المرأة المصرية ممنوعة من القضاء رغم وجود 10000 قاضية عربية

شيخ الأزهر: لا يوجد أي مانع شرعي يمنع المرأة من تولي منصب القاضية

TT

* أستاذة قانون: عمر بن الخطاب عين سيدة لتولي قضاء الحسبة وما يردده الرجال لا سند دستوريا له

* مواطن: لا أتصور أن أقف أمام قاضية لتفصل في قضاياي فيكفيها تربية أبنائها

* المغرب أول دولة عربية شغلت بها المرأة منصب قاضية وعددهن حتى الآن .442

* مضى ما يزيد على نحو نصف قرن والمرأة المصرية تسعى بشتى السبل لنيل حقها في ان تترأس منصة القضاء ولكن يرفض الرجال في مصر ان تصبح المرأة قاضية، فعلى الرغم من عدم وجود نص دستوري يمنع تولي المرأة القضاء، الا ان الرجل المصري يرفض منحها ذلك الحق، في الوقت الذي اقتحمت فيه المرأة في معظم البلدان العربية هذا المجال، ففي عام 1952 قضت محكمة القضاء الاداري برفض دعوة اقامتها الدكتورة عائشة راتب للاعتراض على عدم تعيينها بمجلس الدولة، واستندت المحكمة وقتها الى ان وظائف القضاء ومجلس الدولة مقصورة على الرجال فقط في الوقت الذي تنص فيه المادة 16 من الدستور المصري على حق المرأة في تولي كل الوظائف من دون تمييز، كما اصدرت مشيخة الازهر فتاوى تؤكد ان الشريعة الاسلامية خلت من أي نص يقضي بحرمان المرأة من ان تكون قاضية.

«الشرق الأوسط» طرحت الموضوع للمناقشة مرة اخرى لمعرفة المعوقات التي تقف امام وصول المرأة المصرية لذلك المنصب وما اذا كانت المرأة لا تصلح لتولي هذا المنصب فعلا؟

* لا سند دستوريا

* بدأنا بالدكتورة فوزية عبد الستار استاذة القانون ومقررة اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة، حيث قالت ان الدستور ينص على ان المواطنين لدى القانون سواء في الحقوق والواجبات فالمرأة المصرية اثبتت كفاءتها في مجال تدريس القانون لآلاف الشباب الذين تولوا العمل بالقضاء وما يردده الرجال في هذه القضية ما هي الا حجج واهية لا سند دستوريا لها، فمن يقول ان المرأة لا تصلح للعمل كقاضية يجب ان يعرف ان عمر بن الخطاب عين سيدة لتولي قضاء الحسبة وملكة سبأ كانت تحكم مملكة كاملة واثنى عليها القرآن الكريم.

وقالت د. فوزية عبد الستار في الوقت الذي تمنع فيه المرأة من مزاولة القضاء نجد ان قانون النيابة الادارية لا يفرق بين الرجل والمرأة في شروط التعيين والاختصاصات فالمرأة هناك تقوم بالتحقيق في جرائم عامة وخطيرة كالرشوة والاختلاس والاستيلاء على المال العام وتقوم باصدار أوامر الضبط من القبض والاحضار. أليس هذا تناقضا بين ما يريده الرجل وبين ما يقره الدستور؟

وتقول الدكتورة هدى بدران رئيسة رابطة المرأة العربية والتي قامت بعقد العديد من المؤتمرات لتفنيد مزاعم منع المرأة من تولي كرسي القضاء:

هناك اكثر من 11 دولة عربية تسمح للمرأة بتولي هذا المنصب وبلغ عدد القاضيات بها 10000 قاضية من دون تمييز أو تفرقة بين رجل وإمرأة، فالكفاءة تفرض نفسها سواء كانت الكفاءة رجلا أو أمرأة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة الا انه مازالت هناك مناصب تحرم المرأة المصرية من الوصول لها وبدون اسباب مقنعة رغم ثبوت نجاح تولي المرأة لذلك المنصب في دول عربية عديدة، فهناك 50% من جهاز القضاء في المغرب نساء و67% من القضاء في السودان نساء.

* القاضيات يتكلمن عن تجربتهن

* المغرب هو أول دولة عربية شغلت بها المرأة منصب قاضية ووصل عدد القاضيات بها الان 442 أي نصف عدد القضاة هناك.

القاضية ليلى الحريني تحدثت عن تجربتها وقالت: كانت امينة عبد الرزاق اول سيدة تتولى منصب قاضية بالمغرب عام 1961 وساهمت الظروف الاجتماعية والسياسية بالمغرب على تولي المرأة المغربية ذلك المنصب بالمشاركة مع الرجل، ومنذ توليها هذا المنصب عملت المرأة على مواجهة التحديات التي تواجهها واثبات ذاتها كقاضية مثلها مثل الرجل حتى استطاعت اعتلاء اعلى منصب قضائي بالمغرب عام .1995 وتقول القاضية راضية بن صالح من تونس: المرأة التونسية حظيت منذ الاستقلال بعناية فائقة ورؤية تقوم على ان المرأة جزء اساسي من الثروة البشرية وان البناء الحضاري للمجتمع التونسي سيظل مبتورا بدونها ولهذا منحت المرأة حق مزاولة مهنة القضاء بتونس في عام 1968 في ذات الوقت الذي بدأ فيه اعداد المجتمع التونسي لتقبل خروج المرأة للعمل ومشاركتها الرجل في مختلف المجالات، في البداية اصطدمت المرأة التونسية ببعض العقليات التي كانت تظن ان هناك وظائف حكرا على الرجل وان عواطف المرأة لابد ستؤثر على عملها كقاضية ولكن ثبت ان المرأة قد تكون في احيان كثيرة اكثر قدرة على الحسم من الرجل وان لديها القدرة على الفصل بين مشاعرها وما يقتضيه عملها، يكفينا فخرا انه تم مؤخرا اختيار القاضية تغريد حكمت من الاردن كأول قاضية عربية من قبل المؤسسة الدولية للقاضيات في واشنطن لحضور ورشة عمل لاعداد عشر قاضيات لعضوية محكمة العدل الدولية بلاهاي.

وتقول القاضية تغريد حكمت وجودي كقاضية جعلني اخذ على نفسي مسؤولية ترك بصمة انسانية للحد من العنف الاسري والاساءة الى الاطفال والمرأة، فالعاطفة ليست صفة سيئة نهرب منها كنساء ولكنها من أهم ميزات المرأة التي تحكم عقلها وتعرف متى تبرز عواطفها، فالمرأة القوية ذات القرار المتزن والعادل والمدروس هي التي لا يرجف لها جفن امام تطبيق العدالة، أما الادعاء بأن القضاء لا يليق بأنوثة المرأة وطبيعتها فلا اساس له من الصحة فالمرأة اصبحت تعمل في مجالات اخرى كثيرة مثل الهندسة والطب والزراعة والقضاء، اذن المشكلة ليست في المرأة ولكن فيمن يريد اغتصاب حق لها.

*رأي الأزهر

* وتقول الدكتورة منى ذو الفقار المحامية وعضو المجلس القومي للمرأة: هناك انتقادات شديدة توجه للمجتمع المصري الذي يحرم المرأة حتى الآن من تولي منصب القاضي. والمجلس القومي للمرأة اخذ على عاتقه تلك المشكلة، وقد اكد وزير الاوقاف المصري وشيخ الازهر انه لا يوجد أي مانع شرعي يمنع المرأة من تولي منصب القاضية بل على العكس هناك من يراها افضل في أداء ذلك الدور وبخاصة في قضايا الاحوال الشخصية لان طبيعتها وتكوينها تجعلها اقرب لفض مشاكل النساء.

ولكن المشكلة في التقاليد والموروثات التي يصر البعض على التمسك بها في الوقت الذي يجب ان نسعى لتغييرها.

ويقول الدكتور نادر فرجاني خبير التنمية الانسانية: احيانا تكون المرأة هي السبب في ما تعانيه فمعظم النساء يكرسن انفسهن لتوريث ابنائهن ذلك الموروث الذي يرى في المرأة شيئا مكملا لحياة الرجل لا شريك له، فضعف المرأة الذي يتحدث عنه بعض الرجال ما هو الا نتاج آليات مجتمع يقع تحت سيطرة الرجل، فمعظم الابحاث اكدت ان النساء في مصر يعانين مكانة اجتماعية ادنى من الرجل في جميع الاعمال.

وردا على الادعاء بأن المرأة تمر في مراحل حياتها بفترات نفسية تؤثر في قرارها قال الدكتور يسري عبد المحسن استاذ الطب النفسي هناك اعتقاد خاطئ يصف المرأة بأنها عاطفية واكثر اندفاعا من الرجل وهذا غير حقيقي فلا يوجد فرق بين الرجل والمرأة الا في الجانب الفسيولوجي فقط، والابحاث العلمية اكدت ان المرأة لديها قدرة على التحمل تفوق قدرة الرجل بدليل ما تتعرض له من متاعب اثناء فترة الحمل والانجاب والرضاعة، اما فيما يقال حول بلوغ المرأة سن اليأس الذي يؤثر عليها صحيا ونفسيا ويزيدها عصبية وتوترا فهذا ادعاء باطل فما يحدث لها من تغييرات فسيولوجية تحدث مثلها للرجال.

المشكلة ليست في المرأة إنها العقلية الصعيدية التي تسيطر على الفكر المصري، كيف اقف امام قاضية؟ لابد من تغيير المجتمع اولا واعداده لتقبل ذلك.

وبغض النظر عن كل تلك الآراء التي تنادي بتولي المرأة منصب القضاء إلا أن سؤالاً يطرح نفسه وهو هل يرضي المواطن العادي أن يلجأ للمرأة في حال توليها منصب قاضي؟ تقول منى عبد المنعم : «لا أحاول اللجوء للمرأة في أي مهنة وأثق في الرجل أكثر من المرأة في العديد من المهن. وبخاصة الطب ولكن رغم ذلك فانني اتقبل المرأة كقاضية، وأشعر انها ستكون أقدر على تفهم قضايا بنات جنسها ولهذا فأنا من أنصار أن تعمل المرأة كقاضية على الأقل في قضايا الأحوال الشخصية».

وتقول دنيا كريم: أؤمن بأن المرأة تحركها انفعالاتها فلا أستطيع الثقة في أحكامها ولهذا فأنا مع منع المرأة من تولي ذلك المنصب لأن الرجل أقدر على التحكم في مشاعره وأعمال عقله.

ويقول محمد محمود: للمرأة مهام أخرى تقوم بها وأنا لا أتصور أن أقف أمام قاضية امرأة في أحد الأيام لتفصل في قضاياي وشؤون تخصني، يكفيها تربية أبنائها ودخولها مجالات عدة لا داعي للقضاء.

وتقول نجوى عبد المنعم: لماذا تقيدون المرأة وتسجنون قدراتها، نعم المرأة قادرة على تولي القضاء اذا كانت تربي أجيالا وتثقون في حكمها وأسلوب قيادتها. فلماذا لا تثقون بها اذا خول لها القانون الفصل في القضايا وابداء الرأي فيها.

المرأة كالرجل وعندما يخاطبهما القرآن يخاطبهما معاً فهل المرأة مكلفة بتكاليف دينية أقل من الرجل بالطبع لا يكفينا هذا الجمود الذي عشنا فيه سنوات طويلة.

آراء عديدة ومطالب مازالت تنادي بالمرأة قاضية وأصوات تعارض ذلك المطلب والحكم في تلك القضية نتركه للأيام ولإرادة المرأة المصرية.