كثيرا ما نسمع الجدات والأجداد يرددون «كنا نلبس مثل هذا الثوب أو الفستان، لكن كان الموديل أبسط من هذا أو أقصر»، أو «إنها موضة قديمة تعود للستينات ولبسناها سابقا والتغييرات التي طرأت عليها بسيطة». وهذا صحيح في غالب الأحيان، لأن الموضة تدور حول نفسها، وما إبداعات المصممين الشباب في كل مكان ما هي إلا استقاء من الماضي ومن أرشيف زمان، لكن الجديد هو ان عودة اية موضة قديمة تراعي ان تتزين بحلة عصرية، إلى جانب مراعاتها للتغييرات التي تطرأ على المجتمع والذوق، والتطورات الثقافية لكل منطقة حتى تلقى قبولا شعبيا وتحقق نجاحا تجاريا في الوقت ذاته. وقد يكون الفضل في عودة موضة قديمة، مجرد فكرة تداعب مخيلة المصمم، أو ظهور شخصية مشهورة تحن إلى الماضي وتقدر جمالياته بزي قديم.
وهذا ما حصل للزي الشعبي السعودي الدقلة، التي أعادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله آل سعود إلى الواجهة، عندما لبسها في احد الاحتفالات الوطنية وتلاه بعد ذلك الفنانون وعلى رأسهم محمد عبده.
والدقلة بكسر الدال أو فتحها، هي بمثابة معطف طويل long coat، كان أهل الجزيرة العربية يلبسونها وقاية من برد الشتاء الصحراوي القارس. ويعرفها المصمم السعودي سراج سند، الذي تخصص في تصميم أزياء الرجل السعودي والنجوم من المطربين ولاعبي الكرة، بالقول انها: «مصطلح شعبي غير موجود في القاموس العربي، وقد بحثت عن مسماه كثيرا، لكني لم أجده»، ويضيف: «انها كانت قديما عبارة عن قطعة واحدة من القماش المطبوع الهندي وعادة ما تكون من قماش القطن أو الصوف وأحيانا الجلد أوالفرو وتلبس من فوق الثوب. ويعود تاريخ الدقلة إلى القدم إلى حد انها باتت تعتبر موروثا شعبيا اجتماعيا، بيد انها اختفت فجأة لتعود قبل سبع سنوات، حينما لبسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله آل سعود عندما كان وليا للعهد. فكما هو معروف فإن الملك عبد الله محب للتراث، وقد لبسها ذات مرة في احدى الحفلات الشعبية ومنذ ذلك الحين عادت موضتها».
غير ان الجديد فيها انها جاءت عصرية بتصميمات جديدة، خصوصا انها مرت بسلسلة من التجارب على يد المصممين السعوديين، وعلى رأسهم يحيى البشري وسراج سند وأخيرا المصممة حنان مدني وغيرهم من المصممين. بدايتها كانت بقماش المشلح الخفيف الذي يظهر ما تحته، الذي سرعان ما تجاوزه البعض مثل سند، وظل آخرون مخلصين له مثل حنان مدني، التي ما زالت تصممه وتخيطه للزبائن الذين يرغبون في ذلك، اضافة إلى استخدامها أقمشة أخرى مثل القطن والكتان، بل وحتى الجينز، حيث ألبست السعودي الدقلة من فوق بنطلون الجينز، و«التي شيرت»، وجمعت بين الدقلة في تصميمها التقليدي، خاصة في الياقة، والمعطف الأوروبي في بساطته، واستخدمت الخيوط القطنية والألوان المرحة، إضافة الى تزيينها بنقوشات هندسية وورود وريش الطاووس والشعب المرجانية، وأضافت أحيانا بعض الأحجار الكريمة لمن يفضل الفخامة.
تقول مدني عن فكرتها في تطوير الدقلة وادخال قماش الجينز: «الدقلة كما هي معروفة، مكلفة نظرا لتطريزاتها المقصبة والغنية، وما زالت الاسلوب المفضل في أهم المناسبات مثل الأعراس. وعندما أدخلت الجينز عليها في مجموعتي الأخيرة التي عرضتها بعاصمة الموضة الإيطالية روما، أردت أن أخرجها من إطارها الرسمي وأدخلها جميع المناسبات، بحيث يمكن ان تستعمل في كل الأوقات بدلا من حصرها في مناسبات المساء والسهرة». ولا شك ان هذه الإضافات تجعل دقلة زمان مختلفة ومواكبة للعصر. فبعد ان كانت تأتي في الغالب بلون واحد، وخالية من أية نقوشات وزخارف، حتى انها قاربت في ذلك جفاف الصحراء وبأقمشة اقرب إلى الخشونة، تصالحت فيها اليوم الخيوط المقصبة باللون الذهبي أو الفضي النقوشات التي تعطي إحساسا بالمرح والانتعاش، وخاماتها المتنوعة. ويعلق هنا سند متحدثا عن تجربته في تطوير أسلوب الدقلة من حيث التصميم قائلا:«ادخلت الخط العربي في تصميمي بكتابة الشعر أو اسم صاحب الدقلة، فأنا عاشق للخط العربي، وأشرف على تنفيذها بنفسي بدءًا من أول خطوة وهي الجلوس مع صاحبها إلى اختيار نوعية القماش ولونه ولون الخيوط إضافة إلى كتابة الخط بنفسي».
ومن المعروف في السعودية وبقية دول الخليج أن العريس في حفلة زفافه يرتدي المشلح الأسود أو السكري، إلا أن الكثير، خاصة من الحجازيين، يفضلون اليوم ارتداء الدقلة عن المشلح، خاصة ذات اللون السكري المطرزة بالخيوط المقصبة الذهبية، التي يتخللها اللون الفضي. كما أن أكثرهم يفضل كتابة اسمه واسم العروس بطريقة مزخرفة على الدقلة، إلا أنه أحيانا بحكم طبيعة المنطقة وثقافتها كما يقول سند: «يفضل بعضهم كتابة اسمهم فقط ويتحفظون بكتابة أسماء زوجاتهم ويرونها عيبا».
ولا يكتفي العريس فقط بلبس الدقلة، بل يشاركه في ذلك اخوانه أو اصدقاؤه، كذلك اخوان العروس، شريطة أن تكون أكثر بساطة وأقل كلفة، مقارنة بدقلة العريس التي تكون مكلفة، إذ قد يصل سعرها إلى 20 ألف ريال، وهذا يعتمد حسب تفسير سند «إلى نوعية القماش والزخارف المطلوبة، فهناك من يفضلها مليئة بالنقوش والزخارف من الأمام والخلف، وهناك من يريد الحروف بارزة وسميكة، وهذه الطريقة متعبة جدا مما ينعكس على كلفتها وسعرها».
الجديد ايضا ان الدقلة لم تعد حكرا على الرجل، فقد أغرت بجمالها وعمليتها المرأة، خصوصا المحجبة، التي وجدت فيها مخرجا أنيقا لها عندما تسافر إلى الخارج، حسب قول حنان مدني: «كانت المحجبة في السعودية ترتدي العباءة السوداء، لكنها كانت تقع في حيرة عندما تسافر إلى الخارج، ومن هنا بدأت تستبدل العباءة السوداء بالدقلة التي يمكنها ان تلبسها فوق اي زي، حتى لو كان بنطلون الجينز، لكن لا بد من الإشارة إلى انها تختلف عن دقلة الرجل، بكونها واسعة من أسفل كما ان تطريزاتها تكون خفيفة وألوانها هادئة».