خبراء يصفون جماعة «أنصار الإسلام» في كردستان العراق بـ«مولود القاعدة»

هاربون من قرى يسيطر عليها «الأنصار» يتحدثون عن تردد عناصر الاستخبارات العراقية على المنطقة

TT

يقول الاكراد العراقيون ان الدليل الذي يثبت علاقة صدام حسين بـ«القاعدة» موجود فوق احدى التلال الداكنة الواقعة في ظل جبال شينروي الشاهقة. وتقع في الوادي تحت هذه الجبال قرية بيارة و19 قرية صغيرة اخرى تسيطر عليها جماعة اصولية اسمها «انصار الاسلام». ويقول ضباط الاستخبارات والسياسيون وقادة المليشيات في هذا الاقليم الذي يديره الاكراد بشمال العراق، ان منظمة «انصار الاسلام» تكونت تحت إلحاح مبعوثين من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وانها تتلقى مساعدات لوجستية واسلحة، بما في ذلك الاسلحة الكيماوية، من بغداد. وتوصف جماعة «انصار الاسلام» بأنها مولود «القاعدة».

وفي خطابه امام مجلس الامن اول من امس، استند وزير الخارجية الاميركي كولن باول، على وجود جماعة «أنصار الاسلام» وقاعدتها بشمال العراق، باعتبارها حجر الزاوية في ادعاء الولايات المتحدة بوجود علاقة بين القاعدة وصدام. وقال ان هذه العلاقة اقيمت عن طريق ابو مصعب الزرقاوي، احد مساعدي بن لادن الذين يزعم الاميركيون ان صدام حسين يؤويهم ببلاده. وقد ذكر باول ان «شبكة» الزرقاوي تجري تجارب على «الريسين» وغيره من السموم بقاعدة «الانصار» بشمال العراق. واعترف باول بان قاعدة «انصار الاسلام» تقع في ذلك الجزء من العراق الذي لم يعد صدام حسين يسيطر عليه منذ انتفاضة الاكراد عام 1991، لكن المجموعة اقامت قاعدتها في جيب وعر يصعب الوصول اليه، يقع بالقرب من الحدود مع ايران، وكان حتى عام 2001 تحت سيطرة الادارة الكردية غير المستقرة.

ظلت «انصار الاسلام» تروع المواطنين هنا منذ اعلان تكوينها قبل 10 ايام فقط من هجمات 11 (ايلول) على الولايات المتحدة. وقد كان اول اعمالها اصدار فتوى تعلن فيها الهجوم على «المجتمع الكافر، والعلماني بكردستان العراق»، سياسيا واجتماعيا وثقافيا. وبعد ثلاثة ايام من تلك الفتوى اغارت قواتها قبل الفجر على قرية بالقرب من حلبجة، وقتلت 43 من المقاتلين الاكراد ومثلت بجثثهم. ويقول الاسرى من مقاتلي الجماعة ويؤكد القادة الاكراد ان «انصار الاسلام» تكونت بافغانستان عام 2001 بعد ضغوط مارسها كبار قادة منظمة «القاعدة» على المجموعات الاصولية الراديكالية من الاكراد لتناسي خلافاتهم وتوحيد منظماتهم تحت راية واحدة. ويمثل الاصوليون الاكراد غالبية مقاتلي الجماعة الذين يصل عددهم الى 900 ولكن حوالي 150 منهم اعضاء بمنظمة «القاعدة» وحركة طالبان ممن هربوا من افغانستان كما يقول الشيخ جعفر مصطفى القائد الكردي المحلي.

وزعم احد الاسرى من مقاتلي «انصار الاسلام» ان قائد المجموعة الملا كريكار، و10 من كبار قادة المجموعة تلقوا تدريباتهم بافغانستان بمعسكرات «القاعدة». وقال ان تدريبهم شمل الاسلحة الصغيرة والمتفجرات والتحقيقات والاختطاف والسموم. والاسير المذكور اسمه ريبوار محمد عبدال، 27 سنة، وقد اسر في ابريل (نيسان) الماضي. ويقول عبدال ان «القاعدة» كانت تصر على توحيد المجموعات الكردية حتى يجد اعضاؤها ملاذا يلوذون به في حالة غزو الولايات المتحدة لافغانستان. واضاف جماعة الانصار بمثابة الطفل للقاعدة وهي تتطلع لتكون مثل القاعدة وطالبان في كل الوجوه.

وقد قامت المجموعة بمهاجمة وتفجير محلات الزينة والخمور والمطاعم في المنطقة الكردية. واغتالت زعيما سياسيا كرديا عام 2001 وكادت ان تنجح في اغتيال برهم صالح، رئيس وزراء القسم الشرقي من الاقليم الكردي. كما هددت بقتل الصحافيين الاجانب وعمال الاغاثة فضلا عن الزعماء المسلمين المعتدلين. ويقول سكان القرى بهذا الوادي ان «انصار الاسلام» فرضوا نظاما شبيها بنظام طالبان. فقد اغلقوا مدراس البنات وحظروا الغناء والدعايات التلفزيونية. ويقال ان النساء اللائي يرفضن لبس البرقع يقتلن.

ويصف مقاتلو «البيشمركه» ـ القوات المحلية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني ـ وحشية الهجمات التي يقوم بها «انصار الاسلام» اثناء الليل. وقالوا انهم يهاجمون معسكرات البيشمركه وهم يهتفون «الموت لعملاء اميركا، الموت لاعداء الله، الموت للكفار»، حسب تصريحات ادلى بها محمد عمر، القائد الميداني الكردي. ويراقب البيشمركه خطوط المواجهة مع «الانصار»، من شبكة قلاع طينية يصل ارتفاع بعضها الى اربعة طوابق منتشرة وسط الحقول حول حلبجة. وعندما تمكن «انصار الاسلام» من اقتحام هذه القلاع كانت النتائج مرعبة: فقد استخدموا فؤوسهم في قطع رؤوس واطراف مقاتلي البيشمركه الذين سقطوا اثناء تبادل النيران. ويقول المسؤولون الاكراد ان ايران سمحت لمقاتلي القاعدة الهاربين بعبور اراضيها اثناء هروبهم من افغانستان. ولكن ايران تنفي انها تساعد هذه المجموعة. ويقولون ايضا ان الاحزاب السياسية الاسلامية المحلية، الشريكة لهم في ادارة كردستان، على الاقل من الناحية الفنية، هربت اموالا واسلحة لـ«انصار الاسلام». اما بقية الاموال فيقول الاكراد انها تصل من جمعيات خيرية.

ولا يصدق جميع خبراء الارهاب نظرية الشراكة بين «القاعدة» وصدام. ويقول كينيث كاتزمان، خبير شؤون الشرق الاوسط بهيئة البحوث التابعة للكونغرس، ان صدام لا يحب عناصر التطرف الديني، ولا يتعامل مع مجموعات لا يستطيع السيطرة عليها. ويضيف: اذا كنت واحدا من حلفائه فهو يكون راغبا في وجودك في ذلك الجزء من العراق الواقع تحت سيطرة بغداد. وعلى الداعين لنظرية التعاون بينه وبين انصار الاسلام ان يشرحوا كيف تعبر عناصر الاستخبارات العراقية الى ذلك الجزء من شمال العراق. لكن سكان قرية بيارة الذين هربوا من الوادي قالوا انهم شاهدوا عناصر من الاستخبارات العراقية وشاحنات وجنود عراقيين في قرى «الانصار». وقال القادة الاكراد انهم تنصتوا على محادثات باللاسلكي بين رجال صدام وعناصر من «الانصار». وقد وصل ضباط من الاستخبارات الاميركية ليطلعوا على التقارير التي تزعم ان جماعة «الانصار» تجري تجارب على حيوانات، مستخدمة في ذلك موادا كيماوية حصلت عليها من صدام. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان الزرقاوي هو الذي جلب هذه المواد الكيماوية من المستودعات العراقية، وقال ماغناس رانستوب، مدير مركز دراسات الارهاب والعنف السياسي بجامعة سانت اندروس باسكوتلندا «كل شيء يدور حول الزرقاوي. ولكنني لست متأكدا ان العراقيين اضطلعوا بادارة أية عمليات او قاموا بأي دور مع الانصار يتخطى مرحلة التدريب. وسيكون صعبا جدا البرهان على ان العراق شارك في العمليات او ارسل الزرقاوي الى هناك».

وتفوق قوات البيشمركه كثيرا قوات «الانصار» من حيث العدد، وتبلغ قوات الاتحاد الوطني ومنافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني مجتمعتين 30 الفا بما فيها قوات الاحتياط. لكن مواقع «الانصار» محصنة تماما وقد نشروا الالغام على كل الطرق المؤدية الى بيارة وخزنوا مزيدا من الاسلحة في الكهوف في تلك الجبال. ويشبه القادة الاكراد تحصينات «الانصار» بتلك الشبكة من الانفاق التي كان يقيم فيها بن لادن بجبال تورا بورا بشرق افغانستان، والتي كانت مسرحا لقتال دموي بين القوات الاميركية وقوات «القاعدة». ويساعد قرب بيارة من ايران على تسلل المقاتلين من «انصار الاسلام» عبر الحدود، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة قصف مواقعهم بدون استفزاز ايران. وقال مصطفى، القائد الكردي المحلي نحن في حاجة لطائرات ودبابات. حينها سنخرجهم من هنا في ظرف 24 ساعة. ويقول كاتزمان انها حتى لو لم تكن لها روابط ببغداد، فان جماعة «انصار الاسلام» اصبحت تسبب قلقا حقيقيا للولايات المتحدة. واضاف «استطيع ان اراهن ان الجيب الذي يحتله الانصار سيكون اول الاماكن التي يشن عليها الهجوم».

* خدمة: «يو. اس. ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»