ضابط من الحرس الجمهوري: الخيانة وراء اكتشاف الأميركيين مواقعنا المموهة وقصفها

جنرال عراقي: قادة الجيش أمروا الجنود بعدم القتال لأنهم اعتبروا الأمر انتحاراً وليس حرباً

TT

واقفاً في ساحة مليئة بالنخيل، كان عمر خالدي يحدق النظر في حفرة هائلة، عمقها 6 امتار وعرضها 12 متراً. لو كان حاضراً في تلك المنطقة الليلة السابقة، للقي مصرعه فيها. كانت بها منصة لاطلاق الصواريخ، وقد اصبحت الآن كومة من المعادن المصهورة.

تلك المنصة وغيرها من العربات كانت تشكل ما تبقى من وحدة صواريخ جو ـ جو التابعة للحرس الجمهوري الذي ينتمي اليه، وهي الوحدة التي تعرضت لقصف شديد قبل بضعة ليال من سيطرة الجيش الاميركي على بغداد والاطاحة بحكومة صدام حسين.

قال خالدي، الذي كان ضابطا في الحرس الجمهوري والبالغ من العمر 28 عاما، وينتمي لعائلة عسكرية: «لقد فوجئنا عندما اكتشفوا (الاميركييون) هذا الموقع». كان الوقت متأخرا من تلك الليلة، عندما هبت عاصفة رملية شديدة، وكانت العربات مخبأة تحت الاشجار، حيث اعتقد الجنود انهم في مأمن، حسبما قال. قنبلتان هائلتان تلتهما الكثير من القنابل العنقودية، سقطت على المكان واصابت ارضاً زراعية في منطقة سبع ابكار شمال بغداد، مما ادى الى مقتل ستة افراد من الوحدة التي يتبع اليها خالدي وتدمير معظم المعدات العسكرية.

وقال خالدي ان الهجوم «اثر على معنويات الجنود لانهم كانوا يختبئون ويعتقدون ان لا احد سيعثر عليهم. وقد قرر بعض الجنود ترك مواقعهم والهروب بعيدا. لكن عندما اصابت القنبلة الهائلة هدفها، انصهرت بعض العربات، وكان الاثر الذي الحقته القنابل العنقودية بالمكان خطيرا لانها غطت مساحة هائلة من الارض».

ولدى سؤاله حول كيفية تمكن القوات الاميركية من قصف الموقع المحصن تحت الاشجار بين قناة الجيش ونهر دجلة، قال خالدي: «اعتقد العديد من المقاتلين ان ذلك تم عبر جواسيس، لانه من المستحيل اكتشاف هذا الموقع بواسطة الاقمار الصناعية او الطائرات. حتى لو اردت المرور في المنطقة بالعربة فانك لن تعثر عليه».

في اعقاب الهزيمة التي لحقت بهم جراء الغزو الاميركي للعراق والذي انتهى بسقوط بغداد بعد ثلاثة اسابيع، يبدو انه حتى كبار قادة الجيش العراقي اخطأوا تقدير التقدم العسكري والتكنولوجي للقوات التي كانوا بصدد مواجهتها. فهيمنة الولايات المتحدة على الجو، اضافة الى افتقاد العراقيين لدفاعات جوية جيدة، كان لها الاثر المدمر ليس فقط على العتاد الحربي، بل على معنويات الجنود والضباط. يضاف الى ذلك، ان الخطة التي نفذتها الفرقة الثالثة لمشاة الجيش الاميركي، والتي اقتضت الدفع بقوافل الدبابات نحو بغداد ووصفها القادة بعملية «زحف الرعد»، حققت النتائج المرجوة منها، اذ اضعفت معنويات المسؤولين العراقيين.

ما يطرحه خالدي وغيره من ضباط الجيش العراقي، يوضح بجلاء ان المعنويات بدأت بالانهيار قبل ان تعبر القوات الاميركية حدود العراق من الكويت يوم 20 مارس (آذار) الماضي. وقد ضاعف من اثر مشاكل انخفاض المعنويات وسوء القيادة، حيث كان قصي، النجل الاصغر لصدام حسين وهو مدني لا يتمتع بأي خبرة عسكرية، مسؤولا عن الحرس الجمهوري، ثقافة خداع النفس حيث اعتاد الجنود والضباط باستمرار الكذب على بعضهم البعض بشأن كل شيء، بدءا من حالة معداتهم وحتى وجود القوات الاميركية داخل بغداد.

وقال الجنرال غانم عبد الله عزاوي، وهو مهندس في قيادة الدفاع الجوي العراقية: «عمليا لم يكن هناك دفاع جوي منذ عام 1991، عندما هزم العراق في حرب الخليج السابقة واجبر على الانسحاب من الكويت، ولم يقم احد باعادة بنائه. كما لم نتلق اية اسلحة جديدة». واضاف عزاوي ان ما اشارت اليه القنوات التلفزيونية بشأن تطوير العلماء لصواريخ دفاعية جوية عراقية كان عبارة عن «اكاذيب، كلها اكاذيب. فالناس كانوا يكذبون على صدام، وصدام اما انه كان يثق فيهم او انه كان يخدع نفسه».

وتابع عزاوي: «كلما سأل احدهم عن حالة المعدات، كنا دائما نجيب: جيد جيدا. وتلك كلها اكاذيب، لانك اذا قلت الحقيقة، فستعرض نفسك لمشكلة. الجميع يكذبون، بدءاً من الملازم اول وحتى يصل الامر لصدام. حتى صدام حسين كان يكذب على نفسه».

وفي النهاية، ادى فشل الحرس الجمهوري في خوض معركة شرسة، الى جعل العديد من العراقيين يعتقدون انه تم التوصل الى اتفاق ما بين الجيش الاميركي وقادة نخبة القوات التي كان البعض يعتقدون انها تتكون من قرابة عشر فرق عسكرية. وقال خالدي: «اعتقد ان شيئا ما مريبا كان يحدث. هناك شيء من التواصل بين الاميركيين والقادة العراقيين».

واعرب رجل آخر كان من قوات «فدائيي صدام»، عن غضبه ودهشته من عدم تمكن الجيش العراقي النظامي والحرس الجمهوري، من منع القوات الاميركية من السيطرة على بغداد. وتساءل هذا المقاتل السابق، الذي امتنع عن ذكر اسمه: «لماذا لم يمنعوهم؟ كان يفترض ان يقاتلوا الاميركيين. حتى الآن انا مندهش، وجميع الضباط يشعرون بالدهشة».

لكن عزاوي، وهو جنرال في الدفاع الجوي، قال ان هناك تفسيراً ابسط لتردد القوات في القتال، موضحا: «لم يكن الجيش يؤمن بالمعركة، لانها لم تكن حربا وانما انتحارا». واضاف: «لماذا توجب علينا القتال لانقاذ صدام؟ ذلك هو الذي جعل القادة الميدانيين يطلبون من جنودهم عدم القتال والاكتفاء بالانسحاب».

لكن انهيار ما كان يعرف ذات يوم بأنه رابع اكبر الجيوش في العالم، لم يكن مسألة هينة بالنسبة للبعض. وقال خالدي، وقد اغرورقت عيناه بالدموع: «جميع الضباط غاضبون ويشعرون بالحزن. لقد حزنا جدا عندما شاهدنا جميع اسلحتنا في الشوارع وجميع دباباتنا تحترق. اننا غاضبون ونلوم صدام لانه وضع الجيش العراقي في هذا الموقف. فالجيش المحترف لا يحب الخسارة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»