نائب الرئيس للبرامج والأخبار في «سي أن بي سي» العربية: لسنا محطة مختصة.. وهدفنا الوصول إلى جميع الشرائح

بعد نحو عامين من انطلاقتها كقناة اقتصادية متخصصة

TT

«سي أن بي سي» العربية محطة اقتصادية، انطلقت في أغسطس (آب) 2003 بهدف «تقريب الاقتصاد إلى العامة، إذ لا يمكن فهم تطورات العالم من دون فهم السياسات الاقتصادية» كما قال ظفار صديقي، رئيس مجلس الإدارة في بيان ترويجي صادر عن القناة. ولكن اليوم وبعد نحو عامين من انطلاقتها فإن السؤال هو إلى أي حد نجحت في ذلك؟ وعكست الحياة الاقتصادية في المنطقة العربية بكل من فيها؟ وهل استطاعت التحول إلى محطة مشاهدة في السعودية، التي يعتبرها القائمون على القناة سوقها الأساسي؟ «الشرق الأوسط» التقت محمد مؤمنين، نائب الرئيس للبرامج والأخبار، في مقر القناة في مدينة دبي للإعلام، وفي ما يلي نص الحوار:

* دعنا نبدأ من اسم «سي أن بي سي» وهو اسم لمحطة اقتصادية أميركية شهيرة، وتعرفون أن هناك حساسية في المنطقة العربية تجاه القنوات الأميركية، فهل كان اختيار الاسم صائباً؟

ـ قناة cnbc هي قناة أميركية عريقة فيما يخص التغطية الإخبارية الاقتصادية، ومنذ عدة سنوات بدأت تبيع العلامة التجارية لمناطق مختلفة، مثل أوروبا، وآسيا وتركيا والهند... ومنذ نحو سنتين تم شراء العلامة التجارية لتغطية الأخبار الاقتصادية في المنطقة العربية.

وفي المقابل يحصل المساهم أو صاحب الامتياز على العلامة التجارية وعلى الخبرات والمعرفة المعلوماتية والشكل والبيانات. ولكنني أوضح أن القرار التحريري يخضع للقناة بحد ذاتها وليس له أي علاقة مع السياسة التحريرية في الولايات المتحدة الأميركية.

* عندما تم وضع الخطة لـ cnbc العربية، من هو الجمهور الذي حاولتم استهدافه؟

ـ دعنا نقول أولاً إن الفكرة ليست جديدة وقد طرحت منذ سنوات والوقت لم يكن مناسباً، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر حصلت تغيرات عدة: هناك سيولة كبيرة في المنطقة العربية ومتغيرات اقتصادية فرضت نفسها إذ أن أغلب الدول العربية انضمت أو تسعى للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهذا يعني فتح الأسواق، توفير الشفافية، تحريك أسواق المال، المنافسة. كل ذلك أدى إلى وجود بيئة مناسبة لتحريك النشاط الاقتصادي، واستدعى بالتالي وجود وسائط لإيصال المعلومة إلى المستثمر أو المساهم، وكان لزاماً وجود هذه القنوات وربما نجد في المستقبل المزيد من القنوات الاقتصادية.

* لكن من هو الجمهور المستهدف؟

ـ أريد أن أميز بين مرحلتين: منذ بداية القناة وحتى قبل ديسمبر 2004 كان التوجه نحو فئة محددة من رجال الأعمال والمستثمرين، وهذه الفئة نسبتها قليلة... بعد ذلك قمنا بمجموعة تغييرات وانطلقنا بخطة برامجية جديدة هدفها الأول هو استقطاب شرائح مختلفة: أصحاب الدخول المرتفعة وحتى الدنيا بحيث تصل المعلومة إلى هذه الشرائح. بإيجاز: هدفنا اليوم هو الوصول إلى كل الشرائح.

* لكن هذا التوجه يجب أن يجد انعكاسه على مضمون القناة، برأيك هل ما تقدمونه يتوجه فعلاً إلى كل الشرائح؟

ـ بكل موضوعية.. أنا لست راضيا حتى الآن! نحن عززنا موقعنا في بعض الأسواق كالسعودية والبحرين والكويت والإمارات وقطر... جذبنا بعض الشرائح المهتمة ببعض المواضيع كقضايا شؤون المال من منظور الشريعة الإسلامية، وكذلك بعض الشرائح المهتمة بالرياضة والترفيه والمعرفة الاستثمارية أو الاقتصادية، صحيح أن هذا غير كاف... لكن خطتنا البرامجية ما زالت في شهرها الثالث، وهي فترة قصيرة للحكم على القناة، ونحن لدينا تحديات عدة هي: مزيد من التنويع في الخطة البرامجية، إضافة برامج تثقيفية وتقريب المشاهد العربي إلى القضايا الاقتصادية وتبسيطها.

* تسميها تحديات، لكن السؤال: لماذا لم تكن هذه التحديات حاضرة في الأذهان قبل انطلاق القناة؟ ولا أدري إن كنت توافقني أن المشاهد لا ينتظر وسيلة الإعلام حتى تكتمل على الهواء.. هو يريد وسيلة إعلام تنطلق قوية... المشاهد لا يمنحك هذه الفرصة، أليس كذلك؟ ـ أنت دوماً بحاجة إلى وقفة ثم تقويم ما تم إنجازه، كأي مشروع تجاري. نحن كانت وقفنا بعد نحو سنة ونصف لنعيد النظر فيما تم إنجازه وإنجاز شيء أقرب إلى المنطقة العربية، وهذا شيء صحي. وترى أن بعض القنوات ـ ولا أريد أن أسمي ـ كانت بدايتها مهزوزة، ثم تمت إعادة النظر في السياسة التحريرية، هل يعني هذا أن المشاهد لا ينتظر؟ لا.. لكن كمشروع إعلامي تجاري يجب أن تقوم بإنجاز شيء معين ثم تقوّمه فيما بعد وترى أين الثغرات والنواقص وتحاول إضافة الجديد.

* هل كانت إضافة السياسة والرياضة والترفيه وغيرها جزءاً من هذا التوجه؟

ـ الهدف الأساسي كان كذلك... تنويع البرامج يعطي فرصة لتنويع جمهور المشاهدين، فالقاعدة في التلفزيون بشكل عام أن المشاهد لا يتابع كل البرامج في محطة واحدة، بل هو يبحث عن برنامج محدد أو اثنين، وربما يكون هذا البرنامج على قناة كذا وبرنامج آخر على قناة أخرى... أنت تنوع في البرامج كي تكسب شرائح جديدة.

* لكن أنتم محطة اقتصادية أساساً، والتنويع وصل حد الانتقال بين مواضيع الاقتصاد والسياسة ومواضيع ترفيهية ضمن برنامج واحد... برأيك ألا يمكن أن يسهم ذلك في إفقاد المحطة جزءاً من هويتها؟

ـ لا... بل هو يكمل.. في خطتنا الجديدة اعتمدنا زيادة عدد ساعات التغطية في أسواق المال، وقسمنا الساعة البرامجية إلى أربعة أجزاء ليتسنى لنا متابعة تطورات أسواق المال، وبنينا كل الخطة على أساس ربع ساعة، أيضاً هذا يعطي نوعاً من التنويع.

بالنسبة لنشرات الأخبار: الحدث السياسي له تداعيات اقتصادية.. فقرار سياسي أو انفجار يمكن أن يكون له تداعيات على أسواق المال مثلاً، ونحن لا نريد للمساهم أن يكون في جزيرة معزولة، نحن نقدم أهم العناوين التي قد تؤثر على المعطيات الاقتصادية.

* قصدت في السؤال عن الهوية أن الجمهور يبدو غير محدد، كما أن الربط بين السياسي والاقتصادي لا يجد انعكاسه كما ينبغي، ما تقديرك؟

ـ نحن لسنا قناة مختصة.. هي قناة للجميع، لو أخذت السعودية مثلاً ـ وهي بالنسبة لنا أهم سوق ستجد أن عدد المساهمين الذين اكتتبوا على أسهم يشكلون نسبة كبيرة من السكان... فهل هؤلاء نخبة؟ هؤلاء يريدون زيادة مدخراتهم، وتحسين ظروفهم، وهم الشريحة الرئيسية لنا.

الآن، هل نجحنا في ربط الموضوعين السياسي والاقتصادي؟ لدينا عدة برامج تقوم بذلك، وفي الموضوع السياسي أضفنا نشرات إخبارية، وفي المرحلة الثانية سنحاول تقريب المادة الاقتصادية من السياسية، بمعنى: لديك حدث سياسي في مكان ما، كل التلفزيونات ستتطرق إليه، نحن خطتنا هي إضافة البعد الاقتصادي للحدث، بحيث إذا أراد المشاهد الحصول على البعد الآخر سيشاهد .cnbc

* إلى أي عمق تستطيعون الوصول في تحليلكم؟ مثلاً: الكتلة الرئيسية من برامجكم حالياً هي تغطية أسواق المال، لكن هل طرحتم الأسواق كظاهرة اقتصادية؟ إلى أي مدى استطاع المشاهد أن يتعرف إلى هذه الظاهرة، أو غيرها من الظواهر الاقتصادية؟ لماذا فضلتم البقاء عند الطبقة الأولى من التعامل مع الحدث، أي الأخبار، ولم تمضوا أعمق في المعالجة، هل هناك محاذير.. أم أنكم لا تريدون ذلك؟

ـ لا.. لا توجد محاذير.. لكن ليس بإمكاننا تحويل كل البرامج إلى تثقيفية، فنحن لسنا قناة تعليمية.. هناك أعداد لا يستهان بها من المشاهدين العرب يتابعون أسواق الأسهم باستمرار ويعرفون كيفية اتخاذ القرار الاستثماري، ونحن لدينا بعض البرامج التي يمكن التركيز فيها على الجانب التثقيفي أو التوعوي إذا صح التعبير، لكن يجب أن يكون هناك توازن: هل الجانب الإخباري أم التحليلي؟ وجدنا مثلاً أن أسواق المال السعودي بحاجة إلى ساعة ونصف من البث.. سنضيف تحليلا أكثر.. فنحن بحاجة إلى الذهاب أعمق من ذلك، بمعنى: من وكيف حدث ذلك.

نحن بصدد إضافة التحليل الفني للأسواق، أي البحث عن الظروف وإضافة التحليل الهيكلي، وقراءة الرقم... هذا سيضاف على مراحل.

* يبدو من خلال برامجكم وحديثك أن الجمهور السعودي هو المستهدف؟

ـ السعودية أهم سوق في المنطقة العربية.. سواء بالنسبة لنا أم لباقي المحطات وحتى الصحف، وعندما نتكلم عن أسواق المال في المشرق أو المغرب العربيين، هل يعقل أن نركز على سوق في المغرب العربي مثلاً ونترك السعودية؟ لا.. بحكم أن القيمة السوقية في السعودية أكبر.

وبالمناسبة: صدرت دراسة أخيرا عن موقع عربيات على الإنترنت*، شملت نحو 37 ألف شخص معظمهم من السعودية، وينتمون إلى أصحاب الدخول المتدنية، وكانت النتيجة اختيار cnbc كقناة إخبارية وليست متخصصة، وأتت في المرتبة الثالثة كمحطة إخبارية، علماً أن ثمة من يرى أن شريحة الدراسة ليست جمهورنا.

قراءتي للدراسة: ما يريده المشاهد العربي الآن ليس فقط إما الرقص أو القتل والذبح، هو بحاجة إلى المعلومة.. إلى الاستثمار والادخار.

* هو أولاً بحاجة إلى من يلامس همومه إعلامياً؟ ـ نعم.. وهناك مواضيع يجب طرحها بكل جرأة وموضوعية، وقد طرحنا بعضها مثل عمالة الأطفال، البحث العلمي والفجوة بين العرب وإسرائيل في ذلك، المخدرات وآثارها الاقتصادية والاجتمناعية وحتى السياسية.. مواضيع أرى أنها منسية إلى حد ما...

* ما يهم المشاهد غائب عن معظم القنوات العربية.. أليس غائباً أيضاً عن محطتكم؟

ـ أتكلم كنسبة وتناسب.. الآن لدينا موضوع يطرح يومياً.. الفقر، الأمية، البطالة، البيروقراطية... كل هذا طرحناه.. لكن هذا غير كاف، بإمكاننا طلب الأكثر، ولكن يجب أن نبدأ بالممكن...

* إذا كانت هذه رغبة لديكم، فلماذا لا تتحقق.. ما الذي يمنع، ما الصعوبات؟

ـ الصعوبة: تحولنا من زمن بث لا يتعدى 5 ساعات يومياً إلى نحو 17 ساعة.. هذا أمر ليس سهلاً.. أضفنا أكثر من 300% إلى زمن البث.

* هل كان لديكم كادر يغطي هذا التوسع.. الآن هناك من يعد أكثر من برنامج مختلف؟

ـ صحيح فالانتقال إلى 17 ساعة لم يرافقه زيادة مماثلة في الكادر...

* التوسع بالبث من دون إمكانات ربما تكون مشكلة كثير من وسائل الإعلام المتلفزة أو المطبوعة، والمعادلة تبدو معكوسة حتى بالمنطق الاقتصادي: إنفاق أقل، لتحقيق مردود أعلى. أليس في ذلك تضحية بالمتلقي في النهاية؟

ـ لا.. فأنت عندما تنتقل إلى 17 ساعة بث، يجب أن تتوقف في نقطة ما وتبدأ بالتقويم: أين النواقص؟ المشكلات؟ نحن مثلاً أعدنا هيكلة بعض البرامج، وأعدنا توزيع الكوادر كي تكون النتيجة مزيداً من التخصص، لكن الآن نحن نتحدث عن خطة لم يمض عليها أكثر من 4 أشهر.