* في منتصف عام 1973 ومع اتساع عمليات التصفيات الحزبية والعسكرية والحكومية، تمهيدا لسيطرة صدام حسين الفردية على مقاليد الحكم في العراق، اعلن وبشكل مفاجئ عن قيام ناظم كزار، مدير الأمن العام، بمؤامرة اطيح خلالها برؤوس كثيرة. في الحلقة السابعة من كتابه «مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام» يتحدث جواد هاشم، وزير التخطيط العراقي الاسبق، عن تفاصيل هذه «المؤامرة». وبعد اقل من شهر من كشف خطط كزار تعرض الدكتور هاشم لعملية اختطاف من قبل اسرائيل، تلك العملية الشهيرة التي تصدرت وقتذاك وسائل الاعلام العربية من غير ان يكون الوزير العراقي هو المقصود فيها حسبما يرويها الوزير المختطف نفسه.
كانت الساعة تقارب الرابعة من بعد ظهر يوم السبت 30 حزيران (يونيو) 1973، عندما رن جرس الهاتف الحكومي في منزلي. كان على الطرف الآخر من الخط مدير التشريفات في وزارة الخارجية، يخبرني بأن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر سيصل إلى بغداد تمام الخامسة عصراً، ويُرجى حضوري إلى المطار لاستقباله.
كان البكر يومئذ في زيارة رسمية إلى بولونيا وبلغاريا.
وصلت الى صالة الشرف في مطار بغداد الدولي، عند الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعين، حيث كان في انتظار وصول البكر عدد كبير من الوزراء والسفراء المعتمدين في بغداد، وبعض أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، ومن بينهم عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل. بعد حوالي ساعة من الانتظار، عاد مدير التشريفات ليخبرنا بأن طائرة الرئيس قد تأخرت، ومن المحتمل وصولها عند الساعة الثامنة مساءً، لذلك يمكننا العودة إلى منازلنا إلى حين اقتراب الموعد الجديد للوصول.
وصادف اليوم أيضاً، أن جامعة بغداد كانت قد أعدَّت الحفل السنوي لتخريج دفعة من طلبة الجامعة.
ونظراً إلى تأخر وصول طائرة البكر، فقد انتقل تلفزيون بغداد إلى ساحة الكشافة ليبث مراسم حفلة التخرج بعد أن كان ينقل مراسم استقبال البكر.
عند السابعة والربع مساء اليوم نفسه، عدت إلى المطار لأكون بين مستقبلي رئيس الجمهورية، وبدأ الوزراء وأعضاء القيادة بالوصول ومن ضمنهم صدام حسين.
لم يحضر السفراء العرب والأجانب، لأنه طبقاً للأعراف الدبلوماسية، لا يوجد استقبال رسمي بعد غروب الشمس.
وصلت الطائرة عند السابعة والدقيقة الخمسين. تعانق عند سلم الطائرة البكر وصدام، وتوجها بعدئذ إلى حيث ينتظر أعضاء القيادة والوزراء، وسلم البكر عليهم فرداً فرداً، ثم توجه مع صدام إلى سيارتهما التي كانت تنتظر على مدرج المطار، حيث استقلها مع صدام وغادرا المطار معاً.
غادرنا جميعاً المطار. بدا كل شيء طبيعياً واعتيادياً.
وقد علمت في حينه أن تأخر طائرة البكر كان بسبب استمرار المباحثات بين البكر والرئيس البولوني، كما حدث تأخير آخر في مصيف فارنا البلغاري، حيث توقفت طائرة البكر للتزود بالوقود، ولأن الحكومة البلغارية نظمت للبكر عند وصوله الى المصيف استقبالاً رسمياً حضره نيابة عن الرئيس البلغاري جيفكوف، نائب رئيس وزراء بلغاريا تسولوف. ويبدو أن تسولوف أصر على أن يزور البكر المصيف والتجول في المدينة، ثم حضور حفل استقبال قصير في الفندق الرئيسي في تلك المدينة.
توجهت، بعد انتهاء مراسم الاستقبال ومغادرتي المطار، إلى وزارة التخطيط حيث كان لدي اجتماع مع وزراء المالية، والاقتصاد، والبلديات، وشؤون الشمال، وعضو القيادة القطرية غانم عبد الجليل لبحث أمور تتعلق بالتخصيصات المالية للمنطقة الشمالية.
بدأ الاجتماع حوالي الساعة الثامنة والنصف تقريباً. ولم تمضِ إلا ساعة حتى دخل علينا السكرتير ليخبر غانم عبد الجليل بأنه مطلوب على الهاتف الحكومي، فذهب غانم إلى غرفتي المجاورة لقاعة الاجتماعات ليتلقّى المكالمة الهاتفية.
بعد دقائق عاد غانم وعلى وجهه شيء من الارتباك، وقال:
ـ يبدو أن هناك مؤامرة. القيادة مجتمعة في القصر الجمهوري، ولا بد لي من التوجه إلى القصر الآن.
ترك غانم وزارة التخطيط واستمر اجتماعنا نحن الوزراء حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً.
بعدما غادر الوزراء مبنى الوزارة، بقيت والسكرتير فترة من الزمن لإنهاء بعض المعاملات الرسمية. وعند حوالي الثانية عشرة عند منتصف الليل، تركت مكتبي واتجهت نحو الباب الخارجي للوزارة، وهو باب زجاجي.
وجدت الباب موصداً، بينما انتشرت في الخارج عناصر من شرطة النجدة وبعض المدنيين من الحزب حاملين رشاشاتهم.
كان المقر العام للاتصالات السلكية التابع لشرطة النجدة في أعلى طابق في مبنى وزارة التخطيط، وكنت في عام 1970 قد وافقت على قيام شرطة النجدة بإشغال ذلك الطابق المتميز بارتفاعه الشاهق الذي سهّل نصب ساريات الاتصال اللاسلكي.
تقدم أحد ضباط الشرطة وفتح الباب. ولما خرجت وجدت أمامي معاون مدير الاستخبارات العسكرية خليل إبراهيم العزاوي حاملاً رشاشاً. استفسرت منه عن الموضوع وسبب هذا الوجود العسكري في الوزارة، فأخبرني بأن مؤامرة كبيرة دبرها ناظم كزار، مدير الأمن العام، وأن هذه الإجراءات إنما هي إجراءات احترازية لمنع سيطرة «المتآمرين» على أجهزة اللاسلكي الموجودة في أعلى البناية.
ظلّت الأمور في اليومين التاليين طبيعية في بغداد: مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية في اجتماعات مستمرة في القصر الجمهوري. وفي مساء اليوم الثاني من تموز (يوليو) 1973، أعلن راديو بغداد أن مجلس قيادة الثورة قرر تشكيل هيئة تحقيق خاصة ومحكمة خاصة للتحقيق مع ناظم كزار وجماعته. ويُلاحَظ من تشكيل هذه المحكمة، أنه إضافة إلى رئيسها عزت الدوري الذي هو عضو في القيادة القطرية للحزب، وفي مجلس قيادة الثورة، فإن عضوي المحكمة الآخرين وهما طاهر أحمد أمين وخليل العزاوي، كانا من عناصر جهاز المخابرات، حيث كان الأول معاوناً لرئيس المخابرات آنذاك، بينما كان الثاني معاوناً لمدير الاستخبارات العسكرية.
كانت الشائعات قد ملأت بغداد من دون أن يصدر بيان رسمي يوضح حقيقة الأمر، سوى القول إن كزار ومجموعة من منتسبي مديرية الأمن العامة، حاولوا القيام بمؤامرة استهدفت اغتيال أحمد حسن البكر وصدام حسين، وإن المتآمرين قد هربوا باتجاه إيران بعد أن نجحوا في قتل وزير الدفاع الفريق حماد شهاب التكريتي الذي شُيعت جنازته رسمياً يوم 3 تموز (يوليو) 1973 ودُفنت في تكريت، وشارك في التشييع شفيق الدراجي أمين السر لمجلس قيادة الثورة ممثلاً رئيس الجمهورية وصدام حسين نائب رئيس المجلس وجميع أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، ومن ضمنهم عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل اللذان اتُّهما من ثمَّ باشتراكهما في المؤامرة. نشرت الصحف العراقية على صفحاتها الأولى، بعد أقل من أسبوع، خبراً مفاده أن المحكمة الخاصة قد عقدت أول جلسة لها في 7 تموز (يوليو) 1973 وأصدرت أحكامها القاضية بإعدام «الوجبة الأولى» من «المتآمرين» البالغ عددهم 33 شخصاً، وعلى رأسهم مدير الأمن العام ناظم كزار وضابطان ملازمان و7 مفوضي أمن و6 عرفاء ونواب عرفاء و7 أمناء، وأن تلك الأحكام قد نُفذت يوم صدور الأحكام «باسم الشعب ونزولا عند رغبته وتأكيداً لرسوخ الثورة ومتانة صفوفها والتفاف الجماهير الواسعة حولها».
وفي يوم 8 تموز (يوليو) 1973 عقدت المحكمة الخاصة جلستها الثانية لمحاكمة «الوجبة الثانية» وأصدرت أحكام الإعدام بحق 14 شخصاً آخرين من ضمنهم عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل عضوا القيادة القطرية، وقد نُفذت تلك الأحكام يوم صدورها باستثناء السامرائي، حيث استبدل حكمه بالأشغال الشاقة المؤبدة بعد شفاعات بذلها أعضاء القيادة القومية الذين توافدوا إلى بغداد قبل يوم واحد فقط، وعلى رأسهم الدكتور زيد حيدر والدكتور عبد المجيد الرافعي والدكتور عبد الوهاب الكيالي والدكتور الياس فرح ونيقولا الفرزلي.
وقد أخبرني الدكتور عبد الوهاب الكيالي بعد شهور من تلك الأحداث، أن القيادة القومية كانت على يقين من أن السامرائي لم تكن له أية صلة بحركة كزار، وان اتهامه قد يكون نابعاً من بعض الحساسيات تجاهه، خاصة أنه كان على خلاف مستمر ودائم مع البكر وصدام. وفي يوم 9 تموز (يوليو) أدلى ناطق رسمي بتصريح لوكالة الأنباء العراقية حول حركة ناظم كزار، ومما ورد فيه: أن كزار قام في 30 حزيران (يونيو) بدعوة الفريق حامد شهاب وزير الدفاع والفريق سعدون غيدان وزير الداخلية، لزيارة أحد المراكز ذات الصلة باختصاص الوزيرين، والذي كان كزار يتولى مسؤولية الإشراف عليه، كما قام باستدراج مسؤولين آخرين إلى الموقع نفسه، ومن بينهم منذر المطلك زوج ابنة أحمد حسن البكر وسكرتيره الخاص.
وقال الناطق الرسمي: إن الوزيرين قد لبيا الدعوة نظراً إلى الموقع الوظيفي الذين كان يشغله كزار، إضافة إلى مرتبته الحزبية الأعلى من الوزيرين. وبعد وصول أولئك إلى مكان الدعوة اعتقلهم، وقبيل الساعة السادسة، اجتمع كزار ومحمد فاضل عضو القيادة القطرية في مقر الهيئة التحقيقية الثانية، وغادر بعدها إلى المكان الذي احتجز فيه الوزيرين وبقية المدعوين. أما محمد فاضل، فقد توجه إلى المطار ليكون في استقبال البكر حيث التقى بعبد الخالق السامرائي ليخبره بمؤامرة ناظم كزار.
في المطار، كان ناظم قد هيأ، على حد قول الناطق الرسمي، مجموعة مهمتها اغتيال البكر وصدام وجميع الوزراء والسفراء، وذلك بواسطة الرشاشات والقنابل اليدوية، على أن يعلن كزار، بعد نجاح عمليته، من إذاعة بغداد، خبر مقتل البكر وصدام، متهماً وزيري الدفاع والداخلية بذلك، وأنه، أي كزار، قد قضى على المؤامرة واعتقل الوزيرين، وأن القيادة أو «ما تبقَّى» منها، قد اختارت السامرائي ليقود مسيرة الحزب والثورة.
ووفقاً لرواية الناطق الرسمي، فإن كزار كان يراقب ما يحدث في المطار، من خلال شاشة التلفزيون، غير أن تأخر طائرة البكر وانتقال التلفزيون إلى موقع تخرج طلبة الجامعة، قد «أفزعا» المتآمرين فولّوا الأدبار. ونتيجة لذلك، فقد أصاب الذعر والهلع كزار، فحاول الفرار مع مجموعته باتجاه الحدود الإيرانية عن طريق منفذ زرباطية، غير أن أجهزة الحزب والثورة ألقت القبض عليه بعد أن تمكن من قتل وزير الدفاع وإصابة وزير الداخلية في يده. وبالرغم من هذه التوضيحات الرسمية، إلا أن الشائعات قد نحت منحىً آخر. فثمة من يقول إن العملية كلها كانت من تدبير صدام حسين للقضاء على البكر وأعضاء مجلس قيادة الثورة من العسكريين، ومن ثم تصفية عبد الخالق السامرائي، للانفراد بالحكم. لكن كثيرين لم يقتنعوا بمثل هذا القول، وإن كان الاعتقاد يتجه إلى أن حركة كزار هي مؤامرة فعلية للقضاء على البكر وصدام، بعدما بات متأكداً من أنهما يسعيان إلى تقليص دور الحزب عقائدياً، والتركيز على الحكم الفردي المطلق.
وعلى الرغم من مصداقية هذا الاعتقاد، إلا أن كزار نفسه لم يكن يمثل البديل المناسب، نظراً إلى سجله الشخصي المعروف بالعنف والدموية والتسلط المطلق في قضايا التحقيق والاعتقال.
وكان طبيعياً بعدما فشلت محاولة الانقلاب، أن يُتَّهم مدبرها ناظم كزار الذي يسود الاعتقاد أنه من أبناء الطائفة الشيعية، وأنه كان يسعى إلى إقامة حكم شيعي في العراق، وقد سمعت هذا الكلام شخصياً من سعدون غيدان، عندما زرته في مسكنه للتهنئة بسلامته، وقال لي بالحرف الواحد: «ألف مرة قلت للرفيق البكر والرفيق صدام، أن يحترسا من هذا «العجمي» مدير الأمن العام». وقد أثنت زوجته على هذا القول، وأضافت: «زوجي لا يتآمر على البكر وصدام، هذا العجمي هو المتآمر».
لم أكن أعلم حتى ذلك اليوم حقيقة مذهب كزار أو ديانته، كما لم أجد في اسمه ما يدل على أنه «عجمي» بحسب تعبير سعدون غيدان. وفي تصوري، أن غيدان كان يضمر البغض لكزار منذ اليوم الأول لثورة تموز (يوليو) 1968، لأن مرتبته الحزبية، وهي عضو قيادة فرع، كانت أعلى من مرتبة النصير التي كان عليها غيدان، كما أن رتبة كزار العسكرية التي مُنحت له بعد الثورة، وهي لواء (جنرال)، أعلى من رتبة المقدم التي كانت لغيدان. تُضاف إلى ذلك الحساسية التي تنشأ وتنمو بين الوزير وموظفيه، عندما يكون الوزير في درجة حزبية أدنى من درجة مساعديه. وفي تصوري أيضاً، أن اتهام غيدان لكزار بأنه «عجمي» إنما ينبع أصلاً من الأجواء الطائفية التي ترعرع فيها الكثيرون، والتي تعتبر أن كل شيعي هو «عجمي»، حتى وإن كان ذلك الشيعي من أحفاد عدنان وقحطان وخالد بن الوليد.
لقد أطاحت دائرة الصراع الدموي على السلطة برؤوس رجال في أعلى قمة الهرم الحزبي، كما ذهبت بنقابيين وعسكريين إلى أبشع مصير. ولم يكن إعدام كزار ومجوعة كبيرة من المحسوبين عليه، عام 1973، وتصفية ذلك العدد الكبير من أعضاء القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة وقيادة فرع بغداد في عام 1979، إلا حلقة من حلقات هذا الصراع الذي استمر فصولاً طوال حكم نظام حزب البعث.
* تم اختطافي إلى إسرائيل خطأ وكان المقصود جورج حبش
* غادرت يوم 27 تموز (يوليو) 1973، بغداد مع أفراد عائلتي إلى بيروت في طريقي إلى القاهرة لزيارة رسمية تبدأ بعد أربعة أيام، تلبية لدعوة من وزير التخطيط المصري الدكتور سيد جاب الله، وكان قد سبقني إلى القاهرة وفد مؤلف من كبار موظفي وزارة تخطيط يضم في عضويته قحطان لطفي علي مدير الديوان العام، والدكتور زهير الظاهر المدير العام للدائرة الزراعية، والدكتور سيروان عبد القادر المدير العام لدائرة المباني والخدمات.
عدت بعد انتهاء زيارة القاهرة، إلى بيروت لقضاء بضعة أيام مع عائلتي التي تركتها هناك، لنعود معاً إلى بغداد، وقد عاد معي من الوفد قحطان لطفي علي، أما بقية الأعضاء ففضلوا العودة إلى بغداد مباشرة. بقيت في بيروت حتى يوم 10 آب (أغسطس) 1973، حيث قررت العودة إلى بغداد في ذلك اليوم. حاولت حجز ثلاثة مقاعد على الطائرة العراقية التي تغادر بيروت فلم أفلح، إذ اعتذرت الخطوط العراقية متذرعة بعدم وجود أماكن شاغرة. وكعادتنا نحن العراقيين، والمسؤولين بشكل خاص، اتصلت بالسفير العراقي في بيروت خالد مكي الهاشمي، ورجوته تسهيل أمر عودتي وعائلتي إلى بغداد في طائرة ذلك اليوم، وكان أن حُجزت لنا ثلاثة مقاعد، إضافة إلى مقعد رابع للسيد قحطان لطفي علي الذي قرر هو الآخر العودة في اليوم نفسه بدلاً من اليوم التالي.
توجهنا إلى المطار، وكان بانتظارنا في صالة الشرف السفير العراقي. كان السفير عصبياً وقد بدت على وجهه حالة من الامتعاض. سألته عن السبب، فأخبرني أن جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، موجود في المطار ويريد السفر إلى بغداد على الطائرة نفسها، والمشكلة أن الطائرة ممتلئة بالمسافرين ولا يوجد فيها أي مقعد شاغر، ناهيك من أربعة مقاعد يريدها حبش.
ـ ولكن يا سعادة السفير، كيف يأتي حبش ورفاقه إلى المطار من دون أن يكون لديهم حجز مسبق؟
أجاب السفير: نعم، لديهم حجز على الطائرة العراقية التي يفترض وصولها من لندن، لكن الطائرة لم تصل، والخطوط العراقية تحاول استئجار طائرة أخرى لتقلّ المسافرين الذين كان يفترض سفرهم على طائرة أمس. أما مسافرو طائرة اليوم، ومنهم أنا وعائلتي وحبش ورفاقه، فليس لديهم أماكن، وعليهم الانتظار حتى قدوم الطائرة العراقية من لندن.
قلت: إذاً، دعنا نعُد إلى بيروت لقضاء الليلة في فندق ونستقلّ طائرة الغد. فرفض السفير اقتراحي وأصر على تدبير مقاعد لنا مهما كلف الأمر، وعلق قائلاً: أما حبش ورفاقه فلا داعي إلى سفرهم اليوم.
ويبدو أن طائرة الخطوط العراقية التي كان يُفترض أن أستقلها وعائلتي، قد تأخرت بسبب عطل طارئ في مطار لندن، وتعذر وصولها إلى بيروت في الوقت المحدد، فتم استئجار طائرة ركاب لبنانية تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط». كانت الى الطائرة المستأجرة من نوع «كرافيل» صغيرة الحجم لا تتسع لجميع المسافرين. وقام ممثل الخطوط العراقية بإعطاء المقاعد المتوفرة لمن وصلوا إلى المطار قبل غيرهم، وكنت من بين هؤلاء، لكننا جميعاً لم نكن ندرك أن وجهتنا ستكون مكاناً آخر.
صعدت الطائرة ومعي زوجتي وولدي جعفر. أخذنا أمكنتنا في الدرجة الأولى، وكان إلى جانبنا عدد قليل من المسافرين على هذه الدرجة. كان معنا قحطان لطفي علي، ودحام الآلوسي سفير العراق لدى البحرين، واثنان من أعضاء «جبهة التحرير العربية» التي أسسها حزب البعث العراقي، هما السيدان رضا فرحات وخليل بركات، وكان الأخير عضواً في القيادة القومية للحزب.
تحركت الطائرة عند الثامنة والنصف مساءً على مدرج المطار تمهيداً لإقلاعها، إلا أنها سرعان ما توقفت في نهاية المدرج بعيداً عن مبنى المطار. طال توقفها حتى بلغت الساعة التاسعة تقريباً. توجهتُ إلى غرفة القيادة لأستفسر من قائد الطائرة عن سبب التأخير، فأجابني بأن لديه حمولة فائضة يريد إنزالها. عدت إلى استفساره: ولكن، لماذا لا تنزل الحمولة الزائدة قرب مبنى المطار، حيث التسهيلات الفنية؟ وهل ستنزل الحمولة في نهاية المدرج؟ وكيف؟ لم يرد قائد الطائرة، فعدت إلى مقعدي لا ألوي على شيء.
بعد نصف ساعة تقريباً، حلقت الطائرة، ولم ألاحظ إنزال أية حمولة زائدة. وبعد ما يزيد على عشرين دقيقة من الطيران، لم تُطفَأ إشارة عدم التدخين، ولما كنت من المدخنين، فقد انتابتني حالة من الانزعاج. كنت أريد أن أدخن، بعدما حُرمت من متعة السيجارة مدة ليست بالقصيرة.
توجهت ثانية نحو غرفة قائد الطائرة لأستفسر عن سبب عدم إطفاء شارة «عدم التدخين»، فوجدت القائد منشغلاً بالحديث عبر جهاز اللاسلكي، كما لاحظت طائرتين أخريين تحلقان قريباً من مقدمة طائرتنا. لم يجب قائد الطائرة، غير أن مساعده استفسر عمن أكون، فأخبرته بصفتي الرسمية، وأنني أريد أن أدخن سيجارة، واستفسرت منه عن سبب هذا التعسف.
التفت إليَّ مساعد القبطان، وبلهجة لبنانية، قال ما مفاده أن طائرتنا مختطفة من قبل الإسرائيليين، وأنه سيضطر إلى الهبوط في مطار إسرائيلي. ورجاني عدم إخبار المسافرين كي لا تحدث حالة من الهلع قد تؤدي إلى سقوط الطائرة في البحر.
عدت إلى مقعدي وأخبرت زوجتي وولدي بالأمر. وتحسباً لما قد يحدث، ودَّعتهم قائلا: إن الإسرائيليين قد يحتفظون بي كرهينة إلى حين استبدالي مثلاً ببعض الموقوفين في العراق بتهمة التجسس لحساب إسرائيل. ثم توجهت إلى حيث يجلس فرحات وبركات وأخبرتهما بالأمر واقترحت عليهما مغادرة الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية والاختلاط ببقية المسافرين. هبطت الطائرة بعد دقائق معدودة، في مطار عسكري في إسرائيل. فُتح باب الطائرة الأمامي وصعدت إليها مجندة إسرائيلية تحمل رشاشاً وخلفها ضابط مدجج بالسلاح. تكلما معنا باللغة العربية، وطلبا من الرجال فقط مغادرة الطائرة، الواحد تلو الآخر.
بدأنا بالهبوط، وكنت أول من هبط، ثم هبط قحطان، وتبعه السفير الآلوسي.وقفت عند سلم الطائرة، بانتظار هبوط بقية المسافرين. وكان آخر من هبط رجلاً مسناً. ظن أن الذين اختطفوا الطائرة هم مجموعة من منظمة التحرير الفلسطينية، مأخوذاً بسمعتها في خطف الطائرات، وراح العجوز يحدث الضابط الإسرائيلي ويؤكد له أنه عراقي مؤيد لمنظمة التحرير ومتحمس للقضية الفلسطينية، وأن تبرعاته المالية للمنظمة مستمرة بدون انقطاع،، كل هذا وهو يظن أن من يتحدث إليه هو فلسطيني من منظمة التحرير. بعدما هبط جميع الرجال، توجه الإسرائيليون بنا إلى مجموعة من الباصات التي كانت رابضة على مدرج المطار.
كانت عدسات التلفزيون، في هذه الأثناء، تصور عملية الاختطاف لحظةً بلحظة. جلس المسافرون في الباصات، أما أنا وقحطان والسفير الآلوسي فقد خصصوا لنا سيارة باص كبيرة لوحدنا، في حين امتلأت الباصات الأخرى بالمسافرين. استغربت الأمر، لماذا يخصصون لنا نحن الثلاثة سيارة كبيرة بكاملها؟ استفسرت من الضابط الذي كان يقف داخل السيارة وبيده رشاش، عن سبب عزلنا عن بقية المسافرين، فأجاب باللهجة المصرية: «علشان أنتو شخصيات يا معالي الوزير».
سألته عن المدة التي سنقضيها في «ضيافتهم»، فرد باللهجة ذاتها: «مش عارف. يمكن ساعة، يمكن سنة، يمكن 15 سنة».
وهنا بدأ دحام الآلوسي يرتعش ويقول: أنا عندي مرض السكري. مريض جداً. أريد العودة إلى بغداد.
وأخذه خوفه وهلعه بأن بدأ يهذي كأنه مصاب بحمّى.
أما قحطان لطفي علي، فقد أخرج من جيبه دفتراً صغيراً ومزق منه عدة أوراق ووضعها في فمه وابتلعها. وما إن انتهى من ذلك، حتى صرخ به الضابط الإسرائيلي وأمره بالنزول من السيارة، واقتاده بعيداً عن السيارة بنحو عشرة أمتار، حيث جلس ضابط آخر خلف منضدة، وهناك شرعا في استجوابه، ثم أخذاه إلى مكان آخر.
طال غياب قحطان، ومرت الدقائق ثقيلة، وبعد ساعة تقريباً عاد، فسألته عن الأوراق الصغيرة التي ابتلعها، ولماذا؟ فأجاب بأنها كانت تحتوي على أرقام هواتف فرع بغداد لحزب البعث. قلت: لماذا ابتلعتها وخلقت لنفسك هذه المشكلة؟ ألا تعلم أن تلك الأرقام ليست سرية فهي موجودة في دليل الهاتف؟ ثم سألته: ماذا حصل لك في التحقيق؟ أجاب بأنهم أعطوه مسهلاً وهم بانتظار نتيجة الدواء لمعرفة ما في الأوراق من معلومات.
وجاء جندي إسرائيلي وبيده صندوق يحتوي على قناني عصير البرتقال ليقدمها إلينا. وعلى الرغم من حرارة الجو، فقد رفضنا تناول العصير البارد. كيف نشرب عصير برتقال إسرائيلي، وإسرائيل مغتصبة لأرض العروبة، لا بد لنا من موقف نتحدى به الإسرائيليين. إذاً، لا عصير.
أنزل الإسرائيليون، خلال هذه الفترة العصيبة، بقية المسافرين من النساء والأطفال وجمعوا جوازات سفرنا. بعد ساعتين تقريباً، طلبوا منا الصعود إلى الطائرة، فصعدنا الواحد تلو الآخر. وبعد أن أخذنا أماكننا، صعدت إلى الطائرة المجنَّدة الإسرائيلية وخلفها الضابط الإسرائيلي، نفساهما، وأعادا إلينا جوازات السفر، ثم وقف الضابط وسط الطائرة وقال بلغة عربية: أرجو أن يتأكد كل راكب من حقيبة يده ومحتوياتها. تأكدوا جيداً، ولا تتهمونا بالسرقة. نحن آسفون للإزعاج. رافقتكم السلامة.
هبط الضابط تسبقه المجنَّدة، بينما حلقت الطائرة عائدة بنا إلى بيروت.
كانت الساعة الثانية فجراً حين وصلنا الى مطار بيروت. وما إن هبطت الطائرة، وتوقفت عند مسافة بعيدة عن مبنى المطار، وبدأنا بالنزول، حتى وجدت عند سلم الطائرة ثلة من رجال الأمن في مقدمتهم مدير الأمن العام اللبناني العقيد أنطوان دحداح ومدير الأمن الداخلي هشام الشعار، إضافة إلى سفير العراق خالد مكي الهاشمي، والدكتور عبد المجيد الرافعي عضو القيادة القومية لحزب البعث.
عدسات التلفزيون، كاميرات المصورين، عناصر كثيرة من الجيش اللبناني وغيرهم، أحاطوا بنا مستفسرين عما حصل.
واستغل الرافعي وجود الحشد الكبير من مصوري الصحف والتلفزيون ليُلقي كلمة في تلك الساعة المتأخرة من الليل، مهدِّداً فيها إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبالنضال الذي سيستمر حتى الموت.
ذهبتُ وعائلتي إلى أحد فنادق بيروت لنبيت ليلتنا، أو الأحرى ما تبقَّى منها من ساعات. وهناك، اتصل بي من بغداد رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر للاطمئنان عليَّ، وقال مازحاً كعادته: يبدو أن الإسرائيليين قد أعادوك بسرعة لأنهم لا يريدون تخطيطاً مركزياً لاقتصادهم. وهكذا، انتهت قصة الاختطاف المثيرة كما شهدتُها وعشتُها. وفي اليوم التالي، غادرت بيروت إلى بغداد، حيث وصلت اليها عصراً، لتبدأ قصة جديدة مع تصريحات رجال السياسة والمسؤولين لا تقل إثارة عن الأولى، لما انطوت عليه من إضافات أو مبالغات، هي جزء من طبيعة العقلية العربية في تعاملها مع الإعلام، ومن طبيعة الإعلام العربي نفسه.
وقد وجد الإعلام العراقي في حادثة الاختطاف فرصة سانحة لاستعراض شعارات البعث ومواقفه من القضية الفلسطينية، ولا سيما أن بياناً رسمياً كان قد صدر في أعقاب الحادث يعلن عن احتفاظ بغداد بكامل حقوقها في الرد على عملية الاختطاف.
بعد عودتي إلى بغداد بأيام قليلة، قرأت تصريحات لتقي الدين الصلح تفيد بأن المخابرات اللبنانية كانت وراء إنقاذ جورج حبش من المصير الذي كان ينتظره في إسرائيل. وبالرغم من هذا الادعاء، وما ادعته لاحقاً أجهزة أمن المقاومة الفلسطينية من أنها كانت على علم مسبق بنوايا إسرائيل، لم أصدق تلك الادعاءات لأمر بسيط، هو أن حبش قد جاء إلى المطار، بنفسه، وأراد أن يستقل الطائرة ولكنه لم يجد مقاعد كافية له ولرفاقه، وكان هذا المانع هو السبب الوحيد وراء إلغاء سفره. أكدت لي هذه الادعاءات أن مطلقي التصريحات لم يتحرّوا عن كيفية حصول إسرائيل على المعلومات المتعلقة بتحركات المقاومة الفلسطينية، وبالتالي معرفة موعد سفر الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لأنني كنت على قناعة بأن إسرائيل لم يكن بإمكانها الإقدام على عملية الاختطاف من دون وجود عميل لها داخل صفوف المقاومة، أو حتى داخل السفارة العراقية، أو في مكتب الخطوط الجوية العراقية في بيروت: عميل على اتصال بالمقاومة الفلسطينية أو مع أصدقاء المقاومة والمتعاطفين معها، تثق بمعلوماته لتتحرك بسرعة وتهيئ أجهزتها وطائراتها الحربية لاختطاف طائرة مدنية، وإجبارها على الهبوط في مطار عسكري، وفرت على مدرجه كافة مستلزمات «استضافة» ما يقارب مئة راكب، من سيارات، وعصير برتقال، وضباط استجواب، وكاميرات تصوير، وعدسات تلفزيون.
* من هي أمينة المفتي وما هو دورها باختطاف طائرتنا ؟
* بعد مرور أكثر من 16 عاماً، صدر في الولايات المتحدة الأميركية كتاب بعنوان «كل جاسوس أمير» Every Spy a Prince لمؤلفيه يوسي ميلمان Yossi Melman ودان ريفين Dan Raviv، يبحث في دور المخابرات الإسرائيلية، وكيفية إنشائها، وتكويناتها، وكذلك في العمليات التي قامت بها تلك الأجهزة في الخارج.
ويشير المؤلفان بالتفصيل إلى عملية اختطاف طائرتنا وهوية عميلة الاستخبارات الإسرائيلية التي زودتهم بالمعلومات. وعرضا قصة الاختطاف بتفاصيلها وحيثياتها، وكيف جاءت في سياق تاريخي محدد، ومما ورد في الكتاب: بعد أن تفككت منظمة التحرير الفلسطينية نتيجة لحملة الاغتيالات التي قام بها الموساد، اتجهت رغبة المخابرات الإسرائيلية إلى تصفية عدوها جورج حبش، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفي العاشر من آب (أغسطس) 1973، اعترضت طائرات حربية طائرة ركاب لبنانية وأجبرتها على الهبوط في مطار (إسرائيلي) عسكري.
اقتيد الركاب فردا فرداً إلى خاًرج الطائرة للتحقيق، لكن لم يكن بينهم زعيم إرهابي (كذا)... وقد أُطلق سراح الركاب، وعانت الموساد من إحراج شديد.
ويبدو أن المعلومات عن احتمال وجود حبش على متن تلك الطائرة قد وصلت إلى إسرائيل من عميلة إسرائيلية في صفوف المقاومة الفلسطينية، ولقد كانت تلك العميلة سيدة تدعى أمينة المفتي.
وُلدت أمينة المفتي عام 1935 في الأردن لعائلة شركسية مسلمة، وقد تم استخدامها في المخابرات الإسرائيلية في فيينا عام 1972 بعد أن وقعت في غرام طيار إسرائيلي كان في زيارة إلى النمسا لاختيار عميل عربي وتجنيده للعمل في صفوف جهاز الموساد. وكانت أمينة المفتي أفضل اختيار، خاصة أن الجالية الشركسية المقيمة في إسرائيل، كانت تتعاون مع المخابرات الإسرائيلية، وتشكل مصدراً جيداً للمعلومات، نظراً إلى اختلاطها المستمر مع الجالية العربية. قبلت أمينة المفتي العمل في صفوف المخابرات الإسرائيلية لأنها، حسب ادعاء الكتاب، كانت تضمر حقداً للمقاومة الفلسطينية باعتبارها السبب الرئيسي في اندلاع الفِتَن والشغب في منطقة الشرق الأوسط. هيأت المخابرات الإسرائيلية مستلزمات عمل السيدة المفتي في بيروت، حيث انتقلت إليها مطلع عام 1973. ولما كانت المفتي تمتلك خلفية طبية، فقد ساعدتها المخابرات الإسرائيلية على فتح عيادة طبية أصبحت مزاراً للكثير من الفلسطينيين. ومن خلال عملها، كونت علاقات متينة مع كبار رجال المقاومة الفلسطينية. وفي كل مساء، كانت تعدُّ تقريراً مفصلاً عن جميع ما شاهدته وسمعته، وتترك تلك التقارير في المحلات المتفق عليها مع المخابرات الإسرائيلية، وكانت هذه المحلات تسمى في عالم الجاسوسية Dead Letter Boxes، ومثال ذلك في حمّام مطعم محدد، أو في رواق فندق معين. كما كانت تقوم بإرسال بعض الرسائل بواسطة «شيفرة» متَّفَق عليها عن طريق جهاز راديو خاص زودها به جهاز الموساد. وقد استمر عمل أمينة المفتي مع المخابرات الإسرائيلية حتى عام 1975، حيث كشفت جاسوسيتها المقاومةُ الفلسطينية، وألقت القبض عليها.
ويدَّعي المؤلفان أن التحقيق معها جرى من قِبَل أفراد من المقاومة والمخابرات السوفياتية KGB ومخابرات ألمانيا الشرقية، لمدة خمس سنوات، حيث بقيت معتقلة في قبو بالقرب من ميناء صيدا. وبعد مفاوضات طويلة بين الصليب الأحمر الدولي والمقاومة الفلسطينية، وافقت الأخيرة على إطلاق سراحها وتسليمها إلى إسرائيل مقابل قيام إسرائيل بإطلاق سراح اثنين من أفراد منظمة التحرير اللذين كان قد حُكم عليهما بالسجن المؤبد في إسرائيل.
وقامت منظمة الصليب الأحمر بتسليم أمينة المفتي إلى الموساد في قبرص، حيث قام بمنحها هوية جديدة، بانتظار مهمة استخبارية جديدة.
* تنشره «الشرق الأوسط» بالاتفاق مع «الساقي»