محكمة النقض المصرية تسدل الستار على قضية سعد الدين إبراهيم وتحكم ببراءته

السفير الأميركي يرحب بالحكم وعالم الاجتماع يعلن أن إعادة فتح مركز ابن خلدون سيقرره مجلس الأمناء

TT

قضت امس محكمة النقض المصرية ببراءة استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاميركية بالقاهرة سعد الدين محمد ابراهيم من الاتهامات الموجهة اليه، واسدلت الستار على قضيته التي اثارت الكثير من الجدل السياسي بين المثقفين المصريين، وأحدثت ردود افعال شديدة بين القاهرة وواشنطن.

وحصل سعد الدين ابراهيم رئيس مجلس امناء مركز ابن خلدون، والناشط في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، على البراءة من كل التهم المسندة اليه، وبرأت المحكمة، وهي اعلى مراتب التقاضي في البلاد، باقي المتهمين في القضية، ولم تدن سوى ماجدة البيه المتهمة الرابعة بعقوبة مخففة هي السجن ستة اشهر مع ايقاف التنفيذ ايقافا شاملا، ومصادرة الشهادات المزورة المضبوطة والزمتها بالمصروفات الجنائية.

واستقبل ابراهيم حكم المحكمة بسعادة غامرة، وتعالت صيحات الفرحة من اسرته ودوت الزغاريد في قاعة المحكمة فور نطق رئيس المحكمة المستشار فتحي خليفة بحكم البراءة، ولم يستمع حشد الاعلاميين ومراسلي الفضائيات العربية والاجنبية لبقية منطوق الحكم. وقال ابراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الحكم انتصار للقضاء المصري والحريات والديمقراطية، وشعوري بعد الحصول على البراءة شعور بالحمد لله والامتنان لزوجتي ولابنتي، ولكل الاصدقاء والمثقفين الشرفاء من ابناء مصر والوطن العربي والعالم الذين وقفوا الى جانبي وانتصروا لي وللحق». ورحب السفير الأميركي في القاهرة ديفيد ولش بالقرار الصادر ببراءة سعد الدين ابراهيم، وقال في بيان وزع بقاعة المحكمة «نحن سعداء له بنهاية هذه القضية الطويلة جدا، وتحقيق الحرية لسعد لكي يستمر في عمله ويتلقى العلاج الطبي الذي يحتاجه». واضاف البيان الموقع باسم ولش:«ان حكومتي تتبعت هذه القضية من البداية، وهي تحترم رأي القضاء الصادر اليوم». وقال عرفان صديق الناطق باسم السفارة البريطانية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «ان بريطانيا ترحب بهذا القرار وقد سعدنا جدا به وسعدنا ببراءة سعد».

ورفض سعد الدين ابراهيم الربط بين الحكم ببراءته وبين التدخلات الاميركية لدى الحكومة المصرية قائلا: «لا اعتقد ان هناك علاقة بالمرة.. انا ارفض ان يكون هناك أي تدخل في أي شأن مصري، هذا تصور خاطئ، وبالنسبة لمحكمة النقض لا توجد قوة من الممكن ان تؤثر عليها غير ضمير قضاتها». وعما يقال حول ان منحه البراءة رسالة من الحكومة المصرية للتأكيد للولايات المتحدة انها حليف لها قبل الحرب القادمة على العراق قال:«لا اعتقد ان هناك علاقة بين الحرب ضد العراق وبين حصولي على البراءة، ولا اعتقد ان الرئيس حسني مبارك يستجيب لاية ضغوط». واشار الى انه توقع البراءة قبل صدورها، وان اعادة فتح مركز ابن خلدون امر سيقرره مجلس الامناء وليس اية جهة اخرى.

واوضح انه لن يغادر مصر الا للعلاج عندما يستخرج جواز سفره وانه سيخضع للعلاج اما في اميركا أو في سويسرا، وسيعود بعدها مباشرة ولن يقيم الا في مصر وطنه وموطن صباه واحلامه، على حد تعبيره. وقال ايضا انه ضد الحرب، «فهي دائما مأساة في تاريخ البشرية، وهذه الحرب الاميركية القادمة ضد العراق ليست استثناء من ذلك». واعرب عن امنيته بأن ينتهي هذا الفصل المزعج من تاريخ المنطقة بدحر كل عدوان وكل استبداد. وادان في نفس الوقت دكتاتورية صدام حسين وقال انه خاطب الرئيس العراقي في رسالة مباشرة ارسلها اليه من السجن في 25 اغسطس (آب) عام 2002 طالبه فيها بالرحيل وحقن دماء شعبه.

وفي تعليق خاص لـ«الشرق الأوسط» قال: «اشكر جريدة «الشرق الأوسط» على موقفها النزيه في هذه القضية طوال السنوات الثلاث الماضية».

وكانت محكمة النقض المصرية قد بدأت جلستها في التاسعة من صباح امس، وحضرها مندوبون من السفارات الاجنبية العاملة في مصر، فضلا عن عدد من اصدقاء ابراهيم، من بينهم الكاتب المسرحي علي سالم احد شهود القضية، وايضا احد المشاركين في ادلة الاتهام، فهو صاحب نص الفيلم الخاص عن الانتخابات «ادخل شريك وشارك»، والذي وجهت على اساسه للمتهمين تهمة الاساءة لسمعة مصر في الخارج بتقديم بيانات وشائعات كاذبة عن تزوير الانتخابات واضطهاد المسيحيين.

ووصف علي سالم هذه المحاكمة بأنها «حدث مؤلم جاء نتيجة صراع بين الجناح الرجعي في السلطة والجناح التقدمي وكان لابد ان يكون هناك ضحايا ومن حسن الحظ ان هذا اخف انواع الضحايا لان هذا الصراع عندما يحدث في بلاد اخرى تكون خسائره عالية جدا ولكن في مصر تظل الطيبة هي السائدة حتى في خصوماتها».

وترجع وقائع قضية مركز ابن خلدون الى 3 سنوات مضت وبالتحديد في 30 يونيو (حزيران) عام 2000، حيث القي القبض على سعد و27 من العاملين والمتعاملين مع مركز ابن خلدون وتمت احالتهم للقضاء امام محكمة امن الدولة العليا برئاسة المستشار محمد عبد الجيد شلبي، والتي عاقبت سعد الدين ابراهيم بالسجن 7 سنوات، وخمسة من معاونيه بمدد تتراوح ما بين عامين وخمسة اعوام عن تهم تلقي اموال من الخارج بالمخالفة للقرار العسكري رقم 4 لسنة 1992 والذي يحظر تلقي اموال من الخارج من دون اخطار الحكومة المصرية، واذاعة اخبار وبيانات كاذبة ومغرضة حول اضطهاد المسيحيين، وتزوير الانتخابات والنصب على الاتحاد الاوروبي.

وعندما تقدم محامو الدفاع بطعن في الحكم قُبل الطعن من قبل محكمة النقض التي قررت احالة القضية الى هيئة جديدة، وفي 21 ابريل (نيسان) 2002 بدأت اعادة المحاكمة امام هيئة المحكمة الجديدة برئاسة المستشار عبد السلام جمعة وفي 29 يوليو (تموز) 2002 قضت المحكمة بمعاقبة سعد بنفس العقوبة الاولى وهي السجن 7 سنوات، وقضت بمعاقبة ثلاثة من معاونيه وهم نادية عبد النور ومحمد عمارة وماجدة البيه بالسجن ثلاث سنوات للثاني والثالثة وسنتين للاولى.

ولكن تقدم محامو المتهمين بطعن في الحكم، قبلته محكمة النقض للمرة الثانية في 3 ديسمبر (كانون الاول) 2002، وحددت جلسة 4 فبراير (شباط) الماضي للنظر في القضية امامها كمحكمة موضوع، حيث ان القانون المصري يقضي بأن تنظر محكمة النقض بذاتها في موضوع القضية في حالة قبول الطعن في الحكم مرتين متتاليتين، وبعد جلسة واحدة ترافع خلالها محامو الدفاع امام محكمة النقض لاكثر من 6 ساعات قررت محكمة النقض النطق بالحكم في جلسة الامس، حيث قضت ببراءة المتهمين، ولم تدن سوى ماجدة البيه بعقوبة مخففة هي السجن لمدة ستة اشهر مع ايقاف التنفيذ، ورحبت المنظمات الحقوقية المصرية بالحكم، وقالت المنظمة المصرية لحقوق الانسان في بيان اصدرته عقب النطق بالحكم، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قائلة: «واذ نحترم مبدأ عدم التعليق على احكام القضاء، الا اننا نعرب عن ترحيبنا الشديد بالحكم ونؤكد ثقتنا مجددا في احكام محكمة النقض في مصر». وطالبت المنظمة السلطات المصرية بضرورة وقف العمل بقانون الطوارئ وملحقاته وفي مقدمة ذلك الامر العسكري رقم 4 لسنة 1992 الصادر بموجب قانون الطوارئ، والذي استخدم ضد المدنيين ونشطاء المجتمع المدني.