لم يحاول وزير التعليم العالي العراقي الدكتور طاهر البكاء ان يجمّل او يخفف من قتامة المشهد الذي تعيشه الجامعات العراقية ووزارته، بل على العكس من ذلك، فقد تحدث هذا الأكاديمي الذي كان رئيسا لواحدة من اكبر الجامعات العراقية (المستنصرية) بلغة الأرقام الدقيقة عن سوء الأوضاع الدراسية وجهد الاساتذة لمواصلة رسالتهم النبيلة.
في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مكتبه في بغداد أعرب البكاء عن ألمه لحوادث اغتيال 35 أستاذا جامعيا وتسجيل المسؤول عنها ضد مجهول، وقال ان «84% من الأبنية الجامعية سرقت ودمرت تماما خلال الحرب وبعدها «مما أدى الى تعليق القبول في أكثر من 134 اختصاصا علميا في أقسام الدراسات العليا»، فالطلبة والأساتذة «يعانون حتى من عدم وجود الكراسي والمكاتب والمراوح في ظل ظروف جوية تصل درجة الحرارة فيها الى ما يقرب من 58 مئوية ومع ذلك ما يزال ما يقرب من نصف مليون طالب جامعي يواصلون دراستهم الجامعية».
* كم جامعة حاليا في العراق؟
ـ هناك 20 جامعة رسمية موزعة على عموم العراق وبواقع جامعة في كل محافظة باستثناء السماوة والعمارة ليست فيهما جامعات ولكن هناك كليات ومعاهد تقنية. وهناك هيئة التعليم التقني التي كانت تحمل اسم (مؤسسة المعاهد الفنية) والهيئة العراقية للاختصاصات الطبية التي تمنح شهادتي البورد العراقي والبورد العربي، اما هيئة التعليم التقني فتمنح شهادتي البكالوريوس والدبلوم الدبلوم في الاختصاصات التقنية الفنية ومعاهد وكليات هذه الهيئة تنتشر في كل انحاء العراق بلا أستثناء.
* وعدد الجامعات الاهلية غير الحكومية؟
ـ في السابق لم يكن عندنا جامعات اهلية وانما كليات جامعية تمنح شهادة البكالوريوس وفيها اقسام علمية والان عندنا 11 كلية جامعية وأنشئت العام الماضي جامعة جديدة (جامعة آل البيت) في كربلاء، وهي جامعة خاصة واسمها لا يعني انها متخصصة بالعلوم الدينية ولكنها متخصصة كذلك في العلوم الصرفة.
* وماذا عن جامعة الكوفة الحكومية التي أغلقت عام 1991 إثر احداث الانتفاضة؟
ـ جامعة الكوفة أٌعيد افتتاحها من قبل النظام السابق بعد ان زار وفد من أهالي النجف صدام حسين وطلبوا منه عودة افتتاح الجامعة وكان لهم ذلك وهي تتضمن اختصاصات علمية وكلية للطب وسيتم افتتاح كلية الفقه فيها هذا العام بعد ان منعت من قبل النظام السابق.
* ما هو عدد الطلبة الذين تتوقعون دخولهم الى الجامعات العراقية خلال العام الدراسي المقبل (2005 ـ 2006)؟
ـ نتوقع دخول 80 ألف طالب للجامعات العراقية خلال العام الدراسي المقبل، وحاليا يوجد 357 ألف طالب وطالبة في عموم الجامعات والمعاهد العراقية وبواقع 35% منهم يدرسون في المعاهد التقنية.
* هذا رقم كبير قياسا للاوضاع الصعبة حيث شحة الاساتذة والمستلزمات التعليمية؟
ـ عدد الاساتذة والتدريسيين من حملة شهادات: الدكتور الاستاذ (بروفيسور) والدكتوراة والماجستير يبلغ 16500 استاذ.
* هل هؤلاء موجودون حاليا في العراق؟
ـ نعم، انا اتحدث عن الموجودين في العراق الى جانب ان هناك اعدادا كبيرة من التدريسيين الجامعيين غير معينين بسبب شحة الميزانية المخصصة لنا ويضاف لهم الاساتذة الذين تركوا العراق نتيجة الظروف الاقتصادية وغيرها.
* وماذا عن الابنية الجامعية والمختبرات والمستلزمات الاخرى؟
ـ خلال وبعد الحرب تم اتلاف الكثير من الابنية الجامعية واحراقها بعد سرقة مستلزماتها، وكانت اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد اكثر الكليات تضررا حيث هدمت تماما، كونها تدرس فنونا جميلة، ولم تسلم الابنية الجامعية من سرقة المراوح والكراسي وكل شيء. وبلغت نسبة التخريب في الابنية الجامعية اكثر من 84% وخاصة في جامعات الجنوب والوسط وبعض الجامعات في بغداد حيث تم تدمير الجامعة المستنصرية والجامعة التقنية بشكل دائم.
* وكيف تتجاوزون هذه المشكلة؟
ـ عندما تم انتخابنا في 14 مايو (أيار) العام الماضي لرئاسة الجامعة كان همنا الاساسي هو ان لا تضيع السنة الدراسية على ابنائنا الطلبة، فجمعنا ما استطعنا جمعه من أثاث وبمساعدة بعض مؤسسات المجتمع المدني ومن قوى اجتماعية بحيث استطعنا ان ننجز السنة الدراسية، اما السنة الدراسية التي بدأت في سبتمبر (أيلول) العام الماضي فقد بدأناها في ظل نقصان كبير في المستلزمات الدراسية وابرزها الاجهزة المختبرية في الجامعات والكليات العلمية. وحتى الآن فان الكثير من غرف الاساتذة تفتقر للمكاتب والكراسي واجهزة التبريد، ورغم هذا فالاساتذة مصرون على مواصلة رسالتهم والتمسك بعملهم التدريسي.
* هناك قضية حساسة ومهمة للغاية ألا وهي اغتيال اساتذة الجامعات، من تعتقد يقف وراء هذه القضية؟
ـ هذه مشكلة كبيرة، ولا نستطيع التكهن حول من يقف وراءها بسبب ان الاغتيالات شملت اساتذة من اختصاصات مختلفة، ثم انها لم تقتصر على اساتذة كانوا بعثيين او غير بعثيين وانما امتدت لاساتذة مستقلين ولا علاقة لهم بالعمل السياسي. والغريب ان كل الاغتيالات سجلت ضد مجهول ولم تستطع الاجهزة الامنية تحديد الجهة المنفذة لهذه الاغتيالات لكن اصابع الاتهام يمكن ان توجه لجهات عدة منها عناصر خارجية واخرى داخلية وعداوات شخصية.
* هل اقترف طلبة جرائم قتل لاساتذتهم بتهمة كونهم بعثيون مثلا؟
- ابدا انا انفي أي تهمة توجه للطلبة وانا كنت رئيسا للجامعة المستنصرية ولم يتورط الطلبة بمثل هذه الجرائم البشعة كما انه لم يقتل أي استاذ جامعي داخل الحرم الجامعي على الاطلاق.
* كم استاذا جامعيا أُغتيل حتى الآن؟
ـ حتى الآن قتل 35 استاذا جامعيا عراقيا، وهذا رقم مرعب وانا لا استبعد ان تكون ضمن الاسباب عمليات انتقامية من بعض دول الجوار والعمل على افراغ العراق من العقول والكفاءات العلمية.
* هل هناك حوار تقيموه مع الاساتذة الذين هاجروا لاسباب سياسية او اقتصادية من اجل عودتهم؟
ـ الان، كلا ليس هناك أي حوار من هذا النوع بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها جامعاتنا ولعدم توفر الدرجات الوظيفية لتعيينهم حيث ان التعيينات في الجامعات مجمدة من قبل وزارة المالية وعلينا الانتظار ريثما تتوفر التخصيصات الوظيفية. ثم ان الظرف الامني السيئ والوضع المادي الصعب حيث انخفاض الرواتب تجعلنا نتريث في دعوة الاساتذة العراقيين للعودة الى بلدهم.
* ما هي الميزانية المخصصة للجامعات العراقية؟
ـ بعيدا عن لغة الارقام اقول ان الميزانية المخصصة لتشغيل الجامعات بائسة جدا.
* هل هناك اتفاقيات تعاون بين الجامعات العراقية ومثيلاتها الغربية؟
ـ نعم هناك اتفاقيات توأمة بين الجامعات العراقية والبريطانية والاميركية والفرنسية والروسية وقد حصلنا على مساعدات واعداد كبيرة من الكتب العلمية، كما حصلنا على زمالات لتدريب الاساتذة في بعض الجامعات الغربية، كما حصلنا ومن خلال المنحة القطرية على 500 زمالة تدريبية اضافة الى 3000 جهاز كومبيوتر وعقدنا اتفاقيات مع الجامعات الغربية لتطوير مناهجنا التدريسية. هذا اضافة الى الزمالات المخصصة للطلبة من قبل الجامعات الالمانية والاسترالية والمغربية.
* هل تعتقد ان الجامعات العراقية وفي ظل هذه الظروف قادرة على منح شهادات الماجستير والدكتوراه؟
ـ الجامعات العراقية كانت مؤهلة لهذا الموضوع لولا التسريع في القبول لمنح شهادات عليا والتي جرت سابقا لتعويض النقص في الكادر التدريسي. والان نتيجة الاوضاع الصعبة تم تعليق القبول في اقسام الدراسات العليا في اكثر من 134 اختصاصا علميا هذا العام.