لماذا لا يدافع المثقفون العرب عن حرية زملائهم المضطهدين؟

كتاب يتحدثون عن حواجز نفسية وآيديولوجية وسياسية وآخرون عن ضعف المسؤولية الأخلاقية والأدبية

TT

«لا نستطيع ان يتضامن احدنا مع الآخر لأننا ضعفاء»، تقول احدى الكاتبات المشاركات في هذا الاستفتاء. ولكن من اين ينبع هذا الضعف، يرجع بعض الكتاب ذلك الى انعدام الديمقراطية في الوطن العربي، وبالتالي غياب المؤسسات الثقافية المستقلة غير المرتبطة بتوجه هذا النظام او ذاك. كما ان المثقفين ليسوا كتلة واحدة، وقسم كبير منهم محكوم باعتبارات ايديولوجية او طائفية او فئوية وحتى شللية، اكثر مما تحكمه الدوافع الاخلاقية والانسانية والادبية.

وعلى اية حال، يتفق معظم المشاركين في هذا الاستفتاء على ان هناك خللا كبيرا في مواقف قسم من المثقفين العرب تجاه قضية الحرية وحتى التعبير، وقصورا واضحا في تضامنهم المفترض مع زملائهم في المهنة الذين تعرضوا ويتعرضون للانتهاك ماديا وادبيا. واذا كانت هناك بعض المبادرات التضامنية، فانها لم ترتفع الى ممارسة ثقافية خاصة عند المؤسسات الادبية والفكرية. وهدف هذا الاستفتاء هو اثارة الاهتمام بهذه القضية وطرحها على جدول اعمال المثقفين العرب ومنظماتهم.

* سعيد الكفراوي: غياب المنظمات

* في ظل غياب التنظيمات وجمعيات الحقوق المدنية وكافة اشكال المؤسسات التي يتحرك من خلالها الكتاب حركة ديمقراطية تضمن حقهم في التعبير والرفض تكون حركة المبدعين وسط الانظمة المتسلطة محفوفة بالمخاطر مما يجعل ظواهر طرد المبدعين أو نفيهم أو ابتعادهم اختياريا مسألة تحدث من دون أن تلقى رفضا جماعيا من الكتاب في الداخل أو الكتاب الأشقاء في البلدان العربية المجاورة. لكن هذا الفعل التآزري للمبدعين في البلدان العربية تجاه بعضهم البعض يحدث كثيرا وهناك سوابق قريبة على ذلك عندما تحرك المبدعون المصريون للدفاع عن حق الكاتبة الكويتية ليلى العثمان في الكتابة والإبداع بحرية من دون كبت أو قهر.

ان مسألة مؤازرة مبدع عربي لآخر أياً كان موطنه صارت الآن سلوكا يجنح الى الفردية لان الحركة الثقافية منذ استولى العسكر والعائلات على مؤسسات الحكم أصبحت تعيش معتمدة على فرديتها أو شلليتها أو الاقتراب من السلطة والمؤسسة الثقافية، وهو ما أدى الى وجود حالات من التشرذم وعدم الفعالية، وقد تجلى ذلك في ان جماعة المثقفين لا تلتقي على رأي خاص بحرية التعبير أو اعتقال احدهم أو تجاوز السلطة والمصادرة.

اننا نستطيع تكوين رأي حقيقي من جماعة المثقفين وحقيقة وضعها حين نتأمل آراءهم في اعتقال احد الصحافيين، حيث يخضع ذلك من قبلهم الى وجهات نظر مختلفة بالرغم من ان ذلك يعتبر تعديا كاملا على حرية الكتاب والمبدعين نتيجة موجة من القوانين سيئة السمعة، والتي حاول المثقفون مواجهتها في لحظة معينة ثم ما لبثوا نتيجة الكثير من العوامل ان صمتوا.

ان كل هذه الظواهر موجودة في واقعنا الثقافي وتتجدد وتتوالد سواء على مستوى معالجة الأزمات بالهبة التي ما تقلب ان تهدأ وتخفت، أو النزوع الى الفردية، أو الدفاع المضاد عن موقف يقيد حرية الإبداع، كل هذا وغيره يحدث نتيجة غياب المنظمات والمؤسسات الداعمة لحركة المثقفين المصريين والعرب.

إن مواقف المثقفين من السلطة العراقية وممارساتها تجاه المبدعين سواء بالصمت أو بالادانة والشجب تشير الى ان الثقافة العربية تعيش على حد الاحتمالات نتيجة الأفق الغائم والمقفول الذي يحيط بهم، واحساسهم بأن ليس لهم دور حقيقي يتجسد خلال ابداعاتهم، فهي لا تصل للناس وتهمش الاصوات المهمة بينهم، كما ان السلطة تعمل دائما على نشر أمراض ودعاوى بين صفوف المبدعين من انه كلما اقتربت من السلطة حصلت على ما تريد، وهذا واحد من أهم الاسباب والظواهر التي تقف وراء ما يسمى الآن بثقافة الأزمة العربية.

اننا لا نستطيع ان نقول ان كل المثقفين المصريين والعرب كانوا قابلين للنظام العراقي، لكن هناك جماعة تنتمي بالفكر والايمان القومي والوحدوي، وتلك أطروحات طرحها النظام العراقي وكان في أحيان كثيرة له مصداقيته عند المثقفين، ولا ننسى ان هذا النظام طرح الكثير من الاغراءات على مستوى النشر والمكافآت وشراء الذمم وتبني بعض اقلام المثقفين ونشر ابداعاتهم، بل حاول النظام في العراق ان يشير الى انه المعبر عن حركة المثقفين وحركة القومية العربية، وهذا النهج تمارسه كل الانظمة العربية في مواجهة المثقفين، فهي تدعي مناصرتها لحركة المثقفين ودعم الابداع، ثم تأتي من باب خلفي لتقييد حركتهم وكبت حريتهم، وهذه العلاقة المتشابكة قائمة بين المثقف العربي وكل سلطة في كل وقت، وقد انتهز الاميركان هذا وطرحوا بديلا عن السيطرة الواحدة أفقا متعددا، وأنا لست مؤيدا لهذه الانتهازية والمبررات في السيطرة على المقدرات العراقية، لكنها نتاج طبيعي ولا تطرح إلا وتوجد أزمة حقيقية في علاقة المثقف بالسلطة.

كان صدام حسين في وقت من الاوقات البديل لجمال عبدالناصر، ولكن البروفة الأولى لهذا النهج قامت على المصادرة ووحدانية الثقافة وضرب أي فكر مناوئ لزعيم يستبدل وجوده الذاتي بالأمة، وهو نموذج موجود في العالم العربي، نموذج ديكتاتوري خالق لمناخ خانق للمثقفين ويجعل منهم العميل والمتعاون ومنهم من يفضل الوحدة والعزلة ومنهم من يبطن كتاباته بالادانة، أو يلجأ الى الرحيل كشكل من اشكال الخلاص من الموت ضمنا أو قهرا، ومع ذلك أقول ان صدام لم يكن هو الشيطان الوحيد في عالمنا العربي.

* أمينة رشيد: انعدام الديمقراطية

* وجود نموذج معكوس في الثقافة العربية، هو انعكاس طبيعي لانعدام الديمقراطية وحرية الرأي، وفي هذه الحالة يقع المثقفون في النرجسية أو التواري والانعزال وهذا موجود في البلاد العربية بعد ان صار النظام والنضال والالتزام شيئا معاقبا عليه ومرفوضا من قبل السلطة، وصار الانغلاق في القضايا الشخصية والتعلق بالذات نتيجة طبيعية للهيمنة الاميركية، والمسألة تحتاج الى الالتفاف حول قيم حقيقية بعيدا عن روح المجتمع الاستهلاكي التي سادت حولنا فجعلت بعض المثقفين يجنحون الى السلامة وحصد الامتيازات والبعد عن الدفاع عن فكرة أو مبدأ أو مناصرة زميل يتعرض للاضطهاد في بقعة ما من البلاد العربية.

اننا نحتاج الى تغيير جذري في الاوضاع التي تجذبنا الى اسفل، ودفع المجتمع المدني للوجود وهو ما يحدث عكسه الآن حيث يتم اجهاض مؤسساته ورفض وجودها، وربطت د. رشيد تآزر المبدعين بعضهم بعضا بضرورة وجود روح جماعية فيما بينهم واحترام الاختلاف فيما بينهم والمنافسة وتنظيم اللقاءات التي تقرب فيما بين جماعاتهم في كل انحاء الوطن العربي وهنا يمكن أن يكون لوجودهم معنى ويمكن ان يدافعوا عن حريتهم في الوجود والإبداع بحرية تماما حتى لو لم تسمح السلطة وهم في هذه الحالة قادرون على انتزاع حقوقهم لان السلطة لا تمنح حقا يحتاج الى نضال قد يودي بحياة الانسان قبل الحصول عليه.

اسلحة المثقفين كثيرة في الدفاع عن حريتهم في الابداع وعن حرية غيرهم وان الكلمة مؤثرة في هذا المجال بشرط ان تكون هناك حملات شريفة تستهدف في النهاية المبدأ من دون البحث عن مكاسب مؤقتة.

* لامع الحر*: غياب العلاقات الأخلاقية

* لماذا يطالب المثقف بالتضامن مع المثقف في ظل وضع عربي متصدع متفكك متراجع وممتلىء بأمراض اكثر من ان تعد او ان تحصى؟

العلاقة مع الجماعة خرجت عن كونها علاقة اخلاقية لتغدو علاقة مصلحية طاغية. واذا تحركت الجماعة لنصرة هذا او ذاك فليس انطلاقاً من اعتبارات انسانية او ابداعية، بل انطلاقاً من قرب او بعد هذا المبدع عن الجماعة، وانطلاقاً من المصلحة التي تربط الآخرين به.

فإذا تعرض مبدع نافذ من هذه الشلة او تلك لأي اعتداء تحركت كل الاجهزة وكل المنابر وكل الوسائل الاعلامية لنصرته أكان مبدعاً عظيماً ام لم يكن.

وموسى حوامدة في الاردن واحد من الشعراء الذين تعرضوا لأنواع شتى من الظلم من دون ان يدفع ذلك الشعراء، في الاردن او في خارج الاردن، الى تحرك فاعل لنصرته.

وانا شخصياً لم ترفع ضدي اي دعوى ولم اتعرض لأي محاكمة بل دخلت المعتقل لدى اعتى قوة نازية في المنطقة «اسرائيل» ولم تصدر سوى بيانات خجولة من المثقفين ومن بعض الروابط والنوادي الادبية كاتحاد الكتاب اللبنانيين، على سبيل المثال، وكأن ما يتعرض له شاعر لبناني يحدث في قارة اخرى او عالم آخر. كما ان كتابي ما قبل الاخير «فتى الظل يبحث عن يديها» منع وصودر في احدى الدول العربية ونشر الخبر في غير صحيفة لبنانية وعربية، اما الكتَّاب «فلا تندهي ما في حدا».

انا اعيش هذه المشكلة بكل قسوتها وضراوتها واتساءل هل يفترض بالشاعر ان يستعيض عن الحمية القبلية والانتماء القبلي بالحمية السياسية والانتماء السياسي الذي لا يخفي خلفيته الثقافية، كي لا يشعر بالعزلة واليتم.

* كاتب لبناني

* رشا الأمير*: هشاشة روح الجماعة

* لا يستطيع واحدنا ان يتضامن مع الآخر لاننا ضعفاء... في العربية هناك دائماً مقارنة بين السيف والقلم، كما في النشيد الوطني اللبناني، على سبيل المثال. وكي يكسب القلم الجولة عليه ان يكون بحدة السيف وقوته، بينما الاقلام التي نعرفها اليوم، مبريّة بمبراة السلطة، ومتخشبة لدرجة فقدان مصداقيتها واشراقها.

ما يجرح فعلياً، على الارض، هو السيف والقوة المادية والفساد. من المفترض ان توجد تكتلات قادرة على دعم الكاتب والمبدع، قادرة، مثلاً، على ان تشتري منه ألف نسخة وتدفع ثمنها بفعل التضامن والتعاضد داخلها لا بفضل أي تمويل خارجي. وعلى عكس ما يشاع فالقوة تنبع من التماسك الذاتي لا من الضعف. رغم جمالية التعبير المجازي الذي يريد التأكيد على انه «في الضعف قوة»، وهو مما ليس بصحيح.

هناك دعم بالمادة وثمة دعم من نوع آخر بالأفكار، والنصيحة الخطأ ثمنها باهظ احياناً. لقد اعطى الفلسطينيون نصيحة خطأ حين قيل لهم تعالوا وسنسترجع فلسطين بقلوبنا، مقولة بنيت على وهم، والنتيجة أكثر من نصف قرن من التشرد، لأن القوة لا تبنى على وهم، وكل وهم يورِّث اليأس. مجتمعاتنا مبنية على الخوف والقهر والفساد وهذه ليست قيماً. الناس لا يصدقون ما يكتب في الجريدة، والثقة منهارة بين الافراد. وانا متيقنة من ان لا نهضة خارج القيم، وتحديداً قيمنا التي لا يمكن ان نتبرأ منها. فلكل نهضة مقوماتها واسسها، واذا كان الغير قد قام بثورة صناعية لم نشارك فيها، فعلينا ان نجتهد لنفعل شيئاً آخر ينبع من تركيبتنا الذاتية، فنحن متيمون بالشرف والكرم، على سبيل المثال، فلنعمل على بلورة هذه المفاهيم، واعادة صياغة رؤانا للأمور.

الايمان بالعجائبية يشبه فكرة المهدي المنتظر، وتعليق الآمال على احلام لا تتحقق، مسألة فيها مجازفة مُرّة. لذلك اقول انه لا يكفي ان نصلي كي نكون محظوظين، كما يريد نزار قباني. ولا اؤمن بالحظ، وانما اعتقد ان بناء مؤسسات او تكتلات قوية تسقط من حساباتها الانانية الضيقة، والحسابات الصغيرة، وتستطيع ان تساعد بالافكار والاموال هي المدخل الى ايجاد الحلول وبدء البناء على اسس سليمة لا وهم فيها ولا خداع.

واعتقد اننا في واد الجمع التي اسسناها كان باستطاعتنا ان نقمع العناصر المشاغبة لو تمكننا من تشكيل مجموعة متماسكة تريد ان تحقق شيئاً ما، لكن الهشاشة هي التي تشجع على التمرد والنيل من روح الجماعة.

* روائية لبنانية وصاحبة دار «الجديد»

* حسن نجمي*: التضامن في إطار طائفي

* إن الممارسة الثقافية ليست مجرد كتابات وخطابات وتعبيرات أدبية أو فنية أو ما شابهها، ولكنها أيضا ترجمة لسلوك ولأخلاقيات ينبغي أن تسود فعليا بين المثقفين والنخب الفكرية والأدبية في الوطن العربي. وفي ظني فالمثقف العربي في كثير من المناسبات كان حاضرا الى جانب مثقفين ومبدعين ومفكرين امتحنوا في اختياراتهم ومواقفهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، مع الانتباه الى أن الوضع العربي ليس متشابها على مستوى مختلف الأقطار، فكلما انتقلنا من بلد الى آخر لابد أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصيات السائدة في هذا القطر أو ذاك. من الصعب جدا أن نحاسب المثقف العربي في الخليج بنفس الحدة التي يمكن أن يحاسب بها المثقف العربي في المغرب العربي مثلا، نظرا للاختلاف الحاصل على مستوى طبيعة الحقل الثقافي والسيرورة التاريخية وطبيعة الأنظمة السياسية السائدة هنا أو هناك. ولكن في الحصيلة لا بد أن نؤكد أن المثقف يمثل ضميرا شاهدا لأمته، فإذا كانت هناك من ظروف استثنائية أو اعتبارات قاهرة تحول دون أن يتقدم المثقف العربي الصفوف وأن يكون في طليعة المعارضات المفترضة، فإن ذلك لا يعني أن يخاطر بنفسه وأحيانا بحياته. لا بد أيضا على المثقف كمواطن وكفاعل في الحياة المجتمعية أن يأخذ بعين الاعتبار مجمل المعطيات السائدة في بلاده وفي الحقل الذي يتحرك فيه، لذلك لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل بلد على حدة، وخصوصيات كل نظام سياسي على حدة، وألا نحاسب الجميع بنفس المعايير ونفس المقاييس وبنفس الحدة. والتضامن أشكال، قد يكون التضامن تعبيرا عن موقف سياسي صريح، أو ابداء رأي من خلال وسائل الاعلام المختلفة، أو اهداء في قصيدة أو قصة، أو استحضارا لأفكار وتعبيرات لمثقف يجتاز محنة معينة.

ومن المؤكد أن بعض أنواع المثقفين العرب لا يتحملون مسؤولياتهم الأخلاقية والأدبية والتاريخية ولا يكونون دائما في اللحظة المناسبة وفي المكان المناسب للتأكيد على الوظيفة الرمزية للمثقف في بلاده وفي عصره. ولا بد أن ننتبه أنه حينما نتحدث عن المثقف لا نتحدث عنه فقط كاسم شخصي، قد يكون تعبيرا عن موقف سياسي متضامن يتم من خلال بلورة موقف جماعي داخل مؤسسات معينة. عندما يتخذ اتحاد كتاب المغرب موقفا الى جانب مثقف عربي يجتاز محنة، فليس بالضرورة أن يعبر عن هذا الموقف أكثر من 500 مثقف وكاتب مغربي، وإلا لماذا وجدت المؤسسات الثقافية العربية كاتحادات الكتاب وبيوت الشعر ومراكز الأبحاث والدراسات ومجموعات البحث المختلفة، إنها تعبر عن موقف جماعي وعن ميثاق فكري وأخلاقي تمت بلورته من خلال مؤتمرات ساهم فيها كتاب من مختلف الحساسيات والأجيال والأجناس الابداعية والفكرية. لذلك عندما نحاسب المثقف العربي فنحن نحاسبه كفرد ولكننا أيضا نحاسب المؤسسات الثقافية والأدبية والفكرية التي تعبر بشكل أو بآخر عن مواقف جماعية للنخب الثقافية والفكرية والعربية.

إن اتحاد كتاب المغرب يلاحظ أن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لم يبادر في الكثير من المناسبات للتعبير عن مواقف متضامنة الى جانبنا، على الرغم من أن اتحاد كتاب المغرب عضو كامل العضوية بالاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وكمسؤول أول عن اتحاد كتاب المغرب، اجتزت أخيرا محنة اعلامية سخيفة فتضامن معي عدد وافر من الشعراء والكتاب والأدباء من الوطن العربي من بينهم: محمود درويش وأدونيس وسعدي يوسف وسركون بولص وبول شاوول ومحمد بنيس وغيرهم من الأدباء العرب، بل تضامن معي عدد من الأدباء من أميركا اللاتينية ومن آسيا ومن أوروبا في اطار العلاقات الرمزية والانسانية وفي اطار الصداقات الابداعية التي تجمعنا، لكنني لم أطلع على الاطلاق على أي موقف صادر عن المؤسسة التي يفترض أن لي صلة معينة بها، خصوصا أن اتحاد كتاب المغرب لم يتخلف في أية مناسبة من المناسبات عن ابداء مواقف متضامنة مع كتاب وأدباء اجتازوا ظروفا صعبة. فيكفي أن أذكر ببعض هذه المواقف، فقد تضامنا مع الشاعر العربي الكبير محمود درويش عندما تم التضييق عليه والاعتداء على مؤسسة الكرمل وبيت خليل السكاكيني الذي يضمن مؤسسة الكرمل في رام الله، وبعثنا برسالة مفتوحة اليه، كما بعثنا برسالة تحية الى وفد الكتاب العالميين الذين زاروا محمود درويش للتضامن معه في فلسطين. كما تضامنا مع الفنان مارسيل خليفة عندما اجتاز محنة بسبب أغنية تضمنها شريط من أشرطته الغنائية، حيث اتهم في لبنان بما وصف بتحقير الشعائر الدينية، هذا ناهيك عن العديد من بيانات التضامن مع مختلف الكتاب والأدباء العرب والمغاربة، آخرها الآن الصحافي المغربي علي المرابط الذي يجتاز محنة هذه الأيام بسبب صدور حكم قاسي في حقه بأربع سنوات نافذة.

وعراقيا، أخلص اتحاد كتاب المغرب بشكل عميق وفعلي للمثقفين والأدباء العراقيين في ظل النظام العراقي السابق أو في الشتات، ولم تكن تمر تظاهرة ثقافية أو أدبية مغربية ينظمها اتحاد كتاب المغرب من دون أن نستدعي اليها واحدا أو أكثر من الشعراء والكتاب العراقيين في المنافي المختلفة. وحرصنا على نوع من التوازن والوضوح في العلاقة مع التجربة الثقافية والأدبية العراقية، لم نجامل النظام العراقي أبدا، وإن كانت لنا صداقات كثيرة مع العديد من الشعراء العراقيين الذين لهم قيمة في الحقل الابداعي العراقي وظلوا أحيانا منخرطين داخل التجربة السياسية ببلادهم وفي نفس الوقت ظلت لنا صلات عميقة ومخلصة مع الكتاب والأدباء العراقيين في المنفى. أعتقد شخصيا أن المرحلة الحالية تتطلب فعلا أكثر من مجرد التعبير عن موقف متضامن، بل أن نتخذ مبادرات حقيقية ونعرف كيف نتعامل مع هذه المستجدات، لا يكفي أن ندين الاحتلال الاميركي والبريطاني فقد أدناه أكثر من مرة بمختلف الأشكال التضامنية والاحتجاجية، ولكن لا بد من أن نعمق هذا الموقف خصوصا بعد أن أصبحنا نشاهد تلك المقابر الجماعية، التي تخز الضمير الانساني. ولهذا فمن الواجب الاتصال بالمثقفين والكتاب العراقيين لنعرف كيف يمكن أن نتحرك بالطريقة السليمة الفاعلة، لأنهم هم أدرى بمشهدهم الثقافي ويعرفون ماذا يحتاجونه من أصدقائهم من المثقفين العرب. لا ينبغي أن نخطب من بعيد، وأن نصدر البيانات تلو البيانات، بل يجب بلورة موقف منسق مع الأدباء والمثقفين العراقيين ومع المؤسسات الثقافية والفكرية والأدبية العراقية، وذلك حتى لا نخطئ.

* شاعر مغربي، رئيس اتحاد كتاب المغرب

* عبد الرحمن طنكول*: إيجابية المثقف المغربي

* يفترض أن «يشكل المثقفون كتلة متراصة أو قبلية تربطها علائق تقوم على أسس عصبية. لكن في واقع الأمر هناك أنماط عدة من هذه الشريحة الاجتماعية، ولا داعي هنا للتذكير بما نعرفه عن مميزات وخصائص كل نمط منها حسب المواقف والأهداف التي يتبناها ويعمل من أجلها. في هذا التنوع والتعدد ما يفسر بعض التناقضات التي يمكن أن نلاحظها وسط المثقفين، والتي تؤدي أحيانا الى صراعات حادة ومكشوفة. لكن هل هذا يبرر ما نشاهده من وقت لآخر من ردود فعل عنيفة تتهم المثقفين بالصمت أو الغياب عن الوعود الحاسمة.

أعتقد أنه لا ينبغي أن ننظر الى المثقف بكونه آلة تتزعزع وتتفاعل في الحين مع كل ما يحدث في المجتمع أو العالم، قد يكون ذلك مناطا بالصحافي أو السياسي، ولن يقدم المثقف أي فائدة إن كرر ما يقوما به على الوجه السليم. فنظرا لما يطبع الواقع اليوم من تعقيد وملابسات غالبا ما يتحلى المثقف بالتريث وتفادي المخططات الجاهزة لكي تكون قراءته للواقع قراءة عميقة ومكملة لكل القراءات الأخرى. وهذا لا يعني أنه في ممارسته هذه يقف متفرجا على ما يحدث حوله، بل أحيانا ما يكون صمت المثقف أكبر دليل على موقفه. بالاضافة لذلك من الطبيعي أن تختلف مواقف المثقفين بالنظر للحرية والمسؤولية التي يتعاملون بها في تناولهم لمختلف القضايا والاشكالات داخل الحقل الديمقراطي الذي تحدده سلطة المجتمع. إن هذا السلوك يسود حتى داخل العلاقة التي تجمع المثقفين فيما بينهم سواء كانوا ينتمون لنفس الوطن ولنفس المشارب الفكرية والحساسيات السياسية أم لا. ومن هنا قد تتوحد أو تختلف أشكال التضامن التي تصدر عن مختلف أنماط المثقفين، الشيء الذي يصعب معه الحكم عليها بتسرع وبنوع من الاطلاقية. كما لا ينبغي أن يغيب عنا أن انخراط المثقفين في كثير من الهيئات الثقافية لم يمنعهم من أن يظلوا غيورين على التفرد الذي يسعى كل واحد الى تحقيقه. وهذا ما يجعل من عالمهم عالما خاصا: فهو من جهة ذو طابع مؤسساتي، ومن جهة أخرى يروم الخروج عن الاطار الذي يعطي المشروعية لكل مؤسسة».

ويشير طنكول إلى أنه «بالرغم ما لهذا العالم من تميز(لكونه عالما تتجسد فيه قيم المجموعة وفرادة الفرد) وبالرغم مما به من تناقضات، فلدى أصحابه إرادة قوية في التوجه بعملهم نحو التحدي ونصرة الحق والقضايا العادلة ضد الزيف والظلم. ولنا في مواقف المثقفين المغاربة أمثلة كثيرة تشهد على صحة هذا الطرح، سواء تعلق الأمر بالتضامن مع البعض منهم الذين يعانون محنة الاضطهاد والتعسف أو حينما يكون مثقفون عرب أو أجانب ضحية لمثل هذه الوضعية، تجد المثقف المغربي سباقا للدفاع عن قيم الكرامة والحرية. وما أعتبره شخصيا ميزة خاصة لدى المثقف المغربي، ولدى بعض الهيئات التي تمثله، كونه يتحاشى دائما: أولا «التطبيل» لمواقف واعطائها طابعا اشهاريا رغم ما قد ينتج عن ذلك من نقص بالنسبة «للمنظورية» التي ينبغي لكل موقف تضامني أن يتمتع بها. ثانيا السقوط في «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». فغالبا ما تتميز مواقف المثقف المغربي بالدفاع عن المبادئ العليا ولا ترمي الى الاقصاء، إذ ما تهدف إليه هو دعوة الجميع اي عدم التوغل في وحل الماء العكر وإغفال الصراعات الكبرى ضد الجهل والتخلف. ولعل سر احترام المثقفين الأجانب للمثقف المغربي يكمن في هاتين الخاصيتين، بالإضافة لما يتميز به هذا الأخير من جرأة في رفضه للدغمائية واستشراف الآتي».

* رئيس «بيت الشعر» في المغرب