افتتاح أول مركز خاص في الخرطوم لتعليم الفنون ..الفنان راشد دياب يحلم وينفذ

TT

من بلاد دون كيشوت، حيث كان يعمل لسنوات، أستاذا في جامعة مدريد، عاد الفنان التشكيلي العالمي راشد دياب الى بلاده يحمل آمالا عريضة وأحلاما جميلة، بأن يرى الفنون بمسارحها وقاعاتها ومتاحفها تعمر وتحول أحزانها الطويلة وجفاف رمالها الصفراء الى أفراح وألوان تسر الناظرين، لكنه فوجئ بطواحين البيروقراطيات العتيقة المتخشبة، التي كانت أقوى من سيفه. وظل راشد دياب يهتف ويطالب أينما ذهب بدار تلم شمل الفنانين التشكيليين، وبمعهد حديث يدرس الفنون وكل ما طرأ عليها من تجديد، إلا أن صيحاته ضاعت مع أصداء كثيرة قبله، ولذا رأى أن يبدأ هو، بمجهوده وماله الخاص، ومن ريع لوحاته الشهيرة الكثيرة التي تضمها متاحف عديدة في بقاع العالم. وهكذا أقيم «مركز راشد دياب العالمي للفنون السودانية»، في الخرطوم، الذي افتتح أخيرا كأول مركز خاص في بلاده لتعليم الفنون.

والفكرة لم تكن جديدة بالنسبة لراشد دياب، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، فأثناء إقامته في اسبانيا افتتح قاعة للفنون أسماها «قاعة مدني» ـ وهي المدينة التي ولد فيها ـ لعرض الفنون السودانية أمام الشعب الاسباني بعد نيله دكتوراه في فلسفة الفنون السودانية. ويضيف قائلا «ان المركز الحديث في الخرطوم، أقيم بكلفة ثلاثة بلايين جنيه سوداني، ويهدف لرفع مقدرة الأمة على التذوق الفني والجمالي، وصون الثقافة البصرية السودانية ورعايتها».

من المدخل تبدو لمسات الفنان المدهشة لعيون تعودت الرتابة، وكما يطالب بأن تنزل الفنون الى التطبيق الفعلي، وأن يشرب الناس الفنون ويتذوقوها فى حياتهم اليومية ولا تكون حكرا على صالات العرض أو الكتيبات، فقد طبّق ما نادى به فى مركزه. بوابة المركز الضخمة الخضراء تزينها الرسومات، الحديقة الواسعة تتوزع بين أزهارها تماثيل صغيرة، الحجرات الدراسية، قاعات العرض لم تكن بالشكل الرباعي المألوف بالطلاء الأبيض، بل خماسية أو ثلاثية، وكل جدار بلون مختلف، حتى الشبابيك والأبواب والسلالم الخشبية ترى فيها لمسة الفنان. أعلى الحوائط نقوش ورسومات جميلة، والزجاج الملوّن بالسقوف يعكس أضواء متماوجة الألوان والظلال على القاعات «فالفنان التشكيلي يجب أن يرتبط بالمعمار والزي والصحيفة والكتب المدرسية والشارع والمكتب، وأن يستشار قبل الشروع في أي بناء خاص كان أو عام، بل ويجب أن يكون لكل مسؤول مستشارا ثقافيا»، كما يردد راشد دياب.

يضم المركز قاعة حرة لرعاية أصحاب المواهب من كل الأعمار، واستديو للحفر والطباعة، وآخر للتلوين والرسم، وثالث للخزف والنحت، وقاعة للمحاضرات، وأخرى لعرض الفنون التشكيلية، وقاعة لعرض الفنون الشعبية، ومكتبة للبحوث، وأماكن لسكن الفنانين المشاركين في نشاطات المركز.

لكن يأسف راشد وهو يقول: «نحن للأسف ليس لدينا متحف يخلد أحد مبدعينا، ليس هناك متحف للموسيقى مثلا به بدلة الفنان حسن عطية البيضاء أو رق سرور، وعملتنا لا توجد عليها شخصيات فكرية أو ثقافية كالطيب صالح أو المجذوب، بل التمثال الوحيد في العاصمة، للقائد البريطاني كتشنر، تمت إعادته الى بلاده لأسباب دينية متشددة، تحرّم وجود التماثيل! على الرغم من أنه يمثل حقبة تاريخية هامة».

ويعلق راشد دياب عند سؤاله عن المراكز الثقافية الأجنبية التي باتت تحتضن أعمال التشكيليين وترعاهم «نحن مستقبلون لهذه الثقافات وأكثر من يتعامل معها هم الشباب، ذلك لأن التربية الثقافية فى المدارس غير موجودة، وحتى الآن تعتبر الثقافة حكرا على أناس معينين يرتادون الندوات على الرغم من أنها شيء شعبي بسيط جدا والمفترض أن يعرفه الجميع».

جاء الافتتاح بوجود مجموعة من الفنانين التشكيليين من جنسيات مختلفة، منهم السوري يوسف عبدلكي، وكان جميلا أن ترى الفنانين التشكيليين الشباب متحلقين حوله وهو يرسم ويوجه نصائحه ويتحدث عن حياته بفرنسا ويلقي النكات، ومن السعودية نايل ملاهن، والتشكيلية بادرة الباب من لبنان وأخرى من أستراليا شاركوا مجتمعين فى ورشة للحفر، امتدت لأسبوعين وقاموا بعدها بعرض أعمالهم، في صالة المركز الذي نجح من يومه الأول، فى جمع الفنانين ونشر الفنون التشكيلية.