سوق الأسهم السعودية.. ابتسامة وتوتر وخلافات عائلية

طفلة سعودية لا تريد العودة إلى المدرسة بسببه

TT

ليست دلالة اللون الأخضر مقتصرة على الخضرة والنماء والازدهار فقط، أو مرتبطة بلون العلم السعودي فحسب، بل أصبح الأخضر ذا علاقة وطيدة بيوميات المجتمع السعودي، لأنه لون يرسم الابتسامة والسرور على وجوه السعوديين، ويخفف من توترهم وقلقهم; لعلاقته المباشرة بسوق الأسهم السعودي، حيث يدلّ اللون الأخضر على ارتفاع مؤشر سوق الأسهم.

وترتبط ابتسامة الطّفلة السّعودية فاطمة،9 أعوام، باللون الأخضر في الشريط الإخباري عن سوق الأسهم السعودي، فكلما غلب الأخضر على المؤشر; كلما انشرحت أساريرها وتغير سلوكها مع إخوانها.

وتعد فاطمة حديثة عهد بسوق الأسهم السعودي، بعد أن رأى والدها أن يستثمر أموالها، والتي حصلت عليها كهدايا في الأعياد، ولم تتجاوز 5 آلاف ريال (1334 دولارا أميركيا)، في شراء أسهم في إحدى الشركات لتنمية هذا المبلغ البسيط، وبسبب هذه العلاقة الجديدة بين فاطمة والأسهم، والتي تحولت إلى علاقة حميمية بحكم المتابعة اليومية، لا ترغب فاطمة كثيراً في العودة إلى المدرسة، لأنها ستغيب عن متابعة شاشة الأسهم عبر تلفزيون «العربية» في الفترة الصباحية، وفي الفترة المسائية ستكون مشغولة بمذاكرة دروسها، وتتمنى فاطمة أن توفر لها المدرسة وسيلة لمتابعة التداول الصباحي، مع تخفيف الواجبات اليومية عليها! وليست قصة فاطمة سوى واحدة من آلاف القصص اليومية التي حرض على تأليفها سوق الأسهم للمجتمع السعودي بجميع طبقاته وفئاته، فالمجتمع المحلي ضبط إيقاعه مع موعد تداول الأسهم السعودية من العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، ومن الرابعة والنصف حتى السادسة والنصف مساء، وانعكس ذلك على العلاقات الأسرية والاجتماعية والاقتصادية.

ويشبّه السعودي ثامر، أحد المنفذين في صالة أسهم أحد البنوك المحلية، صالة تداول الأسهم بـ«السّاحة الشعبية»، إشارة منه إلى الوجوه الجديدة والمتنوعة التي أخذت تتردد على صالة البنك، على اختلاف ثقافتهم وملابسهم و«محافظهم»، بعد أن كان تداول الأسهم أو دخول البنك خاصاً بفئة معينة إلى حدٍ ما.

ولم تترك الأسهم محمد، 52 عاماً، يخفي عدد أولاده البالغ 40 ولداً وبنتاً، من أربع زوجات، بعد أن كان المجتمع يوجه إليه الانتقاد واللوم في كيفية تربيتهم وإعالتهم مادياً، وكيف تحول عدد الأولاد إلى «صفقة مالية» مع كل عملية اكتتاب جديدة، وفي عملية «أسهم البلاد» فقط، تجاوزت أرباحه 200 ألف ريال، وبذلك لم تعد كثرة الإنجاب مؤشراً لغير المقتدرين مادياً إلى العوز أو الحاجة إلى الناس، بعد أن فتحت عمليات الاكتتاب ذراعيها لثمانية ملايين مكتتب في «أسهم البلاد»، وخاصة مع تباشير عمليات اكتتاب لأكثر من 10 شركات قادمة خلال العامين القادمين.

بينما باتت الصفحات الثقافية لا تستهوي إبراهيم الشاعر، ولا أخبار الشعراء والفنانين، ولا الإصدارات الجديدة من الروايات والكتب الشعرية، بل تحول اهتمامه إلى الصفحات الاقتصادية، والانتقال بين منتديات الإنترنت التي تتداول أخبار سوق الأسهم، وكذلك لم تعد جلساته مع أصدقائه تحمل أي ذكر لاسم شاعر أو مثقف، كما كان حاله سابقاً.

وإذا كان إبراهيم لا يكف عن التجول في دروب منتديات الأسهم للبحث عن معلومة حتى لو كانت كاذبة، فإن هذه المنتديات أخذت تثير القلق والتوتر في «عبد الرحمن» بما تبثه المنتديات من شائعات مثيرة، ولعل آخرها ما حمله أحد المنتديات من أن اليوم الأحد، اليوم الثاني من العودة إلى المدارس، سيكون يوماً أسود لسوق الأسهم، وعليه سيشهد حالات إغماء عديدة.

ويعلق عبد الرحمن على ذلك بانعكاس مثل هذه الأخبار والشائعات على حالته المزاجية، «رغم أنها شائعات، وكيف أنه يحمرّ وجهي مع احمرار السوق، وأُصبح رجلاً متوتراً وقلقاً بشكل مستمر»، مشيراً إلى أن مزاجه متقلب مع تقلّبات السّوق، ولا ينجز عادة أي عمل خلال فترة تداول سوق الأسهم الصباحية والمسائية، كما أنه يكون في حالة دائمة من العجلة والضيق عندما يضطر للقيام بمهمة خارج المنزل في هذا الوقت، لا سيما عندما يكون مع عائلته، موضحاً أن خلافاً بدأ يظهر في علاقته مع زوجته لتوتره المستمر، قائما على شعورها بعدم رغبة زوجها في الخروج معها، وأن هناك امرأة أخرى تسيطر على تفكيره. ولكن خالد الغنام، البعيد عن سوق الأسهم، أصبحت علاقاته الاجتماعية مرتبطة بسوق الأسهم أيضاً، وتتأثر بشكل مباشر بسير السوق بين اللونين الأخضر والأحمر، فاللون الأخضر يعني أنه سيستمتع في المساء بجلسة مرحة مع أصدقائه، فيها الكثير من الضحك والسرور، ولا يخفي الغنام انزعاجه من دخول أصدقائه لسوق الأسهم، بعد أن أصبح على هامش اهتماماتهم، فلم يعد يلتقي بهم بشكل يومي، كما أن بعضهم لم يعد «يسأل عنه»، كما كان في السابق.

وعلّق المستشار المالي عبد الحميد عبد المحسن الصالح إلى أن ارتباط المجتمع السعودي بسوق الأسهم هو ظاهرة جديدة، وأن دخول المجتمع في هذا السوق أو هذه «الماكينة الضخمة والمعقدة» انعكس بشكل إيجابي على نمو الفكر الادخاري وتوجّه المستثمرين إلى الاستثمار في الصناديق الاستثمارية أو سوق الأسهم، حيث تدل أعداد المكتتبين على مؤشر وعي بأهمية سوق الأسهم، وارتباط مصلحي بين المواطن وبين الدولة، وإن كان الأمر لا يخلو من سلبيات، تتمثل أبرزها في حالات هبوط السوق أو خسارة بعض المستثمرين، وانعكاس ذلك على حالاتهم النفسية والاجتماعية.

ويبدي الصالح تفاؤله بسوق الأسهم في «ضوء دولة مستقرة وعملية إصلاح متسارعة»، بعد أن يتم رفع الكفاءة الإدارية للسوق، وتقنين عملية التداول من خلال دخول الشركات الوسيطة التي ستكون بين المستثمر والبنك، موضحا أن ذلك سيعمل على ضبط التلاعب في السوق، وعدم حدوث المفاجآت التي تنعكس سلبا على المجتمع، وبالتالي استقرار السوق واستقرار الحالات النفسية والاجتماعية للمجتمع السعودي.