ضمن فعاليات اللقاء السنوي لرابطة أميركا الشمالية لدراسة السمنة، الذي عُقد في أوائل هذا الشهر، قُدمت دراسة جديدة تثبت لأول مرة علمياً أن تناول الطعام ببطء وروية يُسهم في خفض وزن الجسم، من خلال تناول كميات أقل من أطعمة المائدة، وأيضاً في الحصول على درجة أعلى من الاستمتاع بالأكل.
وقال الباحثون من جامعة رودي في كنغستون بالولايات المتحدة ان النساء إذا ما طُلب منهن الحديث والتأني في الأكل أثناء تناول أطباق من المعكرونة فإنهن يأكلن كميات أقل بمعدل 70 كالوري (سعر حراري ) مقارنة بما إذا ما طُلب منهن الأكل بأسرع ما يُمكنهن! وعلقت الدكتورة كاثلين ميلانسون، الباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول إن النسوة آنذاك يستمتعن بشكل أكبر بقائمة الطعام مع استفادتهن بتناول كمية أقل من طاقة الغذاء. وكان عدم وجود أية دراسة تناولت هذا الجانب الذي كثيراً ما نسمع عنه من كبار السن في سلوكيات تناول الوجبات، أي التأني في تناول الطعام يقلل من شهية الإنسان وشراهته في الأكل، هو ما دفع الدكتورة ميلانسون لإجراء الدراسة الجديدة.
تناول الطعام
* وقامت الباحثة بمتابعة تناول 30 امرأة صغيرة في السن لوجبة من المعكرونة مع مرقها المكون من الطماطم والخضار وطبقة جبن البرمسان على سطحها. وتم الطلب منهن تناول وجبة إفطار مكونة من 400 كالوري ثم الصيام لمدة أربع ساعات بعدها حتى تقديم طبق المعكرونة ذلك.
ثم طُلب منهن الأكل على هيئتين، الأولى قُدمت لهن فيها ملعقة كبيرة وطُلب منهن تناول الأكل بأسرع ما يُمكن ودون التوقف بين كل لقمة وأخرى. وفي الثانية قُدمت لهن ملعقة صغيرة يضعنها جانباً بعد تناول كل لقمة. مع الطلب منهن جعل لُقم الطعام صغيرة الحجم، ومضغ الطعام بتأن لما بين 15 و 20 مرة قبل بلع تلك اللقمة.
ولاحظ الباحثون أنه حينما طُلب منهن تناول الطعام بسرعة، فإنهن أتممن ذلك في تسع دقائق، والتهمن خلالها 646 كالوري. بينما حينما طُلب التأني في الأكل منهن، فإنهن تناولن 579 كالوري في 29 دقيقة.
وأفادت المشاركات أنهن استمتعن بالأكل بشكل أكبر حينما تناولنه ببطء، واستمر الشعور هذا لديهن لمدة تزيد عن ساعة.
وقالت الدكتورة ميلانسون إن الأكل بتأن ربما يكون وسيلة لخفض وزن الجسم والمحافظة على الصحة بالتالي، لأن ذلك يعني على أقل تقدير تقليل كمية طاقة وجبات الغذاء اليومي الثلاث بمقدار يتجاوز 210 كالوري يومياً.
اللقمة والسمنة
* وتشير بعض مصادر التغذية الى أن هذا ما حصل عند اتباع طريقة تناول الطعام بوتيرة أكثر بطءاً، وأن الاستمرار في تطبيقها ربما له تأثير أكبر في خفض كمية طاقة الطعام المتناولة. وقالوا بأن الشعوب التي تتناول كميات قليلة من الطعام في كل لقمة، كما في اليابان وغيرها، تتدنى نسبة السمنة فيها، بينما التي تتناول الأطعمة التي يتم قضمها بالفم كالهمبرغر أو السندوتشات (الشطائر)، ومن النوعية التي لا تحتاج الى ملعقة أو شوكة أو سكينة في التناول، أي الأطعمة السريعة الالتهام، فإن معدلات السمنة فيها عالية، خاصة لدى صغار ومتوسطي العمر.
وتُضاف هذه الدراسة الى مجموعة سبق عرضها في ملحق الصحة بالشرق الأوسط حول دور الظروف المحيطة بتناول الوجبات الغذائية في تحديد كمية الطعام المتناولة ومقدار تأثر وزن الجسم بذلك. حيث ان حجم ملعقة الغرف وحجم طبق تناول الطعام، إضافة الى تناول الوجبات في المطاعم بنوعيها السريع أو التقليدي، كلها لها تأثيرات مختلفة على كمية ما يتناوله الإنسان من طاقة الطعام.
وتقول المؤسسة القومية للجهاز الهضمي والسكري والكلى بأن ضبط وزن الجسم ضمن المعدل الطبيعي يتطلب أكثر من مجرد الاهتمام باختيار أنواع الأطعمة الصحية وتجنب الأطعمة الضارة. بل يتطلب الاهتمام أيضاً بالكمية وكم مرة يأكل الإنسان.
وأضافت أن ثمة فرقا بين كمية ما يضعه الإنسان من طعام في طبقه ليتناوله، سواء كان في منزله أو في مطعم أو غيره، وبين مصطلح الحصة الغذائية من نوع ما من الأطعمة الذي يستخدمه الأطباء وأخصائيو التغذية أو في ملصقات التعريف بمحتويات المعلبات أو غيرها. والإنسان ربما يضع في طبقه كمية تعادل بضع حصص من منتج غذائي ما.
ولذا من المهم على الإنسان تقدير كمية ما يتناوله من طعام. وهو ما يتطلب إدراكاً لكمية الحصة الغذائية لمختلف أنواع الأطعمة التي يتناولها الإنسان. والطريقة الأسهل هي التقدير بالنظر مقارنة بأشياء معروفة. فحينما يُقال ربع كوب من الزبيب مثلاً فإنها تعادل ما يملأ حجم بيضة عادية كبيرة. وثلاث أونصات من اللحم (الاونصة 30 غراما تقريبا) فإنها تعادل كمية من اللحم بحجم مجموعة كاملة من أوراق الكوتشينة (اللعب). وكوب من الحبوب يُعادل حجم قبضة اليد. وكوب من الأرز المطبوخ أو البطاطا المهروسة تعادل حجم برتقالة متوسطة الحجم.
ظروف الأكل
* والصعوبات في الأكل فوق ما هو صحي تحصل في المنزل أو في المطعم. ومن الضروري التنبه الى دور الظروف المحيطة في أي منهما لجهة تناول كميات أكبر من الطعام، فمثلاً يتحاشى الإنسان تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفزيون أو أي ملهيات أخرى، لأن الإنسان لن يتمكن من حساب الكمية التي تناولها. وللتغلب على تناول كميات عالية من اللحوم أو المعجنات على الإنسان تناول السلطات أو أطباق الخضار المسلوقة لسد جزء مهم من جوعه ورغبته في الأكل. هذا بالإضافة الى وضع وقت محدد لتناول وجبات الطعام، دون التأخير فيها. لأن التأخير يثير مزيداً من الشعور بالجوع، ما يجعل الإنسان يغفل عن الكمية التي يتناولها. وأوضح الأمثلة على هذا ما سبق الحديث عنه في ملحق الصحة من دور الاهتمام بتناول وجبة الإفطار في تخفيف وزن الجسم. لأن من لا يتناول الإفطار سيشعر بالجوع عند تناول وجبة الغداء، وبالتالي يتناول كميات كبيرة من الطعام أثناءها.
أما في المطعم فإن إغراء بضعة قروش في فرق السعر بين حجم صغير من مشروب الكولا أو الهمبرغر وبين الحجم الأكبر أو المضاف اليه شرائح من البطاطا المقلية، قد يدفع المرء الى شراء وجبات كبيرة. وبالتالي تناول كميات أكبر من طاقة الطعام. وهذا الذي يعتبره البعض توفيراً وذكاءً في الشراء، ربما هو ضرر على الجسم ووزنه. كما أن من الضروري تذكر أنه ليس من الواجب تناول كل ما يُقدمه المطعم، بل من العقل أخذ أجزاء منه للمنزل لتناوله في وجبات أخرى.
العناية بالظروف المحيطة بتناول الأطعمة لا يقل أهمية عن الاهتمام بتناول مكونات الوجبات الصحية.