريتا في فيلم «لعبة الاسرة»، ومن الاشياء المميزة لهذه المجموعة فكرة تضمين وتوظيف التجربة الشخصية لكل منهم في اعمالهم بصورة ملموسة، ويظهر هذا واضحا من خلال اعمال: يانا جيماتشي ونيجيشي. ولم تكن هذه تجربة شخصية بقدر ما كانت تجربة جيل كامل عانى المعاناة ذاتها.

مع موجة الحداثة الجديدة سوف يتغير شكل الفيلم الياباني المألوف، ويتمثل ذلك في الاستعانة بممثلين اجانب وفي تصوير بعض الافلام اليابانية خارج اليابان، وفي اختيار العديد من المخرجين الاجانب لليابان كمكان لتصوير افلامهم، وفي الاتجاه الحالي لمعظم المخرجين في تناول تيمات عالمية، ومن هنا يمكن ان يكون للفيلم الياباني جمهوره خارج اليابان، وبفضل هؤلاء قد تصل السينما اليابانية الى جمهور عالمي خارج حدودها.

يفرد الكتاب قسما لا بأس به عن المخرج اكيرا كيروساوا الذي يعتبر احد كبار المخرجين في تاريخ السينما الذي وضع السينما اليابانية على الخريطة العالمية، انه شكسبير فن السينما من دون منازع. وقد اخرج 30 فيلما روائيا طويلا، بدءا من فيلم «جواوا ساجا» 1943 الى فيلم «لم يحن الوقت بعد» 1993.

وافلام كيروساوا مثل مسرحيات شكسبير وروايات دستويفكسي ولوحات بيكاسو وموسيقى بيتهوفن، لا يصبح الانسان بعد معرفتها كما كان قبل ان يعرفها، انها ليست مجرد اعمال فنية رائعة تمتع من يشاهدها، ولكنها تغير حياته وتعينه على الحياة وتجعله يعيشها على نحو اعمق واجمل انه «كنز اليابان الحي» فبأفلامه الرائعة يرصع اليابانيون وجههم الثقافي خارج حدود جزرهم.

صدر الكتاب بمناسبة البرنامج الخاص الذي ينظمه مهرجان دمشق السينمائي، ويتضمن 40 مقالا وحوارا مؤلفا ومترجما لـ 22 كاتبا وكاتبة، تم اختيارها من بين اكثر من مائة مقال وحوار، اغلبها نشر في مطبوعات مصرية، وهناك ما لا يقل عن مائة مقال وحوار نشرت في دول غربية اخرى، وقد راعى الناقد السينمائي سمير فريد عند اختيار المواد ان تمثل كل اجيال النقاد ومختلف اتجاهات النقد السينمائي العربي، فضلا عن المواد المترجمة، كي تكتمل الصورة بالتعريف بالسينما اليابانية وكبار مخرجيها.

* السينما اليابانية في النقد السينمائي العربي

* اعداد وتقديم: سمير فريد

* منشورات وزارة الثقافة ـ المؤسسة العامة للسينما دمشق ـ سورية 2001