الإعلان عن مائة موقع أثري مهددة بالضياع

أحمد عثمان

TT

أعلنت المنظمة العالمية لمراقبة الآثار عن 100 موقع معرض للخطر في مناطق عدة من القارات الخمس، بما في ذلك القارة المتجمدة الجنوبية المغطاة بالجليد في القطب الجنوبي.

وتتضمن القائمة مواقع في استراليا والاكوادور وفنلندا والباراغواي وجنوب افريقيا وفلسطين. وتعمل الهيئة على التعريف بالاخطار التي تتعرض لها بقايا التراث البشري، وتشجع الدول على صيانة ممتلكاتها الثقافية، الى جانب جمع المساعدات المالية للانفاق على مشاريع الترميم والصيانة. وعند ترشيح اي موقع لقائمة المواقع المعرضة للخطر، يجب اقتراح كيفية انقاذه والتعريف بأهميته الثقافية والمخاطر التي يتعرض لها.

وتتعدد وتتنوع المواقع ما بين قصر قديم أو رسوم داخل كهوف الى مدن ومواقع اثرية وكلها تتحدث عن منجزات الانسان وطموحاته.

المنظمة العالمية لمراقبة الآثار، بالمناسبة، مؤسسة خاصة غير حكومية أسست في نيويورك سنة 1965، وهي تعمل على حماية الفنون والعمارة ذات الاهمية التاريخية في جميع انحاء العالم عن طريق تدريب الخبراء على اعمال الصيانة والترميم. ومنذ ثماني سنوات اعلنت المنظمة عن برنامج يهدف الى اختيار 100 موقع كل سنة تتولى بنفسها الانفاق والاشراف على ترميمها وصيانتها. وعينت لجنة من الخبراء لتلقي طلبات الدول، بوضع بعض المواقع الاثرية المهددة في أراضيها ضمن القائمة، وتشمل قائمة العام القادم 23 موقعا من البلدان العربية موزعة كالآتي:

ثلاثة مواقع في مصر هي في هيراكونوبوليس (أو نخن)، حوالي 80 كيلومتراً جنوب مدينة الاقصر، والمعبد الجنائزي لأمنحتب الثالث بالضفة الغربية بالاقصر، وسبيل رقية دودو بالقاهرة من عصر المماليك. وموقع واحد في مدينة فاس بالمغرب يمثل مدرسة وصهريجاً وسبيلين. وموقعان في العراق، في مدينة نينوى، وقصور نمرود قرب الموصل، وقلعة اربيل في كردستان. وموقعان في سورية هما مدينة بصرى في الجنوب الشرقي وموقع عمريت الاثري على الساحل قبالة جزيرة أرواد، وموقعان كذلك في فلسطين هما تل بلاطة الذي يمثل مدينة نابلس القديمة، وقصر القاسم في بيت وزان بالضفة الغربية. وموقع واحد في الاردن عند عين غزال بعمان، وآخر في لبنان في الاسكندرونة قرب الناقورة في منطقة صور.

قصور نمرود تعرضت قصور الملوك الآشوريين الى السرقة والدمار خلال السنوات العشر الماضية، مما جعل هذا الصرح الحضاري مهدداً بالضياع. فقد قام ملوك آشور منذ الفين و 700 سنة بتسجيل اخبار انتصاراتهم الحربية فوق جدران قصورهم الملكية التي شيدوها بشمال ارض الرافدين في نينوى (الموصل) ونمرود (كالخو) القريبة منها، وكان أول الاثريين الذين عملوا في العراق هو بول اميل بوتا الذي شغل منصب قنصل فرنسا في الموصل بالشمال، وهو الذي عثر على بقايا مدينة نينوى القديمة ـ عاصمة الآشوريين ـ بالقرب من الموصل، وفيها قصر الملك سنحاريب.

وظهرت الاقوام الآشورية ذات الاصل السامي العربي في شمال ارض الرافدين منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وترجع تسميتهم هذه الى اسم مدينة آشور التي شيدوها في منتصف الطريق بين الموصل وبغداد. إلا ان الملوك الذين اقاموا الامبراطورية الآشورية التي امتدت حدودها بين شمال ايران وسيناء مصر جاءوا بعد ذلك بمئات السنين في القرن العاشر قبل الميلاد واستمروا في حكمهم الى ان هزمهم البابليون في القرن السابع قبل الميلاد، وفي عصرهم اصبح للامبراطورية الآشورية ثلاث مدن مركزية بشمال العراق، هي نمرود ونينوى وخرسباد. وصارت آشور قوة صاعدة تهدف الى مد نفوذها غربا الى البحر المتوسط في ممالك سورية وفينيقيا، وجنوبا حيث كانت ترغب في الوصول الى مصر.

وأصبحت نينوى مركزا لامبراطورية عظمى خلال قرنين من الزمان، ما بين القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد وامتدت حدودها من مصر الى الخليج العربي.

ورغم ان مدينة نمرود ـ التي كانت تسمى «كاله» في البداية ـ بنيت قبل ثلاثة قرون من عصر الامبراطورية، فإنها لم تصبح مدينة هامة الا منذ عصر الملك آشور نصري بال الثاني، الذي جعلها عاصمة لها.

بصرى ونبوءة الراهب بحيرا أما عن بصرى، بمحافظة درعا في الصحراء السورية جنوب شرق العاصمة السورية دمشق فقد اشتهرت في القرن الاول للميلاد، عندما حلت مكان البتراء كعاصمة لدولة الانباط بالحجاز والاردن. ثم ازدادت اهميتها بعد سقوط دولة الانباط وعندما جعلها الرومان عاصمة لولاية عربية اقاموها منذ عام 106. ومن بين البقايا الهامة في بصرى، المسرح الروماني الذي يرجع الى القرن الثاني للميلاد، الى جانب بعض الكنائس الشرقية القديمة وبعض المساجد الاسلامية الاولى.

وقد ذكر ابن هشام في السيرة النبوية ان آمنة بنت وهب لما حلمت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم «رأت انه خرج منها نور رأت به قصور بصرى». كما تحدث ابن هشام عن مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في صباه لعمه ابي طالب عند خروجه الى الشام للتجارة وكيف توقف الركب في بصرى، حيث التقى براهب يسمى بحيرا كان يعيش في صومعة.. وعندما شاهد محمداً صلى الله عليه وسلم تنبأ له بشأن عظيم. ورغم الاهمية الحضارية والثقافية الكبيرة لمدينة بصرى التاريخية، التي وضعتها مؤسسة اليونسكو العالمية للثقافة في قائمة المحميات الحضارية لم يبذل جهد يذكر لحمايتها وترميمها واعدادها لزيارة السائحين.

معبد أمنحتب كل من يزور مدينة الاقصر بصعيد مصر، يشاهد في طريقه الى وادي الملوك بالضفة الغربية لنهر النيل، تمثالي ممنون اللذين كانا من عجائب الدنيا السبع في الازمنة القديمة. وبينما يصل ارتفاع التمثالين لأكثر من ثلاثين مترا، كان يصدر عنهما صوت صفير موسيقي عند شروق الشمس كل صباح.

هذان التمثالان هما كل ما تبقى الآن من المعبد الجنائزي الذي بناه أمنحتب الثالث خلفهما منذ ثلاثة آلاف و 500 سنة. وعندما ارتفع منسوب المياه الجوفية بعد بناء السد العالي بأسوان في ستينات القرن الماضي، تزعزعت قاعدتا التمثالين مما عرضهما لخطر الانهيار.

تولى أمنحتب الثالث العرش وهو في الثانية عشرة، وسرعان ما وقع في غرام طاي ابنة وزيره يويا وتزوجها وجعلها ملكة على مصر. وكان هذا الملك شغوفا بحب النساء، فالى جانب زوجته الملكية تزوج حوالي ثلاثمائة امرأة من بين اميرات الامبراطورية التي ورثها عن اجداده والتي امتدت ما بين اعالي نهر الفرات في آسيا الصغرى وشلال النيل الرابع شمال الخرطوم. وعمل أمنحتب الثالث على توطيد علاقاته الخارجية، عن طريق عقد الزواج الدبلوماسي مع ملوك وامراء ممالك الامبراطورية. وتبين جعران تذكارية من السنة العاشرة من حكم هذا الملك، وصول الاميرة الميتانية (من بلاد كردستان) «جيلو خيبة»، ومعها ثلاثمائة وسبع عشرة من نساء الحريم. واستقبلت فيما بعد أميرة ميتانية أخرى لتنضم الى حريم الملك. وخلال مرضه الاخير ارسل له حموه ملك ميتاني، تمثال عشتار من نينوى عسى ان تشفيه من مرضه.

وكان المعبد الجنائزي، الذي بناه هذا الملك غرب طيبة حتى يذكر باسمه بعد وفاته، رائع البناء لا يضارعه أي معبد آخر من حيث السعة، ولكن لم يبق منه في الوقت الحاضر الا تمثالا ممنون الشهيران تشهد على ضخامة حجمه.

وللعلم فإن الآثاري البريطاني ويليام بيتري عثر في هذا المعبد على اللوحة الشهيرة باسم «لوحة بني اسرائيل»، قبل نهاية القرن التاسع عشر. فقد استخدم الملك مرنبتاح ـ ابن رمسيس الثاني ـ لوحة كان «أمنحتب الثالث» قد نقش على احد وجهيها تفاصيل بناء معبده الجنائزي، وكتب على وجهها الآخر تفاصيل الهجوم الليبي على مصر الذي حدث في ايامه والهزيمة التي مُني بها المهاجمون. ثم ذكر في نهاية اللوحة ـ التي يبلغ ارتفاعها اكثر من ثلاثة امتار ـ اسماء البلاد التي كانت خاضعة في ذلك الوقت للنفوذ المصري وضمنها «قوم اسرائيل» الذين اشار الى وجودهم بأرض كنعان قائلاً: «سحق اسرائيل ولم يبق له نسل».