ناشر رسالة «انقلاب اوفقير»: الشخص الذي سلمني إياها كان عنده وعي بعدم استعمالها للمخاطرة بالديمقراطية في المغرب

TT

ما زالت تداعيات الرسالة المنسوبة الى المعارض والمنفي المغربي السابق الفقيه محمد البصرى، والتي يتهم فيها شخصيات تاريخية بالتآمر مع مدبري المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الملك الحسن الثاني في مطلع السبعينات، تثير حولها الكثير من ردود الفعل. «الشرق الأوسط» اتصلت بعمر السرغوشني المعارض اليساري الذي نشر الرسالة بصحيفة «لوجورنال» وسألته عن قصة هذه الرسالة والهدف من الزوبعة التي اثارتها، فكان هذا الحوار الهاتفي مع صاحب الضجة من باريس حيث يوجد حاليا.

* ما هي قصة هذه الرسالة؟

ـ الذي سلمني الرسالة هو عبد الغني بوستة الذي تعرفت عليه في أوائل التسعينات، أثناء تجمع تضامني مع محمد نوبير الاموي الامين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل (اتحاد عمالي) الذي كان معتقلا آنذاك، وخلال هذه الحملة التضامنية نسجت صداقة حميمة بيننا.

* أين تم اول لقاء بينكما؟

ـ كان ذلك في باريس.

* وما الذي جعله يثق فيك ويسلمك هذه الرسالة التي كان يعرف أهميتها؟

ـ كان يعرف اهميتها، وكان حريصا على ان لا تستعمل في أفق صراع حزبي، او في أفق تصفية حسابات شخصية. وكان بيننا نقاش دائم. وفي آخر التسعينات وصلنا الى مجموعة نتائج لنقاشنا، وأراد ان يمدني بأدلة على التحليلات التي وصلنا اليها، فسلمني نسخة من هذه الرسالة ومجموعة من المعلومات حولها. ما قلته في صحيفة «لوجورنال» خلق نوعا من الغموض يجب تصحيحه هنا، فصاحب الرسالة لم يكلفني شخصيا بنشر هذه الرسالة. فلم تكن وصيته لي (قبل وفاته عام 1998) ان أنشر هذه الرسالة، وانما طلب مني اذا استعملتها الا استغلها لتصفية حسابات شخصية، وأن لا يكون ذلك في أفق صراعات سياسية داخلية.

* الرسالة كوثيقة هل كتبت بخط اليد ام انها مرقونة؟

ـ مكتوبة بخط اليد، وانا واثق من صحتها، لان عبد الغني بوستة عاش مع الفقيه البصري (كاتب الرسالة) مدة 10 سنوات، وكان مقربا منه حتى بداية الثمانينات عندما افترقت بهما السبل، وكانت لديه مجموعة من الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة.

* هل توجد عندك النسخة الاصلية للرسالة؟

ـ لا، ليست النسخة الاصلية.

* هل احتفظ بها لنفسه، وكيف تأكدت انت من صحتها، هل هي فعلا كتبت بخط الفقيه البصري؟

ـ الفقيه البصري لم ينف صحتها، فجميع تصريحاته بعد نشر الرسالة، وخلال جميع الاتصالات التي تمت معه قبل نشرها رغم انه كان يعارض النشر بينت أن البصري تحمل مسؤوليته. وهل تعتقد انه لو كانت الرسالة غير صحيحة كان الفقيه البصري سيترك كل هذه الزوبعة حولها ولا يتدخل لتكذيبها.

* هل سبق لك ان عرضتها عليه شخصيا للتأكد من صحتها؟

ـ عرضتها عليه منذ عدة شهورة، وكان دائما هناك نقاش حولها باعتبارها رسالته وهو كاتبها. ولا أعتقد ان هذا هو المهم لاننا الآن تجاوزنا مرحلة النقاش هذه حول صحة الرسالة او عدمها.

* لكن اسمح لي ان اعود بك الى الوراء، لقد كان من المفترض ان يقوم عبد الغني بوستة بتسليم هذه الرسالة لعبد الرحمن اليوسفي احد الاشخاص الموجهة اليهم، هل ابلغك بوستة بانه سلم هذه الرسالة الى المرسل اليه؟

ـ لا معلومات لدي بهذا الخصوص.

* ألم يقل لك لماذا احتفظ بها كل هذه الفترة بدون ان يسلمها الى المرسل اليه؟

ـ احتفظ بها لانه كان واعيا بان مضمونها خطير، ومضمونها لا يلزم الا صاحبها، فنحن لا يمكن ان نؤكد مدى صحة ما جاء في تلك الرسالة، وعبد الغني كان عنده وعي بأن لا تستعمل في ظرف ما للمخاطرة بالديمقراطية في المغرب.

* كانت وصية بوستة بان لا تنشر هذه الرسالة في ظرف يستغله خصوم قوى اليسار، ألا ترى ان نشر الرسالة في هذا الظرف هو ضد وصية من سلمها لك؟

ـ لا أعتقد ذلك، فالمقصود من وصية عبد الغني بوستة هو أن لا تستفيد منها جهات غير وطنية، فالانسان يمكن ان يكون من اليمين او من اليسار لكنه وطني، وربما قد يطرح السؤال حول توقيت نشرها في هذا الظرف بالذات، والشهور المقبلة يمكن ان تبين ان نشرها في هذا الظرف كان خطأ أو صوابا، لكن قناعتي تقول لماذا لم يتم نشرها من قبل، فمن قبل لم يكن هناك نقاش حقيقي في الساحة السياسية المغربية، فقد وقع انفتاح واضح في المغرب قبل شهور. وقيلت اشياء وكتبت اشياء واتخذت مبادرات لتعزيز هذا الانفتاح السياسي، فالجو السياسي الذي نشرت فيه الرسالة ليس هو الجو السياسي الذي كان يعيش فيه المغرب قبل شهور، لذلك لم تنشر هذه الرسالة من قبل. وبعد الخطاب الملكي امام البرلمان الذي طرح الديمقراطية الداخلية داخل الاحزاب، ومحاولة تحريف النقاش من طرف الاحزاب نفسها التي كانت تهدد كلما جرى الحديث عن الديمقراطية داخلها، بالحديث عن التعديلات الدستورية، مما جعل من الصعب الحديث عن ديمقراطية المؤسسات بما ان الاشخاص الموجودين في هذه المؤسسات اصلا اشخاص غير ديمقراطيين، ففي البداية يجب ان يكون الافراد ديمقراطيين حتى يمكننا الحديث عن ديمقراطية المؤسسة.

من جهة اخرى، ربما قد يطرح السؤال لماذا تم التعجيل بالنشر الآن ولم يتم انتظار عشر او خمس سنوات حتى يتأكد بان هذا المسار الذي يسير فيه المغرب لا رجعة فيه. اقول جوابا على ذلك ان الرسالة تتضمن اشياء خطيرة، ونحن في ثقافتنا الاسلامية يصعب توجيه الاتهامات للموتى، لذلك فانا اتفهم شعور الناس الذين فوجئوا او صدموا بمضمون الرسالة، لكن في رأيي لابد من طرح الاسئلة على الاحياء ممن تشير اليهم الرسالة ليصححوا ما يتطلب التصحيح، وتأكيد ما هو أكيد.

* لكن ما الفائدة من اثارة مثل هذا النقاش، اذا كان المعنيون الاساسيون بما حدث على اطلاع بما جرى، فالملك الحسن الثاني كان على علم بكل دقائق الموضوع ولابد انه اطلع خلفه الملك محمد السادس على كل التفاصيل، فما الفائدة من العودة بجيل يتطلع الى بناء المستقبل لنقاش امور حدثت في الستينات والسبعينات؟

ـ لان الجيل الذي يريد ان يبني المستقبل لابد أن يبنيه على اسس صحيحة وسليمة، وحتى لا يقع الجيل الحالي في اخطاء او حتى لا يعود الى العمل بنفس الميكانيزمات التي كان يعمل بها سلفه، حيث ان القيادات كانت هي التي تتخذ القرارات بدون مشاركة القواعد السياسية، فمازال العمل جاريا بنفس الميكانيزمات حتى داخل الحكومة الحالية، فقرار منع الصحف الثلاث لم يكن عليه اجماع داخل الحكومة نفسها، ومع ذلك فقد تم تقديم القرار على انه اتخذ بالاجماع، ونفس الشيء يتكرر داخل الاحزاب وداخل المكونات السياسية المختلفة.

* الا ترى ان نتائج نشر الرسالة جاءت عكسية، فبدلا من فتح حوار ونقاش سياسي حول الماضي، عادت بنا الى عادات ذلك الماضي من تكميم الافواه ومنع الصحف، فمن المستفيد من هذا الجو الذي نتج عن نشر الرسالة؟

ـ في رأيي لا يمكن الحكم على نتيجة نشر الرسالة خلال اسبوعين، فلا بد من انتظار الشهور المقبلة، فما حصل من جانب الحكومة هو شيء غير معقول، لقد كان من المفروض ان تكون ردة الفعل قوية، وتصرف بعض الاخوان كان هدفه هو منع جميع الوسائل التي يمكن عبرها ممارسة الحوار والنقاش، واتمنى ان تمر مرحلة شد الاعصاب هذه قريبا، ويستعيد الجميع هدوءه لنبدأ نقاشا حقيقيا، لان تاريخ المغرب لا يجب ان يطرح فقط في كواليس المؤتمرات، وهو لا يخص اشخاصا او عائلات وانما هو ملك الشعب المغربي برمته.

* ألا تعتقد ان رد فعل الحكومة ممثلة في حزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي يقود الائتلاف الحكومي، يجعل من الصعوبة عليها غدا العودة الى فتح صفحة الماضي، خاصة ملفات تجاوزات حقوق الانسان والتصرف في الاموال العمومية التي طالبت الجمعيات الحقوقية بالعودة اليها؟

ـ في اعتقادي فتح هذه الملفات كانت نتيجة لتعبئة المناضلين، وعلى المناضلين ان يحافظوا على تعبئتهم لتبقى هذه الملفات مطروحة للنقاش.

* الحكومة اتهمت الصحيفة التي نشرت الرسالة بوجود جهات اجنبية تقف وراء النشر وتهدف الى زعزعة استقرار البلاد، باعتبارك انت من سلم الرسالة الى «لوجورنال»، فما هو ردك على هذه الاتهامات؟

ـ هذه اتهامات خطيرة، وقبل ذلك فهي مؤلمة، والشيء الوحيد الذي يمكن ان اقوله هو اني مغربي بكل ما للكلمة من معنى، ولم اسمح قط لنفسي ان اسقط في خطأ خيانة بلدي.

* لماذا لم تعد الى المغرب في هذه الفترة للدفاع عن رأيك؟

ـ منذ سنوات وانا حاضر مهنيا داخل وخارج المغرب، وصادف نشر الرسالة وجودي في باريس، لكني خلال الاسبوع المقبل سأكون في المغرب.

* هل مازلت تنتمي الى حزب «الاتحاد الاشتراكي»؟

ـ أنا دائما اعتبر نفسي اتحاديا (نسبة الى «الاتحاد الاشتراكي») واتفهم صدمة اخواني الاتحاديين وأنا بنفسي بقيت شهورا مصابا بالصدمة عندما قرأتها لاول مرة.

* هل ستشارك في مؤتمر الحزب المقبل في حالة انعقاده في شهر مارس (اذار) المقبل؟

ـ القرار ليس بيدي، وانما يعود الى التدابير التنظيمية التي تسمح بانتخاب المؤتمرين.