متحف الفسيفساء في أفاميا .. أجمل وأروع اللوحات المكتشفة في سورية

TT

يعتبر فن الفسيفساء من أجمل وأقدم فنون الزخرفة، حيث كانت تزين به واجهات وأرضيات المعابد والقصور فيعطيها شكلاً رائعاً، من خلال تلك المكعبات الصغيرة المتفاوتة بالحجم والشكل والتي كانت تصنع من الحجارة النظيفة أو من الرخام الأبيض والملون، أو من الزجاج الواقع لونه بين الشفاف والمظلم، حيث يصبغ فيما بعد بمختلف الألوان وأحياناً كان يصنع من الصدف البحري. وفي العصر البيزنطي زينت القصور والكنائس بأروع اللوحات الفسيفسائية من الزجاج العادي والملون، حيث استمر رواج الفسيفساء الزجاجي لغاية العصر الأموي الذي طوّر هذه الصناعة بإدخال الذهب والفضة على فصوصه مما أكسبه بهاء وروعة.

ونتيجة للمكتشفات الكثيرة التي تمت في سورية وكان أغلبها عبارة عن لوحات فسيفسائية أثرية رائعة، فقد خصِّص لهذه اللوحات المكتشفة متحف خاص بها، وهو متحف «أفاميا» للفسيفساء والذي يتوضع في مبنى تاريخي جميل كان عبارة عن خان للحجاج والمسافرين في العهد العثماني، ويقع هذا الخان في مدينة أفاميا الأثرية الشهيرة على بعد 60 كم عن مدينة حماة في وسط سورية وتم ترميم الخان وأصبح المتحف الوحيد في سورية الذي خصص فقط كمتحف للفسيفساء، وذلك بعد أن قامت مديرية الآثار العامة ومن خلال ورش العمل والفنيين لديها بجمع القطع الفسيفسائية المكتشفة في سورية وترميمها، ومن ثم عرضها في أروقة وقاعات المتحف الجديد (الخان سابقاً).

يرجع هذا الخان لبداية العصر العثماني وقد ذكر الرحالة الغزي الذي نزل فيه سنة 931هـ بأنه كان جديداً عندما حلَّ به ونسبه إلى محمد آغا قزلار. وهذا يعني أنه بني زمن السلطان العثماني سليمان القانوني الذي تولى السلطنة بين عامي 926 ـ 974 هـ، وبني بالقرب منه جام ومنارة. يحتل الخان مساحة واسعة تقارب السبعة آلاف متر مربع، ويتكون من بناء ضخم مربع الشكل يبلغ طول ضلعه 83 مترا تتوسطه باحة واسعة مرصوفة بالبلاط الحجري، وفيه منهل ماء عمقه سبعة أمتار، كانت تأتيه المياه بواسطة أقنية فخارية من البحيرة الواقعة إلى الغرب من الخان وعلى بعد لا يتجاوز المئة متر. تحفّ بهذا الخان من جوانبه الأربعة قاعات وغرف واسعة، ويقع مدخله في ضلعه الشمالي وهو مدخل واسع على جانبيه صفتان حجريتان، وأهم أجزاء الخان جناحان طويلان ورائعان ينبثقان من الغرفتين الواقعتين على جانبي المدخل الرئيسي. وجميع قاعات الخان وغرفه مبنية بالحجارة الكبيرة ومسقوفة بأقبية برميلية الشكل تحملها عقود حجرية نصف دائرية، ما عدا نقطة تقاطع الجناح الجنوبي الغربي فإنها مغطاة بقبو متقاطع.

تعرض الخان للإهمال بعد انتشار وسائل النقل الحديثة، وأثرت عليه عوامل الزمن فانهار قسم كبير من سقفه وواجهاته وأبوابه. وتقديراً لقيمة هذه الآبدة العمرانية الرائعة وحرصاً على إنقاذها من الدمار المحتم إن بقيت على ما هي عليه، قامت مديرية الآثار والمتاحف السورية بأعمال ترميم فيه استمرت خمس سنوات حيث أعيد بناء سقوفه وجدرانه المنهارة كما كانت سابقاً، وأكمل بناء الناقص من الواجهات والمداخل بنفس الأسلوب المعماري القديم وتم تنظيف جدرانه وعقوده، وتلبيس سقوفه بالكلس المقنب طبقاً للأسلوب الأثري القديم وتم تصنيع أبواب خشبية وحديدية تتلاءم مع طبيعة هذا الخان الرائع، وأصبح المتحف الوحيد الخاص بالفسيفساء في سورية.

أهم لوحات الفسيفساء

* في المتحف عشرات من لوحات الفسيفساء المعروضة بشكل فني جميل، وكلها غاية في الروعة والإتقان، حيث أبدعها فنانون عاشوا في أحقاب قديمة وعمال محليون أنجزوها بأسلوب متميز. ومن هذه اللوحات الرائعة «فسيفساء سقراط» وهي لوحة جميلة تمثل سقراط وحوله ستة حكماء، ويمثل الجانب الأيمن منها زخارف هندسية رائعة، ضمن إطار نباتي جميل وتحيط برأس سقراط كلمة بأحرف يونانية تشير إلى اسمه. وقد عثر على هذه اللوحة التي تعود إلى عامي 362 ـ 363 م تحت بناء الكاتدرائية الكبرى في أفاميا. ومن اللوحات الرائعة لوحة «الوعل» وتمثل وعلاً جميلاً في الوسط فوق أرضية مليئة بعنصر نباتي مكرر يحيط به إطار ذو زخارف هندسية غاية في الجمال. أما لوحة «الحوريات» فهي من اجمل ما عثر في مدينة أفاميا التاريخية، ووجدت اللوحة في المبنى الروماني الذي أنشئت فوقه الكاتدرائية الكبرى، ويعود تاريخها إلى عامي (362م ـ 363م) وتمثل هذه اللوحة مجموعة من الحوريات والفاتنات في مباراة للجمال. وتوجد على اللوحة كتابات تعرف بأسماء شخصيات هذه الفسيفساء.

، كتبت إلى جانب كل حورية أو فاتنة من هاتيك الحوريات الفاتنات وهنّ: آغليز aglis، أفروس aphros، وثيتس thetis أم الحوريات وأكثرهن جمالاً، دوريس doris ثم أفروديت. وفي نهاية هذه الفسيفساء تشاهد صورة الفاتنة المنتصرة التي تحمل بيدها اليمنى أكليلاً وبيدها اليسرى غصن نخيل وقد فازت في مسابقة الجمال هذه. ومن كنوز المتحف لوحة «الأمازونات» وهي تمثل فارستين في الوسط تمتطيان صهوتي جواديهما وتصطادان بعض الوحوش، والأمازونات في الأساطير اليونانية فريق من النساء المحاربات كن يعشن في القوقاز بآسيا الصغرى وكانت لهن ملكتهن، وكن يكوين الثدي الأيمن كي لا يعيق شد السهم، ومن هنا جاءت تسميتهن (الأمازون ـ بلا ثدي) وكن لا يقربن الرجال إلا مرة واحدة في العام، كي يحافظن على استقرار جنسهن، وكن يقتلن أولادهن الذكور. ويحيط بمنظر الفارستين الأوسط إطاران من الزخارف الهندسية والنباتية المحورة عن الواقع. ويمكن إرجاع هذه الفسيفساء إلى النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي.