رأيان كلاهما على حق حول تقويم «أم القرى» .. الأول تحدث من موقع مسؤوليته والآخر عن واقع ملموس

TT

وقفت على تقرير حول مسائل فلكية شرعية بعنوان «جدل في السعودية بين علماء دين على صحة تقويم أم القرى»، منشور بجريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ الجمعة 26 رمضان 1426هـ الموافق 28 اكتوبر (تشرين الاول) 2005. ان ما قاله كلا الرأيين صحيح، فصاحباهما مرجعان في الفتوى والقضاء، الاول تكلم من منظوره وموقع مسؤوليته عما يحدثه مثل هذا المقال عند العامة من البلبلة وعدم الوثوق في هذا التقويم الذي اعتمدته الدولة لهذا الغرض، وبالتالي عدم الوثوق في واضعيه وهلم جرا.

فيما تحدث الثاني عن واقع ملموس، وقد تلخص كلامه في الامور التالية:

1 ـ وقت صلاة الفجر. 2 ـ وضع وقت صلاة الظهر في نفس وقت النهى. 3 ـ خروج وقت صلاة المغرب قبل صلاة العشاء. 4 ـ كون صلاة المغرب لا يؤذن لها إلا بعد غياب الشمس بسبع دقائق. 5 ـ عدم تمييز واضع التقويم بين الفجر الكاذب والصادق 6 ـ التدليل على وجود هذا الخطأ. 7 ـ انتقاده على المدافعين عن التقويم بما يثبت من نقدهم عدم اعتبار الحساب الفلكي فيما يخص ولادة الهلال ونحوه من المسائل الفلكية المعتمدة عند علماء الهيئة.

بداية اقول لا اكتب ما أكتبه هنا ردا على أحد من أهل العلم والفضل أو تطاولا على اولئك الجبال في الحق والبحار في العلم والهادين الى صراط الله العزيز الحميد وما أنا إلا حسنة من حسناتهم. ولكني اكتب موضحا بعض الحقائق والتصورات التي يحسن ان تنتهج وباذلا نفسي ووقتي وخبرتي الفلكية ومباحثي لكل من طلبها وما ابرئ نفسي.

فأقول: ان التوقيت نوعان شرعي وعرفي فلكي، وكل منهما زماني ومكاني والكلام هنا عن التوقيت الشرعي. فالتوقيت الشرعي هو ما ثبت بالشرع على لسان صاحب الشريعة المطهرة محمد صلى الله عليه وسلم. ففي التوقيت الزماني وقت للصيام والحج والصلوات، وهذا التوقيت توقيفي لا يجوز تغييره من قبل احد او المساس به. وتفصيل ذلك في كتب الفقه. وهناك توقيت شرعي يعتمد على الفلك فلا بد من ان يشترك فيه علماء الشريعة والفلك، فعلماء الشريعة مراقبون فيه على علماء الفلك ليكون ما وضعوه في التقويم والتوقيت موافقا لأحكام الشريعة السمحة وفق ما ثبتت في التوقيت الشرعي التوقيفي. وفائدة التوقيت الفلكي هو فقط وضع جداول زمنية يمشي عليها الناس في حجهم وصيامهم وصلاتهم وتاريخ ميلادهم ووفياتهم ومعرفة اعيادهم وجمعهم والآجال المضروبة بينهم الى غير ذلك مما يعسر حصره لمرتجل. فالعبرة عند علماء الشريعة في ثبوت يوم عرفة هي رؤية الهلال، فان لم ير فبإكمال شهر ذي القعدة ثلاثين يوما.

وما ثبت به يوم عرفة يثبت به اول يوم من رمضان يوم الوقوف، فالتوقيت التوقيفي في هذه المسألة كون يوم تسعة من ذي الحجة وكون الصيام في اليوم الاول من رمضان، وعليه فلا يجوز لأحد تقديم يوم ولا تأخيره أو المساس به أو التعرض له.

أما ثبوت الهلال وعدم ثبوته وإمكان رؤيته وعدمها واكمال الشهر ثلاثين جبرا له او لثبوت غيره، فهي مسألة شرعية فلكية وفلكية اي يشترك فيها الطرفان كما اسلفنا. وتأسيسا على ما تقدم، فالتوقيت الشرعي قد اتاحته الشريعة الغراء للجميع؛ الخاص والعام والبدوي والحضري. الا ان الحضري اليوم ليس بوسعه مراقبة الهلال ولا تبيان الفجر الصادق من الكاذب لأمرين، الاول مشاغله الوظيفية والثاني عدم تمكنه من ذلك للاضواء الباهرة في المدن الامر الذي لا يمكن معه رؤية شيء مما ذكر.

وبناء عليه فهو محتاج الى توقيت وتقويم موثق يعتمد عليه في حياته اليومية لدينه ودنياه وهو احتياج الغالبية اليوم حتى سكان البادية. قد يسأل سائل: وما هو التوقيت المكاني الذي ذكرته؟ فاقول: التوقيت المكاني اعني به اختلاف المطالع او ما يعرف اليوم بفارق التوقيت بين كل قطر وبلد وهناك توقيت مكاني وضع لدخول الحاج والمعتمر الى مكة المكرمة ولا صلة له ببحثنا. وتأسيسا على ما تقدم ارى ان تجتمع لجنة بحث وتحر لرصد تلك الاوقات تشمل وقت الفجر والظهر والمغرب التي هي محل نزاع، وكذلك دخول اوائل الشهور القمرية وخروجها وعدم الاعتماد على الرصد الفلكي البحت المعتمد على جهاز الحاسب الآلي والذي يثبت دخول الهلال بالولادة لا بالرؤية، وكذا اعادة النظر في التقويم الخاص بالاوقات.

وما ذكره أصحاب الرأي الثاني بخصوص تقدم وقت صلاة الفجر بنحو 20 دقيقة اي بزيادة خمس درجات صحيح من الناحية الفلكية واليكم البرهان. توقيت الفجر والظهر بالذات ينقسم الى ثلاثة اقسام. الاول: توقيت الشتاء والثاني توقيت الصيف والثالث توقيت الاعتدال الربيعي والخريفي. ولنأخذ بتوقيت الاعتدال لتساوي الليل فيه والنهار، ولك في هذا التقسيم طريقان: 1 ـ ثبوت الفجر بالتوقيت الغروبي او التوقيت الزوالي وكلاهما في التقسيم سواء ومعلوم ان اليوم الفكي 24 ساعة نصفها لليل ونصفها للنهار في حال الاعتدال ومن اجل اثبات وقت الفجر نقسم ساعات الليل اسداسا (أي على ستة) فيه ساعتان كل ساعتين بسدس والذي يهمنا هو السدس الاخير وساعتان، كما والساعتان 30 درجة، 15 منها وقت السحر ويدخل في آخرها وقت الفجر الكاذب بالذات الدرجة 13 و 14 و 15 التي هي محل النزاع وهو اعتراض في محله، والخمسة عشر درجة المتبقية اي الساعة الاخيرة من النصف الاخير من السدس الاخير الدرجة الاولى وبالذات الدقيقة الاولى منها هو اول الفجر الصادق وهي الدرجة التي تلي الافق الاعلى ثم تقسم هذه الدرجات على النحو التالي: الخمس الاولى وقت الغلس والخمس الوسطى وقت انبلاج الصبح والخمس الاخيرة وقت الاصفرار وبعدها تظهر درجة النهار الاولى وقت طلوع الشمس. أما التوقيت الشتوي فساعات ليله 13 تقسم بحسب الزيادة والتوقيت الصيفي ساعات ليله 11 ساعة تقسم بحسب النقصان، هذا مع مراعاة البينية للفصول أي الفارق بين كل فصل وفصل زيادة ونقصانا.

* باحث فلكي في السعودية