«زمان الوصل» حكاية أندلسية تعيد قراءة التاريخ العربي الإسلامي

TT

على الرغم من تزاحم العروض التاريخية على الفضائيات العربية في شهر رمضان المبارك، فقد كان من المتميز بينها مسلسل «زمان الوصل» لعدة امور مهمة منها:

اختيار النص، فهو يرصد حقبة مهمة من تاريخ الدولة العربية الاسلامية في الاندلس، ليقدم صورة حضارية عن قدرتها على التفاعل الايجابي مع المفهوم الانساني الشامل، وتآخي الاديان السماوية على الرغم من وجود اثنيات عرقية عديدة في الاندلس كالبربر والمستعربين والمولدين والقوط والنورمان، والخليط القائم من مسلمين ونصارى ويهود.

تستند احداث المسلسل الى وثائق تاريخية دقيقة لا يرقى اليها الشك.

وهو العمل الدرامي الاول من اخراج عارف الطويل، الذي عرفناه ممثلا قديرا من قبل.

ويحمل العمل ملامح واضحة من الجدة والعمق والتشويق الكثير وسط مشهدية مدهشة، واجواء زاهية غير مسبوقة على الشاشة.

اعتمد المخرج التنويع في اختيار مواقع التصوير في سورية والمغرب والمواقع التاريخية في اسبانيا.

ويأتي اختيار وعرض هذا المسلسل الذي يقدم واحدة من اروع صور التسامح الاسلامي والحضارة العربية التي امتدت على مدى ثمانية قرون في الاندلس، في الوقت الذي يتعرض فيه العرب والمسلمون الى حملة شرسة من العداء والاتهام. ويرصد المسلسل حقبة حكم عبد الرحمن الثاني الذي تولى امارة قرطبة من والده الحكم بن هشام حيث سعى لاذابة التناقضات، وانهى التناحرات والصراعات من اجل الاندلس وصمودها.

وعلى الرغم من الاحداث العاصفة في هذه الحكاية الاندلسية التاريخية، فقد ظل الازدهار العلمي والادبي والعمراني قائما مزدهرا، وكان مسجد قرطبة ذروة هذا الانجاز العمراني، بالاضافة الى تقديم نماذج متميزة من الاشخاص والاعلام، مثل زرياب الموسيقي العربي المؤثر في الحضارة الغربية، وعباس بن فرناس الذي قام في تلك الحقبة بتجربة رائدة في عالم الطيران.

كما حمل المسلسل ابعاد المفارقة بين الاخلاقية العربية الاسلامية، وبين ما كان يصدر عن الاسبان.

* قراءة جديدة للتاريخ

* من هنا تأتي اهمية هذا الحدث الدرامي وهذا العمل في تقديم قراءة مشهدية جديدة للتاريخ مع الاخذ في الاعتبار بحقائق الوقائع واصالة التراث وتعريف ابناء الجيل الجديد الذين كثيرا ما يهملون قراءة تاريخهم بما حققه الاسلاف من انجازات حضارية امتدت من الاندلس الى الصين. فالدولة الاموية التي انشأها عبد الرحمن الداخل في الاندلس، لا يزال تاريخها حتى الآن يؤكد انها كانت تجسد اكثر مراحل الحضارة العربية الاسلامية اشراقا في الغرب في موازاة الدولة العباسية في الشرق، ومن هنا تصريح المخرج عارف الطويل لنا بأنه حاول مع الكاتب جمال ابو حمدان تحقيق التوازن في تناول التاريخ الاندلسي بين حقب التأسيس والبناء والازدهار.

وسألنا المخرج عارف الطويل: بعض الذين شاهدوا المسلسل قالوا انه يعتمد مشهدية الصورة، كما لدى المخرج نجدت انزور.. فما ردك على هذا؟. فأجاب: لا اريد الخوض في مثل هذا الاستقراء، فالمشهدية التي اعتمدتها في عملي هي جديدة وغير مسبوقة، ولا تعتمد مجرد ابهار الصورة لمجرد الفانتازيا، بل انها موظفة لخدمة ابعاد وايحاءات العمل الدرامي، وقد جهدت ان تحمل بصماتي، وحرصت على ان يكون هناك توازن بين عناصر العمل، بين الصورة والصوت، والحوار والمؤثرات والموسيقى، كما ان كوكبة الممثلين التي تم اختيارها بعناية، كان اداؤها متميزا ومن العوامل الاساسية في هذا التوازن بحيث كانت البطولة الجماعية غالبة على العمل، مع تميز وتألق ممثلين في ادوار مختلفة، بالاضافة الى استخدام ما يمكن ان نسميه التصوير بـ«الكاميرا الطائرة» والاستفادة من صروح الآثار وجمال الطبيعة في سورية والمغرب واسبانيا.

* مع الممثلين

* ادى كل من الفنانة منى واصف والفنان عبد الرحمن آل رشي واحدا من اهم ادوارهما التاريخية من خلال الحضور البادي، والاداء الذي يجسد الاقتدار والتجربة، وذلك في دوري الحكم بن هشام امير قرطبة وزوجته.

وكذلك الفنان جهاد سعد في دور الامير عبد الرحمن، والفنان بشار زرقان في دور زرياب، ورنا الابيض في دور اليمامة، ولورا ابو اسعد في دور الغجرية وميسون ابو اسعد في دور طروب.

المسلسل من انتاج قطر، وتمت الخدمات الفنية والموسيقية في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية في عمان ـ الاردن وشارك فيه ممثلون من سورية والاردن وقطر، واشرف على انتاجه طلال عدنان عواملة، وهو يقع في ثلاثين حلقة.