«متحف إبراهيم الذرمان» بالأحساء يستقبل الزوار والمسؤولين في عيد الأضحى

أسس منذ 25 عاما وتقدر قيمته بأكثر من مليونين ريال

TT

تحولت هواية إبراهيم عبد الله الذرمان من المتعة إلى شيء ضروري وواجب، حين راح يجمع الآثار القديمة والتحف الأثرية بشرائها بمبالغ كبيرة، معتمدا على راتبه من مهنة التعليم، وفي حال عدم توفر قيمة قطعة أثرية يود شراءها فإنه يستلف مبلغها من الآخرين، ويقوم بسداد المبلغ في وقت لاحق. ويقدّر إبراهيم الذرمان قيمة متحفه الشخصي الذي شرع في تأسيسه منذ 25 عاما، بمليونين ونصف المليون ريال، فأخذ يجمع التحف والأدوات القديمة سواء من داخل السعودية أو السفر إلى دول الخليج والدول العربية بحثا عن القطع الأثرية النادرة، حتى تكوّن لديه متحف شعبي أصبح مقصد الزائرين والسياح في مناسبات الأعياد والعطل الأسبوعية ومفتوحا بشكل يومي، بالإضافة إلى مشاركاته المتعددة في مهرجان الجنادرية والمهرجانات الشعبية التي تقام في الأحساء وداخل السعودية.

وقد استقبل متحف الذرمان خلال أيام عيد الأضحى مئات الزوار، بعد أن أصبح هذا المتحف ضمن الأماكن السياحية في الأحساء، ويذكر الذرمان لـ«الشرق الأوسط» قصة عشقه بجمع الأدوات القديمة والأثرية، قائلا: «كنت مولعا بالتراث وحب جمع الأدوات القديمة منذ الصغر، إلا أن سنوات الطفرة المالية التي أخذت بيد المجتمع إلى عصر النفط والصناعة ساعدتني في تنمية هذه الهواية، وتحولت من مجرد هواية وحب إلى التفكير في اقتناء الأدوات القديمة، حين هجر الناس صناعاتهم وحرفهم اليدوية وبيوتهم الطينية بعد أن أصبحوا من موظفي شركة أرامكو السعودية، وأصبحت لديهم رواتب شهرية، انتقلوا من خلالها إلى الحياة العصرية»، ويضيف: «تحولت الأدوات الأساسية التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية إلى مجرد مخلفات ونفايات، مثل دلة القهوة وأواني الطبخ والأبواب والنوافذ الخشبية وأدوات الفخار وأدوات الزراعة والحدادة وغيرها، أصبحت خلال سنوات قليلة مجرد آثار يجب التخلص منها، فكانت الفرصة أمامي كبيرة للحصول عليها بشكل مجاني، مع عبارات الشكر، لأني خلصتهم من مهملات ونفايات، إلا أن هذه (المهملات) هي عندي مثل الكنز الذي لا يقدر بثمن». ويتابع: «لم يتوفر لي في تلك السنوات المكان لحفظ هذا (الكنز) لأني لم امتلك بيتا بعد، وكنت أقيم مع أسرتي، وجلب مثل هذه الأدوات القديمة إلى البيت يدعو للضحك والسخرية، فالناس تتخّلص منها وأنا أجمعها وأعتني بها، فاستطعت أن احتفظ بالأدوات الصغيرة كي لا يكون وجودها عبئا على أسرتي، ولكن أدوات غالية وثمينة لم استطع الاحتفاظ بها لكبر حجمها، وبعد بناء البيت خصصت جزءا كبيرا من مساحته للمتحف، ومع توفر المكان بدأت في اقتناء الكثير من الأدوات الأثرية بالشراء من داخل الأحساء بالنسبة للأدوات المصنوعة محليا، أما التحف النادرة فكنت أسافر إلى دول الخليج والدول العربية، وبشكل خاص سورية، بحثا عن قطع أثرية نادرة».

الذرمان ليس من الأثرياء، ولكنه اعتمد في بناء متحفه على ما توفره وظيفته من مبلغ يسير يبذله من دون ندم في شراء قطعة نادرة، فعشقه للتراث يصل به إلى حد الاستغناء عن متطلبات الحياة اليومية والاستلاف في سبيل شراء هذه القطعة، يقوم بذلك لأنه يرى أن: «هذه الأدوات تحمل الحنين إلى الماضي، الماضي الأصيل والغني، أشعر بالمتعة والراحة في داخل هذا المتحف، أو هذا العالم، فمن هذه الأدوات أتعرف على حياة أجدادي، فألاحظ الإيمان بالله، من خلال نقش الآيات الكريمة على ما يصنعون خاصة الآية «إن الله مع الصابرين»، وهو ما يفسر بأنهم عاصروا حياة قاسية وصعبة، ولم يكن لهم ملاذ سوى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، كما ألاحظ حبهم للعمل ولحياتهم من خلال الدقة والإتقان والجمال الذي تجده في صناعة أي أداة، سواء خشبية أو حديدية أو نحاسية أو ورقية، ولا تتوقف المتعة عند مشاهدتها أو الجلوس بجانبها، بل المتعة أكبر في استخدام بعض الأدوات الخاصة بالشرب مثلا، أو التنزه بالسيارة القديمة في شوارع الأحساء».

ولكن هل يستمر الذرمان في حبه وحماسه لهذا التراث وهو على مشارف الستين من عمره؟، يقول الذرمان: «أشكر عائلتي لأنها تتحمل المتاعب من أجل هوايتي، ومن هذه المتاعب الروائح التي تنبعث من الجلود والأخشاب رغم التهوية الجيدة والصحية للمتحف، استطعت أن أزرع حب التراث في أولادي خاصة ابني سعد، وهذا يعني استمرار هذا الحب والعشق والاعتناء بهذا المتحف، وما يدفعني ويشد من عزيمتي هو ما تشرفت به من زيارة المسؤولين من الأحساء ومناطق السعودية لهذا المتحف وعلى رأسهم محافظ الأحساء الأمير بدر بن جلوي ووكيل المحافظ خالد البراك، ونائب أمين عام الهيئة العليا للسياحة الأمير عبد العزيز بن فهد».

* يتكون متحف إبراهيم الذرمان، الذي يقع في مدينة المبرز في حي الراشدية، من 6 غرف سُميت حسب ما تحتويه من أدوات: غرفة العروس والدكان والمطبخ والبيت الأحسائي وقاعة المخطوطات والمقتنيات الصغيرة وأخيرا المجلس، وهو مجلس البيت الأساسي الذي يستقبل فيه ضيوفه بشكل مستمر، ومن أهم ما يمتلكه متحف الذرمان: مخطوط قرآني يعود تاريخه إلى عام 1171هـ، وسيارة شيفروليه موديل 53 اشتراها بـ50 ألف ريال، وقطع ذهب عيار 24 مصنعة يدويا، وعملات إسلامية نادرة، وقبقب نادر اشتراه بقيمة 3 آلاف ريال، بالإضافة إلى الكتب والمجلات والأدوات اليومية التي تشكل في مجملها كل ما كان يستخدم في الزمن الماضي.