الطبيب السابق للرئيس العراقي المخلوع (2) أجريت عملية تجميل لسميرة الشاهبندر بعد إصابتها مع صدام في حادث سير

علاء بشير:لـ الشرق الاوسط : صدام أراد إعدم نزار حمدون بتهمة العمالة لأمريكا

TT

تحدث الدكتور علاء بشير، الطبيب الخاص للرئيس العراقي المخلوع سابقا في مجال الجراحة المجهرية والجميل، عن اجرائه عملية تجميل للزوجة الثانية لصدام سميرة الشاهبندر التي وصف مستوى جمالها بانه «اعتيادي» كون «صدام لا يهتم بجمال المرأة بقدر اهتمامه بشخصيتها». كما كشف لأول مرة عن محاولة القيادة السابقة للعراق اعدام الدبلوماسي العراقي نزار حمدون ممثل العراق السابق في الامم المتحدة لاتهامه بالعمالة لاميركا، وعن شعور صدام بالاضطهاد من ماضيه، مشيرا الى انه ينظر الى هذا الماضي بانزعاج.

* ماذا كان شعورك، هل هو صدام الذي تعرفه على مدى اكثر من ربع قرن؟

* دعنا نعود الى الوراء.. صدام منذ عام 1980، في بداية الحرب العراقية الايرانية وبتأثير الناس المحيطين به وبتأثير القوى العربية والاجنبية التي ساندته في هذه الحرب صار عنده شعور بانه ربما سيكون قائدا تاريخيا، وهذا الشعور بدأ ينمو ويتغلب على كل تصرفاته بحيث تغيرت اهتماماته التي كان ينادي بها من تطوير المجتمع والعراق، وبدأت هذه الامور تحتل درجات اقل في اهتمامه وبدأ يفكر بنفسه كقائد تاريخي مهم وهذا كان واضحا حتى في خطاباته وطروحاته، ومن يتتبع خطبه يجد ان هناك اهتماما بصياغة تاريخه الشخصي وهذا ما وجدته في المحكمة، اذا انه مصر على مشروعه هذا ولم يهتم بالتهم الموجهة اليه، وستكون محاكمته الفرصة التاريخية والاخيرة بالنسبة له، ليؤكد للناس نفسه كقائد تاريخي وسوف يتحدث ويخطب بعيدا عن مسار المحكمة. كل ما يهم صدام هو كيف تتشكل صورته كقائد تاريخي، وخلال العامين الماضيين شعر بان نظامه بدأ يتهاوى لهذا حرص على صياغة تاريخه الشخصي، حيث بدأ يقول الحكم والامثال والقصص وبدأ يؤلف الكتب. لقد زج العراق وشعبه في الحرب الاخيرة ثم هرب، وفاتته فرصة كبيرة هي ان يعبر عن نفسه كقائد ويقف مع جيشه ويقاتل كأي قائد، لكنه لم يقاتل مع جيشه ثم القي القبض عليه بالطريقة التي شاهدناه فيها وبدون مقاومة. اذن لم تبق عنده أي فرصة سوى قاعة المحكمة، وحسب اعتقادي انه سيهتم بصياغة شخصيته بشكل معقول امام الرأي العام.

* هل هو حقا من ألف هذه الكتب؟

*ـ نعم هو، لانها تعكس طريقة واسلوب تفكيره وتشبه احاديثه، ثم انه يقرأ ويكتب كثيرا. لم ادخل عليه مرة الا ووجدته يكتب ولكن ليس بالضرورة ان كل من يقرأ الكتب او يكتب هو انسان مفكر.

* هل كان يستخدم الكومبيوتر؟

*لا، ابدا لم ار أي كومبيوتر في مكتبه كان يستخدم القلم في الكتابة.

* هل تجد ان هناك صفات مشتركة بين صدام وغيره من القادة الديكتاتوريين امثال هتلر او موسوليني او ستالين؟

*هناك قاسم مشترك بين هؤلاء جميعا وكل الناس. اعتقد ان كل انسان تهيأ له الفرصة لامتلاك قوة غير محدودة وغير منضبطة من قبل مؤسسات او مجتمع او قوة خارجية سوف يتصرف مثلما تصرف صدام، الا اذا كان الانسان بدرجة من الوعي والادراك والثقافة العميقة جدا التي تجعله يمتلك حصانة داخلية تمنعه وتشذب من تعامله مع هذه القوة المفرطة. صدام انسان بسيط خرج من مجتمع متخلف اجتماعيا وبدائي تسيطر عليه قيم الخرافات والاساطير. والقادة الغربيون لولا وجود برلمانات قوية ومجتمعات متحضرة وديمقراطية وسليمة تحد من التصرفات الشخصية لهؤلاء القادة ربما كانوا مثل هتلر وموسوليني.

* هل تعتقد ان صدام يخاف كثيرا على نفسه؟

*بالتأكيد، وهو شخص لا يثق بأي انسان ولا يأمن أي أحد، وهاجسه القوي جدا جعله يشك في اي شخص. واذكر مرة انه جاء الى مستشفى ابن سيناء لتغيير ضماد لجرح في يده ونحن عادة نغسل ايدينا ونضع القفازات حرصا على النظافة، وكنت اتعمد ان اغسل يدي في المغسلة التي في داخل صالة العمليات حتى يتأكد هو من ذلك وكان هناك طبيب يقف مع فريق الحماية عند الباب، نظر صدام اليه وسأله عن سبب عدم غسل يديه فاجابه الطبيب انه غير مكلف بهذه العملية ولم يشارك بها لكن صدام امره بحزم بان يغسل يديه حتى لو لم يشارك في العملية، فغسل الطبيب يديه وبقي واقفا بعيدا.

* هل كان لا يثق بتشخيص الاطباء لامراضه ايضا؟

*نعم. ذات مرة بعث علي وكان يشكو من آلام في قدمه وكان عنده مسمار في قدمه لكن بقية الاطباء كانوا يخافون اخباره بالحقيقة وانه يجب اجراء عملية جراحية بسيطة لإزالة المسمار لانهم يعرفون انه لا يحب اجراء العمليات، ولا يوافق عليها لهذا هم يخشون اخباره بالحقيقة فاخبروه ان سبب الآلام هو ارتفاع نسبة حامض اليوريا في جسمه ووصفوا له اقراصا لتخفيض نسبة حامض اليوريا مع ان نسبة اليوريا كانت طبيعية عنده. عندما فحصت قدمه اخبرته بان السبب هو المسمار الموجود في قدمه، فقال ان الاطباء يقولون ان اليوريا مرتفعه فقلت له هذا الذي انا متأكد منه ويجب اجراء عملية لإزالة المسمار فرفض اجراء العملية. بعد شهرين جاء الى مستشفى ابن سينا وقال لي ما قلته صحيح ويجب ان اجري العملية واجريتها له وانتهى الامر وزالت الالام لكن بعد اجراء العملية، سأل طبيبا آخر هو زميل لي ان كان قراري باجراء العملية صحيحا ام لا كما انه كان قد سأل اطباء غيري قبل اجرائها وقد اخبروني الاطباء بذلك.

* هل أجريت عمليات تجميل لأفراد عائلة صدام؟

*أجريت عمليات تجميل بسيطة لزوجته الاولى وعملية تجميل لزوجته الثانية.

* سميرة الشاهبندر؟

*نعم.

* ماذا كانت طبيعة العملية؟

*مرة كانت مع صدام واصيبت في وجهها. قيل انه بسبب حادث سيارة حيث جرح صدام أيضا وكذلك صدام كامل، ولم اكن اعرف انها زوجته الثانية. كان هناك جرح في وجهها وكسر في عظم الوجه.

* هل كانت جميلة جدا ؟

*لا، جمالها اعتيادي، وانا لا اعتقد ان جمال النساء هو الذي يجذب صدام وانما شخصيتهن، واعتقد ان صدام كان معجبا بشخصية سميرة الشاهبندر اكثر من اعجابه بجمالها.

* هل اجريت عمليات تجميل لبنات صدام؟

* نعم اجريت لهن عمليات بسيطة. لكنني اجريت عمليات الساق لعدي عندما اصيب في محاولة اغتياله. عدي اراد مرة اجراء عملية تجميل لفكه عام 1986 وسألني والده عن مضاعفات العملية فكتبتها له. بعدها ألغيت الفكرة.

* هل كان صدام يتحدث عن والده او والدته؟

*في عام 1982 جاء ذات مساء النحات خالد الرحال وطلب مني الذهاب لمشاهدة نصب الجندي المجهول الذي صممه هو قبل افتتاحه الرسمي وكان هناك تعتيم بسبب ظروف الحرب. ذهبنا الى هناك وخلال تجوالنا في داخل النصب حيث كان هناك متحف للاسلحة القديمة اخبرنا احد الجنود بوصول صدام حسين فخرجنا لتحيته وعدنا الى داخل النصب جميعنا وكان يرتدي الزي العربي ويرافقه حسين كامل وكان برتبة ملازم ثاني. كان هناك مسدس قديم ضمن المعروضات في متحف الاسلحة مسكه صدام وتأمله وبانت عليه علامات غير مريحة، وكان المسدس قاده الى ذكرى مزعجة فقال لحسين كامل «والدك اهداني مرة مسدسا مماثلا تماما لهذا»، وحسب تعبيره «أخو هذا المسدس»، وقال «كان ابو برزان» ويقصد زوج والدته فلم يقل «عمي»، «يبعثني بالليل وانا صغير السن الى تكريت ليلا، والمسافة بين العوجة وتكريت اكثر من خمسة كيلومترات ولم تكن هناك وسائل اتصالات فكلما اراد ان يطلب شيئا او يبلغ شخصا من اصحابه في تكريت يبعث بي وكان سلاحي عصا طويلة وحصى اضعها في جيوب دشداشتي حيث كانت هناك كلاب برية وذئاب»، ونظر الى المسدس والى حسين كامل وقال له «لذلك والدك ذات ليلة منحني هذا المسدس لأصد من يعتدي علي او اذا خرج ذئب في طريقي وكنت اعشق هذا المسدس واضعه في حضني عندما انام ليلا ولا يفارقني». لاحظت بوضوح ان صدام كان يتألم وهو يتذكر تلك الايام من حياته حيث كان خاضعا لزوج امه ولا احد يرعاه او يهتم به، حتى انه عندما كان يتحدث عن المدرسة كان يقول: انا الذي سجلت نفسي في المدرسة ولم يسجلني احد»، ومن المعروف انه سجل في المدرسة وعمره تسع سنوات وليس ست سنوات وكانت هذه المعاناة بالتأكيد قد انعكست سلبا عليه فيما بعد، ومرة قال لي «الظروف هي التي جعلتني لا أثق بأحد وما عندي أي صديق».

* ولهذا السبب لا يثق بالمقربين منه ؟

* هو يُشعر جميع المقربين منه بانه غير مطمئن لهم وانهم ليسوا محل ثقته لهذا يضعهم في حالة قلق دائمة وهم باستمرار في حالة قلق ودفاع عن انفسهم حتى وان لم يفعلوا أي شيء.

* لكن علاقته معك كانت طيبة ؟

*نعم والغريب انه كان يمتدحني ويمتدح اعمالي الفنية بالرغم من انها لا تنتمي للاسلوب الذي يفضله هو.

* اليس هذا غريبا ؟

*كلا عندما يثق انسان بآخر تكون علاقته معه طبيعية وانا لم انافقه او أكذب عليه او انافسه بل اني لم اطلب منه أي شيء في حياتي، واقسم على ذلك. لم اطلب لنفسي او لعائلتي لانني لست بحاجة لشيء ،حالتي المادية جيدة والحمد لله، وانا طبيب معروف وعلى قناعة بحياتي مثلما هي وسعادتي في انجاز عملي بل ان سعادتي الاكبر عندما اكون في مرسمي انجز اعمالي الفنية. مرة قال لي ان له قريبا كبيرا في العمر ويثق به لانه لا يكذب عليه ويقول له آراءه بصراحة وهذا القريب سأله: لماذا لا تعين الدكتور علاء بشير وزيرا للصحة مع اني لا اعرف هذا الشخص، أخبرني صدام بان رده لهذا الشخص كان ان الدكتور علاء لا ينفع للسياسة او للوزارة كونه لا يجامل ولا ينافق او يكذب كما اننا لا نستطيع معاقبته اذا حصل أي خطأ، لهذا هو هكذا افضل.

* كيف كانت علاقتك مع بقية اعضاء القيادة وقتذاك؟

*لم تكن لي علاقات معهم، ومع ذلك كان قسم كبير منهم يكرهني، وفي مقدمتهم عدي وطه ياسين رمضان. وقد حماني صدام من نجله عدي الذي كان يكرهني بشدة. ذات مرة قال لي صدام ان فريق حمايته يقولون عني باني لا اجامل احدا ولا اتودد لهم فقد كنت اذهب لأؤدي عملي واخرج، فقلت له نعم هذه هي الحقيقة انا لا اجيد المجاملة ولا اعرف اجامل. الذين كانوا حول صدام لم يريدوا احدا يتحدث بصراحة ويقول آراءه مثلما يؤمن بها، لانهم لا يستطيعون فعل ذلك، لست وحدي من كان اعضاء القيادة يكرهونه.. خذ مثلا نزار حمدون.

* لم يكن من اعضاء القيادة ؟

*كلا، كان خارج الحلقة القيادية، لكنهم كانوا يكرهونه ولم يكن احد يحبه باستثناء طارق عزيز لانه يتحدث بصراحة ولهذا ارادوا اعدامه.

* اعدام نزار حمدون، لماذا ؟

* نعم. في عام 1998 وحسب ما اخبرني نزار، وكان من اصدقائي المقربين، وخلال وجوده كممثل دائم للعراق في الامم المتحدة طلب منه صدام وبشكل شخصي ان يكتب له تقريرا صريحا جدا عما يراه مناسبا لعودة العلاقات بين اميركا والعراق وما هو تصور الادارة الاميركية عن القيادة العراقية وماذا يجب ان يفعل العراق. وطلب صدام من حمدون ان يكتب ذلك بصدق وصراحة، وبالفعل وحسب ما اخبرني به حمدون فقد كتب شبه دراسة عما طلبه منه صدام من اجل عودة العراق الى المحافل الدولية. يقول حمدون «ارسلت الدراسة وبقيت انتظر حتى جاءني الرد من صدام في رسالة يصفني وكأنني عميل للمخابرات الاميركية، وطلب مني العودة الى بغداد»، وبقي في بيته حيث كنت ازوره واجده قلقا ومنزعجا وكان يقول «انظر، ارسلوا في طلبي لمناقشة الدراسة التي طلبها مني ثم انا هنا منذ شهرين، لا احد يتحدث معي، حتى اني اتصلت بسكرتير صدام عبد حمود ولم يرد على هواتفي». بعد فترة قابل صدام حسب طلبه وقال له «لقد وزعت الدراسة التي كتبتها على اعضاء القيادة وطلبت منهم آراءهم فيما كتبت وانظر ماذا كان الرد «كانت ردود اعضاء القيادة وتعليقاتهم تصفني بأني عميل لاميركا ويجب ان أعدم، وقال لي صدام لولا اعرف اخلاصك للعراق ولنا لأعدمتك، لكنني اعرفك جيدا، ثم طلب مني العودة الى مقر عملي في الامم المتحدة». انا اعرف نزار منذ سنوات طويلة وحتى وفاته بمرض السرطان وطوال عمره لم ينافق احدا، ولا يقول إلا ما هو مؤمن به وهذا ما عرّضه لمشاكل كثيرة مع القيادة ومع صدام.

* ما هي المناسبات الفنية التي كان صدام يطلب لقاءك فيها؟

*هناك شيء غريب، انا اعرف ان صدام لا يعجبه الفن الحديث ولكن لماذا كان يهتم باعمالي التي تنتمي الى الفن الحديث لا ادري؟ هو يهتم بالاعمال الاكاديمية مثل منظر طبيعي، شخص واقف، فارس فوق فرسه، لكنه لم يكن يهتم بلوحات الفن الحديث التي تنطوي على افكار. ذات مرة طلب مني خالد الجنابي (كان أمين بغداد ومات في أزمة قلبية مفاجئة عشية وصوله الى روما للمشاركة في مؤتمر للامم المتحدة عام 1997) ، وهو من اصدقائي المقربين، مرافقته في جولة ببغداد لمعاينة النصب الجيدة او تلك التي يجب ان ترفع من الساحات العامة، قلت له: كانت بغداد قبل وضع هذه النصب والتماثيل اجمل بكثير. ارفعوا كل هذه النصب وتعود بغداد جميلة. ذلك ان بغداد مدينة حضارية وهي في قلب العراق، والعراق كله ادب وفن وفكر وهي سليلة مدن حضارية مثل سومر وبابل وآشور ولا تحتاج الى نصب وتماثيل ، مثل هذه النصب ممكن وضعها في المدن الفقيرة حضاريا والاعمال الموضوعة في بغداد بسيطة وساذجة لا تعطي انطباعا عن حضارة المدينة ولا عن طبيعة ذكاء الناس وابداعهم وذوقهم العالي. والغريب ان ما حدث فيما بعد كان صدام في زيارة لمستشفى ابن سيناء وبرفقته الجنابي الذي اخبره عن رأيي بالنصب في بغداد فما كان من صدام الا ان يرد على الجنابي قائلا «يجب ان تأخذوا رأي الدكتور علاء بجدية».

* الا تعتقد ان هذه النصب جاءت لترتقي بأذواق الناس في بغداد؟

*لا ، هناك تربية خطأ، النظام السابق شوه ذوق الناس وخرب اذواقهم، كانت في بغداد حدائق مزروعة بانواع من الزهور وما كان احد ليجرؤ بقطع هذه الزهور، كان ذوق الناس عاليا اما الان فصاروا يقتلعون الاشجار ويرمونها. الطفل او الشاب الذي يقطع وردة او يقتلع شجرة لغرض اقتلاعها فقط ويرميها فهذا يعني ان هناك خطأ في التربية الاجتماعية وفي رأيي من يفعل ذلك عنده استعداد لان يقتل انسان.

* هل كان صدام يفهم طبيعة افكارك في لوحاتك الفنية ؟

*مرة اقامت جمعية الانطباعيين العراقيين، التي انا عضو فيها، معرضا في ذكرى رئيسها الفنان حافظ الدروبي واختاروا لكل فنان عملين او اكثر، ولا ادري لماذا اختاروا من اعمالي لوحتين بذات الفكرة الاولى، رجل وقد تحولت جبهته الى قفص في داخله طير يحاول الخروج منه، والثانية انسان وقد تحول صدره الى قضبان وخلفها طير يجاهد من اجل حريته، وكان لطيف نصيف جاسم، وزير الثقافة في عهد صدام، قد افتتح المعرض وشاهد العملين فقال لي «لماذا هذه الاعمال ولو كان رسام غيرك نفذ هذين العملين لقلنا انك ضد الدولة». بعد فترة التقى جاسم بصدام خلال وجودي وقال له ان «الدكتور علاء يرسم بعض الاعمال وكأن في العراق اضطهادا للانسان»، فاجابه صدام قائلا «الدكتور علاء حر فيما يرسم وانا باعتقادي انه يسجل بعمق التاريخ المعاصر للعراق»، وقد استغربت من رأيه هذا وسالت نفسي لماذا وكيف.

* هل دعاك مرة لتنفيذ أي من تماثيله؟

*لا، انا عادة لا اشترك في المسابقات التي كانت تقام لتقديم نماذج للنصب والتماثيل عامة وتماثيل صدام خاصة، وذات مرة كانت هناك مسابقة لتقديم نموذج لنصب عن ملجأ العامرية وقُدمت اعمال كثيرة عن هذا النصب لكن صدام لم يوافق عليها. ذات يوم اتصل بي رئيس الدائرة الهندسية في رئاسة الجمهورية ليبلغني ان الرئيس اختار احد اعمالي النحتية التي كنت قد انجزتها عن ملجأ العامرية ليكون نصبا تذكاريا وانا فرحت جدا لان احدى امنياتي كانت تنفيذ نصب تذكاري عن ملجأ العامرية.

* هل حاول صدام ان يرسم؟

* لا، لم يحاول ذلك، او انني لا اعرف عن محاولة مثل هذه.

* لكنه صمم عمارة ؟

* نعم صمم. دعني اقول شيئا: هو عمل ذلك بتشجيع من الآخرين، يعني أي خط يضعه يقولون له: بديع وهذا عمل عظيم وشيء عبقري. لكنه يبدي آراء في الفن قسم منها ساذجة جدا وقسم من هذه الآراء مهمة وطبعا هو يسمعها او يلتقطها من الآخرين ويعيد صياغتها ويقدما باعتبارها من افكاره.

* هل كان يتقبل آراءك برحابة صدر؟

*نعم، مرة كنا نتناقش عن النصب التي كان يريد ان تنجز وخاصة عن معارك الحرب العراقية الايرانية وعن المقاتل، فقلت له ان المقاتل واحد مهما تعددت النصب او اختلفت. وقلت له ان المواطنة هي ليست بالقتال، والقتال جزء بسيط من المواطنة، والدفاع عن النفس ليس وطنية وانما غريزة، والجندي أوالضابط وظيفته القتال، لكن الدولة علمت الناس ان تخرج في مظاهرات تعبيرا عن وطنيتها، لكن الابداع في العمل هو قمة المواطنة، واي عمل هو تعبير عن الوطنية وعلينا ان نعلم المواطن ان العراق ليس فندقا او مطعما يقيم فيه وياكل فيه، ولكن الوطن هو تعبير عن وجود الانسان مثل البيت الذي يعبر عن وجود العائلة، اما اذا آمن المواطن ان البلد هو عبارة عن مكان يعيش وياكل فيه فقط فلن يتردد عن تخريب هذا البلد. وهذا ما حدث في العراق عند سقوط النظام، اهل البلد هم من خرب العراق، والانسان الذي يمد يده لسرقة او تخريب اموال الدولة يعني فشل المجتمع في تربية هذا الانسان الذي لم يشعر بوجوده في هذا البلد.

* ماذا كان تعليق صدام عن هذه الآراء ؟

ـ بقي ساكتا ولم يعلق.

* كيف ترى العراق اليوم؟

ـ الان هناك احزاب وكتل تقسم الناس وتكاد ان تقسم البلد باسم الديمقراطية، وهذا شيء يدعو للسخرية المرة، فالديمقراطية الحقيقية هي ان تنظر هذه الاحزاب الى العراق كجسد الانسان الذي يعمل فيه القلب والكبد والكلية بانسجام وتعاون من اجل جسم الانسان. القلب لا يعمل من اجل نفسه وكذلك الكبد، ولو كان كذلك لانتهى الانسان، هذه الاعضاء تعمل كلها متعاونة باستمرار وبدون توقف من اجل ديمومة حياة الانسان، وعلى الاحزاب ان تعمل هكذا من اجل بناء العراق وقوته واستمراره، علينا ان ننظر الى بلدنا، وحسب قول الشاعر يوسف الصائغ «من قلب مفتوح» حتى نراه كله معا من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ولا ننظر اليه من ثقب الباب فنرى جزءا صغيرا منه. غالبية الاحزاب اليوم تنظر الى الوطن من خلال ثقب الباب. نحن نريد حزبا يكون قلبا للانسان، وحزبا يكون كبدا للانسان، وحزبا يكون كلية للانسان وهكذا.. هذه الاحزاب التي يحتضنها الانسان في قلبه وضميره. ويجب ان نعلم انفسنا ان نحب ونتسامح ونتعاون، اذا قمع احدنا الاخر تحت ظل الحقد والكراهية كيف لنا ان نحقق الديمقراطية؟ يجب ان نتقبل آراء بعضنا ونناقشها قبل ان نحكم عليها.

* هل ستعود الى العراق قريبا ؟

ـ العراق ليس وطني وحسب هو وجودي وهو اكبر من الكلمات، امي وابي صارا جزءا من تراب العراق وانا جزء من هذا البلد، وبغداد اعشقها مثلما أمرأة جميلة، ولا اريد ان ارجع لارى هذه المرأة وقد نال القبح منها. بغداد تستحق ان تبقى أجمل امرأة، ولها علاقة بتاريخ العراق الابداعي، لا اريد العودة الى بغداد التي ينال منها المجرمون والقتلة، اريد ان ارى بغداد جميلة دائما عندما اعود اليها.

* اذا طلبوا منك الان زيارة صدام في السجن لمعالجته هل ستذهب؟

ـ نعم ساذهب كوني طبيبا لمعالجة مريض، وليس صدام. افرض طلبوا مني معالجة مجرم قاتل محترف في السجن، ماذا سافعل؟ سأذهب بالتأكيد لانني ببساطة طبيب ومهنة الطب مهنة شريفة وانسانية رفيعة وهي مهنة فوق السياسة، لان السياسة دنيئة ولا مبادئ فيها ومن الخطأ ان تتلوث مهنة الطب بالسياسة. السياسة تعتمد اساليب النفاق والغش والكذب والتخلي عن الكثير من القيم الانسانية النبيلة، وهي مهنة تقترب من الادب والفن، لهذا من الصعب على السياسي مزاولة عمل الطبيب او الفنان او الشاعر.