الدكتور حامد الرفاعي: نتجنب طرح التقريب بين المذاهب ونتحاور في المصالح والقواسم المشتركة

رئيس اللجنة الإسلامية العالمية للحوار لـ«الشرق الأوسط»: بالحوار ننهي الخصومة المفتعلة بين الخطابين القومي والإسلامي

TT

* النص القرآني مدرار وموسوعي ولا يمكن غلقه أو تقييده بزمان أو مكان

* الإسلام حول الخطاب الديني من القومي إلى العالمي

* الخطاب القرآني للمؤمنين يمثل التمايز وللناس يمثل التعايش والتثاقف الحضاري

* لا بد من إلغاء الخصومة بين فقه تدين الأفراد وفقه تدين الدولة فالأول يقوم على العزائم والثاني على تحقيق المصالح الرياض: ميرزا الخويلدي يمثّل الدكتور حامد الرفاعي واحدة من أهم اللجان الإسلامية التي اهتمت بتوحيد المواقف الإسلامية وتعزيز التفاهم للاجتماع نحو القواسم المشتركة التي توحّدهم، ويرأس الرفاعي اللجنة الإسلامية العالمية للحوار التي تتخذ من مقر مؤتمر العالم الإسلامي بجدة غرب المملكة العربية السعودية مكاناً لها، وهي تحاول منذ خمس سنوات ربط الجمعيات والاتحادات الإسلامية في شتى البلدان برابطة من التفاهم يمكنهم من خلالها توحيد شكل وأهداف الخطاب الإسلامي.

والدكتور حامد الرفاعي إلى جانب ذلك يتمتع برؤية فكرية تجعله مقاربا لتوصيف ظواهر المشهد الإسلامي وتحليل جزئياته.

على هامش مشاركته في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» التقت «الشرق الأوسط» الدكتور الرفاعي في حوار حول مشروع الحوار ودوره في تقريب وجهات النظر بين أطياف التمثيل الإسلامي، وكذلك دور الحوار حول القواسم المشتركة في توحيد الرؤية الإسلامية تجاه التطورات الثقافية والسياسية العالمية.

كان لا بد أيضاً أن يتناول الحوار القضايا الفكرية كدور النص الديني وفهم وتفسير الخطاب القرآني، وكذلك الازدواج بين فقه تدين الأفراد وفقه تدين الدولة وما ينتج عنه من تصادم غير مرغوب فيه بين من يجنح نحو العزائم وبين من يختار المصالح.

فيما يلي نصّ الحوار مع الدكتور حامد الرفاعي.

* ما هي مهمات اللجنة الإسلامية العالمية للحوار التي ترأسونها؟

ـ اللجنة الإسلامية للحوار تضطلع بمهمة التنسيق بين اللجان المحلية التي تقوم بها المنظمات الإسلامية العالمية، فهناك نحو 100 منظمة إسلامية عالمية ينتظمها مجلس تنسيقي اسمه المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة ومقره القاهرة، ويرأسه شيخ الأزهر وله مجلس رئاسي يتكون من أمين عام الرابطة ورئيس مؤتمر العالم الإسلامي، ومن أمين عام الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومن رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية في الكويت ومن رؤساء اللجان، والأمين العام الحالي السيد كمال الشريف.

مصالح لا تقريب

* هل لجنتكم معنية بتنشيط الحوار في الداخل الإسلامي أم تعمل للتحاور مع الخارج؟

ـ هذه اللجنة تتابع قضايا الحوار على المستوى الداخلي وعلى المستوى العالمي، واللجنة تتجنب طرح قضية التقريب بين المذاهب لأننا نعتبر أن إثارة هذه القضية في هذه الظروف قد تفتح باب فتنة على الأمة.. بالتالي فنحن نحاور المسلمين في المصالح العامة والمشتركة التي تجمعهم، كأمن الأمة وهويتها، وعلاقاتها الخارجية، وأمنها الاقليمي، ومنهجها الحواري مع الآخر، وهي قضايا مرنة ومفتوحة ويستطيع كل منا أن يدلي بدلوه فيها.. وهذا يغنينا عن الدخول في القضايا العقدية والفقهية.

* ماذا حققتم في هذا السبيل؟

ـ عقدنا أول ندوة منذ سنتين، تدارسنا فيها هذه التوجهات ووجدنا قبولاً عند المؤتمرين بضرورة تجنب بحث القضايا الدينية والفقهية، لأن الزمن وحده كفيل بمعالجتها. في تلك الندوة اتفقنا على أن نجمع كل الأسئلة التي تُطرح على المُحاور الإسلامي في كل ميادين الحياة ونحاول أن نضع إجابات موحّدة حولها، ونناقش هذه الإجابات فإذا ما وجدنا القبول لدى كافة الجهات الإسلامية عندها نسعى لطرحها بلغات متعددة ونضعها بين يدي الأجيال المسلمة، حتى يكون الخطاب الإسلامي واحداً، وكذلك توحيد الرؤية الإسلامية حول الأسئلة التي تثار من أجل أن لا يكون الخطاب الإسلامي خطاباً متناقضاً أو متضاداً، لأن الآخر يحاور المسلمين على مسارات متعددة، بقصد أن يجمع أو يثير التناقضات، ومن ثّم يقدمها لأجياله كمظهر من مظاهر الإساءة للمنهج الإسلامي والقيم الإسلامية.

نحن الآن بصدد عقد الندوة العالمية الثانية للحوار الإسلامي وسنسعى لتوسيع دائرة المشاركين.

* من يحضر مثل هذه الندوات؟

ـ يحضرها رجال الفكر والاقتصاد من التخصصات المتنوعة من كل أنحاء العالم الإسلامي لأننا نريد أن نطرح القضايا الإسلامية بحضور شمولي، وأن يشارك فيها معظم الفئات المسلمة.

* من أين جاءت فكرة التحاور بين الجماعات الإسلامية؟

ـ المجلس الإسلامي العالمي للدعوة وجد أن قضية الحوار من القضايا الملحة والحساسة في حياة الناس وعلى مستوى العالم ككل، لذلك قرر هذا المجلس أن يشكل لجنة عالمية تتولى قضايا الحوار بكل تنوعاته، الحوار الحضاري والديني والاقتصادي.

الحوار والسياسة

* إلى أين وصل مستوى الحوار بين المسلمين.. هل نحن اليوم أقرب للتحاور والوصول للقواسم المشتركة؟

ـ نحن الآن في بداية الطريق، لا أود أن أبدو مفرطاً بالتفاؤل. فموضوع الحوار ما زال عند الكثير من المسلمين مرفوضاً، لكننا قطعنا شوطاً كبيراً في تعميم ثقافة الحوار بين المسلمين، فمنذ خمس سنوات حين بدأنا التركيز على هذه القضية واجهتنا عقبات كثيرة ، الآن أستطيع القول إن ثقافة الحوار وثقافة تعدد الرأي وثقافة الاختلاف أصبحت ثقافة ـ إلى حد ما ـ واسعة وهذا نعتبره إنجازاً.

* هل لهذا التقدم الذي لاحظتَه علاقة بالتطورات السياسية، خاصة اتساع الخطر الإسرائيلي مثلاً؟

ـ لا شك أن له علاقة بالسياسة، ولا شك أن التحديات بكل أشكالها، كالتحديات الأمنية والثقافية والسياسية جعلت الفرد العربي المسلم يشعر بضرورة العلاقة مع أخيه الآخر، والشعور كذلك بأنه قد آن الأوان لتجاوز الخلافات والفروقات الثقافية وتجاوز بعض الاجتهادات للاجتماع على القواسم المشتركة والكليات العامة بما يخدم مصالحنا ويخدم أمننا ووجودنا المشتركين. وهذه النظرة بدأت تتوسع بين أجيال الأمة بكل مستوياتها، وهو ما أعتبره إنجازاً كبيراً.

* هل ترون أن المسلمين اليوم أصبحوا بمستوى التحدي الذي يواجههم للتعاطي معه برؤية مشتركة؟

ـ لم يصلوا لهذا المستوى بعد، ولكنهم بدأوا يتجهون لأن يكونوا كذلك، فالأجيال المسلمة بدأت تتجه اتجاهاً جاداً من أجل تأهيل نفسها للتعامل مع التحديات، وهذا بحد ذاته يُعد انعطافة موضوعية وواعدة.

الحوار والنص الديني

* هل تعتقد أن فهم النص الديني ما زال يقف حتى اليوم حائلاً أمام إيجاد تفاهم إسلامي؟

ـ نحن أمام إشكالية كبيرة.. يجب أن نفرق بين النص الذي له قدسيته ونحن مجمعون على أحكامه لأنه من رب العالمين وأنه لخير الناس جميعاً، وهذا لا خلاف عليه.. لكن الخلاف على فهم النص وتفسيره وفهم مقاصده.

* ولكن.. كم بلغت ساحة القبول بهذا العمل؟

ـ أصبحت ساحة مقبولة وجيدة ومبشرة بخير.. في السابق كنتَ تجد في البلد الواحد فئة مغلقة على النص كالجدار الأصم.. الآن بدأ هذا الجدار ينفك، وبدأت القنوات بين العلماء والمثقفين تنفتح وبدأت الرؤى تتقارب، وبدأ الحومان حول النصّ تتسع دائرته، كما بدأت إشراقات النص تتسع في أذهان الناس وتعطيهم آفاقاً جديدة كانت مغلقة أمامهم، وهذا نعتبره تحولاً كبيراً.

في السابق كان هناك فريق من العلماء يرفض تأويل النص ويعتبر النصّ مغلقا على ظواهره اللفظية، وهو لا يريد أن يفتح هذا النص أو أن يستشرف من هذا النص آفاقاً لمصالحه الحياتية، وهو أيضاً يريد أن يحبس نفسه بفهم الآخر للنص.

العلماء في الماضي، فهموا النصوص في إطار زمانهم ومكانهم وقد أجهدوا أنفسهم واستطاعوا أن يستخلصوا من النص ما يخدم زمانهم ومكانهم.

لكن ينبغي الإشارة إلى أنه قد بدأ الآن ـ بحمد الله ـ بعض التحول، فنحن لا نريد أن ننقض ذلك الفهم ولكن من حقنا أن نضيف إليه ونكمله في إطار ظروفنا الزمانية والمكانية، فالنص القرآني مدرار وموسوعي فكما أعطى المفسرين الأوائل فهو قادر على أن يعطي المعاصرين، وهذا هو الإعجاز القرآني، فالله سبحانه اختار لكتابه الألفاظ الموسوعية لتسع الزمان والمكان، وحبسها في زمان واحد هو ضد إعجاز القرآن الكريم، ولا يجوز أن نغلق النص القرآني أو النص السني «السنة النبوية» فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أوتي جوامع الكلم، فمن شأني أن آخذ ما بناه السابقون وأبني عليه متطلبات زماني ومكاني. وهذه القضية بدأت تُفهم.

التعارف والتدافع

* نجد في القرآن الكريم مستويين للخطاب: خطاب نحو العموم «يا أيها الناس» وخطاب نحو الخصوص «يا أيها الذين آمنوا» كيف تقرأون هذا التنوع في التوجيه القرآني؟

ـ الإسلام جاء ليتحول بالخطاب الثقافي من الخطاب الإقليمي إلى الخطاب العالمي ومن قومية الأديان إلى عالمية الإسلام، الأديان السابقة كانت أديانا قومية «قوم هود، قوم صالح، قوم عاد، قوم شعيب»، بينما الرسول (صلى الله عليه وسلم) أُرسل للناس جميعاً، فجاء (صلى الله عليه وسلم) لينعطف برسالة الإسلام التي جاء بها كل الأنبياء من خطاب قومي إلى خطاب عالمي.. «يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً»، وهذا يشكل انعطافة جديدة في الخطاب الحضاري الذي كان في السابق خطاباً شعوبياً إقليمياً قطرياً قومياً.. وجاء الإسلام لينعطف بالخطاب الحضاري للاتجاه العالمي والإنساني.

التعارف والتدافع

* هل يتضمن ذلك التنوع في الخطاب تأييداً لفكرة التعايش السلمي بين الأجناس البشرية؟

ـ نعم فهذا التنوع يعني التمايز والتعايش، «يا أيها الذين آمنوا» تعني التمايز، و«يا أيها الناس» تعني التعايش، وهذا يمثل الخصوصيات الحضارية مع التعايش الحضاري، فالخطاب للذين آمنوا يمثل الخصوصية الحضارية، والخطاب للناس يمّثل التعايش والتثاقف الحضاري، ولذلك فنحن ننطلق إلى تكامل وحوار الحضارات «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».

فالإسلام طرح مبدأين: التعارف والتدافع. التعارف من أجل التكامل، والتدافع من أجل التعاون لصرف الفساد عن الأرض، وهذان المبدآن طرحهما الإسلام كمبدئين أساسيين على المستوى العالمي «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض» فالتدافع يحمل معنى التنافس والتنسيق أحياناً والتضامن والتحالف أحياناً أخرى، وهذا كله يشكل عوامل لصرف الفساد عن الأرض.

أين الخلل؟

* إذا كانت الثقافة الإسلامية في أصلها تدفع باتجاه التعايش فلماذا انغلقت الثقافة الدينية الراهنة في إطارات وحدود ضيقة؟

ـ هذا هو الخلل الذي أشرت إليه في مداخلتي في ندوة الحوار الإسلامي الإسلامي، فنحن بالحوار ننهي الخصومة المفتعلة بين الخطاب القومي والخطاب الإسلامي، فهناك خصومة نكدة أخرت هذه الأمة عقوداً عبر الصراع، وبالحوار نستطيع أن ننهي الخصومة المفتعلة بين فعاليات الأمة الثقافية والسياسية، وهذا ما عبّرتُ عنه بأننا أمة تناصح لا تناطح. فالتناطح وافد إلينا من الآخر الذي يملك منهجية للمعارضة، أما نحن فحتى المعارضة هي معارضة نصح ومواددة وليست صراعاً.. لأنه ليس لنفوسنا حظوظ، فالأصل في تكوين التربية الثقافية الإسلامية أن النفس يجب أن تتجرد من حظوظها.

تدين الأفراد وتدين الدولة

* في تلك المداخلة التي أشرتم إليها، طرحتم فكرة إلغاء الخصومة بين فقه تدين الأفراد وفقه تدين الدول.. هل لكم أن توضحوا؟

ـ عادة تدين الأفراد يقوم على العزائم، فهو ينزع نحو العزيمة، أما تدين الدولة فالأصل فيه أن يقوم على تحقيق المصالح. وفرق بين العزيمة والمصالح، فالدولة تأخذ بالرخص لتحقيق مصالح العباد، بينما الفرد يمكن أن يحّمل نفسه العزيمة، وبالتالي هناك خصومة خاصة إذا أصّر بعض الأفراد على أن تقيم الدولة تدينها على العزيمة.

=