السويدي: مشروع «ارتياد الآفاق» هو الذخيرة العربية الأساسية لأدب الرحلة

أمين عام المجمع الثقافي بأبو ظبي لـ«الشرق الأوسط»: جمعنا في حدود سنة واحدة 500 رحلة وشرعنا في نشر 100منها * معادلة 2000 نسخة الى 300 مليون مواطن عربي معادلة مريضة

TT

* ارتباطنا الآن بالمغرب ارتباط استراتيجي نهدف من خلاله إلى نقل تجربة المغرب في أدب الرحلة الي المشرق

* شكلت ندوة «الرحالة العرب والمسلمون: اكتشاف الآخر، المغرب منطلقا وموئلا» التي نظمتها أخيرا وزارة الثقافة المغربية بتعاون مع مشروع «ارتياد الآفاق» بأبو ظبي، محطة أساسية للباحثين المغاربة والمشارقة الذين وقفوا على جنس أدب الرحلة وإلى الأسئلة والقضايا التي يطرحها هذا الجنس، كما كانت فرصة للعديد من الباحثين والمهتمين الذين اطلعوا على «مشروع «ارتياد الآفاق» بأبوظبي الذي يرعاه محمد أحمد السويدي الأمين العام للمجمع الثقافي بأبو ظبي ويشرف عليه الشاعر السوري نوري الجراح، والذي يهتم بأدب الرحلة وبالأدب الجغرافي بشكل عام ويحرص على جمعه وتوثيقه ويكلف الباحثين تحقيقه الى جانب حرصه على انجاز رحلات حديثة إما على خطى رحالين سابقين أو بتنسيق مع مجموعة من الباحثين.

وللتقرب أكثر من مطامح ومنجزات هذا المشروع العربي الرائد الذي يهتم باحياء الأدب الجغرافي كان لـ«الشرق الأوسط» هذا اللقاء مع راعي المشروع وصاحب «دار السويدي» محمد أحمد السويدي، هذا نصه:

* متى انطلق المشروع الجغرافي العربي «ارتياد الآفاق» الذي ترعونه؟

ـ مشروع «ارتياد الآفاق» مشروع عربي تنويري يستهدف احياء الاهتمام بالأدب الجغرافي العربي، وهو يأتي بعد مشروعين ثقافيين سبقاه وهما: مشروع «الوراق» ومشروع آخرقبله بدأناه عام 1995 اسمه «موسوعة الشعر العربي»، التي صدر منها الاصدار الأول في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1997، وكانت تضم 180 ألف بيت من الشعر العربي على الأسطوانة والإنترنت. وبعد هذا أصدرنا اصدارا ثانيا عام 2000 ضم تقريبا مليون بيت من الشعر العربي وهذا هو الاصدار الثالث ويضم مليونين ونصف مليون بيت من الشعر العربي، بالاضافة الى 265 مرجعا من بينها كتابا «الأغاني» و«العقد الفريد» وغيرهما من الكتب الموجودة في قرص واحد، وهي متاحة بسعر رمزي جدا يصل الى 5 دولارات. وقد كان هدفنا من كل هذا هو محاولة تأسيس مكتبات في بيوت الناس وإتاحة المعرفة بشكل مهني وغير مكلف. أما مشروع «الوراق» الذي شرعنا فيه عام 1997، فقد عمدنا فيه الى الاهتمام بكتب التراث العربي الاسلامي وبوضع مكتبة كلاسيكية لأمهات الكتب العربية التي يصعب أحيانا شراؤها أو حتى الحصول عليها، وهذه المكتبة تضم الآن مليونا ونصف مليون صفحة متاحة على شبكة الانترنت، وهذا مشروع شخصي ما زلت أتبناه لأنني أرغب في أن أوفر للقارئ العربي أمهات الكتب العربية، لأن من حق الانسان العربي أن يحصل عليها وأن تكون متاحة له. وحاليا يستفيد من هذا المشروع أكثر من 150 دولة ويتردد عليه أكثر من 5000 شخص يوميا. بعد هذين المشروعين جاءت فكرة مشروع «الشبكة الذهبية» الذي أسسناه بجامعة كيمبردج التي تعد طرفا فيه بالاضافة الى المتحف البريطاني ومؤسسات عريقة أخرى، وهو يهتم بنشأة المدن وشبكة الطرق التي ربطت بينها والرحالة الذين جابوا آفاق هذه المدن. وتبدأ رحلتنا من 4000 قبل الميلاد. ونتوقف قبل العصر الصناعي الذي تغيرت فيه شبكة الطرق، ويعود سبب تركيزنا على الشبكة الذهبية، الذي بدأنا فيه منذ أربع سنوات، هو أنها تظهر الدور الريادي الذي لعبه العرب والمسلمون في ربط القارات الثلاث بشبكة قوية جدا أتاحت للمواطن العادي أن يجوب القارات الثلاث، ولا أدل على هذا من الرحالة ابن بطوطة الذي جاب هذه الآفاق بدون جواز وبدون مطارات أو حواجز. وقد أردنا لهذا المشروع، أي «الشبكة الذهبية» أن يكون عالمي الأبعاد. ولهذا الغرض عملنا على تأسيس مشروع «ارتياد الآفاق» الذي يمثل الذخيرة العربية الأساسية لأدب الرحلة، الذي شرعنا فيه منذ سنة فقط وبدأنا فيه من الصفر، حيث لم يكن لدينا من الرحلات إلا البعض وأهمها التحقيق الذي قام به عبد الهادي التازي لرحلة ابن بطوطة وهي بالمناسبة غير متاحة في بلد كالامارات شأنها شأن بعض الرحلات الأخرى والكتب الفريدة.

* وما هي الأشياء التي حققها هذا المشروع لجنس أدب الرحلة؟

ـ بداية عملنا في مشروع «ارتياد الآفاق» على جمع الكم الهائل من الرحلات العربية الاسلامية وتصنيفه، حيث جمعنا في حدود سنة 500 رحلة عربية وشرعنا في نشر حوالي 100 منها. ثم أسسنا جائزة ابن بطوطة التي تدعم وترفد وتروج لمشروع «ارتياد الآفاق»، وذلك بهدف احياء الاهتمام بالأدب الجغرافي من خلال تحقيق المخطوطات العربية والاسلامية التي تنتمي الى أدب الرحلة والأدب الجغرافي بشكل عام، وتشجيع الأدباء والكتاب العرب على تدوين يومياتهم في السفر وترجمة التراث الانساني في أدب الرحلة الموضوع في اللغات الأخرى، لأنه في ظل التمزق الذي يشهده العالم العربي وجدنا أن أدب الرحلة يسهم مساهمة عظيمة في إعادة تركيب الشظايا المتناثرة للحضارة العربية الاسلامية، الحضارة العظيمة التي عاشت عصرا ذهبيا وسجلت أدق التفاصيل عن حياة ويوميات ليس فقط الرحالة العرب بل حتى الكتاب والمدن والأشخاص. فالمؤرخ العربي سجل مجموعة من الأحلام والأشياء الهامة في رحلاته وكتبه، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا لا تكتب.

لقد كان العرب يسجلون أدق تفاصيل الحياة اليومية، وللأسف فهذه الكنوز مطمورة والانسان العربي اليوم مشغول بهمه اليومي ولا يكلف نفسه عناء البحث في هذه الذخائر الهامة. ولهذا فنحن نرغب من خلال هذا المشروع الى إعادة بناء الحضارة الدفينة وبعث المدن التي كانت في يوم ما تشع نورا وعلما، وإتاحة هذا بالوسائل الحديثة، حيث جمعنا لابن بطوطة مثلا 15 ترجمة الى مختلف اللغات وسجلنا رحلته بالصوت وفي مختلف اللغات. وقد ذهبنا الى أبعد من هذا في تسجيل أسماء المدن، حيث سجلناها كما كان ينطقها أهلها وبدت ممتعة لمن يسمعها ويراها وملائمة للجيل الجديد الذي تعود أن يعيش الصورة ويسمع الصوت. وقد بدأنا بالاهتمام بالدراسات الجغرافية الهامة والرصينة ونفكر في إصدار سلسلة خاصة بأدب الرحلة الموجه الى الأطفال، لأنه لا توجد كتب ممتعة للأطفال ولا أقراص مثيرة للاهتمام تفيد الطفل العربي في هذا المجال.

فالمائة رحلة التي سنستكملها هي عنوان رمزي لما هو أكثر من ذلك، لأننا في هذا المشروع نهتم أيضا بالدراسات الجغرافية التي تسلط الضوء على أدب الرحلة، حيث أنجزنا لحدود الآن ستة كتب على رأسها كتاب «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» للمستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي الذي يعتبر المصباح الهادي الى ضوء الرحلة، وكتاب «الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر» للباحث المغربي عبد الرحيم مودن الذي حصل على جائزة ابن بطوطة لهذا العام، وكتاب «الرحالة العرب» لنقولا سيادة. فمقابل الرحلة الحديثة التي تعد لتكون مادة للتلفزيون والكتاب الالكتروني والمجلة هناك الرحلة المكتوبة على خطى الرحالة القدماء كالرحلة التي أنجزت على خطى ابن بطوطة في ثلاث جغرافيات: الجزائر، عمان وتركيا، وستستكمل في القريب في الجغرافيات الأخرى. هذا الى جانب اهتمامنا بالكتاب المسموع الذي أنجزنا فيه لحد الآن ما يناهز 80 كتابا منها: رحلة ابن فضلان، رحلة لسان الدين ابن الخطيب، «طوق الحمامة» لابن حزم، كتاب «الفتوحات المكية» لابن عربي، كتاب «فضائل القدس» لابن الجوزي، والنفري.

* في الوقت الذي يقبل فيه الكثيرون على المتغيرات التكنولوجية التي حولت العالم الى قرية صغيرة، يعود هذا المشروع الى الرحلات العربية في جغرافيات الآخر، فما الغاية من هذه العودة والارتداد الى الماضي؟

ـ نحن نسبق حاضرنا ونسافر نحو المستقبل، فالعودة الى الماضي برأيي ليست رجعة بقدر ما هي سباق الى المستقبل. وأعطي هنا مثالا، فحينما بدأنا بجمع الموسوعة الشعرية علم 1995، قابلت مجموعة من الناشرين وكانوا يقولون لي: ما هذا العبث، من في الوطن العربي لديه كومبيوتر، ومن لديه اتصال بالانترنت، الأن هذه المكتبة أصبحت حاجة ماسة للجميع، بمعنى أننا استطعنا أن نرى في عام 1995 ما سيكون عليه شكل عامي 2000 و2003، فعودتنا الى هذه الكنوز، هي صحيح عودة الى الماضي، ولكن أن توفرها مستقبلا بشكل يليق هذه رحلة الى المستقبل. وبالتالي فعودتي الى الماضي ليست عودة انكفاء في هذا الماضي وحبس النفس في هذه الكبسولة الماضوية، خصوصا أن الماضي يمثل بالنسبة لي العصر الذهبي للأمة العربية الاسلامية، فعندما استيقظت أوروبا في القرن الثالث عشر وبدأ عندها عصر عرف فيما بعد بعصر النهضة، فما الذي فعلته أوروبا آنئذ. لقد حفرت وبعثت الفكر والفلسفة والمعرفة الاغريقية لتستطيع الاستفادة منها، وكنا نحن العرب الذين أوصلنا اليهم هذه الكتب، وقد ترجمت الى اللغة العربية، وكنا نحن الذين بدأنا الشرارة الأولى في أوروبا لتدخل عصر الاستنارة. فحينما عادت أوروبا الى كل هؤلاء العلماء والمفكرين لم تكن تعود الى الماضي وإنما تشق طريقها الى المستقبل.

* هل لأحداث 11 سبتمبر دور في توجيه اهتمامكم الى هذا الارث الأدبي والجغرافي العربي الهام؟ وكيف يمكن لهذا المشروع أن يقدم صورة مغايرة عن تلك التي يحملها الغرب عن العرب عن أنهم ليسوا أهل حوار وتعايش؟

ـ لحسن الحظ بدأنا في الاشتغال على أدب الرحلة قبل 11 سبتمبر بسنة، وذلك في اطار «الشبكة الذهبية». وقد كنا نشعر بأن هناك ارهاصات لأحداث لم نكن نتخيل أن تكون بحجم أحداث 11 سبتمبر. لقد كانت الارهاصات تدل على أن هناك شيئا ما في الأفق، وقد أدليت بحديث صحافي لإحدى الصحف المشرقية، وقلت أن العالم العربي وكأنه مرهون بزلزال في كل عقد من الدمان، فإذا تأملنا ففي الأربعينات حدثت مأساة فلسطين وفي الخمسينات العدوان الثلاثي، وفي الستينات الانتكاسة الكبرى وفي السبعينات حرب 1973، وفي الثمانينات اجتياح بيروت، وفي التسعينات أحداث الكويت والعراق. وقد أجريت هذا الحديث في التسعينات وتنبأت فيه بأن هناك زلزالا قادما في عام 2000. وعلى العموم فإذا توافر في الوطن العربي مجموعة من المخلصين الذين يوجهون اهتمامهم الى الثقافة والمعرفة فسيكون بامكاننا بناء حضارة عظيمة جدا، لأن لدينا بذورا استثنائية وهي بذور الحضارة التي شعت على الأرض في يوم من الأيام. نحن لا نحتاج الى أمة كاملة بل الى مجموعة من الأفراد التي ستحرك البركة الراكدة لتسري الكهرباء في جسد الأمة العربية.

* كيف يمكن إذن للمبادرات الثقافية الفردية في الوطن العربي أن تخلخل الجسم الثقافي العربي وتحرك تلك البركة الراكدة كما ذكرتم؟

ـ تلك المبادرات مهمة جدا، ولكن الأهم فيها هو الاستمرار، لأننا نلاحظ أن أغلب المظاهرات والمبادرات سرعان ما تخبو وتزول. ولهذا فنحن نشتغل على المشاريع الثقافية والانسانية الهامة التي تسدي خدمة للباحثين وللأمة العربية على السواء، وعلى هذا الأساس فإن مبادراتنا التي كانت فردية المنشأ تحولت الآن الى مؤسسات منتظمة ومنظمة، فـ«الغولدين ويب» مثلا التي أصبحت مؤسسة اسمها «فاونديشن» لها مجلس مكون من مجموعة من الأعضاء، ولا يمكن أن يزول بزوال الفرد. وقد حظينا في هذه المؤسسة أخيرا برعاية الشيخ زايد لهذا المشروع الكبير، الذي نتمنى أن يجد طريقه الى المؤسسات التربوية في العالم العربي والغربي كما وجد طريقه في الجامعات الغربية.

* كيف يتم الاشتغال في مشروع «ارتياد الآفاق»، وهل هناك لجان متخصصة للاشتغال فيه في مختلف ربوع الوطن العربي؟

ـ مشروع «ارتياد الآفاق» هو مشروع ضخم تشتغل عليه مجموعة من الباحثين في الوطن العربي، حيث هناك فريق عمل مكون من الأكاديميين الكبار الذين يشتغلون الى جانب الباحثين الذين أنجزوا أعمالا لم تجد مجالها الى النشر في جنس أدب الرحلة. فالارتباط بهذا المشروع ابتداء مني، هو ارتباط محبة لهذا المشروع ولهذه المهمة الانسانية القومية، وهذا ما يضع المشروع في مصاف الأحلام الكبيرة والقضايا الحياتية. فنحن نعمل على أن يستمر هذا المشروع ويبقى شأنه شأن المشاريع الثقافية الأخرى التي سبقته ويتكامل معها ويستفيد منها في نفس الآن. ففي مشروع «ارتياد الآفاق» ننقب في الماضي لنأخذ مخطوطات عفا عليها الزمن وأصبحت نادرة، وفي نفس الوقت نكلف الباحثين بالقيام برحلات حديثة، فرحلة اليابان مثلا أصبحت الآن جاهزة وسيذهب اليها فريق متخصص بهدف التعرف على تلك الحضارة الهامة والتقرب من أناسها، حيث أننا في الامارات نصدر الثلثين من الطاقة لهذا البلد ولا يعرف الشعب الاماراتي أي شيء عن هذا الشعب الياباني. مشروع «ارتياد الآفاق» يركز على الرحلة ويحاول إعادة رسم الأشياء كما كانت، وهذا الرسم بالمناسبة لا يستطيع أفضل المؤرخين أن يعيده، لأن المؤرخ مهما كتب فلا يستطيع أن ينفذ الى تفاصيل التفاصيل. وهذا لا يعني أننا لا نهتم بالكتاب الورقي، فبقدر ما أومن بالمستقبل وبالآتي والانترنت، فإن تشبثنا بالكتاب الورقي ما زال مستمرا، حيث أننا نحرص على اصدار الكتب على الرغم من وعينا بأن 250 مليونا أو 300 مليون عربي لن يتسنى لهم اقتناء هذه الكتب التي تطبع في أقصى تقدير 3000 نسخة. ولهذا حاولنا توفير هذه المادة على الإنترنت لتصبح متاحة لبليون عربي ومسلم وغيرهم من قراء العربية. فهذا المشروع صنع ليبقى وهذا هو الفرق بين مشاريع تقام وتذهب وتزول وبين مشاريع تقام وتظل.

* على الرغم من اهتمامكم بتوسيع نشر انجازات هذا المشروع عبر الانترنت وعبر الكتاب الورقي فإن القارئ العربي لا يقبل بشكل كبير على الانترنت، كما أن الكتاب لا يوزع بالشكل المطلوب بين البلدان العربية، هذا ناهيك من أن المنتوج الثقافي العربي لا يجد مجالا كبيرا في الغرب، فكيف ستحلون هذه المعضلات؟

ـ فعلا إذا كنا نتقن التنقيب عن الكتب واعدادها فهناك شيء آخر مهم لا نتقنه ألا وهو التوزيع، ولهذا فقد اتفقنا مع «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» لطباعة هذه الكتب وتوزيعها. فـ2000 نسخة الى 300 مليون مواطن عربي معادلة مريضة. ولهذا فنحن نلجأ الى أوعية ثقافية موازية للكتاب الورقي وهي: الكتاب المسموع، القرص، الإنترنت. وأنا اليوم كما من قبل، أي منذ 1995، أراهن على ثورة الانترنت، لأنها برأيي وسيلة أساسية لتداول الثقافة والمعرفة. وعلى هذا الأساس سيكون بمقدور الآلاف من المهتمين الاطلاع على منجزات مشروع «ارتياد الآفاق» عن طريق القرص أو الإنترنت أو الكتاب الورقي. وبالمناسبة فنحن ليست لنا سياسة صارمة للحقوق المحفوظة، ولكن لدينا شرط واحد وأساسي وهو أن يعاد طبع أعمالنا بأثمنة رمزية في حدود دولارين أو ثلاثة دولارات، لأن هدفنا هو نشر المعرفة والثقافة. وبرأيي فمتى أتيحت المعرفة لكل انسان، ومتى ما نشأ الطفل وهو يشاهد أمه وأباه يقرآن أو هناك مكتبة في البيت، سيتغير بالتأكيد حال الأمة العربية الاسلامية. وفي هذا الاطار أدعو رجال الأعمال العرب الذين لا هم لهم إلا الكسب الى أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الأمة العربية وتجاه المعرفة التي لا يعيرونها أدنى اهتمام، وأن يقتدوا برجال الأعمال في أوروبا وبالتحديد في ايطاليا الذين كانوا وراء تحريك النهضة الأوروبية ووراء المبدعين. وبهذا فأنا أتمنى أن أرى في الوطن العربي من الأسماء التي تدفع بالكفاءات العربية الـى خدمة الثقافة والمعرفة بالبلدان العربية، كما أتمنى أن يسود الانفتاح وأن تزول سياسة الاقصاء والتعصب لأن الدين الاسلامي دين سمح يستقطب الآخر ويرحب به.

* في اطار مشروع «ارتياد الآفاق» عمدتم الى تأسيس جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي التي تم تسليمها أخيرا بالرباط، فما تقييمكم للأعمال المقدمة للجائزة؟ وهل هناك اهتمام فعلي بالرحلة في العالم العربي؟

ـ لقد تعملت من تجربة سابقة لي في المجمع الثقافي أن الأعمال الحقيقية تبدأ على نار هادئة، وهكذا هي مشاريعنا التي تبدأ من دون تطبيل أو صخب أو تمجيد. فأعظم ما حققتة جائز ابن بطوطة برأيي هذا العام هو الثلاثين أو الأربعين اسماً التي اجتمعت في ندوة «الرحالة العرب والمسلمون»، وهي الثروة الحقيقية لهذه التجربة. فهذه المجموعة ستكبر وستحقق في المستقبل أشياء عظيمة. وبعد خمس سنوات ستصبح هذه الجائزة دولية ولن تقتصر على الباحثين العرب فقط لأننا لمسنا اهتماما كبيرا من طرف الباحثين الأجانب بأدب الرحلة. فأكبر ما حققته هذه التجربة هو الأسماء التي كسبتها والأعمال المحققة التي أنجزت والتي تشكل ذخيرة هامة في أدب الرحلة العربي.

* ألم يخلف استحواذ الباحثين المغاربة على جائزة ابن بطوطة أي رد فعل من طرف الباحثين المشارقة؟

ـ لحدود الآن لم نسمع أي رد فعل، وذلك لأن المغرب أحسن حالا في الوقت الحاضر في أدب الرحلة ويتوفر على العديد من الباحثين الأكاديميين المتخصصين في أدب الرحلة. فارتباطنا الآن بالمغرب ارتباط استراتيجي نهدف من خلاله نقل تجربة المغرب في أدب الرحلة الى المشرق. فلقاؤنا اليوم في المغرب ليس لقاء تكتيكيا ومن ثم نسيان هذه الجائزة، وإنما هو من باب دعم الباحثين الجادين الذين يشتغلون في هذا المجال وإظهار أعمالهم الى الوجود. وقد سلمنا الجائزة في المغرب، لأن المغرب احتضن ندوة «الرحالة العرب والمسلمون» التي نظمناها بتعاون مع وزارة الثقافة المغربية احتفاء بالرباط عاصمة للثقافة العربية لعام 2003، وفي أفق الاحتفال بالسنة الدولية للرحالة ابن بطوطة التي أقرتها منظمة اليونسكو العام المقبل (2004).

* ما ذا أعددتهم لهذا الاحتفال في مشروع «ارتياد الآفاق»؟

ـ لدينا مقترحات كثيرة للاحتفال بهذه السنة الدولية لابن بطوطة التي ستنظم بمناسبة المائة السابعة لميلاد هذا الرحالة المغربي الشهير، وعلى رأسها تقديم ابن بطوطة في عدة لغات ليتحدث صوتا وبالخرائط على الحضور، كما سنصدر كتابا بعنوان «طنجة بلد ابن بطوطة كما رآها الرحالة العرب والمسلمون»، هذا بالاضافة الى مقترحات أخرى نفضل ألا نعلن عنها الآن لأنها ستكون مفاجأة في هذا الحتفال. وللحق فنحن سعداء بأن تكون سنة 2004 سنة ابن بطوطة لأنه منذ 700 سنة وهو يشغل الناس، فهو بكل تأكيد يستحق أن يكون سفيرا لكل القرون، وهو أكبر من أن يكرم بسنة واحدة.