لم يعد الطابع الرمضاني يطغى على اجواء بيروت كما كان سابقا، ذلك ان عادات وتقاليد هذا الشهر تغيرت وتبدلت، وبقيت قلة قليلة من البيروتيين تهتم بالبعض منها، وكثيراً ما تسمع منها عبارات مثل: رمضان الشهر المبارك الذي تعيشه اليوم هو غير رمضان الذي في ذاكرة الطفولة، الله يرحم ايام زمان.
وتبقى المعاني الاساسية لشهر رمضان عند الجميع بأنه شهر الصوم، فيه نزل القرآن الكريم، ومنه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو يمنح المؤمنين فرصة للمصالحة مع الذات ومع الله سبحانه وتعالى، ومع الناس من خلال تطهير النفس من كل خبيث والالتزام بأوامر المولى جل جلاله وتوثيق الصلة به والتسامح ومحبة الآخرين.
ويسترجع أهالي بيروت العريقون عادات رمضان القديمة، التي تبدأ مع احتفالات النصف من شهر شعبان، ويقولون ان العادة القديمة تعود الى العهد العثماني في بيروت، وما ان يتم إثبات رؤية هلال شهر رمضان المبارك حتى تطلق المدفعية المرابطة في الساحة المجاورة لما كان يعرف بـ «القشلة»، مقر السرايا الحكومية الحالي في وسط بيروت، 21 طلقة لإعلام الناس ببدء شهر الصوم، وكان للمدفع دولابان وتجره البغال من الثكنة الى الرابية، اما القذيفة فكانت عبارة عن حشوة قماش كتان وبارود، ومن لم تصل الى سمعه طلقات المدفعية يدرك من مشاهدة الانوار على مآذن المساجد ان هلال رمضان قد هلّ، فيقبل الاهالي على تهنئة بعضهم بقولهم: «هلّ هلال الشهر، شهر مبارك علينا وعلى امة محمد»، وكانت تزين الساحات العامة والاحياء بالاعلام، والاضواء الملونة والمصابيح، وسعف النخيل الاخضر واقواس النصر.
وكانت عملية اثبات هلال رمضان تتم عبر شخص موثوق به يسمى «الميقاتي»، فكان لكل من بيروت وطرابلس وصيدا وبعلبك، «ميقاتي» وهو الرجل المشهور بنظره الثاقب ويتحمل مسؤولية إثبات هلال رمضان ومواقيت الافطار طيلة الشهر الكريم، وهلال شوال ليوم العيد وتطورت هذه العادة واصبحت دار الفتوى تتولى تلك المسؤولية.
ومن عادات شهر رمضان المبارك في بيروت الاحتفال بليالي غزوة بدر، وفتح مكة، وليلة القدر في المساجد.
وكان سكان بيروت، وما زالوا، يهتمون بسيبانة رمضان او ما يسمى بالفصحى «استبانة رمضان»، فيجتمع افراد العائلة في آخر يوم عطلة قبل رمضان، ويذهبون في الاحراج والبساتين مزودين بلحوم الشواء ومعداته والنراجيل والفحم ومختلف الاشربة، حيث يقضون اليوم بكامله في حضن الطبيعة، ويروون للأطفال حكايات عن رمضان ايام زمان.
وقبيل حلول شهر رمضان الفضيل، تتنافس العديد من الجمعيات الدينية والخيرية في بيروت وطرابلس وصيدا وصور وبعلبك، لطبع امساكية الشهر الفضيل كما يندفع كثير من ابناء تلك المدن الى اعداد امساكيات، بعضها دعاية لمؤسساتهم التجارية، وبعضها الآخر عن «روح المرحوم او المرحومة»، وتشهد تلك الامساكيات منافسة لافتة من قبل بعض الجمعيات الخيرية الاسلامية، من حيث الاخراج والشكل مع تطور «الغرافيك ديزاين» وهي تطبع وتوزع آخر ايام شعبان.
شهدت السنوات الماضية إقبالاً كثيفاً من قبل رواد الخيم الرمضانية على ارتيادها. نجدها مع بداية هذا الشهر تراجعت بعض الشيء لأسباب عدة منها الوضع المعيشي المتردي، والانتقادات المتكررة من قبل رجال الدين الذين يرون ان هذه الخيم شوّهت المعاني الاساسية لشهر رمضان المبارك لما تحويه من لوحات راقصة لبعض الفنانات الاستعراضيات وللجو الذي يعبق به دخان النراجيل مع الحان الطرب والافطارات.
ويعج وسط بيروت بالرواد طلبا للافطار في مقاهيه او مطاعمه او للترفيه وإحياء السحور، يدفعون الاموال الطائلة ليأكلوا ويسهروا طيلة الشهر، فيما السيدات يلبسن اجمل حللهن ويتوجهن للسهر.
الا ان العديد من العائلات ما زالت تفضل تمضية سهرات رمضان في المنازل مع الاصحاب والاقارب ليس لأنها لا تستطيع الخروج الى المقاهي والخيم الرمضانية بل لعدم اقتناعها بتلك الأجواء فتفضل مشاهدة البرامج التلفزيونية المتنوعة التي تعرض على شاشات التلفزة التي تتبارى في ترويج النقل المباشر لسهرات رمضانية وترويج المسابقات من خلال الجوائز التي تقدمها، مما يجعل المواطن يتسمر ساعات احياناً بغية ربح جائزة ما.
ويترافق مطلع كل نهار من رمضان مع اسئلة يتعرض لها كل فرد تقريبا منها «ماذا كان افطار الامس وما هو افطار اليوم؟ ماذا شاهدت على التلفزيون، هل اعجبك هذا المسلسل ام لا؟»، من دون ان يغفل عن بال هؤلاء همهم الاقتصادي والمعيشي وعبء الحياة.
أما أهم المشروبات والمأكولات البيروتية في شهر رمضان، فهي الجلاب والتمر هندي ونقوع عرق السوس ونقوع قمر الدين باللوز والزبيب وعصير الفواكه. وتتصدر المائدة الرمضانية اطباق الحساء وصحن الفتوش او التبولة والارنبية والكبة بلبن والحمص بطحينة والفتة وفطاير بسبانخ واللحم بعجين.
اما الحلويات، فهي حاضرة منذ بداية شهر الصوم حتى ايامه الاخيرة، اذ يقبل الصائمون على تناول الحلوى الرمضانية التي تشتهر بها مدن طرابلس وصيدا وبيروت وصور والتي اصبحت جزءا من تراث لبنان، وايضاً الحلوى التي تباع في المناسبات الدينية مثل حلوى النصف من شعبان او حلاوة النص والجزرية وغيرهما. واهم اصناف الحلوى، هي حلاوة الجبن وحلاوة الرز والقطايف وزنود الست والمدلوقة والكلام والمفروكة والعثملية، وتشهد محال بيع الحلويات يومياً خلال شهر الصوم إقبالاً كثيفاً من قبل المواطنين على شراء اصناف الحلوى الرمضانية.