يهود تونس يستقبلون شالوم بالهتاف للرئيس بن علي

أعلام إسرائيل وتونس ترفرف على أرض جزيرة جربة ولكن من على متن الطائرة

TT

عندما كان العرق يتصبب من جبين قائد الأمن التونسي، المسؤول عن حراسة الوفد الإسرائيلي الكبير الى مؤتمر المعلوماتية الدولي الذي افتتح أمس في العاصمة التونسية، كان أعضاء الوفد القادم في رحلة مباشرة من تل أبيب الى مطار جزيرة جربة، وفي مقدمتهم وزير الخارجية، سيلفان شالوم، فرحين كما الطفل فرح بلعبة.

«أنا متأثر جدا جدا»، قال شالوم وهو يمسك بيد والدته مريم وينزل معها سلم الطائرة، ليسجل بذلك حدثا تاريخيا. فهذه أول مرة في تاريخ البلدين، تحط فيه طائرة إسرائيلية على أرض تونس. وليس هذا فحسب، بل انها أول مرة تنظم فيها رحلة مباشرة من تل أبيب الى تونس.

التونسيون من جهتهم وجهوا الدعوة الى إسرائيل لكي تشارك في المؤتمر الدولي المذكور، باعتباره مؤتمرا دوليا تابعا للأمم المتحدة. وهي حسب أنظمة الأمم المتحدة، ملزمة بدعوة جميع الدول الأعضاء. وبما أن الرئيس التونسي، زين الدين بن علي، أراده مؤتمر قمة، فقد وجه الدعوة الى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون. وفي حينه رحب شارون بالدعوة وأعلن انه سيستجيب لها. فأثارت موافقته هذه فزعا في الحكومة التونسية، واندلعت المظاهرات الاحتجاجية في تونس العاصمة وغيرها. فهرع التونسيون الى إسرائيل يرجونها أن تتنازل عن مشاركة شارون وأن تستعيض عنها بوفد أقل مستوى من رئيس الوزراء. وأكدت أن هذا الموقف لا ينجم عن عداء لشخص شارون وأنه ليس تراجعا عن الدعوة الرسمية، وإنما مصلحة الطرفين والعلاقات المستقبلية بينهما تقتضي ألا يأتي شارون. وبعد شيء من التردد، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن لا يحضر. لكن التونسيين لم يكتفوا بالوعد الكلامي وطلبوا رسالة رسمية من شارون يؤكد فيها الأمر. وبالفعل، صدرت هذه الرسالة، وفيها يبلغ الرئيس بن علي انه قرر عدم الحضور «بسبب عدة مشاغل» وانه قرر إرسال وفد رفيع برئاسة وزير الخارجية شالوم ووزيرة الاتصالات، داليا ايتسيك.

وجاء هذا التغيير لصالح شالوم بالذات، وهو تونسي المولد. وطلب ان يضفي الطابع العاطفي الإنساني على الزيارة، فطلب أن يسمح لوالدته التونسية أن ترافقه، وأخذها معه بالفعل. ورافقه وفد ضخم من رجال الأعمال ورؤساء المجالس البلدية والصحافيين والموظفين الذين، بالإضافة الى رجال الأمن الكثيرين، بلغ عددهم ما يزيد على المائتين. منذ لحظة الصعود الى الطائرة في مطار اللد، قرب تل أبيب، بدا التأثر واضحا لدى الجميع، خصوصا الوزير وزوجته ووالدته. وصاحت الوزيرة ايتسيك، وهي من أصل عراقي، من فرط تأثرها متسائلة: متى سيتاح لنا أن نهبط في مطار بغداد. ويعتبر شالوم هذه الزيارة بمثابة خطوة أخرى في بنيان إنجازاته الكبرى في فتح أبواب العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية. ومعه حق في ذلك، إذ انه نجح فعلا في إقامة علاقات واسعة. لكنه غير راض عن مستوى العلاقات وصار يلمح الى ان هناك علاقات سرية كثيرة ويهدد بكشفها ويحاول تجنيد الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي من أجل المساعدة في كشفها.

وعندما خرج شالوم من كابينته الى الصحافيين المرافقين له، البالغ عددهم ثلاثين، قال انه مقتنع تماما بأن مثل هذه العلاقات تدفع باتجاه تحسين العلاقات مع الفلسطينيين، ورفض النظرية التي تقول الأمر بشكل معكوس، أي أن على إسرائيل أن تغير وتحسن سياستها مع الفلسطينيين حتى تفتح لها أبواب العالم العربي. وكشف انه سوف يلتقي في تونس، خلال المؤتمر، عددا من كبار المسؤولين والقادة العرب مثل رئيس موريتانيا ورئيس وزراء المغرب ومسؤولين تونسيين ربما يكون بينهم الرئيس التونسي وغيرهم. وحطت الطائرة في مطار جزيرة جربة في البداية، وكان في استقبالها تمثيل حكومي أكثر من متواضع، تمثل بنائب محافظ منطقة مدنين، التي تضم هذه الجزيرة. تونس الرسمية قدمت تسهيلات كبيرة للوفد وتعاونت مع رجال الأمن الإسرائيليين وتجاوبت مع كل مطالبهم لتأمبن حراسة الوزير وحاشيته، لكنها لم تخرج عن طورها لاستقباله. فقد تعمدت التواضع الشديد في كل مظاهر الاستقبال الرسمي. فالمسؤولون غابوا ببساطة عن الحدث. لم ترفع حتى الأعلام في المطار. لكن الوفد الإسرائيلي كان جاهزا لسد هذا «النقص». فارتفع العلمان الإسرائيلي والتونسي معا من شباك الطائرة وهي تهبط في هذا المطار وفي مطار تونس العاصمة لاحقا. ولم يكن اختيار شالوم لهذا المكان صدفة، فهو يعرف بلده الثاني جيدا، وقد أراد تأكيد جانب يهودي للزيارة. ففي هذه الجزيرة يعيش أكثر من نصف اليهود الباقين في تونس (850 شخصا). ويوجد فيها أيضا أقدم كنيس يهودي في العالم، الذي بني في سنة 586 قبل الميلاد، وهي نفس السنة التي هدم فيها الهيكل اليهودي الأول في القدس حسب الاعتقاد اليهودي. وهذا هو أحد الدلائل على ان اليهود لم يصلوا الى تونس هربا كما هو حال يهود المغرب الذين فروا اليها من اسبانيا بعد سقوط الأندلس. وعلاقاتهم بالمسلمين فيها، كانت مميزة، كما يبدو بفضل هذه الحقيقة، على مر التاريخ.

ويشهد اليهود الذين التقيناهم على ذلك ويشيدون بالرئيس السابق الحبيب بورقيبة الذي كان أول زعيم عربي يدعو الى الاعتراف باسرائيل (عام 1966) وانه حاول الحفاظ على اليهود في بلاده، لكنهم أشادوا أكثر بعهد الرئيس بن علي. وأشاروا بشكل خاص الى معالجته الصارمة لأصحاب العملية التفجيرية التي وقعت في الكنيس المذكور في يونيو (حزيران) سنة 2002 والإجراءات الحازمة التي اتخذها منذ ذلك الحين لحماية الكنيس واليهود من حوله. وخطب فيهم شالوم في الكنيس، فقال انه متأثر للغاية من هذه الفرصة التي اتيحت له ولعائلته لزيارة تونس وأهلها وانه بشعر بالفخر والاعتزاز بشكل خاص كونه يعود الى تونس اليوم وهو وزير خارجية دولة اليهود. إلا ان يهود تونس الذين سمعوه ردوا بالهتاف لحياة الرئيس بن علي. فمن جهتهم، هو الذي سمح بهذه الزيارة.