خناثة بنونة: أحمد الله أنني لم أفقد عقلي أو لم أسقط سقوطا يجعلني أفقد احترامي لنفسي

القاصة والروائية المغربية لـ«الشرق الأوسط»: كان الكتاب المغاربة يخشون من منافسة الأقلام النسائية

TT

بعد أمينة اللوح ومليكة الفاسي في الثلاثينات والأربعينات ظهر اسم خناثة بنونة بالموازاة مع أسماء كل من رفيقة الطبيعة (زينب فهمي) وفاطمة الراوي في أواسط الستينات، ولكنهما توقفتا عن الكتابة فيما استمرت خناثة بنونة حيث نشرت قصصها في صحيفة «العلم» قبل أن تصدر مجموعتها القصصية الأولى «ليسقط الصمت» عام 1967 عن دار الكتاب بالدارالبيضاء، وهي المجموعة التي أحدثت أثرا قويا في الساحة الثقافية المغربية ساعتها واعتبرت حدثا غير عادي في تاريخ الكتابة المغربية المعاصرة.

وبعد المجموعة القصصية الأولى «ليسقط الصمت» صدرت للكاتبة خناثة بنونة رواية بعنوان «النار والاختيار» عام 1969، وهي رواية كتبتها في أربعة أيام بعد شهور من التشرد جراء هزيمة 1967، وحصلت من خلالها على جائزة المغرب للكتاب في صنف الابداع عام 1970. ثم تلتها أعمال قصصية أخرى وهي: «الصوت والصورة» عن دار النشر المغربية 1975، و"العاصفة» عن مطبعة الرسالة 1979، و«الصمت الناطق» عن عيون المقالات عام 1987، ورواية «الغد والغضب» عن دار النشر المغربية عام 1981.

لكن هذه الكاتبة القومية التي تعد رائدة في كتابة القصة والرواية بالمغرب، سرعان ما توقفت عن الكتابة مع بداية التسعينات من القرن الماضي وأوقفت خزانتها على مؤسسة علال الفاسي وعلى الخزانة العامة بالرباط. عن أسباب هذا التوقف وعن تجربتها الكتابية، ودورها في اصدار أول مجلة ثقافية نسائية بالمغرب كان هذا الحوار معها.

* لماذا توقفت عن الكتابة؟

ـ أولا ليس الأمر بتوقف بل هي وقفة، وقد تكون هذه الوقفة طالت. ولكن للعلم فكل ما في ينكتب ويكتب ويحلل ويتناقش ويتفاعل ويفعل. إنما السؤال الذي فجرته في أحداث حرب الخليج، هو أن الرجات والعواصف والزلازل والنكبات الكبرى هي التي تحرك الشعوب وهي التي تغير المسارات وهي التي توقظ أهل الكهف. فإذا كانت الحرب العالمية الثالثة التي لم يشهد العالم الانساني مثيلا لها في التاريخ البشري، قد وقعت في ساحتنا، ومع ذلك لم يتغير شيء. فأهل الكهف ما زالوا في سباتهم غائبون وأهل الفكر قد أظهرت الأحداث افلاس تنظيراتهم. فهل المبدع الذي يمتلك حسا ووعيا عاليا سيظل انتسابه للقلم والكلمة قبل الرجات هو نفسه بعد الرجات؟ إذا لم تستطع هذه العواصف والزلازل التي تهدد جنسا بأكمله بالانقراض، وأن تغير حتى علاقاتنا بالقلم والكلمة فكيف أنها ستغير علاقتنا بالواقع وبالزمن حاضره ومستقبله. إذن بشكل من الأشكال أنا أدين كل من بقي على نفس خطه ومساره ومنواله ويقينياته قبل الرجة هو هو بعدها. إذا لم يكن احساس الآخرين بما تعرض له واقع أمة وجنس لم يفعل فيهما شيئا فقد فعل في أنا وفي معبودتي بعد الله وهي الكلمة. وأحمد الله أنني لم أفقد عقلي أو لم أسقط سقوطا يجعلني أفقد احترامي لنفسي. لذلك قلت في بيان، لم ينتبه اليه الكثيرون، انه «حينما تتنمر خيانة اللون والجلد والهوية فاغرس قدميك في أس الوصول الى الركام حتى لا يجرفك تيار الانحصار الى الخلف».

* ألم يكن بالامكان التعبير عن هذا الغضب وعن هذا الرفض من خلال أعمال ابداعية أخرى مثلما فعلت في الفترة الأولى؟

ـ لو رجعنا الى الماضي وبالضبط الى أحداث 1967، كانت روايتي «النار والاختيار» هي جواب على ضياع عشته حوالي تسعة أشهر، حيث حار الأطباء فيَّ، بحيث أن والدي، لما عجز الأطباء عن اشفائي، شدني من شعري وقال لي: «أطلقي اسرائيل من داخلك لتطلق يدك ورجلك. إنك لم تنهزمي وحدك بل انهزمنا جميعها من المحيط الى الخليج». وقد ظللت على هذه الحالة لمدة تسعة أشهر حتى كتبت رواية «النار والاختيار» في أربعة أيام الكتابة الأولى. فهل سأظل أفعل هذا كل ما عصفت الكوارث بأمتنا؟ أنا لا أكتب إراديا ولا أخط الكلمات الميتة.

* إذن ما مفهوم الكتابة لديك ؟

ـ الكتابة دلالة وجود ومعانفة الوجود والابحار فيه والفعل فيه. الكتابة هي تحقيق الوجود المحلوم به، وهي معانقة الذاتي والموضوعي والكوني واللانهائي والابحار فيها، وذلك لتحقيق البديل المغاير، والسير الواعي عبر محطات الى المحطة النهائية التي لا أعتقد أنها في الإمكان. حينما يتعانق في المبدع الانسان والوجود والكينونة واللانهائى، فهذه هي الكلمة بالنسبة لي. وحينما يكون المبدع في حالة خلق يمتزج بداخله كل ذلك، ولا يستطيع أن يقول انني سأكتب الآن من منطلق ذاتي أو موضوعي أو كوني ولا نهائي. فالمبدع الحقيقي والمبدع الخلاق هو تلك الذات الراشحة بمعرفة ذاتية موضوعية مطلقة. الكتابة تكون هي رشح لكل ذلك الوعاء الممتلئ بكل ما هو معرفي وفني وابداعي بكل ما هو منشد وناشد للغد وللآتي.

* ذكرت غير مرة أن الكتابة بالنسبة لك أداة وفعل لتغيير الواقع ألم تعد كذلك الآن؟

ـ هذا سؤال ذكي بشكل كبير ويحاصرني. وأنا معك لقد قلتها ومازلت أقولها وأومن بها، ولكن هل سأكرر خناثة بنونة وقلم خناثة بنونة؟ وهل سأظل أكرر نفسي باستمرار؟ فقد قيل عني في دراسات وأبحاث في الشرق والغرب وأوروبا أن قلم خناثة بنونة أول ما انغرس انغرس في القضايا المصيرية والقضايا الساخنة والخطيرة. فهل سأظل أثرثر وأكرر ما قلته سابقا؟ أنا لم أكن أغني «يا ليل يا عين» من قبل أو كنت في برج عاجي أو كنت أغني تلك الذات النسوانية كما فعل العديد؟ فحينما انغرس قلمي وبالضبط في مجموعتي القصصية الأولى «ليسقط الصمت»، انغرس في القضايا المصيرية، قضية وطن وأمة. إذن هل سأظل أكتب تلك المواضيع بكلمات أخرى؟ الدلالة هي هي والموضوع هو نفسه. فما يختلف هو القالب.

* إذن برأيك القول دون فعل لا جدوى منه؟

* الآن أنا أفعل كما كنت سابقا، فروايتي «النار والاختيار» قدمتها في مزاد علني لصالح القضية الفلسطينية، وأرسل لي ياسر عرفات خالد أبو خالد الشاعر المناضل الذي حمل السلاح وقلدني وسام منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت، وقال لي أن بعض النسخ من روايتي بيعت بما يعادل مليون فرنك. فالكلمة دائما مقرونة بالنسبة لي بالفعل، وطالما تساءلت حول الكتابة أهي ترف أم ضرورة؟ أوليس الفعل الآن أولى من الترف؟

* القارئ المعتاد على كتابات الأديبة خناثة بنونة، يرى أنها كاتبة قومية تحركها أساسا القضايا العربية والقومية. ألا يحركك الآن ما يقع في الساحة العربية ويدعوك للكتابة؟

ـ باستقراء بسيط للواقع العربي المتردي على جميع المستويات، فكل ما وقع فيه بصرك أو فكرك أو قلمك يشعرك بالخجل والألم. بالله عليك أي شيء في ساحتنا يتحرك أو يفعل أو يتطور أو يسير الى الأمام؟ دلني على شيء ما أستطيع أن أكذب به نفسي وأقول إن الواقع فيه بصيص من فعل أو عمل أو مشروع فكر أو عمل؟ هناك إحباط مطلق على المستوى العام والخاص، وعلى مستوى القمة والقاعدة، كأن هناك غضبا ربانيا ينزل على هذه الأمة في هذه المرحلة، فنرجو الله تعالى اللطف. فكلما استقرأنا واقعنا منذ عصر النهضة نجد الآخر بالمرصاد، فكلما ظهر هناك مشروع فعل أو تنظير يعمل الآخر على اغتيال هذا الوليد المحلوم به أو الذي هو في طور الجنينية. لقد عرفت الساحة في الأمة والوطن عدة محاولات للوقوف على أساس أن يكون الآخر محاورا ومخاطبا ومعلما كما كنا نحن من قبل. لكن هذه المنطقة أو ربما الدين الاسلامي كان ومازال يشكل خطرا على الآخر. وهنا أتذكر ما قلته لصحفية من جريدة «لوموند» جاءت للقائي بالمغرب حينما أرادت أن تشعرني بأن تخلف المجتمع الاسلامي بسبب المرأة وتخلف المرأة سببه الاسلام، فأجبتها: حينما اتصلتم بي من أجل اجراء هذا اللقاء علمتم أنني امرأة مسلمة ومؤمنة وأؤدي الفرائض، وبما أن الاسلام هو سبب التأخر والتخلف برأيكم فلماذا أتعبتم أنفسكم وجئتم للقائي، فهذا شيء غير منطقي. فسألتها عن الايجابيات التي قامت بها المرأة الأوروبية ولم تقم بها المرأة المسلمة. وقلت لها أيضا: فيما قبل شبهوني بفرانسواز ساجان ورفضت، وشبهوني بسيمون دوبوفوار في السوربون ورفضت أيضا على الرغم من أوجه التقارب الكثيرة بيني وبين هذه الأخيرة. فقلت لها: إنني لا أقوم بالفرائض الخمس فحسب بل مؤمنة ومقتنعة بهذا الاسلام لأنه لم يكن عائقا أبدا في حياتي. وقلت لها أن مشكلتكم في الغرب هو أن فكركم عشش فيه الفكر الصهيوني وأعطاكم صورة مشوهة عنا.

* كمناضلة وكاتبة ما رأيك في «التغييرات» التي شهدها المغرب مع حكومة التناوب والحكومة الحالية؟

ـ حقيقة هناك خيبة كبيرة. فلا حكومة التناوب ولا هذه الحكومة فعلت شيئا. وعلى العموم فمنذ عصر النهضة كانت هناك عدة محاولات للوقوف ولكنها كانت تجهض في المهد. هل من أجل البترول أم من أجل الدين لا أدري. وقد قلت للاخوان بالكويت في زيارة أخيرة ان البترول ليس إلا لأميركا واسرائيل، لأن الأمة العربية كانت قبل البترول جائعة أمية وما زالت بعد البترول كذلك. فماذا فعلت الدول العربية بهذا البترول؟ ولكن مع ذلك فهذا يعطيني صورة أخرى وهي أن هذه الأمة العربية الاسلامية لها من القوة والعراقة ومن الأصالة والحضارة ما يجعلها لم تنقرض الى الآن على الرغم مما تعرضت له من دمار وحروب وإبادة. وهذا طبعا لصالح هذه الأمة لأنه ليس من السهولة القضاء عليها، على الرغم من أن القوة الكبرى في العالم زرعت اسرائيل في قلبها من أجل أن تكون هي الداء الذي سيقتل بقية الجسد. لكن هاته الأمة ظلت ترفض هذا الجسد.

* قوبلت مجموعتك القصصية الأولى «ليسقط الصمت» بالقبول من طرف البعض وبالرفض من قبل كتاب أمثال الراحل محمد زفزاف وابراهيم الخطيب وادريس الخوري، حيث اعتبروها قصائد نثرية أكثر منها قصص. فهل كان ذلك النقد نابعا من خصوصية تلك الكتابة أم من حذر لمنافسة نسائية لأقلام رجالية؟

ـ الكثيرون رحبوا بمجموعتي القصصية الأولى، لدرجة أن هناك من حفظها عن ظهر قلب، ولكن هناك قلة قليلة من الذين قالوا أن أسلوبها شاعري بدرجة كبيرة. والآن هم يبحثون عن هذا الأسلوب الشاعري، ولا أظن أنهم قد وجدوه. ولهذا فأنا كنت أقول دائما للناقد المغربي محمد برادة انه «عراب المافيا الثقافية بالمغرب»، لأنه كلما ظهرت موضة في الغرب إلا ويجب أن يلبسها للأدب المغربي. ويشهد النص قبل أن يشهد أحد أن كتاباتي تحمل قضية من أول قصة في أول مجموعة. وحينما كانت المرحلة مرحلة الواقعية الاشتراكية، قال بعض الكتبة بأن كتابتي أرستقراطية، ويستخدمون ضدي مصطلحات أدعياء الثورة والماركسية والاشتراكية. فأصدرت مجموعتي القصصية «الصوت والصورة» وكلها انتقاد لهؤلاء، حيث نعتتهم بثوار المقاهي والليالي الملاح، ثوار العربدة والفساد. لقد كانوا يخشونني لأنني كنت أفضحهم ومن لم يكن يستطيع مواجهتي كان يسلط عليَّ أحد أترابه أو أصهاره . لكنهم لم يستطيعوا أن ينالوا مني أو يغيروا قناعاتي، ويكفيني فخرا أن يصفني الشاعر الراحل أحمد المجاطي بـ «ملكة الابداع بالمغرب، وقلم المبادئ والقضية». وكما قلتِ فإنهم كانوا يخشون من منافسة الأقلام النسائية لهم والتي للأسف كانت معدودة بالأصابع. وعلى النقيض فقد لقي ابداعي ترحيبا في المشرق، كما أن بعض المغاربة غيروا مواقفهم تجاه كتاباتي فيما بعد.

* هل أنت مع مصطلح الابداع النسائي؟

* أنا ضد هذا المصطلح، لأنه إما أن يكون هناك ابداع أو لا يكون، حيث لا نقول طب نسائي وطب رجالي، وقانون رجالي أو قانون نسائي. الرهان هو النص الحقيقي. أنا ضد كتابة التسطيح، فهي بالنسبة لي ليست أدبا، وللأسف فقد سقط الشعر هو أيضا في هذا المطب.

* هل موقفك هذا من مصطلح الكتابة النسائية هو الذي جعلك تتغيبين عن «ملتقى المرأة والكتابة» الذي ينظمه اتحاد كتاب المغرب بآسفي؟

* أولا أنا لم أكن ساعتها في المغرب، وثانيا أنا لي مؤاخذة على حسن نجمي رئيس اتحاد كتاب المغرب، لأنني سبق وعرضت عليه مقترحا لخلق جائزة «خناثة بنونة للثقافة والفكر»، والتي ستكون مواردها المالية من مدخول ايجار سنة لشقة لي بمدينة فاس تركها لي والدي، بحيث تبقى الجائزة محبسة على الشباب المغربي المبدع. ولكنه للأسف لم يستجب ولم يعلن عنها، ولا أعرف لحد الآن السبب، هذا مع العلم أنني لا أرغب في منافسة أي أحد ولا أسعى وراء منصب معين.

* وهذا يدعوني لأسألك عن رأيك في «اتحاد كتاب المغرب» الآن على اعتبار أنك أول عضو نسائي فيه؟

* لدي مؤاخذات عديدة على اتحاد كتاب المغرب ولست راضية عما وصل إليه لا اتحاد كتاب المغرب ولا وزارة الثقافة، فللأسف الكل يشتغل بمنطق المحسوبية والزبونية.

* يبدو أن القصة القصيرة هي الجنس الأدبي الأثير لديك..

* لقد بدأت بكتابة الشعر، وأتذكر أنني كتبت قصيدة في فلسفة القوة متأثرة بنيتشه، بحيث أن قراءاتي في الطفولة والمراهقة كانت أكثر من سني. فقد قرأت لشتاينبيك، ودوستويفسكي، وفولتير، والمتنبي العظيم. لقد كانت قراءاتي كثيرة جدا، وكانت ذاكرتي قوية جدا، وكنت أنفر من الكلام المسطح، وأميل الى اللغة الغنية الدسمة الملونة الراقية فيها حمولة وتنويع وتجديد في التركيب. كتبت وعمري 14 سنة ونشرت أغلبها في جريدة «العلم». فمن الشعر تحولت الى كتابة القصة القصيرة فالرواية. أنا عصامية بالدرجة الأولى، لم أدرس حتى الثانوي أو الجامعة فأنا خريجة المعهد العراقي العالي تخصص اجتماعيات، والأدب هو دراسة شخصية، فعشرتي مع العلم والتعلم لم تكن موجهة ولكن كان هناك نوع من النهم غير المعقول وغير المنطقي للكتابة والقراءة. ولا أدري كيف وجدت نفسي في القصة القصيرة، ربما هي قراءاتي المتعددة لكتاب عالميين هي التي دفعتني الى كتابة القصة، فهذا التجميع لكل هذا الكم والكيف من الفكر الانساني داخل هذا الوعاء البسيط الذي هو الأدب، هو الذي تفجر فيما بعد لدي من خلال الكتابة. وعلى مستوى اللغة فقد تأثرت منذ البداية بالمتنبي ودوستويفسكي. * كانت لديك تجربة رائدة في الستينات باصدارك لأول مجلة نسائية ثقافية وهي مجلة «شروق». ولكنها توقفت بعد مجموعة من التضحيات. فهل لنا أن نعرف سبب توقف تلك المجلة ؟

ـ كنت أراهن وجيلي على بناء قاعدة للأدب الحديث بالمغرب، وحرق المسافات لتأسيس ولو ذاتا أدبية لنقول للمشرق ان لنا قامتنا وأدبنا. ولما كانت الساحة الثقافية انذاك فارغة فكرت في اصدار مجلة ثقافية نسائية وهي مجلة «شروق» التي صدر أول عدد منها عام 1965، فهي مجلة دورية كانت تضم مواد ثقافية واجتماعية وتغطيات متنوعة. وأهم ما في هذه المجلة هو أنها استقطبت مجموعة من المثقفين المغاربة، فأغلب الأدباء المعروفين الآن كتبوا في تلك المجلة ومنهم: محمد برادة، محمد السرغيني، عبد الجبار السحيمي، التهامي الراجي والراحل أحمد المجاطي. وأنا أسائل نفسي الآن كيف استطعت في تلك المرحلة اصدار تلك المجلة، خصوصا أنه لم تكن لدي الامكانيات المادية ولا المعرفية اللازمة لذلك، ولكن كنت أتحدى الصعاب وأركب المستحيل من أجل تحقيق هدفي، فقد كانت مواد المجلة تعد بفاس، أما طباعتها فكانت تتم في الدارالبيضاء. وللأسف لم تستمر المجلة وتوقفت بعد أربعة أعداد، ولا أود الخوض في أسباب توقفها لأنها تحتاج الى جلسة خاصة. وأذكر هنا ما قاله لي الراحل علال الفاسي حينما طلب مني ان أتوقف عن اصدار المجلة «كان يجب أن تتأخر ولادتك بالمغرب إلى ما بعد 100 سنة، حتى يتطور المغرب ويتقدم ويصل الى المرحلة التي تناسبك». فأجبته «لو أن هذا الجدار الذي أمامي هو المستحيل نفسه، لظللت أضرب رأسي عليه حتى أموت أو أفتح فيه كوة تصنع منها الأجيال الآتية بابا للمستقبل». ومع ذلك فقد كنت آمل في أن تحييها الأجيال التي أتت بعدي، ولكن للأسف لم أتلق هذا العرض سوى من المشارقة وبالخصوص من الكاتبة حميدة نعناع التي كانت ترغب في احيائها لتصبح مجلة عربية.