بعثات فرنسية تكتشف مدينة الروضة في غرب البادية السورية وموقعا يحتضن أقدم حضارة شرق أوسطية

TT

تمكنت بعثتان أثريتان فرنسيتان ـ سوريتان مشتركتان تعملان في البادية السورية، من اكتشاف موقعين أثريين مهمين، ويعتبر هذا الاكتشاف الاحدث في مجال الكشف الأثري في البادية السورية، حيث استطاعت الاولى والتي ترأسها كورين كاستل من جامعة ليون الفرنسية، اكتشاف مدينة اثرية في موقع الروضة في المنطقة الغربية من البادية، فيما تمكنت البعثة الثانية والتي يترأسها ايريك بويضة من اكتشاف موقع يعود تاريخه الى مليون و200 ألف سنة في الميرا قرب تدمر.

وتقول الدكتورة كاستل رئيسة البعثة الاثرية الفرنسية السورية العاملة في موقع الروضة، إنه تم اكتشاف مدينة اثرية في هذا الموقع تعود الى الالف الثالث قبل الميلاد، اي للعصر البرونزي الرابع القديم. والمدينة تقع على حدود المنطقة الهامشية التي تفصل البادية عن المعمورة.

واهمية هذا الاكتشاف تنبع من ان المدينة المكتشفة (الروضة) تقع على الخط المطري 200 ملم، حيث من المفترض ان ليس هناك زراعة الى الشرق من هذا الخط، كما لا يمكن توقع زراعة منتظمة ومضمونة، ورغم ذلك استطاعت الروضة ان تكون موجودة في وسط صغير، وهذا الموقع الفريد يقدم فرصة نادرة لدراسة عصر البرونز الرابع القديم في البادية، وكذلك لتحديد وتعريف أنماط الاستيطان واستخدام الارض وكيفية المعيشة في مناطق شبه صحراوية وجافة في ذلك العهد، حيث لوحظ ان المناخ لم يتغير منذ الف سنة قبل الميلاد، ولذلك استخدمت البعثة احدث الاجهزة لتحديد ذلك.

وعمل في البعثة اختصاصيون بالبيئة والجغرافيا والزراعة مستخدمين الطائرات الورقية والكومبيوتر معتمدين نظام المعلومات الجغرافي C.I.S.

كما تم اكتشاف معبد وأسوار وحواجز مائية تمكنت البعثة في الروضة من اكتشاف 172 دائرة حجرية قطرها 12 مترا، وهي عبارة عن صف واحد او صفين من القشرة الكلسية المكسرة. ومن أندر المكتشفات في المدينة كان هناك ما يسمى (الكايت)، حيث عثر على 9 منها، وهي عبارة عن جدارين يلتقيان بدائرة حولها حجرات صغيرة على شكل فخ. ولذلك يمكن ان نسميها (الافخاخ) وتضيف كاستل انه يتم الاعتقاد انها استخدمت لصيد الغزلان او لجمع المواشي.

وظهرت هذه الافخاخ أيضا في منطقة حوران ويتوقع انها قد استخدمت في العصر النحاسي لغاية العصر الروماني. ومن المكتشفات ايضا حواجز مائية، وهي عبارة عن خزانات تكفي الرعاة الرحّل وسقاية اغنامهم، حيث تؤكد هذه الخزانات ان تربية المواشي كانت قائمة ونشطة في تلك المنطقة. كما تم اكتشاف تنظيمات مائية ووديان تحيط بالمدينة تشكلت بفعل «المصاطب» الزراعية، وهذا ما يدل على ان الزراعة نشيطة ايضا وخاصة الزيتون والرمان.

من المكتشفات ايضا معبد كبير يبلغ قطر موقعه 400 متر محاط بسور يحتل مساحة 12 هكتارا، وتوجد خارج السور بيوت متشابهة المساحة تدل على ان هناك نمطا معماريا منظما للمدينة. كذلك عثر على اسوار وأبراج بعرض 6 أمتار، تؤكد ان المدينة محمية بشكل جيد.

هذا بالاضافة الى اكتشاف تماثيل صغيرة، وجرار التخزين وقطعة لغزل الصوف وطاحونة يدوية صغيرة لطحن القمح وتماثيل بشرية وحيوانية، ووجدت جرة مليئة بمئات الخرزات والقواقع منها بحرية من البحر الابيض المتوسط، واخرى من الخليج العربي، ومن الهند والاناضول وكلها مناطق تبعد مسافات كبيرة عن الروضة سيتم تحليلها في مخابر فرنسية لمعرفة المزيد عنها وعن سبب وصولها للروضة.

واكتشفت البعثة الفرنسية السورية الثانية موقعا من أهم واقدم المواقع في بادية الشام وهو «الميرا»، حيث تم العمل فيه منذ اكثر من 15 عاما اكتشف خلالها عدة اثارات تعود لفترة العصر الحجري القديم من بينها عظام حيوانات وادوات صوانية تحمل الجير الاسفلتي ما يدل على استخدام هذه المادة في تصنيع الفؤوس من قبل انسان (نياندرتال).

وعن هذا الموضوع يقول البروفيسور ايريك بويضة رئيس البعثة العاملة في موقع الميرا، إن عمر الموقع يناهز المليون ومائتي الف سنة، وإنه تم اخيرا اكتشاف كيفية تصنيع الفؤوس اليدوية بتقنية عالية ذات هوية سورية خالصة، تثبت انها لم تكن من اصل افريقي، كما تفترض النظريات السابقة، ويعتبر هذا الاكتشاف اول دليل على ان البادية السورية احتضنت اقدم حضارة شرق اوسطية.