طوفان نوح حدث في البحر الأسود قبل أكثر من 7 آلاف عام

مناقشات علمية حول فرضية لعالمين أميركيين وتحريات أثرية تشير إلى سواحل عريقة تحت مياه البحر

TT

طرح عالمان في الجيولوجيا البحرية من جامعة كولومبيا في عام 1996 فكرة أن طوفاناً من مياه البحر الأبيض المتوسط اكتسح مضيق البسفور بقوة عشرين ضعف شلال نياجارا، ودخل البحر الأسود قبل 7600 سنة. وفي غضون سنتين ارتفع مستوى البحر الأسود ليغمر السواحل المحيطة ليكون حجمه السائد حاليا.

ونتيجة لهذا يفترض العالمان أن سكان المنطقة اضطروا الى الفرار، ويفسر هذا انتشار الزراعة السريع في أوروبا الشرقية والشمالية. ويمكن القول إن هذا الطوفان قد أصبح جزءا من القصة الشعبية التي ألهمت قصة الطوفان البابلي في ملحمة جلجامش، وبعد ذلك بزمن قصة نوح. وشرح العالمان وهما الدكتور ويليام رايان والدكتور والتر بتمان من مرصد جامعة كولومبيا نظريتهما في كتاب عنوانه «طوفان نوح: الاكتشافات العلمية عن الحدث التي غيرت التاريخ». وتعتبر هذه الحركة مثيرة لغضب بعض الفقهاء.

قصة الطوفان ومع أن عدداً من الجيولوجيين وجدوا البحث مقنعاً وأن طوفان البحر الأسود شيء محتمل الحدوث، فإن مؤرخين وعلماء في الآثار كانوا متشككين من البداية وأعربوا عن شكوكهم واعتراضاتهم بأدب ولكن بشدة في مقابلة مع كل من الدكتورين رايان وبتمان خلال الاجتماع السنوي لمعهد الآثار الأميركي.

ويقول النقاد ان الدليل الجيولوجي حول الطوفان قد يكون سليما، ولكنهم يشعرون بأن نسبة نتائج الحضارة القديمة المنتشرة له شيء يصعب تصديقه. ويقول الدكتور آندرو مور وهو عالم آثار وعميد كلية الفنون في معهد روتشستر للتكنولوجيا: «لا يمكن دعم الإدعاء الذي يوصل طوفان البحر الأسود بطوفان نوح».

وتقول الدكتورة ستيفاني دالي وهي مؤرخة في جامعة أوكسفورد البريطانية ومتخصصة بعلم الأساطير البابلية إن «التشابه الفرضي» بين أحداث البحر الأسود وقصة طوفان جلجامش خاطئ وعشوائي. وتقول أيضا «إن دوام قصة شعبية لأكثر من أربعة آلاف سنة أمر مشكوك فيه. ولكن لنفترض أن هذا حدث، وإذا حمل اللاجئون من البحر الأسود ذكرى هذه القصة معهم للشرق الأوسط عندما كتبت على ألواح طينية، عندئذ لماذا لا توجد قصة مشابهة في حضارات أوروبا الشرقية القديمة بعد هجرة لاجئين من البحر الأسود لتلك المنطقة؟».

ويعتقد معظم العلماء أن فيضان نهري دجلة والفرات كان وراء إثارة قصة الطوفان البابلي. وفي هذه القصة أمطرت السماء لأيام وليال عدة وغطت كل الأراضي الجافة ولم يكن هناك أي ناج ما عدا اولئك الذين ركبوا في القوارب. وفي تفسير فلسفي قالت الدكتورة دالي إن قصة جلجامش بينت أن الناس قبل الطوفان عمروا طويلا أو حتى حدوث الكارثة التالية وبعد الطوفان مات الناس من كبر السن.

وخلاف ذلك لم ينتج طوفان البحر الأسود عن المطر ولكن من ارتفاع مستوى البحر. وتعدت المياه تدريجيا ولكنها لم تغط كل البر واستطاع الناس الفرار.

واستنتجت الدكتورة دالي أن كلاً من الدكتورين رايان وبتمان قد أساءا فهم معنى قصة الطوفان بالعراق ولذا يجب الاستغناء عن هذه النظرية. ولكن بقية النظرية سليمة.

وخلال السنوات العشر الماضية قام كل من الدكتورين رايان وبتمان بمسح وأخذ عينات ترسبات من شواطئ البحر الأسود ومن مضيق البسفور الذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط وحتى بحر إيجه إلى البحر الأسود في اسطنبول، ووجدا أدلة قاطعة على أن مستوى البحر الأسود قد ارتفع مئات من الأقدام وغطى أكثر من ستين ألف ميل مربع من الأراضي المحيطة، أي زيادة حجمه بثلاثين في المائة. وكانت بعض الصدفيات التي اكتشفت في الأراضي المغمورة لكائنات من البحر الأبيض المتوسط وقد ماتت قبل 7600 سنة أي في عام 5600 ق.م.

وأبلغ الدكتور فريدرك هيبرت وهو عالم آثار من جامعة بنسلفانيا في اجتماع عن نتائج مسح تحت مائي بواسطة تكنولوجيا مجسات تعمل عن بعد، بين أحجار لموقع سكن إنساني بالقرب من شاطئ تركيا الشمالي بالقرب من سينوب. ويظهر أن الموقع المغمور كان جرفاً يطل على نهر قديم. ويقول الدكتور هيبرت: «يفترض هذا أننا سنجد مستوطنات على مدى الشاطئ المغمور. وإن هذا قد يدعم نظرية رايان ـ بتمان حول الطوفان الضخم». وقال الدكتور مور الذي توسط النقاش، إن علماء الآثار بشكل عام قبلوا بالدليل أنه كان لحدث طبيعي أثر جذري على الناس الذين يعيشون حول شواطئ البحر الأسود. ولكن إن كان لهذا الحدث أثر أبعد فهذا غير أكيد.

مناقشات علمية وأثار الدكتور ألبرت أمرمان من جامعة كولجيت أسئلة محددة حول الصلة المفترضة بين الطوفان والهجرة إلى أوروبا. وبين أن هناك فجوة مائتي سنة ما بين طوفان البحر الأسود وظهور أول آثار المستوطنات في وسط هنغاريا والتي تعرف بحضارة الفخار الطولية. ويبدو أن هؤلاء الناس هم الذين أدخلوا الزراعة لأوروبا.

وقال الدكتور رايان في مقابلة «إن أساليب التأريخ الحديثة التي ستطبق على بعض ترسبات البحر الأسود ستبين تاريخا أدق للحدث ولربما ستزيل الفجوة».

وشدد كل من الدكتورين رايان وبتمان أن نظريتهما ما زالت طور العمل، إذ تعتبر نظرية جيدة ولكنها ليست مثبتة بعد.

وقال العلماء إن بحوثهم المستمرة أثمرت عن اكتشاف آخر. اذ كشف المسح الصوتي لبحر مرمرة الذي يغذي مضيق البسفور عن تل غير عادي يمتد لأكثر من 1600 قدم ويرتفع حوالي 50 قدما مع ما يبدو وكأنه مدرج يؤدي للقمة. ولكي يعرفوا ما هو ستؤخذ عينات منه في شهر أكتوبر (تشرين أول).

ومع ان علماء الآثار اثاروا تحفظات حول عناصر من نظرية رايان ـ بتمان فقد اقترح الدكتور أمرمان المباشرة بتعاون مستمر وطويل الأمد مع العلماء لتفادي الكثير من سوء التفاهم.

وبتلخيص للنقاش رحبت الدكتورة ريتا رايت وهي عالمة آثار في جامعة نيويورك بنظرية رايان ـ بتمان بغض النظر عن قصورها، إذ تعتبر أن حتى النظريات غير الناجحة تعلم أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»