فضل الله: شيعة لبنان ليسوا عملاء سورية وإيران والاستخبارات الدولية والإقليمية تلعب بالواقع العراقي

أكد لـ«الشرق الاوسط» أنه غير خائف من فتنة بين المسلمين

TT

قال المرجع الشيعي اللبناني، الشيخ محمد حسين فضل الله لـ«الشرق الاوسط» ان الشيعة في لبنان «ليسوا عملاء لسورية او ايران لكنهم يلتقون مع الدولتين في الموقف السياسي»، مشدداً على انهم يرفضون ان تحكمهم سورية او ايران.

وفي حديث تمحور حول الوضع الشيعي في لبنان والعراق، اكد فضل الله انه غير خائف من فتنة سنية ـ شيعية في لبنان او العراق، متهماً الاستخبارات «الدولية والاقليمية» بالعمل على ملف اثارة الوضع العراقي. وفي ما يأتي نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» في بيروت:

* لقد وضعت الاحداث الاخيرة شيعة لبنان في قفص الاتهام بالعمالة لسورية وإيران وتنفيذ أجندة «غير لبنانية؟» ـ الشيعة في لبنان لا يفكرون ببلد آخر، فهو وطنهم الاول والاخير. ولم يفكر الشيعة منذ كانوا وحتى اليوم، سواء كانوا في موقع القوة او الضعف، بتأسيس دولة شيعية، او حتى دولة اسلامية، لانهم يعرفون ان طبيعة لبنان هي طبيعة هذا التنوع الديني والمذهبي والسياسي وانه نافذة الشرق على الغرب ونافذة الغرب على الشرق. ان الشيعة في لبنان ليس لديهم مشروع خاص، مشروعهم ان يعيشوا في لبنان بصفتهم مواطنين يملكون حق المواطنة... الشيعة ـ بشكل عام ـ لم يدخلوا في الحروب الداخلية، بل كان كل توجههم من خلال المقاومة الى مواجهة الاحتلال وتقديم الشهداء في معركة لبنان مع المحتل في هذا المجال.

ان الشيعة لا يفكرون ان تحكمهم سورية، تماماً كما ان السوريين لا يفكرون ان يحكمهم اي بلد عربي او غير عربي. والشيعة لا يفكرون ان تحكمهم ايران، لكن من الطبيعي جداً ان الشيعة عندما يطرحون بعض العناوين حول ما يفكرون به سياسياً على مستوى الأمة، كقضايا الصراع مع اسرائيل، فانهم ينفتحون على كل مساعدة تلتقي معهم في هذا الاطار. ولهذا كانت علاقتهم بسورية او ايران هي علاقة الفريق الذي تلتقي سياسته مع سياسة هذا البلد او ذاك. الشيعة ليسوا عملاء لسورية وليسوا عملاء لايران، ولا يقبلون ان تتعسف سورية في الوضع اللبناني او تتعسف ايران او اي بلد آخر في الوضع اللبناني. لهذا، فالمسألة، ليست مسألة ان الشيعة هم عملاء لهذا البلد او ذاك. انني استطيع ان اتكلم من موقع المعلومات، ان عمليات المقاومة لم تنطلق في اي حال من الحالات من تعليمات سورية او ايرانية بالقيام بعملية في هذا اليوم او ذاك، بل كانت تخضع للجانب الفني وبما يخطط له الخبراء في المعركة.

* لكن بعض السياسيين اللبنانيين ذهب الى حد التصريح بان الشيعة اصبحوا خارج الاجماع الوطني؟

ـ ليس هناك مشروع في لبنان يمثل اجماعاً وطنياً. إن المسألة هي أن هناك طوائف في لبنان ولكل طائفة استقلالها الخاص وقضاياها الخاصة. لذلك ليس هناك حالة وطنية في لبنان بفعل النظام الطائفي والذهنية الطائفية. ان الشيعة هم الجهة التي تحملت مسؤولية تحرير لبنان. اننا لو اردنا ان نقارن بين حالة الاستقلال (اللبناني) التي حصلت في الاربعينات وحالة التحرير التي قام بها المسلمون الشيعة عبر المقاومة، فاننا نرى ان الاستقلال انطلق من هذا، في هذا الموضوع.

ومن جهة ثانية، فاننا عندما ندرس الواقع الشيعي في لبنان نراه واقعاً منفتحاً، ففي الانتخابات النيابية الاخيرة، ساهم الشيعة في اعطاء الاكثرية لما يسمى الآن «الاكثرية النيابية» من خلال تحالفهم مع بعض التيارات، سواء الدرزية او السنية او المسيحية. هل يمثل اللقاء الذي حصل بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر (المؤيد للعماد ميشال عون) انعزالاً عن الواقع اللبناني؟ الشيعة دخلوا الواقع اللبناني من بابه الواسع، ولا يزالون يتحركون على اساس الحوار.

* سميت فترة ما بعد اتفاق الطائف فترة هيمنة «الشيعية السياسية» التي اتت بعد هيمنة «المارونية السياسية»، فهل انتهت هذه الفترة ايضاً؟

ـ لا اتصور ان هناك شيئاً اسمه «شيعية سياسية»، فعندما ندرس واقع الشيعة، نجد انهم اقل الطوائف من الموظفين سواء على مستوى الوظائف الكبرى او الصغرى، وبالاخص الشيعة الذين ينتمون الى «حزب الله». ان «حزب الله» لم يحصل على اي موقع في اي وظيفة من وظائف الدولة.

ان الشيعة هم فريق قوي من خلال طبيعة وجودهم في المجلس النيابي او من الناحية العددية، لكنهم لم يحصلوا على مواقع مؤثرة بحيث يستطيعون ان يسيطروا على القرار اللبناني. حتى في زمن السيطرة السورية، لم يستفد الشيعة من سورية بالمستوى الذي يجعلهم طائفة مميزة تفرض آراءها على الواقع اللبناني.

* هل تخشون وجود من يعمل على فتنة بين السنة والشيعة في لبنان؟

ـ أعتقد ان الرهان على وجود حركة بين السنة والشيعة بالطريقة السلبية غير ناجح، لاننا نلاحظ عمقاً في علاقات السنة والشيعة، واعتقد ان الزيجات المتبادلة بين الشيعة والسنة كثيرة حتى انك لا تكاد تجد عائلة من السنة او الشيعة الا وهي تصاهر عائلة من الشيعة او السنة. ولهذا اعتقد ان محاولة ايجاد هوة بين السنة والشيعة هو رهان خاسر.

* لماذا يتحول الاختلاف المذهبي الى خلاف سياسي، وبماذا تبرر الواقع الشيعي ـ السني في العراق؟

ـ من الطبيعي جداً أن أية تعددية ـ خصوصاً تلك المتصلة بالجانب الديني ـ وسواء كانت تعددية دينية كالإسلام والمسيحية، أو كانت تعددية مذهبية كما هي الحال بين السنة والشيعة، لا بد ان تخلق نوعاً من الحساسية الشعورية وبعض الحالات الثقافية التي قد تؤدي الى بعض المشاكل والعقد النفسية. لكنها لم تصل الى مرحلة ان يقتل هذا ذاك، لا على المستوى المسيحي ولا على المستوى الاسلامي، الا اذا دخلت الأجواء السياسية في الاستفادة من نقاط الضعف هنا وهناك. وهذا ما لاحظناه في لبنان الذي عاش التعددية الدينية والمذهبية فلم يحصل ان مسلما قتل مسيحيا، او ان شيعيا او سنيا قتل سنيا او شيعيا لمجرد الاختلاف المذهبي، لكن عندما دخلت اللعبة السياسية التي صارت تتغذى من سلبيات داخلية وخارجية كانت الحرب التي قتل فيها المسيحيون والمسلمون بعضهم البعض وقتل فيها السنة والشيعة بعضهم البعض والشيعة بعضهم البعض والسنة بعضهم البعض.

لذلك عندما ندرس العراق، نجد انه لم يحدث في التاريخ العراقي المنظور اعتداء لهذه الطائفة على تلك. إن ما يحدث في العراق الآن ليس مسألة ان السنة يستحلون دماء الشيعة او العكس، لكن الاحتلال الاميركي في العراق حاول ان يلعب على بعض نقاط الضعف ـ بالاضافة الى التكفيريين الذين يستحلون دماء الشيعة ـ كما يستحلون دماء السنة الذين لا يتفقون معهم في بعض الخطوط السياسية او حتى المذهبية. اعتقد ان المسألة العراقية هي جزء من مسألة الارهاب التكفيري الذي تمثله هذه الجماعات والتي دخلت فيها الاستخبارات الدولية والاقليمية. ونحن نلاحظ انه عندما تحدث بعض المجازر التي يقوم بها التكفيريون ضد الشيعة، يستنكر الكثير من علماء السنة ذلك ويعتبرونه غير شرعي. كما ان علماء الشيعة يقومون بالمثل عندما تحدث ردود فعل ـ كما حصل عند تفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري.

* ما هو الحكم الشرعي في الهجمات التي استهدفت المساجد السنية في العراق؟

ـ نحن نقول إنه ليس هناك مساجد سنية او شيعية. وان هذا النوع من التصنيف يبتعد عن النظرة الاسلامية للمسجد فهو لله سواء كان يؤمه المسلمون من اهل السنة او الشيعة. وأنا في فتاويّ للمسلمين الشيعة ادعوهم الى أن يصلوا في مساجد السنة وان يشاركوهم في صلاة الجمعة والجماعة، لاننا نريد للمساجد ان تمثل وحدة المسلمين. ان الاعتداء على المسجد هو خيانة للاسلام واعتداء عليه وعلى المسسلمين وهو معصية كبيرة.