«أسلمة المعرفة» هل تقودنا نحو «الإسلام الشمولي»؟

مفكرون وكتاب عرب يطرحون رؤيتهم حول الدعوة لتهذيب الإنتاج البشري في العلوم الحديثة ليتوافق مع الرؤية الإسلامية للحياة

TT

بعيداً عن الايديولوجيا السياسة الطاغية في المشهد السياسي العربي برز في عقد الثمانينات الماضي تيار إسلامي يدعو إلى أسلمة المعرفة الإنسانية وتهذيب الانتاج البشري في العلوم الحديثة كي يتوافق مع الرؤية الإسلامية للحياة والكون والإنسان. تصدر هذا التيار عدد من النخب الثقافية الإسلامية وبعض مراكز البحوث والدراسات من أبرزها المعهد العالي للفكر الإسلامي الذي يتخذ من فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية مقراً له. يرى تيار الاسلمة أن المعرفة البشرية بطبيعتها منحازة للبيئة الثقافية والقيمية التي صدرت منها، وأن شتى العلوم والمعارف الإنسانية في الاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد وسواها إنما هي نتاج الأسس الفلسفية التي نشأ عليها الوسط المنتج لتلك الأفكار في رؤيته للكون والإنسان ومدى محورية العقل في ذاك المجتمع، لذا كان لا بد من إجراء قراءة فرزية للمنظومة المعرفية الغربية بكل ما تحويه من حقول وتخصصات واستخلاص ما يتوافق مع الرؤية الإسلامية من تلك المعارف وتجنب ما هو منحاز منها وخاضع للخـصوصية الثقافية الغربية. وقد صدر عن هذا التيار العديد من الدراسات من أبرزها موسوعة «إشكالية التحيز» التي أشرف عليها الدكتور عبد الوهاب المسيري وصدرت في عدة مجلدات. المعارضون لهذا الطرح يرون أن هذا التيار أصابته حالة من التضخم في فكر الأسلمة حتى غدت الرؤية الشكية المفرطة هي الطاغية في التعامل مع الإنتاج البشري في العلوم والمعارف الأمر الذي جعل كل العلوم منحازة وكل المصطلحات موجهة، وشطب مساحة المشتركات الإنسانية الواسعة، حتى غدونا نسمع دعوات لأسلمة الطعام وأسلمة المدن وأسلمة اللباس مما سيؤدي بالضرورة إلى تصنيع إسلام شمولي يدخل بأحكامه في كل الدقائق والجزئيات الحياتية، ويقيد قيم الإبداع والانطلاق والتحرك المنتج في هذه الحياة الذي أصله الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وهي مساحة المباح الواسعة في الشريعة. وأن تيار الأسلمة أغفل أن كثيراً من العلوم هي بطبيعتها محايدة، وهي ملك للجنس البشري بتنوعاته الثقافية والدينية. ويبقى السؤال.. هل يمثل فكر «الأسلمة» حالة متقدمة من الرشد والنضج والموضوعية في الفكر الإسلامي، ونزوع إلى العلمية والمعرفية في تقييم الآخر ومنتجاته.. أم هو مجرد نموذج معقلن لبعض التيارات الإسلامية الراديكالية الرافضة للغرب بكل منتجاته الحضارية؟

وهنا نورد ثلاثة آراء بين معارض ومؤيد تناقش هذه المسألة للمفكر اللبناني الدكتور علي حرب، والمفكر المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري، والكاتب السعودي عبد العزيز الخضر.

*، د. حرب: هي ردة فعل عقائدية على التفوق المعرفي الغربي وتغليب لعقلية الدعوة والنضال على لغة الفهم والمعرفة * مقولة «أسلمة المعرفة» تعني أن هناك منظومة معرفية تخص المسلمين وحدهم من دون سواهم. ومهمة الدعاة أن يعملوا على شرحها ونشرها، كالقول بنظرية الاستخلاف، والحاكمية الالهية، والرؤية التوحيدية الكونية التي تصدر عن حقيقة مطلقة أو أصل ثابت يتجلى معناه وأثره في كل مستويات الوجود ودوائر الحياة ومناشط الإنسان. وهذه المقولة هي واحدة من الآليات الدفاعية التي يلجأ اليها المثقفون العرب والمسلمون في سياق السجال الحضاري الذي لم يهدأ بيننا وبين الغرب منذ قرنين على الأقل. إنها ردة فعل عقائدية على التفوق الغربي في ميادين العلم والفلسفة والمعرفة عامة لا توازي الفعل نفسه، إذ هي تغلب عقلية الدعوة والمناضلة على لغة الفهم وإرادة المعرفة، بقدر ما تنبني على الحجب والتضليل والتبسيط من غير وجه:

1 ـ إن مقولة «الأسلمة» تصنف العلوم والمعارف على أساس ديني عقائدي، في حين أن العلوم تصنف بحسب مواضيعها وحقولها أو طرقها ومناهجها. هذا ما فعله اليونان الذين هم أول من وضع تصنيفاً عقلانياً ومنهجياً للعلوم. وهذا ما يفعله الغربيون منذ عصر النهضة في ما يبتكرونه من فروع معرفية وحقول علمية. وبالطبع هذا ما فعله العرب في عصور الازدهار الفكري، إذ صنفوا العلوم بحسب منهجها أو مصدرها أو زمنها، فقسموها إلى عقلية ونقلية، أو إلى برهانية وعرفانية، أو سموها «علوم الأوائل» كما هي نسبة العلوم التي اقتبسوها عن الحضارات القديمة. وفي أي حال، لم يطلقوا الصفة الإسلامية، التي تطلق أساساً على الملة وعلى الفرق الكلامية، على الميادين العلمية. حتى علوم الفقه والكلام والحديث، فهي وإن كانت ذات مضامين إسلامية، فإنها من حيث تقنيات القياس ومنطق الاستدلال ذات صفة عامة بقدر ما تخص كل من تعنيه مسألة المعرفة. لا مراء أن المعطى للدرس والتحليل، بغية معرفته واكتناهه، هو دوماً خاص. ولكن ما يُنتج حوله من النظريات والمفاهيم إنما هو عام لا يخص ثقافة دون أخرى، بقدر ما يشكل أدوات نظرية أو عملية يمكن لأي كان استخدامها أو استثمارها بصرف النظر عن ديانته أو جنسيته. فالمهم في الأداة المعرفية قدرتها على الشرح والتفسير أو مفاعيلها في الفهم والتشخيص أو ثمراتها في التعقل والتدبير.

بهذا المعنى ليس للعلم هوية ثقافية ولو كان موضوعه الهويات. فلو أخذنا علم النفس، مثلاً، نجد أنه يشكل إطاراً معرفياً جامعاً يتيح للعاملين فيه تجاوز ثنائية الأنا والغير، دونما تفريق بينهم على أساس ثقافي أو ديني. حتى في حقل الإناسة، لا فرق بين أوروبي وأفريقي أو بين صيني وإنجليزي أو بين عربي وفرنسي، لأن ما ينتجه العاملون في هذا الحقل من الحقائق العلمية يُغني معرفتنا بالإنسان عامة. هذا شأن علم الاجتماع، كما نشأ وتطور، سواء مع ابن خلدون أو مع المحدثين كدركايم وماكس فيبر. فما اكتشفه ابن خلدون في علم العمران حول المجتمع البشري هو ما قاده إليه الدرس والبحث بصرف النظر عن عقائده الدينية الإيمانية. وما ابتكره دركايم أو فيبر في علم الاجتماع قد تحقق بإخضاع الظاهرة الدينية والممارسات التقديسية إلى الدرس العلمي والفحص العقلاني. وهذه هي أيضاً الوضعية في بقية فروع المعرفة، الإنسانية والطبيعية والرياضية، إذ تشكل جميعها مساحات معرفية مشتركة للقاء والاتفاق والتبادل أو للتحاور والتداول حول اشكال المصداقية ومعاييرها بين العقول بصرف النظر عن هويات أصحابها. صحيح أن المعارف العلمية ليست مطلقة أو ثابتة أو نهائية. من هنا فإن العلم ينشأ ويتكون أو يتطور ويزدهر عبر نقد العقليات والآيديولوجيات أو المدارس والأنساق، فضلاً عن المنظومات الآيديولوجية والنماذج الثقافية، لكشف ما تمارسه من آليات الحجب والتعتيم أو ما تنطوي عليه من أشكال المصادرة والاعتباط أو ما تنبني به من أوهام البداهة وتهويمات الرؤية أو تشبيحات الرغبة والإرادة. 2 ـ إن محاولة أسلمة المعارف تغفل عملية التفاعل بين الحضارات والهويات الثقافية. فالحضارة الإسلامية التي تمحورت حول الحدث القرآني، والتي كانت أداتها اللغة العربية، قد ازدهرت وسادت، بقدر ما أفادت واغتنت من اتصالها بالثقافات القديمة والديانات السابقة من يونانية وسريانية وهندية وصينية ويهودية ومسيحية. هذا ما يجعل، مثلاً، رؤية المسلم كما تشكلت في العصر العباسي تختلف عن رؤيته كما كانت عليه بشكلها الأول في صدر الإسلام، إذ طرأ تطور لا سبيل إلى إنكاره من جراء الترجمات وغزو الأفكار والتأثيرات المتبادلة بين نماذج الثقافة وأنماط العيش. وفي المقابل حصل غزو ثقافي معاكس بفعل انتشار الأفكار والعلوم والمعارف التي ابتكرها المسلمون في المجتمعات الأوروبية. وهذه هي الحال اليوم بعد دخول المجتمعات الإسلامية في العالم الحديث والتأثر بحقائقه ووقائعه، أو الإطلاع على أفكاره ونظمه، أو الإفادة من أدواته ووسائله وسائر منتجاته: لقد طرأ تحول كبير على رؤية المسلم لنفسه وعلى علاقته بأصوله وثوابته، مما يجعل هويته مركبة بل هجينة من حيث تعدد أطوارها وأزمنتها أو اختلاف عناصرها وروافدها. فكيف ونحن ندخل في زمن كوكبي معولم تزداد معه إمكانات التواصل والتبادل بين البشر على نحو لا سابق له! ولذا فإن الحديث عن رؤية إسلامية توحيدية عارية عن التأثر بالخارج الثقافي أو الديني أو الفلسفي، إنما هو ممارسة نوع من الحجب والزيف في التعامل مع معطيات الوجود، وجهة الأول مِطبّ خلقي وقع فيه الذين أفادوا من علوم الأوائل واليونان ولم يعترفوا بذلك كما أخذ على الغزالي قديماً بعض تلامذته بالذات.

أما الوجه الآخر فهو نوع من التشبيح الايديولوجي يمارسه المعاصرون الذين تدفعهم محاولات أسلمة المعرفة إلى سحب الداخل على الخارج للالتفاف على الحقائق والسطو على المعارف. هذا ما يفعله الذي يفتشون عن نَسب أو سَبْق إسلامي لكل إنجاز غربي، كما يتعاملون مع قضايا مثل الديمقراطية والتقدم وحرية المرأة وحقوق الإنسان والمنهج التجريبي... وهذا ما يفعله بشكل خاص، ومن غير حياء خلقي أو تقى فكري، أصحاب التفسير العلمي الذين يعتبرون أن القرآن قد استبق العلماء في ما اكتشفوه من النظريات في حقول كالنفس والطب والفلك والجغرافيا. وهكذا بدلاً من أن يكون الشاغل الأساسي هو إنتاج معارف جديدة حول الواقع والعالم والإنسان، تطغى الاعتبارات الايديولوجية والنضالية لكي تجعل دعاة الأسلمة يتوهمون بأن ما عرفه الغربيون قد سبقناهم إلى اكتشافه، أو بأننا نملك منظومة معرفية شاملة تقدم أجوبة شافية على كل الأسئلة والقضايا والمشكلات. وتلك هي ثمرة النرجسية الثقافية وعبادة الأصل وهواجس الهوية: الادعاء والقصور والجهل، فضلاً عن السطو على المعارف التي ينتجها الغربيون من أجل نسبتها إلى الإسلام والمسلمين.

3 ـ إن الكلام على معنى امبريالي واحد ووحيد يتحكّم في النظرة إلى الكون والعالم والإنسان، أو يتجسد في مختلف وجوه الحياة وأساليب العيش، هو خطاب ايديولوجي يقوم على التبسيط والإختزال لعالم الفكر ومساحات المعنى، كما تتجلى في كتاب الوحي أو في الكتب التي تشكلت حوله. فالنص القرآني هو حمّال أوجه بقدر ما هو فضاء دلالي رحب أي هو مولّد للتماثل والتشابه بقدر ما هو منتج للفَرقْ والاختلاف. من هنا التعدد والتباين الذي يبلغ حدود التعارض في التفاسير والتآويل أو في الفرق والمذاهب، كما بَيْن المرجئة والمعتزلة، أو بين الجبرية والكَسْبية أو بين الصوفية والفلسفة أو بين السنة والشيعة، هذا فضلاً عن التعدد والتنوع داخل كل فرقة أو مذهب في الآراء والمواقف بين العلماء وأئمة الاجتهاد. ولو أخذنا مسألة الزواج نجد مروحة تشريعية واسعة من الأحكام والقواعد. فكيف إذا كانت المسألة تتعلق بماهية الذات الإلهية وصفاتها وأفعالها. عندها تنفتح أبواب المعنى الذي يتوالد ويختلف إلى ما لا نهاية له، إذ الطُرق إلى الله هي بعدد أنفس الخلائق كما قيل.

والقفز فوق هذا المعطى الوجودي المنسوج من واقع الاختلاف الثري والتنوع الخلاق، معناه أولاً فرض وجهة نظر واحدة بصورة استبدادية، لاستبعاد وجهات النظر الأخرى، مما يفتح المجال واسعاً لنشوب الحروب الأهلية والنزاعات الدموية، تحت شعار الفرقة الواحدة الناجية وحدها من دون سواها، كما يفكر أصحاب العقليات الأصولية، الضيقة والمفخخة، الذين يحيلون علاقتهم بديانتهم إلى متاريس عقائدية لمحاربة المختلف في الداخل والآخر في الخارج. وهو يعني من جهة ثانية نشوء مجتمع شمولي يريد للناس أن يكونوا نسخاً عن بعضهم البعض في الفكر والمسلك، في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والملهى، وفي كل دقائق الحياة وتفاصيلها، لكي يكونوا على صورة السلف وشاكلته. وفي ذلك حجب للكينونة ومصادرة للعقل وإفقار للمعنى وسجن للحياة بما هي طاقة على الإبداع والتفرد أو على الخلق والتحول والتجدد.

هذا مآل أسلمة الحياة والثقافة، كما يمارسها دعاة التماهي المستحيل مع الأصل والمساواة الخاوية مع النفس: سيطرة ثلاثة نماذج ثقافية على ساحات الفكر والعمل الإسلامي. (1) الأول هو النموذج الأصولي الذي يترجم مشاريعه استئصـالاً للآخر وإرهـاباً للناس بقدر ما يدعي امتلاك مفاتيح الإيمان والإسـلام أو الهدايـة والسعـادة. (2) النموذج الثاني هو الداعية التراثي الذي يحيل علاقته بالتراث الغني والهائل إلى خطابات جوفاء ومقولات هشة هي معارف ميتة. (3) النموذج الثالث هو الذي يصنعه أساتذة الوعظ والارشاد الذين يملأون الشاشات والأسماع بدروسهم وأحاديثهم، والمقصود به الأبله الثقافي الذي يتخلى عن التفكير المستقل ويتصرف كقاصر ينفذ بصورة آلية ما يُملى عليه، لكي يتطابق مع الماضين في كل ما قالوه أو فعلوه، وفي كل أمر وشأن، مكرراً بذلك تجاربهم الوجودية الغنية والحافلة بالإبداعات والاختراعات والإنجازات، بصورة سيئة وعقيمة أو مشوهة وكاريكاتورية. ولا عجب أن تكون ثمرة ذلك كله الضعف والجهل والفقر والتسلط.

4 ـ في ضوء ذلك أرى أن ما يحتاج إليه المسلمون الآن ليس أسلمة الحياة والمعرفة، بل أن يدربوا عقولهم على التفكير بصورة حية وخصبة، حرة ومفتوحة، خلاقة ومتجددة، بإخضاع عقلياتهم ومجتمعاتهم وثقافتهم للدرس والتشريح والتعرية من أجل تشخيص الآفات وتفكيك المشكلات ومعالجة الأزمات بصورة مثمرة وبناءة. فهم يدّعون امتلاك رؤية توحيدية للكون والإنسان والمجتمع، ولكنهم عاجزون في واقع الأمر عن توحيد مجموعتين أو حزبين في حي أو في مدينة. بل هم لا يحسنون سوى التفرق تحت كلمة الله الجامعة، في حين أن الغربيين الذين نريد نشر عقيدتنا التوحيدية بينهم توحدهم العملة والاسواق والشبكات. وتلك واحدة من مفارقاتنا الفاضحة وادعاءاتنا الواهية. فالأولى بدعاة الأسلمة مراجعة النصوص ونقد الذات وفضح الممارسات لنزع الألغام التي تفجر مشاريع التقريب والحوار والتوحيد، والاهتمام ببناء المعادلات وخلق الصيغ الحضارية التي تتيح للمجتمعات الإسلامية التعايش والتواصل أو التعارف والتبادل، سواء فيما بينها أو من حيث علاقتها بسواها، بعقلية الشراكة والوساطة وبصورة مدنية تداولية.

خلاصة القول: إن الكلام على منظومة معرفية خاصة بالمسلمين هو تراجع عن عالمية المعرفة التي مارسها في ما مضى العلماء والفلاسفة العرب والمسلمون، سواء بتطوير العلوم التي نقلوها عن الأوائل، أو بافتتاح فروع وحقول جديدة خصبة وثمينة، أفاد منها الغربيون في نهضتهم الحضارية وحداثتهم الفكرية.

والأخطر من ذلك أن الدعوة إلى أسلمة المعرفة تقوض مشاريع التحرر من الهيمنة، ذلك أن زرع الحواجز والسدود بين العقول والثقافات، يعني أن نترك للغربيين الذين يتعاملون مع خصوصيتهم ومعارفهم بصورة عالمية، على سبيل الخلق والابتكار، الفرصة لكي يفكروا لهم ولنا، فيما نحن نهتم بما نعتبره أصولنا الثابتة ومعارفنا الخاصة. وهذا فخ إناسي ننصبه أو ينصبه الغير لنا لنقع فيه ونزداد هامشية وتبعية.

الوجه الآخر للفخ الإناسي هو تلغيم مشاريع الانتاج المعرفي. إذ لا يُعقل أن ندعو الآن إلى أسلمة المعرفة، أو أن ندعي معرفة كل شيء، فيما غيرنا يفكر ويبدع ويؤلف حول نماذج المعرفة وأنساقها أو حول اقتصاد المعرفة وعمالها أو حول المعرفة والتنمية.

فما يجدي ويغني الآن معرفة وقيمة أو ثروة وقوة، هو كسر الثنائيات الثقافية الخانقة، والانخراط في ورشة الانتاج والابداع، لابتكار مقولات وعلوم ومعارف، تكون قابلة للتداول على ساحة الفكر العالمي، بقدر ما تضيف الجديد والأصيل أو المفيد والمثمر أو الفعال والراهن من شبكات الفهم وصيغ العقلنة أو نماذج العمل وقيم التداول. وهذا هو التحدي والرهان: أن نخرج من قوقعـة الهوية، لكي ننتج معـارف حول واقعنا وحول العالم نعني بها عالم المعرفة.

* د. المسيري: «أسلمة المعرفة» محاولة لتحرير الفكر الإنساني من انحياز المعرفة في الغرب ونزعتها المادية *لكون الفلسفة المادية تساوي بين الانسان والطبيعة يرى الماديون انه يمكن استخدام نماذج تحليلية مادية تختزل الإنسان إلى عنصر مادي طبيعي واحد أو عنصرين، ولذلك فهي ـ في تصورنا ـ لا تصلح لتفسير الظاهرة الإنسانية. ومن هنا نقول أن الفلسفة المادية ليست فلسفة معادية للإله وحسب، وإنما هي معادية وبالدرجة الأولى للإنسان. في المقابل نرى أن المدافعين عن الإنسان في الشرق والغرب الذين يتصدون للنـزعة المادية المكتسحة يستخدمون نماذج مركبة يدخل في تركيبها عدد من العناصر المتنوعة والمتداخلة بل والمتناقضة، منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، بل وحتى العناصر الحضارية والأبعاد المعرفية. واستخدام النماذج المركبة في تصوري هو تعبير عن احترام تركيبية الإنسان وعن إنسانيته، وهي في النهاية محاولة للتصدي للنزعات المادية «العدمية» التي تحاول تفكيك الإنسان وإرجاع كل ممارساته إلى قوانين المادة وحركتها. ولكوني من المنشغلين بمحاولة التوصل إلى علوم إنسانية لا تنقل تحيزات الرؤية الغربية المادية المعادية للإنسان، وإنما تنقل رؤيتنا نحن بمرجعيتها العربية الإسلامية (وهذا هو في تصوري مشروع توليد معرفة إسلامية أو ما يسمى «اسلمة المعرفة») وقد لاحظت وجود عدة موضوعات متواترة في كتابات المدافعين عن الإنسان في الغرب تشكل العناصر الأساسية في نماذجهم التحليلية وتدور حول ثنائية أساسية هي ثنائية الإنسان في مقابل (الطبيعة/المادة) وقد لاحظت أن كلاً من النموذج التحليلي ذي التوجه الإنساني الهيوماني والنموذج التحليلي الإسلامي ينطلق من افتراض مشترك لهذه الثنائية بين الإنسان و (الطبيعة/المادة) والتي تتفرع عنها مجموعة كبيرة من الثنائيات الأخرى، كثنائية (مركزية الإنسان/حرية الاختيار/الطبيعة وما وراء الطبيعة/المسؤولية الخلقية) في الرؤية الإنسانية في مقابل (مركزية المادة/حتميات مادية/الطبيعة فقط/انعدام المسؤولية) في الرؤية المادية العدمية. وأنا كمفكر ذي مرجعية إسلامية أذهب إلى أن هذه الثنائية هي في أساسها تصدر عن ثنائية الخالق (المتجاوز المنزه) والمخلوق، بخلاف رؤية المفكرين الإنسانيين في الغرب الذي وان كنا نتفق معهم على وجود حالة ثنائية بين الانسان و(الطبيعة/المادة) إلا أن الخلاف يصب في المصدرية لهذه الثنائية التي يرون مصدرها ـ أي أصحاب الفكر الإنساني الهيوماني في الغرب _ مجرد انفصال الإنسان عن الطبيعة (دون ذكر لمصدر هذا لانفصال) وتحوله إلى كائن حضاري يعيش داخل منظومات معرفية وجمالية وخلقية ولَّدها هو بنفسه من خلال عقله ومن خلال تفاعله مع ما حوله، ويؤكدون أن هذه المنظومات هي ضمان استقلاله. إن الإنسان في الفكر الهيوماني الغربي كائن مستقل عن النظام (الطبيعي/المادي) فهو مكتف بذاته ومرجعيته وهو في النهاية النقطة المرجعية النهائية ، الأمر الذي سيجعله يتحول تدريجياً إلى البديل الميتافيزيقي للإله في المنظومات التوحيدية.. والعالم من المنظور الإنساني الهيوماني ليس منفصلاً عن القيمة، والمجتمع الإنساني ليس مجرد غابة أو حلبة صراع، وليس خالياً من المعنى، فمنظومات الإنسان المعرفية والأخلاقية والجمالية تفرض على هذا العالم نظاماً وتزود الإنسان بمعيارية يدير بها حياته ويحسم من خلالها الصراعات ويسبغ المعنى والهدف على حركته. ويمكن لهذه الفلسفة الإنسانية الهيومانية أن ترقى لتصل إلى مفهوم الإنسانية المشتركة، حيث يصبح الهدف من الوجود الإنساني هو تحقيق السعادة والرقي لكل أبناء الجنس البشري، هذا الإيمان بالإنسان «والإنسانية المشتركة» وبمقدرة الإنسان على تجاوز النظام «الطبيعي/المادي» وعلى مقدرته توليد القيمة والمعنى، هو ما ينقذ النظم الفلسفية الإنسانية الهيومانية من السقوط في الحلولية الكمونية ووحدة الوجود والعدمية التي يكرسها الفكر المادي الغربي، ولذا فكثير من الماديين يسخرون من دعاة الإنسانية الهيومانية ويسمونها «الإنسانية الميتافيزيقية» أو «الطبيعة المتجاوزة للطبيعة» أو «التجاوز من خلال المادة» وكما قال روتي إن العلمانية الحقة «والمادية الحقة» هي ألا يقدس الإنسان شيئاً ولا حتى نفسه. أما الإنسانية الهيومانية فقد احتفظت بالمقدس «الذي هو الانسان». ولذا اعتبر الماديون الفكر الإنساني في الغرب ملوث بالميتافيزيقيا. ولكن في تصوري أن ثمة إشكالية أساسية يواجهها الفكر الإنساني الهيوماني وهو أن ثنائية الإنسان والطبيعة داخل الإطار المادي ستنحصر أخر الأمر داخل نطاق (الطبيعة/المادة) وحدها، مما سيجعل تحرك الإنسان تحت سقف مادي . وفي هذه الحالة لا بد من أن يرجع بالضرورة إلى ما هو دونه، أي إلى (الطبيعة/المادة) باعتبارها المرجعية النهائية الوحيدة ، فيتم تفكيكه إلى عناصره المادية الأساسية بحيث تصفى الثنائية (الإنسان في مقابل الطبيعة/المادة). ومن هنا أؤكد أن ثنائية الإنسان والطبيعة داخل إطار مادي ـ والتي يستند إليها الفكر الإنساني الهيوماني ـ هي ثنائية واهية ليس لها أساس، وبسرعة ما تتهاوى أمام الأصول الفلسفية المادية ، لكون أساس هذا الفكر الإنساني الهيوماني «وجداني وجودي» لا يقف على أرضية فلسفية صلبة، كما أن الممارسة التاريخية بينت أن الفكر الإنساني الهيوماني لم يترجم نفسه إلى إيمان عميق بالانسانية المشتركة، وإنما بإنسانية «الإنسان الأبيض» ومركزيته في الكون (فالانسان هو مرجعية ذاته وهو الذي يولد قيمه من داخله) ولذا بدلاً من الإنسانية المشتركة أظهر الفكر الإنساني الهيوماني الغربي أخر الأمر «الانسانية الغربية الامبريالية» التي وظفت جميع العالم لصالح الانسان الغربي، الذي قام بابادة وتسخير الملايين واحتلال أراضيهم. ومع هذا ورغم الاختلاف العميق في نقطة البدء تظل هناك رقعة عريضة مشتركة بين الرؤية الإسلامية والفكر الإنساني الهيوماني الغربي سبق وأن أشرت إليها. ولا يزال هناك من المفكرين الغربيين من يحملون لواء فكرة انفصال الإنسان عن الطبيعة ويتبنون فكرة «الإنسانية المشتركة» ولعل هذا يفسر لم استفدت ـ واستفاد غيري من المفكرين الإسلاميين ـ من النقد الغربي للحداثة الغربية، رغم أن هذا النقد يدور في النهاية على أرضية فلسفية مادية لا تملك الفلسفة الحديثة أرضية سواها.

إن مشروع «أسلمة المعرفة» ليس شيئاً فريداً أو شاذاً بل هو جزء من تيار عالمي أدرك أن الاطروحات المادية الضيقة التي تصدر عنها الحداثة الغربية الدارونية قد أدخلتنا في طريق مسدود من أزمة بيئية إلى أزمة أخلاقية إلى حالة صراع ، بحيث الجميع في حالة حرب مع الجميع، فالإنسان إن هو إلا ذئب لأخيه الإنسان، كما تنبأ هوبز وغيره من المفكرين الماديين العلمانيين. ولذا فثمة بحث مستمر عن حداثة إنسانية ترفض التقدم المادي المستمر وتصاعد معدلات الاستهلاك كهدف نهائي، والقوة كمعيار وحيد وكآلية وحيدة لحسم الصراع والتي تطرح نظرية صدام الحضارات بدل فكرة حوار الحضارات. وقد بدأت حركة الاحتجاج هذه مع بدايات الحداثة ذاتها في محاولات الفلاسفة وعلماء الاجتماع الغربيين الإفلات من قبضة الفلسفة المادية بكل عدميتها، ويمكن أن نذكر كلاً من «فيكو» و«كانط» و«ماكس فيبر» على أنهم من أهم أعلام هذا الاتجاه. ويلاحظ أن حركة الاحتجاج هذه تصاعدت في الآونة الأخيرة كما أتضح في المظاهرات الجماهيرية الكاسحة ضد الغزو الأميركي للعراق. وقد يقول البعض أن هؤلاء المفكرين علمانيون بل وملحدون. وهم محقون في ذلك، ولكن يجب أن ندرس أعمالهم بدقة وسنكتشف أن نموذجهم الفعال ليس مادياً مصمتاً، بل يضم عناصر غير مادية كثيرة (رغم عدم اعترافهم بذلك) ولذلك فرؤيتهم في نهاية الأمر ليست مادية. ومن هنا قولي ان مشروع «أسلمة المعرفة» يبدأ كمشروع «أنسنة المعرفة» أي استعادة الفاعل الإنساني كمقوله (مادية روحية) لا يمكن ردها إطلاقاً إلى عالم المادة. وتتطلب دراستها مناهج خاصة ونماذج مركبة تحوي عناصر مادية وغير مادية. ولكون تعريف الإنسان ككائن (روحي/مادي) وكظاهرة غير طبيعية غير مادية تشير في النهاية إلى ما وراء الطبيعة، إلى الله سبحانه وتعالى.

* الخضر: تضخيم «الانحياز المعرفي» وتحجيم «المشتركات الإنسانية» و«الحياد العلمي» هو ما يتبناه فكر الأسلمة.

* برزت في العقود القليلة الماضية جهود علمية متفرقة تحت ما يسمى بـ«أسلمة العلوم أو المعرفة»، وهي امتداد لبعض المحاولات البسيطة التي تمت في أوائل القرن الماضي، وهذه الجهود تأخذ أكثر من اتجاه بعضها محاولة لإبراز بعض الجوانب الاعجازية في القرآن والسنة النبوية وبعضها الآخر في التنقيب عن الجهود العلمية المتميزة الموجودة في تراث الحضارة الإسلامية في أكثر من مجال كمحاولة لوضع صبغة إسلامية للعلوم الطبيعية والإنسانية. هذه المحاولات والجهود العلمية يشكَر أصحابها عليها وإن كانت لا تخلو من تحفظات علمية في جوانب متعددة لكن الإنصاف يقتضي أن يقال أنها تسهم في مجال يحتاجه الفرد والمجتمع المسلم.

لكن إشكالية مفهوم مصطلح أسلمة أو إسلامية المعرفة بحاجة إلى إعادة نظر وما يترتب عليه من إعاقة معرفية في المستقبل، وإجهاض للعقلية العلمية للمسلم في رؤية العالم، لأن العلم وآلياته «خارج الأحكام الشرعية» يغلب عليه طابع الحياد، ويتضح هذا الحياد عادة في مجال العلوم الطبيعية، أما في العلوم الإنسانية فيقل هذا الحياد بصورة مفهومة عند بعض الأفكار، ويبرز تأثير الجوانب الثقافية والخلفية الدينية بسبب طبيعة هذه العلوم التي يصعب ضبطها بدقة نتيجة العدد الكبير من المتغيرات والمعطيات التي جعلت مثل هذه العلوم ما زالت متأخرة جداً عن العلوم الطبيعية، ومع هذا لا يستطيع الباحث الموضوعي نفي وجود جانب من الحياد ومشترك إنساني كبير حتى في هذه العلوم، وخطأ رؤية من يحاول نسف هذه العوامل المشتركة وادعاء أنها علوم متحيزة بالكامل، وهي رؤية متحاملة تؤثر على العقل العلمي لدى المسلم. من خلال قراءة الجهود البحثية في مجال أسلمة المعرفة يتضح وجود بعض الإشكاليات في هذا الإنتاج العلمي مما يجعله يؤثر على العقل العلمي الإسلامي، ويعيقه عن الإبداع واقتحام المجهول قبل غيره، وهي ناتجة عن سوء الفهم لمصطلح الأسلمة الذي يحمل في طياته هذا اللبس، وأحياناً يأتي من خلل علمي في إحدى جوانب المقدرة لدى الباحث فيلاحظ أن أغلب من يبحث في هذه المجالات يفقد التكامل العلمي من حيث قدرته على استيعابه للعلم الذي يبحث فيه «علوم طبيعية أو إنسانية» والخلفية الشرعية التي تجعله يملك الاجتهاد في القضية التي يبحث فيها دون تقليد لأحد، لذا تبرز بعض الكتابات في هذا الشأن ركيكة وغير متيقظة للتناقضات العلمية والتاريخية وتعتمد على انتقاء غير منهجي.

لهذا تشهد ظاهرة الاستدلال المتكلف بالآيات والأحاديث وتحميل النصوص أكثر مما تحتمل، وتحوي قدراً عالياً من التعسف العلمي بحجة الأسلمة عن طريق اقحامها بصورة لا تتناسب مع المنهج الشرعي الذي ينضبط باصول معروفة في التفسير والفقه وهو يمثل اعتداء «بحسن نية» على النص. ويتصور بعض أصحاب هذه الكتابات أنه لا بد من اقحام الآيات والأحاديث وبعض مقولات علماء السلف في أفكاره وإبداعاته العلمية حتى يكون كاتباً إسلامياً أو ممن يساهمون في أسلمة المعرفة، وهذا التصور الخاطىء يؤدي إلى سلبيتين: إحداهما الجمود العلمي لأنه يتصور انه لا بد ان ينطلق من نص في أفكاره ليستدل على صحتها في ظل غياب فقه «المسكوت عنه» أي ما سكت عنه الشارع في الإسلام والذي تكلم عنه الشاطبي في الموافقات كلاماً نفيساً يفتح آفاقاً واسعة للإبداع العلمي، لذا يصبح الابداع هنا متوقف فقط على الاستنباط من النصوص على حساب التأمل في طبيعة الإشكاليات العلمية من خلال قراءة واقعية.

والسلبية الأخرى أن يلجأ الباحث إلى اقحام النصوص في غير موضعها والتعدي عليها حتى تصبح فكرة إسلامية أو مقبولة لدى المجتمع المسلم لذا يلحظ أنه تكون وعي خاطئ في هذا الزمن ، فقد يشكك في أفكار أي كاتب أو مفكر لأنه لا يستشهد بآيات أو أحاديث، وقد يتهم بأنه متغرب مع قائمة من التهم الأخرى لمجرد هذا السبب، ولا يتعامل مع الأفكار التي يطرحها بصورة علمية في تقييم صحتها وخطئها وفق ما يحتمله المنطق العلمي والشرعي، لهذا أصبحت كثيراً من الكتابات في هذا المجال سطحية فاقدة للتماسك العلمي، وفيها تصنع مكشوف، وتتزين بالأدلة دون إدراك علمي.

هذه السلبيات وغيرها قد تؤدي إلى اعاقة البحث العـلمي والإبداع فيه بسبب هذا المصطلح "أسلمة المعرفة" كما هو الشأن في الأدب الإسلامي الذي هو الآخر يواجه إشكاليات موضوعية متعددة تحتاج معالجة أخرى. والعلم والمعرفة في كافة العلوم تحوي شيئاً من التحيز في جانب ولكن من الصعب إنكار وجود محايد ومشترك عقلي إنساني خاصة في آليات هذه العلوم قد نختلف في نسبته ولكن لا مجال لنفيه بالكامل، والإشكال أن هذا الجانب هو الذي يفتح آفاقاً واسعة للإبداع العلمي وهو يدخل في جانب "المسكوت عنه" في إسلامنا ولم يأت به وحي، وقد كان ابن خلدون محقاً وهو يكشف في مقدمته غلط من ادعى حاجة علم العمران إلى وحي. والتطرف في هذه الأسلمة العلمية، سيقودنا بالتأكيد إلى فكرة الأسلمة الشمولية وهي جزء من هذا الوهم المعاصر الذي لم يكن يشغل بال العلماء السابقين.

فهل من مصلحة الإسلام أن يغرق المجتمع المسلم في أسلمة لكل شيء، ويصدر أحكاماً شرعية تترصد كل فكرة وحركة وسلوك وعادات اجتماعية وطرائق حياة.. أم أن المصلحة الكلية للإسلام توجب أن لا يكون هناك اندفاع في هذا الجانب، ليدع هامشاً كبيراً يتحرك فيه المسلم على سجيته في مجتمعات متنوعة في فضاء هذا العالم .. بعد أن يهذب بالمفاهيم الكلية للإسلام، ويدرك متطلبات تحقيق إيمانه وعباداته التي تنظم فطرة المسلم.. لتحقق معنى «استفت قلبك» وتفعيل «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت ان يطلع عليه الناس»..!؟