صناعة السيارات الأميركية تستقبل عاما مثقلا بتحديات المنتجين اليابانيين والأوروبيين

بعد أن دخل عامل استهلاك الوقود دائرة اهتمامات المستهلك الأميركي

TT

عام 2005 كان عاما استثنائيا بالنسبة لصناعة السيارات، عاما يصح ان يقال فيه انه عام اعادة النظر بقواعد انتاج السيارة الاميركية في ضوء المنافسة الاجنبية المتزايدة والارتفاع الحاد في اسعار النفط. ويعتقد بعض المحللين الاقتصاديين إن عام 2006 سيكون حاسما بالنسبة لشركات السيارات الأميركية فإما تخرج من كبوتها أو تسقط بشكل كارثي.

ورغم ان ازمة قطاع السيارات الاميركي ظهرت بوضوح عام 2005، فان جذورها تعود الى بضع سنوات خلت، فحصة جنرال موتورز وفورد من سوق السيارات في الولايات المتحدة تسجل تراجعا مطردا منذ سنوات أزمة الطاقة في السبعينيات. وفي نوفمبر (تشرين الثانى) الماضي تراجعت مبيعات جنرال موتورز بنسبة 7.4 في المائة عن الشهر نفسه من العام الماضي في حين أعلنت فورد تراجع مبيعاتها خلال الفترة نفسها بنسبة 15 في المائة فيما اتجه أغلب المشترين الاميركيين إلى اقتناء السيارات اليابانية وخصوصا سيارات تويوتا الاقل استهلاكا للوقود الامر الذي رفع مبيعات تويوتا في السوق الاميركية، خلال الشهر المذكور، بنسبة 10 في المائة فيما ارتفعت مبيعات هوندا اليابانية، خلال نفس الفترة،بنسبة 11 في المائة.

وبدلا من التفكير في البدء باعادة هيكلة انتاجها وإغلاق المصانع غير الاساسية وبالتالي خفض العمالة، خاضت شركات السيارات الأميركية الثلاث الكبيرة، جنرال موتورز وفورد وديملر كرايسلر، حرب أسعار ضارية خلال الصيف الماضي لتصريف السيارات المتراكمة لديها.

ولكن هذه المحاولة فشلت واستمر تراجع المبيعات مع تضخم النفقات وازدياد الخسائر لتنتهي صناعة السيارات الأميركية العام الحالي وهي في «مهب الريح».

ولكن إذا كانت جنرال موتورز، أكبر منتج للسيارات في العالم، وفورد موتور، ثالث أكبر منتج في العالم، وكرايسلر، المملوكة لمجموعة ديملر كرايسلر الالمانية الأميركية، واجهت العام الماضي مشاكل تسويقية فالبعض منها لا يعود اليها بقدر ما يعود الى تبدل في المعطيات الاقتصادية الدولية وفي مقدمتها ضغوط الإرتفاع الحاد في أسعار الوقود في وقت كان التراجع المتواصل في حجم مبيعاتها يجعلها «مكشوفة» ماديا حيال اعباء مخصصات التقاعد وتكاليف الرعاية الصحية المتزايدة للعمال والمتقاعدين. وكأن هذه العوامل الضاغطة لم تكن كافية لدفع الثلاثة الكبار الى اعادة هيكلة أوضاعها، أضافت المنافسة المتمثلة بالسيارات المستوردة من وراء البحار، وبخاصة اليابانية والاوروبية، الى الاعباء المالية تحديا جديدا لم يكن واردا من قبل: حساسية المستهلك الأميركي المتنامية لاستهلاك السيارات الاميركية من الوقود المرتفع مقارنة باستهلاك السيارات اليابانية والاوروبية.

ولأن الاعباء تجر الاعباء عادة، شهد النصف الثاني من العام 2005 ارتفاعا ملحوظا في قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية الاخرى مثل اليورو والين الياباني مما قلص من القدرة التنافسية للسيارات الأميركية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، رغم أن صناعة السيارات الأميركية لم تتمكن من الاستفادة من تراجع قيمة الدولار خلال الفترة السابقة.

وفي هذه الظروف الصعبة، جاء تدهور التصنيف الائتماني لكل من جنرال موتورز وفورد إلى «عالي المخاطر» ليزيد من متاعبهما على صعيد قدرتهما على الحصول على قروض أو تسهيلات مصرفية في المستقبل، وجعلهما مضطرتان لدفع فوائد عالية لنيل هذه القروض.

الا ان تراكم التحديات لم يجعل الشركات الاميركية تسلم بالضغوط المتعددة عليها، فبدأت باتخاذ إجراءات للحدّ من خسائرها والتمهيد للعودة الى الربحية. وفي هذا السياق كانت جنرال موتورز الاكثر عزما على الاحتفاظ بموقع الصدارة بين منتجي السيارات في العالم، رغم التقدم الذي احرزته شركة تويوتا اليابانية في مجال منافستها على هذا الموقع، فبدأت بطرح مجموعة من الطرز الجديدة لانعاش المبيعات، من جهة، وبتسريح عشرات الآلاف من عمال مصانعها في أميركا الشمالية لتخفيف اعبائها المالية، من جهة ثانية.

وفي ضوء اعادة الهيكلة التي تقومان بها حاليا، تعتزم جنرال موتورز الاستغناء عن 30 ألف عامل من مصانعها في أميركا الشمالية في حين تعتزم فورد الاستغناء عما يتراوح بين 25 و30 ألف عامل.

وعلى صعيد هذه الاعباء المالية، تشكل مخصصات التقاعد كابوسا مزعجا بالنسبة لشركات السيارات الأميركية الكبيرة فجنرال موتورز، على سبيل المثال، تتحمل مخصصات 50 متقاعدا مقابل كل 20 عاملا في الخدمة الفعلية وتضطر لان تجبي من كل مشتر لسياراتها مبلغا إضافيا مقداره 1534دولارا لتغطية انفاقها المتصاعد على التقديمات الاجتماعية والصحية لعمالها وموظفيها. ومنذ إعلان إفلاس شركة ديلفي الأميركية، أكبر منتج لمكونات السيارات قبل شهور، ترددت شائعات عن احتمال لجوء جنرال موتورز وفورد الى القضاء لاجبار النقابات العمالية الأميركية على تقديم تنازلات بشأن الاجور والامتيازات الاخرى التي لم يعد في مقدور الشركتين تحملها، حتى ان البعض توقع ان تلجأ الشركتان إلى إشهار افلاسهما كوسيلة للتهرب من هذه الاعباء.

ولكن توظيف الشركات الاميركية، وخصوصا جنرال موتورز، في المستقبل ـ عبر مواصلة تطويرها للسيارة الهجين او العاملة بخلايا الوقود ـ يوحي بان اعباء اليوم قد تكون «الضارة النافعة» في اعادة هيكلة قطاع السيارات الاميركي واستعادته لعافيته.