الدكتور محمد عبد الوهاب: موسيقانا أصبحت متشابهة والفن الهابط موجود في كل الدول وكل العصور

الفنان المصري مبتكر موسيقى الوسائط الإلكترونية لـ«الشرق الأوسط»: الموسيقى الإلكترونية ليست للتسلية أو الترفية ولكنها أيضا للعلاج

TT

اصبحت موسيقى الوسائط الإلكترونية تجتذب قطاعات كبيرة من الشباب في حفلات الاوبرا المصرية، فهي تتماشى مع روح العصر، وتتسم بعفوية في الاسلوب والأداء ويرجع الفضل في ذلك الى الدكتور محمد عبد الوهاب الذي يعد اول مؤلف موسيقي مصري يبتكر هذا الاسلوب الجديد، محاولا تحرير النوتة الموسيقية من ايقاعها التقليدي واعادة التوزيع الاوركسترالي بطرق مختلفة لاخراج افضل رنين صوتي من الاورسكترا.

درس د. محمد عبد الوهاب في البداية الموسيقي التقليدية في الكونسرفتوار وتخرج من كلية الفنون التطبيقية قسم سينما، وعندما سافر الى فيينا للحصول على رسالة الدكتوراه اختار ان يكون موضوعها عن «الموسيقى الإلكترونية». ومن هنا كانت بدايته التي لفت الانظار بها في حفلات دار الاوبرا المصرية. وبعد حضور احدى حفلاته التقته «الشرق الاوسط» وكان هذا الحوار معه:

* من اين جاءت فكرة تخصصك في هذا النوع من الموسيقى؟

ـ الموسيقى بالنسبة لي منذ طفولتي ابجدية مثلها مثل الحروف التي نستخدمها في كلماتنا يمكن التطوير فيها، وعندما سافرت للخارج بدأت آفاق تقنية جديدة تتفتح ووقتها. اكتشف بعض العلماء ان الإلكترونيات عندما تسري في سبيكة معدنية تولد طاقة معينة تحدث رنة لها صوت معين نتيجة سريان الإلكترونيات في الدوائر الإلكترونية ومنها توصلوا لعمل «الاورغ الحديث»، وبعض الآلات الموسيقية التي اصبح لها طبيعة إلكترونية واعتقد ان هذه الالات لو كانت موجودة في زمن رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب لكانوا استخدموها من دون تردد لانهم كانوا معاصرين لاي تطور يحدث في زمنهم والمؤلف المعاصر يجب ان يعبر عن ذاته وعن الهوية التي يعيش بها ويشكلها بإسلوب عالمي تتذوقه الشعوب ذات الثقافات الاخرى مما يحدث توازنا بين الهوية والعولمة والتراث والمعاصرة كنوع من التكامل.

* ما رد فعل الجمهور عند تقديمك للموسيقى الإلكترونية في حفلاتك؟

ـ في البداية كانت تواجهني مشكلة الجمهور، لانني كنت اقدم موسيقى إلكترونية بحتة وكان هذا غير كاف للجمهور وحتى استمر في عمل حفلاتي كان علي مواجهة هذه المشكلة وحاولت عمل اخراج موسيقى إلكترونية على المسرح من خلال وسائط إلكترونية متعددة، وهي عبارة عن استخدام اجهزة صوتية وضوئية من خلال شرائح Dvdأو Slides ومزجها بالموسيقى التقليدية لانني وجدت في النهاية أنني لا يمكن الاستغناء عن آلة مثل الناي على سبيل المثال، وعندما حاولت تقليد صوت آلة الناي على الكومبيوتر كان يشبه «الوردة البلاستيكية» التي ليست لها رائحة.

لذلك حاولت عمل موسيقى تعبر عن اللا حلم واللا واقع وعالم الفضاء والموسيقى التقليدية هي الواقعية، ولعمل حفل موسيقى بشكل جديد يجذب الجمهور جعلت الموسيقيين يتحدثون مع الجمهور من خلال نص مكتوب كنوع من التواصل وهذا النص له علاقة بالموسيقى التي اقدمها. كذلك ادخلت الشعر بصحبة مؤثرات صوتية تعبر عن النص الشعري. ايضا جعلت فنانا تشكيليا يرسم لوحة على المسرح وتصاحبه مؤثرات موسيقية.

ولجذب الجمهور اكثر جعلت بعض الموسيقيين يجلسون بين الجمهور من دون معرفتهم ثم يقومون بصورة مفاجئة بعزف موسيقى من خلال آلاتهم ويكون مصدر الصوت موزعاً على جميع ارجاء المسرح حتى يعيش الجمهور أو المتلقي حالة فنية خاصة، واحاول توصيل هذا النوع من الموسيقى لكل الفئات وليس للمثقفين فقط.

* ما العقبات التي تواجهك في الحقل الفني بعد مشكلة الجمهور؟

ـ ما زلنا نعاني في الوطن العربي من شيئين: الاول هو عدم وجود شركة أو هيئة ترعى الفنان بمعناه المتكامل ليس الممثل أو الموسيقي فقط إنما الشاعر والفنان التشكيلي واقصد بذلك خلق فنان عربي في مجال ليس للكسب التجاري، اما المشكلة الثانية التي نعاني منها فهي التسويق لانه لا يوجد فنان يصل الى الناس الا من خلال التسويق والإعلام لان هذا العالم الكبير الذي نعيش فيه لا يوجد فيه مليون شخص فقط يستمعون الى فن جديد، وحاليا لا يوجد تعددية في الفن بمعنى انه يجب فتح جهاز التلفزيون حتى نستمع الى مطربة ما مفروضة علينا، وهذا يتطلب وعيا تسويقيا. وكلامي لا يقلل من شأن المكسب التجاري بالعكس فهو شيء مهم ايضا لكن المفروض ان المنتج أو أي فرد يعمل في الحقل الفني يضع الفن في الاولويات ويأتي بعده الاقتصاد.

لكن في ظل هذه العقبات احاول عمل مدرسة جديدة في الموسيقى الإلكترونية وتعتمد على عدد من الفنون يتم تقديمها في قالب مشترك، لكن في النهاية اي فكرة فنية جديدة حتى يتم تحويلها من مجرد حلم على الورق تحتاج الى تمويل وهذا يتطلب جرأة وتضحية من أي ممول خاصة للمشاريع الثقافية، لان العائد المادي لها يأتي بعد فترة كبيرة تصل الى عدة سنوات وليست شهورا وهذا يحتاج الى تواجد منتجين مثقفين.

وفي هذه الحالة لا احتاج الى جهاز رقابة على المصنفات الفنية ويجب الغاؤه لان الجمهور هو الجهة الرقابية الوحيدة، وهذا في حالة وجود جمهور واعٍ ومثقف وقادر على اختيار الفن الذي يفضله مثل البلاد الغربية.

* من وجهة نظرك كيف نصل بالجمهور العربي لما يسمى بالوعي الفني؟

ـ بوضع خطة على مدى 20 عاما على سبيل المثال تبدأ بادخال الفنون الرفيعة في العملية التعليمية وحصول الطالب على درجات مثل باقي المواد التعليمية الاخرى مثل الحساب والعربي ثانيا يجب تقليل عمل الرقابة درجة درجة حتى نصل في النهاية لعدم وجود رقابة على الفن والابداع، ثالثا يجب تدعيم الفنانين الموهوبين واكتشافهم في كافة المجالات وكذا ابراز الفن الجاد وبالتالي سيتراجع الفن الهابط الذي نشكو منه ليل نهار من دون عمل شيء لاحباطه.

ومن الممكن ايضا تحفيز الجمهور العادي الذي يعمل في الشركات والمؤسسات التجارية على حضور عروض موسيقية وفنية لانه ثبت علميا ان الفرد الذي توجد لديه موهبة فنية أو يستمع الى موسيقى ينتج اكثر وكذلك الطفل الذي يتعلم اي هواية فنية أو يستمع الى موسيقى سيكون سلوكه مهذباً تلقائيا من دون توجيه اي ارشادات له.

* ما رأيك فيما يجري على الساحة الغنائية من فن هابط يجعل الموسيقيين أمثالك لا يستطيعون تقديم فنهم؟

ـ الوضع الاقتصادي السيئ والبطالة في الوطن العربي هما المسؤولان عما يحدث حاليا على الساحة الغنائية لان بعض الملحنين يعطون الحانهم لمن لا موهبة لهم لانهم يحتاجون للمادة، كذلك لااستطيع ان اجبر المواطن الكادح الذي يذهب لبيته في نهاية اليوم فاقد الوعي من رحلة البحث عن لقمة العيش ان يختار ما يستمع اليه من فن راق أو فن هابط. والانسان العصري حاليا يفكر في المستقبل فقط ولا شيء آخر وللأسف بعض المسؤولين في الوسط الفني استغل هذا الوضع وساهم في انتشار هذا النوع من الفن وهذه ظاهرة عالمية وليست عربية فقط فهي موجودة في اميركا واستراليا.