في العلاقة بين المرئي والمكتوب عربيا.. أين كان التلفزيون؟

سفر الحوالي.. ملهم هينتغتون! * فندي: هذا الفرق بين تلفزيونات المؤلفة قلوبهم.. وتلفزيونات المؤلفة جيوبهم

TT

في الغرب ينشغل الباحث أو صحافي التحقيقات قرابة ثلاثة اشهر أو ما يزيد في البحث والترحال حتى يخرج بدراسة أو مقال أو تحقيق صحافي من خلال الصحافة المكتوبة. وما أن تأتي نشرة أخبار السادسة إن كانت في بريطانيا أو نشرة الصباح إن كانت في أميركا إلا والدراسة أو المقال أو الخبر يتصدر نشرات الأخبار، وتتم استضافة الباحث أو الصحافي لمدة دقائق. بعد ذلك تجد العمل وقد التقطته البرامج الحوارية التلفزيونية ناهيك من مقالات الرأي. بإيجاز، يصبح العمل جزءا من الأجندة الإعلامية الغربية. وهذا ما حدث مع مقال هينتغتون، وبعد ذلك الكتاب، عن صراع الحضارات والذي اكتسب بعدا آخر بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، حيث تحول إلى «الكتاب الوسادة» لمؤيدي فكرة الصراع، أيا كانت نتائجه. هذا في الغرب، لكن ماذا عنا نحن في العالم العربي؟ كتب الدكتور مأمون فندي مقالا في صحيفة «الأهرام» الجمعة 11 أكتوبر 2002 يقول فيه ان «سفر بن عبد الرحمن الحوالي هو ملهم هينتغتون في صراع الحضارات». وأضاف الدكتور فندي أن هينتغتون «عندما كتب كان يرد على مقولة الحوالي بأن حرب أميركا لتحرير الكويت هي حرب على الإسلام». لم يستوقف المقال أحد، ولم تلتفت القنوات الفضائيات العربية له على الرغم مما ينطوي عليه هذا الرأي من أهمية وإثارة اكبر بكثير من إثارة «صراع الحضارات» نفسها في المنطقة العربية. وغير هذا المقال مقالات ومواضيع كثر، لكن هل التلفزيونات العربية تقرأ صحافتنا؟ أو هل هناك علاقة بين المرئي والمكتوب في الإعلام العربي؟ يقول الدكتور مأمون فندي في أميركا «أول شيء يعمله مسؤولو الأخبار والبرامج الحوارية هو قراءة صفحات الرأي في «الواشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«لوس أنجليس تايمز». من ثم يدعى المحللون لمناقشة آرائهم التي طرحوها على صفحات الرأي إما لمزيد من الاستفسار أو لدحض الفكرة الرئيسية».

حسن جمول مدير ومذيع نشرة الأخبار في قناة «إن. بي. إن» اللبنانية يقول «في لبنان غير صحيح تماما أن هناك طلاقا بائنا بين المقروء والمرئي، فالمنطق السليم يقول أن تقرأ الصحف العربية الصادرة قبل أن تدخل نشرات الأخبار». مضيفا ان «الصحف في فترة ما قبل الظهر تشكل المادة الرئيسية لنشرات الأخبار، حتى من «يديعوت احروانوت» الإسرائيلية». في الوقت الذي يقول فيه الصحافي البريطاني جون برادلي، المقيم في السعودية، بلهجة قاسية «الإعلام المرئي العربي لا يحترم الصحافيين أو الصحافة المكتوبة». ويخالفه في ذلك داود الشريان الصحافي والمعلق السياسي قائلا «بالعكس هذا الكلام لا ينطبق على كل القنوات.. هناك محطات تلفزيونية لديها علاقات إيجابية مع المكتوب». لكن الشريان يعزو إهمال الفضائيات العربية لما هو مكتوب في نشرات الأخبار إلى «الغيرة المهنية، فالقنوات تتصرف على اعتبار أن لا تنسب الخبر إلى صحيفة وأنت لديك مراسلين خاصين. لكن القنوات التلفزيونية تكتفي بنقل هذه الأخبار في أقوال الصحف». بدوره عبد الرحمن عدوي من مركز الأخبار في قناة أبوظبي، والذي هاتفته «الشرق الأوسط» وهو يستعد للخروج على الهواء في برنامج «لأجلك»، وعند سؤالنا ما إذا كان البرنامج يحتوي على مادة من الصحافة المكتوبة، أجاب ضاحكا «والله.. يا أخي لا». وعدوي كان واضحا عندما قال ان التلفزيون العربي «مقصر ويهمل في حق الصحافة عندما يختزل دورها في أقوال الصحف فقط، حيث أن في الصحافة عمقا في الطرح والتحليل لا يتوفر في التلفاز». مضيفا ان الصحافة تستحق الاهتمام لأنها «وثيقة رسمية». وهذا يعود بنا إلى علاقة الصحافة المكتوبة بالتلفزيون في أميركا، فقبل أن يصبح التلفزيون أداة لا يمكن تجاهلها في الحملات الانتخابية، خصوصا التنافس الشديد بين نيكسون وكنيدي، كان الصحافيون الأميركيون وانطلاقا من نظرتهم لدور الصحافة على أنها كما يصفونها «أول مسودة للتاريخ» أو «أستاذ التغيير»، يطلقون على التلفزيون اسم «الصندوق الأحمق»، إلا أن أهمية التواصل بين المرئي والمكتوب تكمن في تسليط الضوء على ما يهم الرأي العام، فعند كتابة مقال يحتوي على معلومات أو ينتقد أفكارا تمس شريحة عريضة من المجتمع، أو تتحدث عن سياسات قد تؤثر اقتصاديا أو سياسيا، هناك حاجة لاستيضاح المقصود مما كتب من قبل الكاتب، وكما قال الفيلسوف جون ديوي «أن الحقائق لا تضع مدلولاتها على أكمامها».

هاورد كارتز الصحافي والناقد الإعلامي في صحيفة «الواشنطن بوست» ومقدم برنامج «ري لايبل سورسز ـ المصادر الموثقة» على شبكة «سي. إن. إن» الأميركية، يقول «التلفزيون هو سر اللعبة». مضيفا أن ما يميزه هو أن «تطل على الجمهور مباشرة على الهواء، فانتشاره اكبر بكثير». وآخر الدراسات التي قام بها «بيبول آند ذا برس ـ الناس والإعلام»، تشير إلى أن 82% من الأميركيين يحصلون على الأخبار من التلفزيون، بينما 42% يحصلون على الأخبار من الصحافة، و21% من الراديو، وأخيرا 14% من الإنترنت، علما بأن اكثر من 1000 صحيفة أميركية لها مواقع على شبكة الإنترنت، خصوصا إذا تذكرنا وجود 1901 محطة تلفزيونية، و1528 محطة تلفزيون رقمية في الولايات المتحدة الأميركية، تقابلها 1500 صحيفة يومية.

داود الشريان بدوره يتفق مع هذه الرؤية قائلا «التلفزيون يلعب دورا أهم، فمن خلاله أستطيع أن اصل إلى كافة الطبقات..فهو كلام منطوق ويمكن أن يصل لإنسان لا يقرأ صحيفة. لكن في الصحيفة يشترط عنصر القراءة ونحن لدينا نسبة أمية عالية. ونسبة توزيع الصحف ضعيفة والناس لا يميلون إلى القراءة.. فإذا كنت اصل إلى عشرة آلاف قارئ في الصحيفة فأنا اصل إلى ثلاثمائة ألف أو ربما إلى نصف مليون في التلفزيون.. فهذا عمل يستحق الانتباه والسعي إليه». مضيفا بأن العلاقة بين التلفزيونات والصحف «بدأت بالغرب، والقنوات العربية تقلد هذا.. وهو اتجاه صحيح حتى لو كان مقلدا.. وباتت بعض المحطات العربية تستعين بصحافيين لتقديم البرامج، فآخر واحد ظهر كان عبد الرحمن الراشد في تلفزيون المستقبل». بل أن الشريان قال انه في حال تلقيه عرضا مماثلا لتقديم برنامج تلفزيوني: «سوف أفكر بالموضوع جديا إذا كانت مؤشرات النجاح إيجابية»، حيث يقول ان العلاقة بين المرئي والمكتوب تحتاج الى تطوير «ويجب أن يكون للصحافيين دور فيها». لكن الصحافيين يكشفون عن غضب واضح تجاه تجاهل التلفزيون لما يكتب في الصحافة العربية، وافضل وصف لذلك الغضب كان بقلم عبد الله باجبير الكاتب الصحافي، في عنوان مقال له لا يحتاج إلى شرح وهو «سكت.. واخواتها»، يقول فيه «وهذا الضرب من السكوت أو الصمت أو الطناش ـ حيال ما يكتب ـ هو في الواقع لامبالاة بالرأي العام». عبد المنعم مصطفى، صحافي ومشرف القسم السياسي في صحيفة «المدينة» السعودية، يقول «القضية اكبر من ذلك»، معتبرا أن السبب في ذلك يعود إلى «غياب القضايا الكبرى الملحة والمفاهيم الرئيسية عن اجندة الإعلام العربي المرئي». موضحا بأن «حقوق الإنسان، والشفافية ومحاربة الفساد قضايا لا تشغل الإعلام المرئي في حين أنها موجودة بمساحات اكبر في الصحافة المكتوبة».

إلا أن العياشي جابو رئيس نشرة الأخبار في مركز تلفزيون الشرق الأوسط (ام. بي. سي) يقول «لا هو تعمد ولا هو تقصير، ولكن أهمية المواضيع الآنية وحيز الوقت هما من يحكم». مضيفا «في عشر دقائق ومع زحمة مواضيع الساعة مثل الوضع في فلسطين أو في العراق لا تجد متسعا من الوقت». ويشاطره في ذلك الرأي عبد الرحمن عدوي بالقول «ميزة التلفزيون هي عيبه، وهو عامل الوقت». لكن هناك آراء من قبل عاملين في بعض وسائل الإعلام المرئية العربية فضلوا عدم ذكر أسمائهم تكشف عن واقع آخر.. أحد مسؤولي الأخبار في وسيلة إعلامية عربية قال إن اقتراحا له بالتقاط أهم المقالات والتحدث لأصحابها على الهواء في نشرة الأخبار، رفض من قبل المسؤولين في القناة بحجة أن «كاتب المقال لن يعطيك اكثر مما كتب، واذا كان الكاتب يملك معلومات إضافية فسوف يقدمها عبر صحيفته».

أحد رؤساء نشرة الأخبار في مؤسسة إعلامية كبرى ذهب ابعد من ذلك بكثير وقال «الأمر يعتمد على سياسة المؤسسة الإعلامية نفسها، فبعض القنوات التي تعتمد على التهريج تلجأ كثيرا إلى الصحف». الشريان بدوره يقول «اعتقد أن المسألة تعتمد على مدى حرية الوسيلة الإعلامية. بعض وسائل الإعلام الرسمية التي لا تستوعب، ربما، بعض وجهات النظر التي في الإعلام المطبوع فتهمل هذا الجانب». من ناحيته يقول الدكتور مأمون فندي «من خبرتي مع الإعلام المرئي العربي لم أُسأل عن أي رأي كتبته. في المقابل كانت كل مقابلاتي في التلفزيونات الأميركية مبنية على ما كتبته في صفحات الرأي في الصحف الأميركية». مواصلا حديثه «إذا كان التلفزيون الأميركي تلفزيون المؤلفة قلوبهم، فالتلفزيونات العربية تلفزيونات المؤلفة جيوبهم. وقد اتضحت ظاهرة المؤلفة جيوبهم في قضية قطاع الأخبار في التلفزيون المصري».