فنان سعودي يقدم نموذجا في منزله يقرب أوجه خلاف التشكيليين والمعماريين

بنجابي لـ«الشرق الأوسط»: حاولت استثمار المخزون الثقافي لتجاربي ولم أعارض أحدا

TT

إلى وقت غير بعيد اشتعل جدل مستتر بين رواد الفن التشكيلي والمهندسين المعماريين في السعودية، فالفريق الاول يرى أن استثمار الفن التشكيلي لصالح العمارة سيضفي مزيدا من عناصر الجمال المفقودة في الهندسة المعمارية من خلال تطويع المساحات التي يتحرك فيها الاول. أما الفريق الثاني، ونعني به فريق المهندسين المعماريين فيؤكد أن الفن التشيكلي لا يمكنه الظهور كعنصر جمالي إلا من خلال المساحات التي يضعها علم الهندسة المعمارية.

نحن كصحافيين مراقبين للجدل ولسنا حكاما بالطبع، نعتقد من دون جزم أن لكل فريق وجهة نظر منطقية من حقه التمسك بها، لكن ما يهمنا هو أن أحد أفراد الفريقين، وهو فنان تشكيلي، نجح في الجمع بين وجهتي النظر، في مشروع على أرض صلبة، ونعني به منزله. هذا الفنان هو هشام بنجابي رئيس بيت التشكيليين السعوديين في مدينة جدة، غرب السعودية، والذي قدم نموذجا لمنزل فنان أصر على استثمار فنه وتأييد فريقه ولكن في نفس الوقت لم يخالف نظريات مساحات وفراغات المعماريين. والمصادفة الغريبة في قصة منزل بنجابي أن زوجته الفنانة التشكيلية هند نصير أضافت أيضا لمساتها على المنزل. ومنذ أن تطأ قدمك منزل الفنان هشام بنجابي تظهر لك بوابته الخارجية التي تشير الى تأييده للفنانين التشكيليين، وسترى بوضوح كبير الزخارف الورقية المتداخلة ذات الحفر الإسلامي لفن العمارة العثمانية، ثم تشاهد أيضا الفتحات الخارجية للمبنى وكيف بدت على شكل زهرة اللوتس والتي تم تغلفيها بالزجاج العاكس للحرارة من الداخل، تبعاً لطراز الزخارف الفرعونية القديمة.

ويقول الفنان هشام بنجابي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عن طبيعة تصميم المنزل بأنه مخزون ثقافي جاء من ترسبات كونتها طريقة تعايشه من خلال رحلاته المتعددة وسفراته الكثيرة لمختلف بلاد العالم والتي تأثر بها نظرياً، بما يفرض عليه موقع المكان وما يتناسب مع مجمل المساحة، محاولاً بذلك أن يميز كل ركن في منزله ويبرز خصوصيته الفنية بتنسيقه الفردي.

ورسخت توزيع مساحات المنزل على مبدأ المفهوم الشخصي لنظرية هشام الفنية، فقسم خريطة بيته بطريقة مغايرة على ما جرت عليه الأسس النظامية في تصميم عمارة هندسة البيوت، فعمد بنجابي على تخصيص الطابق الأرضي لغرف النوم وجلسات المعيشة بحيث تكون على مقربة من الحديقة الخارجية والمسبح المشترك معها، فيما انفردت صالونات الجلسات الخاصة بالضيوف على مساحة الطابق الأول.

وتبلغ مساحة الأرض المبنية للمنزل والمقسمة على دورين حوالي 1700 متر مربع، وحازت مساحة الحديقة الموزعة حول المنزل على 400 متر مربع تضم معها مساحة المسبح، ويحتوي الطابق الأرضي على 3 صالونات معيشية و5 غرف نوم بملحقاتها، واصبح بالتالي ديكور مدخل منزله الرئيسي مكونا على جلسة صالون صغيرة للاستقبال مرتبطة بصالون آخر للضيوف مع مرسم جانبي خاص بلوحات الفنان، تليها جلسة معيشية تطل على الحديقة بواجهة من الزجاج، وصالون معيشي داخلي يرتبط بالمطبخ وبالجزء المطل على المسبح والغرف الداخلية.

وخصص بنجابي في منزله مستودعاً للأعمال التشكيلية فيه لوحات غنية بالفن والتراث لغيره من مشاهير الفنانين التشكيليين يعتمد على مجموعة منها في تزيين جلسات الصالونات في الطابق الأول، واختيرت للبوابة الخارجية نوعية مخصصة من الزجاج الخشن باللون العسلي عشقت بزخارف ورقية من الخشب «الماهوغني» المحضر من شرق آسيا، وهي تصميمات غنية بالروح الإسلامية.

وتناسبت الفتحات الخارجية للدار برسمة زهرة اللوتس متماشية مع طابع الزخرفة الفرعونية وهي تصميمات هندسية للزخرفيات أجادها الفنان بنجابي في عدد من لوحاته التشكيلية.

وجسد بنجابي الحيوية والمهارة التقنية في تنسيق منزله من الديكور الداخلي بألوان منسجمة ومتناغمة في آن واحد، موظفا في نفس الوقت كل قطعة من أثاثه بطريقته التي يفضلها داخل البيت من ستائر وجلسات وتحف انتيك، وألوان جريئة دمجها بمبدأ هويته الفنية، وكأنها تعطي للزائر الإحساس الفني بانتماء قطعة الأثاث للرسام.

ومن جانب آخر، لم يفت الفنان بنجابي أن يزيّن الزوايا والأركان في منزله بقطع نادرة من التحف الأوروبية والتركية المثمنة، يعود تاريخها إلى الحقبة الزمنية للقرنين السابع عشر والتاسع عشر. ولم يغفل بنجابي استثمار سنوات خبرته في إدارة متحف الملك عبد العزيز بجدة لمدة 12 عاماً مما زاد من ترسيخ المعلومة التراثية في ذهنه، ووفقاً لتخصصه السابق ـ والحديث لبنجابي ـ استمديت من خلال تلك السنوات بعض المعلومات في فهم نوعيات من المعادن التاريخية والتراثية والأثاث القديم إضافة إلى تعاملي مع عدة جهات داخل السعودية.

ويمضي قائلا: اضافت خبرتي السابقة آفاقا للتعرف على التحف الأثرية وخاصة الزجاج منها، وغذيت بها المفهوم الفني والحسي في بيتي. ويستدرك القول: هذا ما جعلني انظر لقطعة الانتيك باهتمام كبير، وتآلف الروح التراثية الغنية بالتحف القديمة مع لوحاته التشكيلية كفنان سعودي يرأس إدارة بيت الفنانين التشكيليين السعوديين بجدة أتت بما يلفت نظر الزائر في لوحات الحائط الفنية المثبتة على جدران منزله كونها لوحات أبيسون قديمة تحيط بها براويز مذهبة وعريضة صنفت لمشاهير الرسامين العالميين. وأعطى بنجابي للخشب قيمة فنية رائعة برزت معها زخارف متنوعة في السلالم والأبواب المدعمة بالحفر الدقيق، ويقول: كنت أريد تصميم الدرابزين الخشبي للسلم المؤدي إلى الطابق الأول على طراز النظام العربي للزخارف الورقية وادمجها بحلقة زخرفية متشابكة بحيث تكون قطعة واحدة مترابطة مع بعضها، واخترت نوعية مميزة من الخشب الأسترالي ليدوم سنوات طويلة، حيث استغرق العمل في إنجازه ما لا يقل عن سنتين على يدي نحات مختص في تثبيته وإبراز خصوصيته التراثية، وأضاف على فتحات الأبواب الداخلية تيجان خشبية من الأعلى محلاة بزخارف متداخلة بأساليب إبدعية معقدة. وبرهنت زوجة الفنان بنجابي، وهي الفنانة التشكيلية هند نصير في تكوين الجلسات لصالونات المعيشة على الانطباعات البسيطة تبعاً للذوق الفني لديها، فبدت صورة توزيعها متعايشة مع المنزل ومتناغمة وكأنها تتحاكى مع بعضها بفلسفة لوحاتها الفنية، وتجانست بذلك مع فهم النظرية لطراز المبنى من الخارج والديكور والأثاث من الداخل. وبدا واضحا أن تمازج الألوان لدى هند في الديكور يعود للألوان الموجودة في الثريا الكريستال المقتناة من بيت للمزادات في أميركا. وهي تعلق بالقول: توزيع الألوان في صالون المعيشة في الطابق الأرضي على كمية الألوان المركبة في الثريا الكريستال المعقودة بحبات من الزجاج المكونة من اللون العسلي والأزرق والأحمر.

كما اهتمت هند بتزيين الطاولات بمفارش تركية باللون النبيذي مطرزة بخيوط من الفضة مقتناة من مزادات لقصور مصرية قديمة. وتعني الألوان للفنان بنجابي هي القاعدة الثقافية بالاحتكاك مع الناس والاطلاع والقراءة التي تتمخض منها النواحي الجمالية على حد تعبيرها، وأكدت أهمية الإضاءة على بروز مكنونات الأثاث وتداخلاته والتي تنعكس مع نوعية الرخام الروزي على أرضية بلاط المنزل.