«الشميسي القديم» .. أعرق شوارع الرياض مازال ينبض بالحياة

مواكب القادة اخترقته.. وعمليات جراحية تجرى على أرصفته

TT

ما زال شارع الشميسي القديم «الامام محمد بن سعود» ينبض بالحياة رغم مضي عدة عقود على افتتاحه، وظل الشارع الذي يعد الاقدم والأعرق في العاصمة السعودية يحتضن ذات النشاط الذي اشتهر به منذ نصف قرن وكأن هناك قصة عشق بين هذا النشاط وبين الشارع.

يمتد الشارع من جهة الغرب الى الشرق ابتداء من شارع الامام عبد العزيز بن محمد وشارع عسير ثم يتقاطع مع كل من طريق الملك فهد وشارع العطايف لينتهي في امتداد جهة الشرق بشارع طارق بن زياد بانحراف الى جهة الجنوب حيث منطقة الديرة والاسواق ومقر قصر الحكم وقصر المصمك والجامع الكبير «جامع الامام تركي بن عبد الله»، في حين يحمل الشارع بامتداده جهة الغرب مسمى شارع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث يقع في اوله مستشفى الولادة والعيادات الخارجية لمجمع الرياض الطبي المعروف بمستشفى الشميسي الذي انشأه الملك سعود قبل اكثر من نصف قرن.

في ناصية الشارع اليمنى للقادم من جهة الغرب هناك بقايا عيادات الحرس الوطني الطبية ممثلة بالمباني التي كانت تحتضنها وتم هجرها، وبعدها بأمتار يبدأ الشارع بالانحدار في ما يعرف بطلعة الشميسي «الطلعة مرتفع في أرض مستوية»، هذه الطلعة كان سائقو المركبات القاطنون حولها يوقفون سياراتهم ليلاً بجانبها حتى لا يضطروا صباحا الى الاستعانة بسكان الحي والمارة لدفع سياراتهم بالايدي وتشغيلها بسبب ضعف في بطارية السيارة أو ضياع الكهرباء داخلها او بسبب عدم مقدرة المحرك (الدينمو) على توليد وامداد البطارية بالكهرباء.

ولكبار السن الحاليين من سكان الرياض مع طلعة الشميسي التي تعد الثانية في المنطقة ذكريات طفولية لا تنسى، فعندما كانوا صغاراً كانت هذه الطلعة مكاناً لتجمعهم وهم يستقلون دراجاتهم الهوائية ويقفون في رأس الطلعة ثم ينحدرون منها لممارسة هواية «التطليق» وتعني قيادة الدراجة دون الامساك بمقودها (الدركسون)، مع الدعس على الوطيات التي تحرك العجلة بالقدمين وبسرعة لافتة رغم أن انحدار الشارع بسبب وجود الطلعة يمنح الدراجة سرعة مضاعفة، ثم يعود السائقون الى المكان بعد أن قطعوا مسافة طويلة في الشارع ليمارسوا مرة أخرى هواية أو حركة «الويقفة» وتعني قيادة الدراجة دون الجلوس على مرتبة السائق من خلال بقاء الجسم في وضع الوقوف والدعس على الوطيات وصعود الطلعة مع الامساك بالمقود جيداً حتى لا يختل توازن الدراجة.

وتستوقف العابر في شارع الشميسي القديم محلات قديمة قدم الشارع مخصصة للحلاقة عمرها حوالي نصف قرن اشتهر اصحابها ذوي السحنة السوداء بحلاقة شعر الرأس على الصفر بحيث لا يبقى بعد الحلاقة أي أثر للشعر، إضافة الى قيام اصحاب هذه المحلات بإجراء عمليات جراحية لإزالة الدم الفاسد في ما يعرف بالحجامة، وتتم الاخيرة بطريقة بدائية وبأسلوب لا يخلو من المخاطر الصحية على طالبي هذه الخدمة نظراً لعدم وجود وسائل للتعقيم واستخدام جهاز شفط الدم عن طريق الفم لاكثر من شخص، وكانت عملية الحجامة بهذه المحلات تجرى الى وقت قريب داخل محلات الحلاقة وبصورة علنية، ولكن السلطات منعت إجراءها وأقرت عقوبات بحق المخالفين.

وتنتشر في شارع الشميسي القديم محلات عريقة للخياطة الرجالية يديرها خياطون متمرسون من اليمن انتقل بعضهم الى هنا بعد أن أزيلت محلات الخياطة الواقعة شرق مبنى إمارة منطقة الرياض لصالح مشروع تطوير منطقة وسط المدينة.

ويشتهر الشارع بوجود محلات لبيع واصلاح الدراجات الهوائية، ومولدات الكهرباء (المواطير)، والعاب الاطفال المختلفة وما زالت هذه المحلات تمارس نشاطها منذ انشاء الشارع وحتى اليوم.

وفي منتصف الشارع ما زال الجامع يقف بمبناه الابيض المكسو بالحجر شامخاً يقطع آذانه سكون الشارع فجراً وتعلو اصوات المكبرات صخب الشارع وابواق السيارات التي يطلقها سائقو المركبات ويمتلئ المسجد بالمصلين من مختلف الجنسيات التي يسكن افرادها في الاحياء المطلة على الشارع أو اولئك الذين يعملون في المحلات والدكاكين التي تقع على ناصيتي الشارع.

واشتهر شارع الشميسي القديم بمرور مواكب كثير من القادة الذين زاروا الرياض في العقود الخمسة الماضية من خلاله، واحتضن الشارع آلافا من الطلبة الذين اصطفوا على جنباته لتحية القادة العرب والعالميين الذين قاموا بزيارات رسمية للسعودية في عهد الملوك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله وهم يحملون اعلام دول الضيوف وصورهم.

وفي هذا الصدد يشير ناصر السبيعي، 60 عاما، الى أنه ما زال يتذكر وقوفه بالشارع مع زملائه طلبة المرحلة الابتدائية مرتدياً ملابس الكشافة لاستقبال ضيوف البلاد من القادة العرب والاجانب منهم: الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول، والرئيس اللبناني شارل الحلو والرئيس التركي جودت صوناي وغيرهم، وقد مرت مواكبهم مع هذا الشارع مما يؤكد أهميته وعراقته وقدمه في العقود الماضية. ومع توسع مدينة الرياض وإحداث شوارع كبيرة فيها وواسعة فقد شارع الشميسي القديم وهجه ومكانته كشارع رئيس في المدينة، لكنه ظل ينبض بالحياة ذاتها التي بدأها قبل نصف قرن.