لم يكن أمرا غريبا حينما شعر حبيب جعفر لاعب الوسط في المنتخب العراقي لكرة القدم لسبعة عشر عاما بتوتر شديد عند اقترابه من اللجنة الوطنية الأولمبية في بغداد.
فهو قد جاء لينقل بعض مشاهد الاذلال التي تعرض لها على يد الشخص الذي يسميه العراقيون «أستاذ عدي» الابن البكر للرئيس المخلوع صدام حسين. وجعفر الذي يبلغ من العمر 36 سنة قصير ونحيل لكنه قوي البنية وبحكم مهنته يحب الخصام في الدفاع عن نفسه داخل وخارج الملعب، وهذا ما جعله حسبما قال زملاؤه اللاعبون الآخرون هدفا لعقاب عدي كلما فشل الفريق في تحقيق الفوز.
يقع مقر اللجنة الأولمبية بالقرب من طريق القناة السريع الواقع على ضفة الرصافة الشرقية وهذا المبنى الآن أصبح عبارة عن حطام محروق تماما وغرف التعذيب الموجودة في القبو مغطاة بالماء وكل طابق أصبح خربة لا يضم سوى أثاث متفحم وفولاذ معوج. وفي المدخل تحطم تمثال صدام الذهبي وتركت اجزاؤه فوق الأرض لكن الرأس قطع بفؤوس وأخذ بعيدا عن المكان.
لم يكن هناك أفضل من هذا المكان من حيث التعبير عن نهاية حكم صدام حسين وعن مدى كراهية ابنه عدي الذي كان رئيسا «للجنة الأولمبية»، لكن لاعب الوسط جعفر توقف قليلا عند البوابة الرئيسية مترددا في الدخول. قال جعفر: «مجرد الوصول إلى هذه البوابة يملأ نفسي بالخوف... غالبا كلما آتي إلى هذا المكان أعرف أن هناك أيام عقاب تنتظرني». وحينما أخبِر أنه ليس هناك أي سبب للخوف من عدي ردد جعفر: «أنت تقول إنه ذهب. لكن هل تستطيع أن تقول لي أين هو الآن؟ هل يمكنك أن تكون متأكدا من عدم عودته ثانية؟ طالما أن صدام وولديه ما زالوا أحياء فإنهم يظلون خطرين».
يجب القول إن خوف اللاعب جعفر له ما يبرره، فهذه البناية مزوَّدة بأجهزة تعذيب غريبة من بينها تابوت حجري فيه مسامير داخلية وهذا يشمل الغطاء أيضا لذلك يمكن للضحايا أن تثقَّب أجسادهم أو أن يختنقوا.
هناك جهاز آخر حسبما قال شهود العيان على شكل اطار معدني لوضعه فوق جسد السجين مع مساند للقدمين في قاعدته وحلقات عند الكتفين ونقاط شد لأسلاك كهربائية وهذا ما يجعل الضحية عرضة لرجات كهربائية.
بعد احتراق بناية اللجنة الأولمبية وجد المراسلون الصحافيون وسط الانقاض التوابيت الحجرية مع مساميرها مدفوعة إلى الوراء كأن النهابين قاموا بسحبها أثناء سرقة محتويات المبنى ثم إشعال النار فيه. أما الاطار المعدني الذي يستَخدم للرجات الكهربائية فقد تمت إعادته لمسجد الحكمة في مدينة صدام الواقعة عند أطراف بغداد والتي تبدل اسمها الآن إلى مدينة الصدر. وقال رجال الدين إن النهابين أخذوه من مبنى اللجنة الأولمبية وهو حاليا معروض في المسجد ويمثل القمع الذي مارسه نظام صدام حسين ضد العراقيين.
ووسط أنقاض المبنى يمكن للمرء أن يجد رسائل محروقة مرسَلة إلى عدي من مسؤولين كبار في اللجنة الأولمبية العالمية من ضمنهم خوان أنتونيو سامارنش الاسباني الذي كان لفترة طويلة رئيسها. ولم يكن هنا أي أثر لموقف ما سبق للجنة الأولمبية الدولية في لوزان بسويسرا أن اتخذته لإبعاد نفسه عن اللجنة العراقية ورئيسها عدي على الرغم من التقارير الكثيرة التي ظلت منظمات حقوق الإنسان الغربية تصدرها لسنوات كثيرة من أن مبنى اللجنة الأولمبية في بغداد يستخدَم للتعذيب والقتل.
وحتى حلول موعد الألعاب الشتوية في «مدينة البحيرة المالحة» ظلت مراسلات لوزان مع العراق مثلها مثل أي بلد آخر تطالب بالتهيؤ للمشاركة في «ألعاب» أخرى مثل لعبة التزحلق على الجليد للنساء التي سيتم تقديمها في دورة ألعاب أوتا. وفي رسالة أخرى بعثتها لجنة «اللعب النظيف» الأولمبية تحدث كاتبها عن «القيم الإنسانية الشاملة للألعاب الرياضية» التي تمثلها الحركة الأولمبية، وفي رسالة أخرى جاء ذكر «المجتمع الدولي» الذي سيتم تمثيله في القرية الأولمبية بـ«مدينة البحيرة المالحة» في كندا.
وكرئيس للجنة الأولمبية العراقية كان ابن الرئيس المخلوع صدام البكر في موقع المسؤول عن كل الرياضات، وحسب شهادات العديد من اللاعبين كان عدي يسقط نزواته السادية على المنتخب الوطني لكرة القدم. فبعد التعادل أو الخسارة في أي مباراة يعاقَب اللاعبون جميعا. وعدم قدرة أي لاعب على تسجيل هدف من ضربة جزاء أو أي لعب ضعيف من جانبه يعرِّضه إلى قص شعر رأسه بالكامل في ملعب الشعب أو أن يُبصق عليه من قبل حرس عدي الشخصيين.
عمل اللاعب عمانوئيل بابا دانو والمعروف في كل العراق باسم «عمو بابا» مدربا للفريق الوطني لأكثر سنوات العقود الثلاثة الأخيرة وهو يعدّ بمثابة بيليه العراق. وقال عمو بابا انه ظل يحاجج عدي باختيار اللاعبين للمنتخب الوطني إذ أنه كان يفضل اختيار لاعبين من السنّة أقل شأنا من أولئك المنتمين إلى الشيعة والقادمين من «مدينة صدام». قال عمو بابا: «أخبرته إذا كنت تريد النفط فعليك أن تذهب إلى حقل النفط. بالنسبة لكرة القدم حقل نفطنا هو مدينة صدام». وكانت تعليقات من هذا النوع تجلب لعمو بابا تهديدات من نوع التهديد بقطع لسانه، وتهديد من هذا النوع ومن عائلة صدام ليس مجرد كلمات.
بعد مضي ساعات على الاستماع لشهادات جعفر واللاعبين الآخرين من منتخب كرة القدم العراقي وعلى ما عاشوه من إذلال على يد عدي، أصبح هذا السؤال ضروريا طرحه: لماذا؟ لماذا يتحول شاب مدلل مثل عدي لديه كل هذه القصور الفخمة وأسطول من سيارات الرولز رايز والفيراري والبورش ويخت على نهر دجلة إلى القتل والتعذيب؟ إنه سؤال مطروح على علماء النفس لكن عمو بابا اشار الى جواب جزئي عن هذا السؤال. حينما قال إن مساعي عدي المستمرة للحصول على حب وإعجاب العراقيين كانت وراء تحوله إلى سادي حينما لا يتحقق ذلك بسبب الخسارة في مباراة مهمة. وقال عمو بابا: «حينما كنا نفوز بمباراة يأتيني كأنه طفل ليقول لي: انظر كيف راح أهالي بغداد يطلقون النار في الهواء حينما فزنا؟ إنهم يحبونني كثيرا».
*خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»