القوات الأميركية تحول مجمع قصور صدام في تكريت إلى مركز للترفيه عن جنودها

أحد الجنود أرسل إلى ابنته في فلوريدا رسالة إلكترونية أثناء وجوده في القصر فسألته إن كان قد أصبح ملكا!

TT

احتفل الرقيب ريتشارد بيري، مثله مثل ملايين الأميركيين، بعيد الاستقلال للولايات المتحدة في الرابع من يوليو (تموز) وهو يتصبب عرقا من لهب الباربكيو. الفرق الوحيد هو أن بيري، 32 سنة، وهو من حي بروكلين، في نيويورك، كان يقلب الهامبورغر والهوت دوغز على عتبات قصر الرئيس العراقي السابق صدام حسين بموطنه الاصلي بتكريت. اصطف الجنود الأميركيون في صفوف طويلة وملأوا صحونهم البلاستيكية بمختلف الأنواع من الطعام، وأخذوا يلتهمونها في قاعات القصر الواسعة. ولكن بعضهم هرب من درجات الحرارة التي وصلت إلى 112 درجة فهرنهايت، وتزاحموا على حوض السباحة الملحق بالقصر.

قال رقيب الادارة اسحق داي، 27 سنة، من تاربون سبرنغز بولاية فلوريدا، وعلى فمه ابتسامة عريضة: «كانت تلك صفعة جبارة على خده. فنحن لن نكتفي بالمبيت في منزله (صدام)، بل نحتفل كذلك بالرابع من يوليو في قصره هذا».

وبعد أسابيع عديدة من درجات الحرارة المرتفعة، ومن الحنين الى الوطن ومن الهجمات المتزايدة من فرق المقاومة العراقية التي لا ترغب في وجودهم، خلد حوالي 3500 جندي الى راحة قصيرة في هذا القصر، مستفيدين من ذوق صدام العاشق للفخامة والضخامة، ومن رغبة قادتهم في رفع الروح المعنوية. وقد حولت الفرقة الرابعة مشاة، هذا القصر الواقع على ضفاف نهر دجلة الى «مركز رفاهية الجنود الاميركيين». وداخل الحيطان المرمرية لهذا المجمع، الذي افتتح قبل اسبوعين، يمكن للجنود المتعبين من العيش بالصحراء، أن يشاهدوا افلاما حديثة جدا في قاعة للسينما بالداخل، ويمكن أن يشاركوا بالمراهنات تحت بهو القباب المنقوشة بالأيادي، ويمكنهم أن يدخلوا الى الانترنت، كما يمكنهم أن يسبحوا في الحوض الذي أعيد افتتاحه من جديد بمساعدة الرجل الذي كان مسؤولا عنه على عهد صدام. قال جندي الاحتياط جاسون كريبان، 24 سنة، من ميسوري، وهو المسؤول عن تفتيش المعدات في مركز الترفيه: «عندما يصل الجنود الى هنا، تكون على وجوههم نظرة فارغة، وكأنهم في حالة جذب. ولكنهم عندما يغادرون المكان، تكون الابتسامات والضحكات قد عادت الى وجوههم».

ومن ضمن الهوايات المحببة صيد السمك في الجداول المتفرعة عن نهر دجلة. ولكن الجنود يعيدون ما صادوه من السمك الى المياه خوفا من التلوث.

وفي هذا الاحتفال، وهو الأول منذ أن غزت القوات الاميركية العراق، تناول الجنود الهوت دوغز والهامبورغر والجعة الخالية من الكحول في كل نقاط التفتيش وغيرها من الأماكن التي يوجد فيها الجنود الأميركيون في العراق. وقد زار بطل هوليوود، أرنولد شوارزنيغر، كثيرا من القواعد وألقى تعليقاته القصيرة على الجنود في كل الأماكن التي زارها.

وفي مجمع قصر صدام بتكريت جلس الجندي مايكل تشاب، 21 سنة، وهو فني من ماونت بليزانت، تحت ظل شمسيته غير الوارف، يشرب ماء لا يمكن وصفه بالبرودة، وهو يشاهد زملاءه يغطسون في حوض السباحة. ومن موقعه ذاك يمكنه أن يرى ثلاثة من بين 40 من القصور والفيلات والبنايات الضخمة. قال تشاب الذي اسمر لونه من وقع أشعة الشمس: «كأنما تشاهد برنامج (حياة الأغنياء والمشاهير) ويا للمفارقة عندما تقارن بين كيف يعيشون وكيف نعيش».

هذا المجمع التكريتي الذي يبعد حوالي ساعتين الى الشمال الغربي من بغداد، تحيطه أسوار عالية وقلاع للحراسة تجعله مثاليا من زاوية الأمن العسكري. ومع أن القصر الرئاسي الكبير صار غير قابل للسكن من جراء القصف الأميركي أثناء الحرب، الا أن الأقسام المختلفة من الفرقة الرابعة وغيرها من المجموعات التي تكون فريق العمل المسمى «الحصان الفولاذي» حجزت قصورها الخاصة خلال الشهرين الماضيين.

المتخصصون في الاتصالات احتلوا قصرا مشرفا على نهر دجلة، يبدو وكأنه كعكة عرس من الرمل. وأقام مكتب الشؤون العامة بالبهو المرمري الضخم بقصر آخر. أما المهندسون وغيرهم من المجموعات أخذوا «قصر الجداول» وهو بناء هندسي محاط بالمياه.

وقد أحس الزوار الذين جاءوا لمشاهدة مباريات الكرة الطائرة والحفلات الموسيقية، تغييرا حقيقيا بعد اسابيع من العيش في الخيام والثكنات العراقية المدمرة وغير ذلك من المعسكرات التي اقيمت على عجل. وقال المسؤولون العسكريون أنهم سيتيحون الفرصة لحوالي 500 جندي ليزوروا مركز الترفيه كل يومين أو ثلاثة، ولكن الذين زاروا المركز اول من أمس كانوا حوالي 200 فقط. ونظرا لأن عدد الجنود الذين خصصوا لفريق العمل «الحصان الفولاذي» يصل الى 26 ألفا، فان زيارة كل الجنود الى المركز ربما تستغرق عدة أشهر.

ولكن جنود القوة التي تقيم في القصر والتي يصل عددها الى 3500 يحاولون أن يقللوا من حقيقة الأبهة التي تبدو عليها القصور. قال أحد الجنود المقيمين بالقصر:

«هذه الثريات ليست من ذهب وكرستال في حقيقة الأمر. عندما تدقق النظر تجدها مصنوعة من الزجاج والصفيح».

وهناك نقص مشترك في كل هذه القصور وهو قلة عدد الحمامات. فربما لا يكون بالبناء الضخم، الذي يحتوي على عشرات الغرف وأبهاء لا حصر لها من المرمر، وعدد غير محدود من الممرات والقاعات، أكثر من خمسة حمامات. ولذلك فان أكثر القصور فخامة ألحقت به صفوف من الحمامات ودورات المياه المتنقلة لتكمل ذلك النقص.

دافع المسؤولون العسكريون عن احتلال القصور لأنها أفضل الأماكن من الناحية الأمنية، كما أنها توفر للجنود نوعا من الحياة الكريمة لا توفره الأماكن الأخرى. واستخفوا كثيرا باحتمال ألا يرى فيهم السكان المحليون الذين لا يستطيعون زيارة القصور حاليا، سوى وجه آخر لصدام حسين. قال الرقيب مايك تنوريو، 22 سنة، من ولاية تكساس: «عندما جئنا الى هنا كنت أشعر بالرهبة. لم أكن أتوقع أن اصل هنا لأعيش في قصر. ولكنني أشعر الآن أن الحياة في القصر لا غرابة فيها. ومع ذلك فانني افضل أن أعود الى بلدي وأعيش في شقتي الصغيرة مع زوجتي وأطفالي».

وقال الرقيب داي، انه كان يقرأ القصص الخيالية لابنته دو، 5 سنوات، وبدلا من ذلك أرسل لها رسالة الكترونية يقول لها فيها أنه يعيش حاليا في قصر. وقال ان ابنته ردت عليه برسالة قالت فيها: «بابا، هل أنت ملك الآن؟».

ورد عليها قائلا: «لا يا عزيزتي أنا لست ملكا، بل جندي يعيش في قصر»!

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»