نانسي اقتحمت الأروقة السياسية بوجه طفولي وجلابية شعبية

قسمت العالم العربي بين مؤيد ومعارض ويشاع أن ثروتها أكثر من 15 مليون دولار

TT

«نانسي أعادت الحنين للماضي، إلى أيام نادية لطفي وهند رستم، عندما كان العالم العربي مرتاحا أكثر مع نفسه، وكانت النساء العربيات أكثر ارتياحا داخله»... بهذا عللت مجلة «نيوزويك» (بالنسخة العربية) اختيار الفنانة اللبنانية نانسي عجرم ضمن 43 شخصية، لهم علاقة بالتغيير في الوطن العربي، والأكثر تأثيراً والأقوى شخصية.

«آه».. قالها من يرون في «نانسي» شخصية المرأة العربية الحرة والمستقلة، التي تعبر عن نفسها، دون الاهتمام بالأفكار الرجعية، وخروجها عن دائرة المرأة المكسورة الحزينة في أغانيها، بصورة المرأة القوية التي تكسر الرجل لا هو من يكسرها.

و«لا».. كانت ممن يرون في أنها قدوة سيئة للفتيات العرب، وتقدم صورة المرأة العربية في الإعلام بطريقة «مبتذلة»، وتسطح الأغنية العربية، من خلال الكلمات والرقصات التي تقدمها في «فيديو كليب».

وللحكم على التوجهين لا بد من الرجوع، لمعرفة من هي نانسي عجرم؟ وهل تلك الفتاة التي لم تتعدى سن الـ 21 تشكل خطراً على الأمة وبنات الأمة، أم هي مؤثرة بالفعل للأفضل؟.

المحطات الأولى

* «عندي بيسي اسمها سيسي» كانت اولى الأغاني التي رددتها نانسي المولودة عام 1983، مع جدتها «اوديت» والدة أبيها، وهي في عامها الثاني، وعند بلوغها السنة الرابعة من عمرها بدأت بالتغريد للفنانة اللبنانية «صباح»، ولكي تصقل صوتها سريعاً شدت بأغاني العملاقتين ليلى مراد، واسمهان، وهي في سن الثامنة.

في تلك الفترة كانت نانسي تتابع دراستها في عينطورة، وكانت تلميذة مجتهدة، وهادئة، ومتزنة بشهادة أساتذتها، وكذلك بمشاركاتها اللامعة في النشاطات الفنية المدرسية. أما في المنزل فكان والدها، نبيل عجرم، يحرص على متابعة وتطوير مواهب ابنته التي يفضل دائماً بأن يكنى بها، والتي كان يصفها بـ«الموهبة المميزة»، وكان يحرص على مشاركتها في الحفلات الغنائية لتصبح فنانة «محترفة».

وكانت أولى إطلالات نانسي للجمهور من خلال «تلفزيون لبنان»، عام 1991 عند مشاركتها في حلقة خاصة عن مؤسسة الـ Unicef وأدت اغنية «بنقيلك أحلى زهرة» لزكي ناصيف. ومن ثم توالت إطلالاتها الفنية فتقدمت ايضاً على القناة نفسها كمتسابقة في برنامج فني بعنوان «مواهب صغيرة». وفي الثانية عشرة، استطاعت ان تجذب اعضاء لجنة الحكم في برنامج «نجوم المستقبل» الخاص بهواة الغناء فاستحقت الميدالية الذهبية عن جدارة لفئة الطرب الشعبي.

وفي عام 1998 أنتجت شركة EMI العالمية اول شريط غنائي لها، تضمن ثماني اغنيات بعنوان «محتجالك»، وكان والدها في تلك الفترة مديراً لأعمالها. وبعد محاولة أبيها حاول الشاعر الراحل عصام زغيب عام 2000، ادارة اعمالها وأنتج لها شريطاً بعنوان «شيل عيونك عني»، ولكنه لم يلق النجاح المنتظر.

القنبلة الأولى

* لا تتوانى نانسي اليوم عن التذكير بالمحطات الاولى من مشوارها الفني، اذ تعتبرها بمثابة التحضيرات والاستعدادات الاولية التي سبقت مشروعها كنجمة متألقة. ووفق حساباتها فان عمرها الفني هو حوالي 10 سنوات.

ولكن قبل هذا النجاح، كانت فصول نجاح فني آخر بالعاصمة اللبنانية بيروت تنتهي، وهي قصة انفصال الفنانة اللبنانية إلين خلف عن مدير أعمالها جيجي لامارا، الذي أصبح مديراً لأعمال نانسي بعد ذلك، وتنفجر القنبلة.

عام 2002... ظهرت فتاة ترتدي ثوباً أحمر، وتتمايل بقد مياس، وشعر غجري مُزج باللون الأحمر والأسود، وجلابية سوداء ذات فتحة جانبية، فانفجرت الساحة الفنية، ورقصت الشعوب العربية، وأغرم الكثيرون... والفتاة كانت نانسي عجرم.

وبعد هذه الانطلاقة التي وصفت «بالقنبلة»، تعرضت نانسي الى انتقادات كثيرة، خصوصاً لمن كانوا يعرفونها سابقا ويلقبونها «بالطفلة المعجزة»، ورأوا أن «طفلتهم» فقدت عنصر الطفولة والبراءة الذي عرفت به. ولكنها دافعت عن نفسها لتؤكد ان الطفولة ما زالت تسكن أعماقها وانها قطعت مرحلة لا يستهان بها من ظهورها الاول في «نجوم المستقبل» حتى اليوم، لذلك كان لا بد ان يطرأ بعض التغيير على شخصيتها وشكلها، فصارت اكثر نضجاً على مرّ الأيام.

الجلابية المصرية

* استمرت بعد ذلك قنابل نانسي عجرم من خلال أغان مختلفة من حيث الكلمة واللحن والفيديو كليب والشكل، فكان الانفجار الثاني من نانسي موجها نحو نصف نساء العالم العربي، بظهورها مجدداً عام 2004 بـ«الجلابية المصرية الشعبية» في أغنية «اه ونص»، وبذلك أكدت أنها فنانة قادرة وصامدة في الساحة الغنائية وليست كما يتوقعها البعض بـ«الفقاعة».

شاركت نانسي بعد ذلك في اكثر من مهرجان في جرش عام 2002 وفي قرطاج عام 2004 وفي المغرب عام 2005 حيث حضر حفلاتها اكثر من اربعين الف متفرج.

وأبرز ظهور لنانسي أمام الجمهور العربي كان في صيف 2004 بالقاهرة، في حفلة مشتركة مع المغني العالمي انريكو ايغليزياس، اقيمت في مدينة الانتاج الاعلامي في القاهرة، وصفق لها آلاف المصرين، وشهدت شوارع القاهرة وأزقتها زحفاً بشرياً لم يسبق ان واجهته مطربة في هذه الحقبة فقيل انها سرقت قلوب المصريين وسحرت أعينهم!.

المعركة السياسية

* هكذا كان سلم صعود نانسي عجرم للنجومية في عالم الفن... أما دخولها عالم الفكر والسياسة حتى لو كانت لا تعرف ذلك، أو تتوقعه، فكان في البحرين من خلال الضجة الكبيرة التي صاحبت حفلاً فنياً لها وذلك بمعارضة أحد أعضاء البرلمان البحريني السماح لها بالغناء، إلا ان نانسي واجهت الموقف بكثير من العفوية والبلاغة، بسؤالها للنائب البحريني ««هل تعرفني يا سيدي؟» ليعترف بأنه لم يرَ يوماً صورة لها وأن موقفه ناتج عن تحريض من طلابه الجامعيين وزملاء له.

الحملة التي تعرضت لها نانسي في البحرين من جهات وصفت بـ«الأصولية»، ظهرت مجدداً في مصر حيث اتهمت بقذف الرسول «صلى الله عليه وسلم»، في برنامج محمود سعد في قناة mbc، والذي أنكر حدوث مثل هذا الأمر بتاتاً لوسائل الإعلام.

ورغم كل ذلك كرمت نانسي في اكثر من بلد عربي ونالت جائزة افضل مطربة عربية لعامين متتاليين 2004 و2005 من قبل لجنة مهرجان «الموريكس دور».

كما اختيرت من بين اشهر 43 شخصية عربية، تركوا بصماتهم في الكثير من نواحي الحياة في العالم العربي وأثروا في الجمهور حسب مجلة «نيوزويك» الأميركية.

من السيئات القليلة المعروفة بها نانسي هي حالة القلق الدائمة التي تعيشها، فاستمرارها كفنانة ناجحة يشكل هاجسها اليومي ومن أقوالها: «انا صادقة، لا أحب الكذب والغش وسأبقى هكذا دائماً حتى لو بلغت المائة».

هذه قصة نانسي عجرم التي قسمت الناس بين مؤيد ومعارض لها، وهي التي ذكر عنها في تحقيق نشرته احدى المجلات العربية، بأنها من أكثر المطربات ثراء، وان ثروتها تتجاوز الـ 15 مليون دولار، وهي ذات الفتاة التي تبحث عن رجل ذكي ولطيف، وهي التي تكشف الرجل من خلال ساعته وحذائه، ولكن الرجل عجز أن يفهم نانسي; هل هي فنانة فقط أم هي شكل سياسي واجتماعي للجيل العربي القادم؟!.. الأقرب أن حالة الشك العربي هي التي صنعت نانسي.