إطاحة علي عقلة عرسان بقرار "إصلاحي" بعثي

لم يتمرد على حزبه وأراد أن يخرج منتصراً

TT

كان من اللافت أن ترتيب عرسان جاء الثأمن في قائمة الجبهة، التي ضمت 14اسماً. ربما كان علي عقلة عرسان يعرف قبل غيره أن القرار السياسي قد اتخذ بإزاحته، ومن غير الوارد أن يتمرد على حزبه وهو عضو لجنة مركزية في حزب البعث، ولكنه أراد أن يخوض الانتخابات ويخرج منتصراً، لأنه يعرف أن له خصوماً داخل سورية وخارجها أيضاً، ولا يريد أن يشمت به الخصوم، كما أراد عرسان وهذا هو المهم، أن يظهر نفسه أنه أحد فرسان الديمقراطية، فقد أدار اللعبة حتى نهايتها بشكل بارع، جعلت الدموع السخية لبعض الكتاب المقربين منه تذرف تأثراً.

ترشح عرسان لعضوية مجلس الاتحاد مع 95 مرشحاً (حزبيين ومستقلين)، انسحب منهم 35 معظمهم من البعثيين الذين التزموا بما سمي (الاستئناس الحزبي) الذي جرى بين الكتاب البعثيين. ومن بين المنسحبين: الدكتورة بثينة شعبان؛ وزيرة المغتربين ونائب رئيس اتحاد الكتاب العرب، وعبد الله أبو هيف، عضو المكتب التنفيذي، وكان من المتوقع أن ينافس على رئاسة الاتحاد اثنان من هؤلاء البعثيين تمردا على إرادة الحزب ورفضا الانسحاب: الروائي حسن حميد، والكاتب نزيه الشوفي، نجح الأول ونال المرتبة الثانية في مجلس الاتحاد ووصل إلى المكتب التنفيذي، وسقط الآخر. وقد نجح عدد من المستقلين، منهم الروائي المعارض خيري الذهبي، ومالك صقور، وسقطت الكاتبة الشيوعية ناديا خوست، عضوة المكتب التنفيذي سابقاً التي رشحت نفسها من خارج قائمة الجبهة. ويبلغ عدد أعضاء الاتحاد حالياً 771 فيهم من السوريين 607 ومن الكتاب العرب 164. ومن المؤكد أن عدداً كبيراً من الكتاب السوريين، ولا سيما الكتاب الجدد، هم خارج الاتحاد.

قرار جديد من القيادة القطرية

* قبل انتخابات مجلس الاتحاد في 1/9/2005 كان مقررا أن تتم مناقشة تقرير الدورة السادسة 2000- 2005، وقد طبع في كتاب ووزع على الأعضاء قبل المؤتمر بيوم أو يومين، ويتضمن الواقع التنظيمي والإداري والمالي والسياسي. ولكن أحتد النقاش من البداية بين المنتقدين والمدافعين عن أداء الاتحاد وإدارته. وربما خشية التصعيد، ولا أعرف إذا كان متفق على ذلك، طالب أحد الأعضاء إنهاء المناقشة والبدء في الانتخابات، ووافق رئيس الاتحاد على الاقتراح بحجة أن المؤتمر انتخابي بالأساس. طلب أحد الأعضاء من الدكتور عرسان أن يتخلى عن رئاسة الجلسة بما أنه مرشح، وأن يديرها الأكبر سناً. لكن عرسان رفض الاقتراح متمسكاً بالنظام الداخلي الذي يحفظه عن ظهر قلب. وذكر الروائي خليل الرز بقرار القيادة القطرية القاضي بعدم التجديد لرؤساء النقابات والمنظمات أكثر من دورتين، منوهاً بحكمة هذا القرار، وكان لهذا وقع صاخب داخل المؤتمر. واحتج رئيس الاتحاد وبعض البعثيين، واعتبر إيحاء ضد علي عقلة عرسان، ومعظم الموجودين لم يكن قد سمع بمثل هذا القرار.

ضباط في اتحاد الكتاب

* فاز علي عقلة عرسان بأغلبية الأصوات، نال 268 من أصل313 صوتاً. وإذا كان هذا الفوز الساحق مفاجئاً للبعض، فهو لم يكن كذلك بالنسبة لعلي عقلة عرسان والذين يعرفونه. فهو لا يخشى أبداً من الانتخابات، ويعرف أن له أنصاراً ومؤيدين كونهم على مدى السنوات الطويلة من خلال تنسيب عدد غير قليل من أساتذة الجامعة، الذين يكفي الواحد منهم أن يطبع أطروحته في الماجستير، ورسالة الدكتوراه في كتابين حتى يغدو عضواً في نقابة الكتاب برئاسة الدكتور عرسان. هذا بالإضافة إلى الضباط المتقاعدين وغير المتقاعدين من الشعراء العموديين (النظامين)، وما أكثرهم، صاروا أعضاء في اتحاد الكتاب العرب! وبلغ أحد هؤلاء الضباط وهو عميد في الشرطة أن يترأس فرعاً هاماً من فروع الاتحاد. علماً أن رؤساء الفروع الـ 14 يعينون تعييناً من قبل المكتب التنفيذي ورئيس الاتحاد أو بتواطؤ مع جهات أخرى.

إذاً كان لا بد من قرار يأتي من خارج الاتحاد لإنهاء عهود الدكتور عرسان المتتالية والتي استمرت 28 عاماً. واستناداً إلى قرار صادر عن المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، يقضي بعدم التجديد لأكثر من دورتين لرؤساء النقابات والمنظمات الشعبية. تم استبعاد علي عقلة عرسان من الترشيح للمكتب التنفيذي، وبالتالي عن رئاسة الاتحاد. وقد استقبل عرسان قرار استبعاده ببرودة أعصاب، فاستقال من عضوية مجلس الاتحاد. واستمر في إدارة الجلسة الانتخابية حتى انتخاب الرئيس الجديد الدكتور حسين جمعة الذي كان يرأس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، وهو ناقد أدبي له عدة مؤلفات في النقد.

اتحاد الكتّاب رقيب

لا يرحم الكتّاب

* أسس اتحاد الكتاب العرب في سورية عام 1969 بجهود كتاب كبار، منهم: صدقي إسماعيل، زكريا تامر، حافظ الجمالي، ممدوح عدوان، وعلي الجندي، وآخرون، وانتسب إليه كتاب كبار من سورية والدول العربية، مثل: عبد الوهاب البياتي، وأدونيس، وحنا مينا، وسهيل إدريس، وحسام الخطيب، ولم تكن له علاقة بالرقابة آنذاك. وكانت دورياته ومطبوعاته على قلتها تحظى بثقة القراء. وكان الهاجس الإبداعي والثقافي يحظى بالأولوية، عكس ما هو الواقع اليوم، إذ تحول الاتحاد إلى مؤسسة سلطوية مكروهة، تمارس الرقابة على الإبداع، وتعادي الكتاب الجدد، وتضع العراقيل للحيلولة دون طباعة كتبهم، أو دخولهم إلى الاتحاد، الذي يفترض أن يكون نقابة للكتاب تدافع عن حقوقهم وكرامتهم، وتوفر لهم أجواء أفضل للإبداع. يقوم الاتحاد بمراقبة الكتب الأدبية المؤلفة والمترجمة التي ترده من وزارة الإعلام للحصول على موافقة الطباعة، أو التداول، وكانت وزارة الإعلام تقوم بهذه العملية وفق معايير محددة، إلى أن تنطح اتحاد الكتاب للقيام بهذا الدور المشين. ومن المفارقة أن رقابة الاتحاد كانت على الدوام أشد وطأة على الكتاب من رقابة وزارة الإعلام. ووفق التقرير المشار إليه والصادر عن الاتحاد، بلغ مجموع الكتب الواردة إلى الاتحاد من وزارة الإعلام منذ 2000 إلى 2005 للحصول على موافقة بالطباعة أو التداول 5219 كتاباً منعت الموافقة عن1108منها.

ورث الدكتور جمعة، اتحاد كتاب معزول وشبه معطل، أداره علي عقلة عرسان بمركزية شديدة، وطبعه بطابعه حتى صار يسمى باسمه: "اتحاد علي عقلة عرسان"، ومن الصعب أن تزول آثاره بسهولة، فهل سينجح الرئيس الجديد والمكتب التنفيذي الجديد أيضاً، وفيه كتاب يتمتعون بسمعة جيدة وبعضهم شباب (نسبياً) في تفعيل الاتحاد، وإعادة الثقة إليه، وجعله أكثر انفتاحاً على الثقافة والمثقفين؟ علماً أنه من غير الضروري أن يكون رئيس نقابة الأدباء عبقرياً أو مبدعاً من الصف الأول، فالمبدعون يجب ألا ينشغلوا بالمناصب.