حشوات الأسنان المعدنية آمنة للأطفال والحوامل

زئبق حشو الأسنان ليس سببا في الإصابة باضطرابات عصبية في الذكاء أو الذاكرة أو التركيز

TT

صدرت هذا العام دراستان مهمتان في موضوع حشو الأسنان بالمواد المعدنية الفضية اللون والمحتوية على عنصر الزئبق أو ما يُعرف بمادة أمالغمAmalgam ومدى أمان استخدامها في علاج حالات التسوس لدى الأطفال. وخلصتا الى أنها مادة آمنة لدى الأطفال ممن هم فوق سن السادسة من العمر، بيد أن الأمر لا يزال مبهماً حول تأثيراتها على القدرات الذهنية حين استخدمها في الأطفال دون سن السادسة من العمر.

من جهة أخرى طرح الباحثون نوعاً جديداً من البروتينات الصناعية يُمكن أن تُسهم في نمو مادة السن. بينما لا تزال الأصداء تتفاوت في التعليق على افتتاح بنك في الولايات المتحدة لأسنان الأطفال اللبنية بغية استخدام الخلايا الجذعيه فيها لاحقاً عند الاحتياج.

* حشو الأسنان

* تتكون المادة الفضية لحشو الأسنان المعروفة والمستخدمة اليوم من معادن الفضة والنحاس والزئبق والقصدير. وإن كانت الدراسات التاريخية تشير الى أن الصينيين القدماء والفراعنة كانوا أول من استخدم أنواعاً مبكرة من معادن مختلفة في حشو الأسنان، الى أن أتانا أغستي تافييو عام 1816 بتركيبة الفضة مع الزئبق، التي تطورت تقنياً في المزج بين المعادن ونسبها حتى حصلنا على الحشو الحالي الفضي اللون للأسنان.

ويقول الدكتور أحمد كنعان استشاري طب الأسنان من جامعة متشغن بالولايات المتحدة، إن مادة أمالغم الفضية هي واحدة من أكثر المواد ثباتاً ضمن مواد حشو الأسنان. ولا يفوقها إلا تلك المكونة من معدن الذهب، وبالطبع فإن غالبية الناس لا يُمكنهم التمتع بحشو من الذهب لأسنانهم. وضمن مكونات مادة الحشو الفضية هذه فإن الأبحاث توصلت الى صيغة في نسب مكوناتها تحتوي أقل كمية ممكنة من الزئبق.

وأوضح الدكتور كنعان بأن داعي وجود عنصر الزئبق هو مساعدة عناصر الفضة والنحاس والقصدير على التمازج بشكل متناغم ومتماسك. ولذا فإن نوع هذه المادة صلب وغير قابل عادة للكسر إذا ما استخدم في الأسنان الخلفية المعرضة للضغط، ولذا فإنها قادرة على البقاء لمدة 15 سنة على أقل تقدير، والى 40 سنة في بعض الحالات. وأضاف بأن المادة الأخرى التي بدأ استخدامها في حشو الأسنان منذ 30 عاما تقريباً هي ذات لون مقارب للون الأسنان البيضاء، ولا تتضمن عنصر الزئبق، ولديها صلابة تشابه ما لدى الزجاج. ولذا لا تستخدم عادة في الأسنان الخلفية نظراً لسهولة كسرها عند التعرض للضغط أثناء مضغ الطعام، بل في الأسنان الأمامية. وبالرغم من التطورات في تركيبها إلا أن المادة الفضية تظل الأفضل للأسنان الخلفية. والأنواع الأخرى من مواد الحشو تشمل رقائق الذهب والبورسلين وغيرها من الأنواع الباهظة الثمن التي لا يُمكن توفيرها في الاستخدامات العادية لحشو الأسنان على حد قوله.

* زئبق الحشوة

* ان بحث أمان وسلامة هذه المادة المعدنية الفضية المحتوية على الزئبق هو موضوع يدور حوله النقاش العلمي منذ عشرين عاماً. وما فتئ كثير من النشرات الصحافية تحذر منه برغم تأكيد الهيئات الطبية العالمية المعنية بشأن طب الأسنان سلامتها وفق ما هو متوفر من دراسات سابقة.

وهو ما يقول الدكتور كنعان عنه، ان طبيب الأسنان يحرص على إزالة طبقة الزئبق من سطح مادة الحشو المحتوية على الزئبق عند تثبيتها، حتى يُقلل من تعرض الجسم لهذه المادة، كما ويحرص على عدم تناثر قطع من مادة الحشو في الفم كي لا يبتلعها الإنسان وتتسبب له بالتالي في التعرض لكميات من عنصر الزئبق.

والمخاوف من زئبق مادة حشو الأسنان الفضية تناولت احتمالات تأثيره على القدرات العصبية والذهنية والنفسية إضافة الى وظائف الكلى. والدراستان الجديدتان تحملان قيمة علمية تفوق أي دراسات سابقة، إذْ لأول مرة تتم دراسة تأثير الزئبق فيها مقارنة مع مادة حشو الأسنان بمادة ريزن Resin وهي مادة حشو غير محتوية على الزئبق وذات لون مطابق للون السن، وذلك بطريقة دراسة رأس لرأس، أي بطريقة المقارنة المباشرة التي هي من أدق وسائل الدراسات المقارنة.

وكانت الدراستان قد صدرتا في أبريل الماضي ضمن عدد مجلة الرابطة الأميركية للطب الباطني آنذاك. وقام بالدراسة الأميركية الدكتور ديفيد بيللنغر، بروفيسور طب الأعصاب الباطني بكلية الطب في جامعة هارفارد بمدينة بوسط الأميركية وفريق البحث معه. وشملت الدراسة 534 طفلاً ممن تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والعاشرة من العمر عند البدء في المتابعة. نصفهم تم حشو تسويس أسنانهم بمادة أمالغم المحتوية على الزئبق، ونصفهم الآخر استخدمت مادة ريزين في ذلك. وتمت متابعة قدراتهم العقلية الذهنية وفق الاختبار المعرف بلقب أي كيو، والحالة العصبية، وحالة الكلى.

وشملت الدراسة الأوروبية التي تمت في البرتغال 507 اطفال ممن تتراوح أعمارهم بين الثامنة والعاشرة من العمر عند بدء الدراسة التي استمرت سبع سنوات. وأيضاً تم حشو أسنان نصفهم بمادة أمالغم المحتوية على الزئبق والنصف الآخر منهم بمادة ريزين. وركزت على متابعة قوى الذاكرة والتركيز والانتباه.

وألقيت الدراستان ضمن فعاليات المؤتمر الرابع والثمانين للرابطة الدولية لأبحاث الأسنان الذي عُقد أواخر شهر يونيو الماضي بأستراليا. وتمت في الولايات المتحدة. والدراسة الأخرى تمت في أوروبا. وكلتاهما وصلت الى نفس النتيجة، وهي أن زئبق حشو الأسنان ليس سبباً في الإصابة باضطرابات عصبية في الذكاء أو الذاكرة أو التركيز. وأضافت الدراسة الأميركية أنه لم تلاحظ أي اختلال في وظائف الكلى لدى الأطفال ممن هم فوق سن السادسة من العمر في مجموعتي الحشو بأي من النوعين.

وترى الرابطة الأميركية لطب الأسنان أن الدراستين تؤكدان ما تبنته من قبل، وهو أمان استخدام هذا النوع من مواد حشو الأسنان، وفي نفس الوقت أكدت ضرورة الاهتمام بنظافة الأسنان بالفرشاة والخيط والمتابعة المنتظمة لدى الطبيب.

ولكن الدراستين تركتا مكان الإجابة خالياً حول أمانها لمن هم دون هذا العمر، أي الأطفال الصغار جداً. وبرغم ملاحظة بعض الخبراء أن حشو الأسنان اللبنية التي تسقط بالعادة حول سن الثامنة بالمادة الفضية اللون ليس من المتوقع أن يؤثر على الجهاز العصبي لدى الطفل لأنها مادة لا تستمر في الجسم وقتاً طويلاً. إلا أن الأمر ليس كذلك ما لم تثبته دراسات مقارنة كتلك التي بين أيدينا. والسبب واضح، وهو أن تأثر الطفل في المراحل الأولية من عمره أكثر احتمالاً نظراً لحساسية النمو العصبي لديه. والأمر أشبه بالدراسات التي تمت على الحوامل وتناولهن وجبات الأسماك خاصة أنواع التونا المعلبة ذات المحتوى العالي من الزئبق، ذلك الأمر الذي تحدثت عنه قبل بضعة أسابيع في ملحق الصحة في الشرق الأوسط، عند عرض تأثير نسبة الزئبق تلك على نمو الجنين وفق ما طرحته الدراسات.

* استبدال الحشو

* ويقول الدكتور كنعان إن من المهم فهم أن محاولة إزالة الحشو المحتوي على الزئبق لوضع الحشو الأبيض اللون كي يبدو شكل الأسنان أفضل، هو شيء خاطئ. ويعلل الأمر بأن هناك سببا عمليا وهو أن شفط سوائل الفم وما يوجد فيها أثناء تثبيت الحشو هو أفضل في إزالة فتات مادة الحشو الفضية من محاولة شفط السوائل أثناء إزالة الحشو حيث تتطاير وتتناثر في فتاته ويصعب تنظيف الفم منها كلها.

وأضاف بأن المرء حينما يحتاج الى حشو أحد أسنانه، فإن من الممكن له أن يختار الحشو الأبيض الأقل تحملاً حتى في الأسنان الخلفية، بشرط المتابعة لمدة ستة أشهر لدى طبيب الأسنان وأخذ صور أشعة سينية له للتأكد من سلامة الحشو من التشقق أو الكسر. وهذا النوع وإن كان عمره قصيرا لا يتجاوز سبع سنوات إلا أن البعض قد يرى أن تطابق لون الحشو مع لون السن يستحق تحمل عناء إعادة تثبيت حشو آخر بعد هذه السنوات.