مشروعات في العالم الثالث تفوز بجائزة الآغا خان للعمارة لأنها تتميز بقيم تخدم مجتمعاتها

TT

اعلنت مؤسسة الآغا خان، اخيرا، عن منح جائزتها السنوية للعمارة لعام 2004، لسبعة مشروعات متميزة في عدد من دول العالم الثالث.

وخلال الدورة الحالية للجائزة، قدم ثلاثمائة وثمانية وسبعون مشروعا للنظر فيها، وتمت معاينة ثلاثة وعشرين مشروعا معاينة ميدانية من قبل خبراء من خارج الجائزة. وقد اختارت لجنة تحكيم مستقلة سبعة فائزين يتميزون باحراز اعلى المقاييس العالمية للتفوق المعماري مع اظهار القيم الخاصة بالمجتمعات المسلمة في معظمها التي تهدف هذه المشاريع الى خدمتها. والمشاريع السبعة التي تم اختيارها من قبل لجنة تحكيم الجائزة لعام 2004، هي:

ـ مكتبة الاسكندرية، الاسكندرية، مصر.

ـ مدرسة ابتدائية، غاندو، بوركينا فاسو.

ـ نماذج اولية لملاجئ اكياس الرمل، مواقع مختلفة.

ـ ترميم مسجد العباس، أسناف، اليمن.

ـ برنامج اعمار البلدة القديمة في القدس، القدس.

ـ منزل ب 2، ايفاسيك، تركيا.

ـ برجا بتروناس، كوالالمبور، ماليزيا.

والمعروف ان مشروع مكتبة الاسكندرية في مصر، وبرجي بتروناس في ماليزيا، نتجا عن مسابقات معمارية عالمية مهمة لمبان تشكل معالم بارزة.

اما مشروع «نماذج اولية لملاجئ اكياس الرمل»، فهو تجربة للاسكان ذاتي البناء (الاسكان الذي يقوم مستخدموه ببنائه بأنفسهم)، الذي يستخدم اكياس رمل مملؤة بالتراب ومكدسة فوق بعضها بعضا لتشكل مسطحات مقببة أو مقنطرة.

يعتبر توفير الاسكان جانبا مهما من جوانب برنامج اعمار البلدة القديمة في القدس الذي يتضمن ايضا ترميم المباني الاثرية التاريخية، وانشاء مرافق عامة ومجتمعية، ومدارس، وملاعب.

اما المدرسة الابتدائية في غاندو، بوركينا فاسو، فتتجاوز برنامجها التعليمي وتضرب مثلا للتصميم المعماري المتفوق موظفة المواد والتقنيات المتوفرة محليا، والتدريب، ومشاركة وتفعيل المجتمع. ويمتد منزل ب2، الذي يقع في قرية صغيرة على الساحل التركي للبحر الابيض المتوسط بالتصميم المعماري الى المستوى الشعري، محققا حوارا بين الطبيعة والمبنى، وبين الخارج والداخل، وبين العام والخاص.

ويمثل ترميم مسجد العباس في اليمن احراز اعلى مقاييس الترميم والحفاظ المعماري بينما، في الوقت نفسه، يبحث في طبيعة موقع ديني واهميته المعاصرة.

حددت لجنة التحكيم اربعة مجالات ذات مدلول اجتماعي لتوضيح المشاريع الفائزة: كيف يمكن التعبير عن تعقيد التاريخ والذاكرة التاريخية في العمارة؟ وكيف يمكن دمج المبادرات الخاصة في المجال العام الآخذ بالانبثاق؟ وكيف يمكن التعبير عن الشخصية الفردية في الاوضاع الاجتماعية المركبة وفي محيط تعددية التقاليد الاسلامية، وكيف يمكن تناول النفوذ والسلطة في المجالات العالمية للتكنولوجيا والثقافة والاقتصاد من خلال العمارة؟

والمعروف ان جائزة الآغا خان للعمارة أسست عام 1977، وذلك للتعرف على وتشجيع افكار البناء التي تخاطب بنجاح احتياجات وتطلعات مجتمعات مسلمة. وتقدر الجائزة أمثلة للتميز المعماري في العالم الاسلامي في حقول التصميم المعاصر والاسكان الاجتماعي وتنمية وتحسين المجتمعات والترميم واعادة الاستعمال والحفاظ المعماري وتنسيق المواقع والتنمية البيئية.

* مكتبة الاسكندرية

* مشروع مكتبة الاسكندرية هو احياء للمكتبة الاسطورية القديمة التي شيدت في العصر الاغريقي الكلاسيكي. وقد صممت المكتبة على شكل قرص مائل يرتفع من الارض ويضم اربعة مستويات تحت سطح الارض وسبعة مستويات فوق سطح الارض. وهكذا فإن مقياس المبنى قد خفض حتى لا يغمر الزائر. وتضم المكتبة قاعة مطالعة رئيسية تحتوي على ألفي مقعد للقراء، وست مكتبات متخصصة، وثلاثة متاحف، وسبعة مراكز للبحوث، وثلاثة معارض دائمة، وحيزا للمعارض المؤقتة، وقبة سماوية او فلكية (وهي مبنى يشتمل على جهاز يظهر حركات الشمس والقمر والكواكب السيارة والنجوم من خلال تسليط النور على داخل قبة)، وساحة عامة، ومكاتب، وكافتيريا، بالإضافة إلى جميع الخدمات اللازمة في مثل هذا المجمع. وللشكل الدائري للمكتبة أهمية رمزية قوية وحضور أيقوني. والحوائط الخارجية للمكتبة مكسوة بأربع آلاف كتلة من الجرانيت نقشت عليها حروف أبجدية من لغات عديدة. منطقة المطالعة الرئيسية عبارة عن حيز واحد مفتوح يتكون من ثماني شرفات (تراسات) كل منها يحتوي على قسم خاص بموضوع معين بدءا بأصول المعرفة (الفلسفة والتاريخ والدين والجغرافيا) وانتهاء بأحدث التقنيات.

إن أساس المكتبة هو أكثر أجزاء المشروع ابتكارا. فالانغمار الجزئي للمبنى لعمق ثمانية عشر مترا تحت سطح الأرض في موقع بالقرب من البحر يثير مشاكل انشائية جدية. ويعتبر الجدار الحاجز الدائري للمكتبة الأضخم من نوعه في العالم، حيث يبلغ قطره مائة وستين مترا وارتفاعه خمسة وثلاثين مترا. وقواعد المبنى فريدة في كونها مصممة على شكل خوازيق شد مع قاعدة فرشة (لبشة) ثقيلة في الجانب الجنوبي وخوازيق ضغط لكي تأخذ الوزن في الجانب الشمالي.

أحد أكثر مقومات المبنى نجاحا هو استخدامه للضوء الطبيعي الذي يستمد من خلال الألواح الزجاجية على السطح. وقد تمت دراسة توجيه سطح المبنى بعناية، باستخدام الكومبيوتر، خلال مرحلة التصميم بحيث يسمح بدخول أعلى مستويات الاضاءة الطبيعية من دون نفاذ ضوء الشمس المباشر الى الداخل.

ويتصل مبنيا المكتبة والقبة السماوية على مستوى تحت سطح الأرض، تحت الساحة العامة، بمركز مؤتمرات قائم، بينما يمتد جسر مشاة فوق الساحة بين الجامعة والطريق الساحلي. معظم مستخدمي المكتبة هم من طلاب جامعة الاسكندرية والمدارس المحلية. وقد انعقد في المجمع عدة مؤتمرات تلقت اهتماما اقليميا وعاليماً، مما يرفع من أهمية المدينة بأكملها. وقد لعبت المكتبة دور المحفز لتحسينات في المدينة بأكملها، مثل تجديد الطرق وبناء الجسور وتطوير الفنادق. وتعتبر المكتبة معلما تقدميا للبلد بأكمله يعيد مصر على الخريطة كمركز مفتوح وحديث للتبادل الثقافي.

ونال المبنى الجائزة، كما ذكرت لجنة التحكيم لأنه يظهر طريقة مبتكرة لتصميم ووضع شكل ضخم ورمزي في احد اهم الواجهات المائية في العالم. بدءًا بفكرته، مرورا بالمسابقة الدولية لتصميمه، وحتى تصميمه وانشائه بواسطة عدة شركات عالمية، وكذلك في إدارته المالية الحالية، يقدم المشروع نموذجا ـ يحتذى في مشاريع أخرى مثيلة ـ في جلب المجتمع الدولي معا وفي تشجيع التعاون والالتزام من المجتمع بأكمله.

* ترميم مسجد العباس

* مسجد العباس هو بالقرب من اسناف في اليمن، هو شاهد على التقاليد الحية والانجازات المعمارية لواحدة من أقدم حضارات العالم. يقع المسجد الذي بني منذ أكثر من ثمانمائة عام على بقايا ضريح أو معبد يعود الى ما قبل الفترة الاسلامية في موقع يعتبر مقدسا منذ قديم الأزل. كذلك فإن شكله المكعب له اسبقيات قديمة بما في ذلك الكعبة في مكة. والسكان المحليون مستمرون في تبجيل المسجد، والموقع اليوم ما زال يحتفظ بأهمية خاصة لديهم.

ومسجد العباس الذي يقع في المرتفعات اليمنية، على بعد أربعين كيلومترا من صنعاء، يرجع تاريخه الى آخر أيام السلالة الصليحية. وهناك نقش في داخل المسجد يؤرخ المبنى بتاريخ ذي الحجة 519 ديسمبر (كانون الأول) 1125 يناير (كانون الثاني) 1126 بالتقويم الغريغوري، ويسمي النقش مؤسس المسجد السلطان موسى بن محمد الفطي. ويسمي نقش آخر الباني أو المعمار محمد بن أبي الفتح بن أرحب. لكن المسجد في حقيقة الأمر ينسب الى شخص معروف قليلا اسمه «عباس«، وهو رجل صالح يعتقد أنه دفن هناك.

وبنيت الاجزاء السفلى من حوائط المسجد من الحجر، واستخدم الطوب الطيني في الاجزاء العليا منه. المسجد مربع في مسقطه الأفقي وذو سطح مستو، مما يجعله مكعب الشكل. ويوجد في داخل المسجد ستة أعمدة، أربعة منها صنعت من الحجر ويعود تاريخها الى ما قبل الفترة الاسلامية واثنان صنعا من الطوب. وثلاثة من الأعمدة لها تيجان أثرية. وتميز الاعمدة داخل المسجد الى اربعة صفوف تقود نحو حائط المحراب.

أما سقف المسجد المفصل الذي يتكون من وحدات غائرة متكررة ومنتظمة يناقض تماما خارج المبنى البسيط. وقد بقي معظم هذا السقف من دون أي تغيير منذ إنشائه. وحدات السقف الاثنتان والعشرون صنعت من الخشب المغطى بزينات معقدة منحوتة ومذهبة ومطلية بدهان التمبرا (نوع من الدهان يتكون بخلط صبغات مع الماء وصفار البيض المخفف بالماء، حيث يعمل صفار البيض عمل رابط للصبغات ومثبتاً للدهان على الأسطح).

وبحلول الثمانينات من القرن العشرين، كان السقف يعاني من التعفن والاعوجاج. وفي عام 1985، طلبت الحكومة اليمنية من المركز الفرنسي للدراسات اليمنية في صنعاء المساعدة في الحفاظ على سقف المسجد. وقد تم تفكيك السقف بدعم مالي من اليونسكو ونقل الى المتحف الوطني في صنعاء. وفي عام 1987، طلب المركز الفرنسي من اختصاصية الآثار والحفاظ على الآثار ماريلين باريه ان تقوم بترميم السقف، وهو ما استغرق ثلاثة أعوام. كانت عملية التنظيف والترميم بطيئة واحتاجت الى جهد كبير في العناية بالتفاصيل، وقد تم احترام أهمية الحفاظ على تاريخ السقف. كذلك كان السطح بحاجة الى اصلاحات رئيسية، وقد اتخذ قرار بترميم نسيج المبنى نفسه. نفذت هذا العمل ماريلين باريه مع المعماري اليمني عبد الله الحضرمي ومعهما فريق من الآثاريين اليمنيين والفرنسيين ومجموعة من أفضل الحرفيين المحليين. وتم مشروع الترميم هذا في عام 1996.

وأينما أمكن، استخدمت المواد والتقنيات التقليدية التي ما زال الكثير منها يستخدم اليوم مثل القداد، وهو مونة بناء تقليدية تتكون من الجير والركام البركاني وتصقل بواسطة حجر ناعم مكسو بالدهن الحيواني. لم يتم ادخال أية عناصر تخمينية: جميع العناصر الجديدة يمكن تعقبها الى أمثلة أصلية سواء في شكلها أو في موقعها.

بعد الانتهاء من السطح، ركبت بعناية في المتحف ألف قطعة منفصلة مرقمة خاصة بالسقف ـ كما تجمع قطع الألغاز. بعد ذلك، تم نقل القطع المجمعة، صفاً واحد في كل مرة، الى المسجد. وثبتت على إنشاء داعم جديد وبارع مكون من جسور صندوقية على شكل حرف U هي الآن مخفية بالكامل بواسطة ألواح السقف التي اعيدت الى موضعها بعد ان تم ترميمها.

منذ أن تم الترميم، عادت أناقة المبنى الأصلية وزينته للحياة، مما زاد من اهتمام السكان المحليين الفخورين بمسجدهم، وهم بصورة خاصة سعداء برؤية السقف الجميل يعود الى موضعه. ويمكن لمبادئ الترميم التي وظفت في مسجد العباس ان تخدم في توجيه مشاريع لاحقة معنية بالحفاظ على الممتلكات الثقافية. كذلك فإن المشروع قد يحفز مزيدا من البحث، خاصة في ما يتعلق بعدد من الآثار المحيطة بموقع المسجد.

وقالت لجنة التحكم عن اسباب اختيارها لهذا المشروع لأنه يطبق مقاييس معيارية نموذجية للحفاظ المعماري ويشرك الكبرياء المحلي في حماية هذا الصرح الثقافي المهم للأجيال المقبلة.