نقيب الصحافيين السودانيين: تراجع الصحافة سببه «ضرب» الأنظمة لها

متحدثا لـ «الشرق الأوسط» عن التحديات والفرص التي تواجهها المهنة في بلاده

TT

ارجع د. محيي الدين تيتاوي نقيب اتحاد الصحافيين في السودان سبب تراجع الصحافة في بلاده الى استهداف الانظمة التي حكمت البلاد لها، ورغم انها بدأت في أوائل القرن الماضي إلا ان عدم تواصل الاجيال في المهنة لعدم الاستقرار السياسي جعلها تتخلف عن ربيباتها في العديد من الدول العربية.

وتحدث د.تيتاوي عن تأثر قطاع الصحف في حوار مع «الشرق الاوسط» إبان حضوره للدورة الثانية لجمعية الصحافيين السودانيين في السعودية التي اقيمت في جدة مؤخرا، وفيما يلي نص الحوار: > التاريخ الطويل للصحافة السودانية لم يشفع لها في التطور واللحاق برصيفاتها في الدول العربية، ماهي الاسباب، وما هي المشاكل التي تواجهها؟

ـ الصحافة السودانية شأنها شأن مشاكل الصحافة في العالم الثالث، لكن هناك الكثير من المصاعب التي واجهتها تحديدا، على رأسها عدم الاستقرار وهذا سبب رئيسي في ان الصحافة السودانية لم تواصل مسيرها نحو التطور، كما ان الصحافيين السودانيين فقدوا ما يعرف بتواصل الاجيال، فالصحافة هنا «ضربت» كثيرا، وانقطعت الاجيال عن بعضها.

الامر الثاني يتمثل في الوضع الاقتصادي للسودان والمشاكل السياسية المختلفة تسببت في عدم قدرة الصحافة على مواكبة التقنيات الحديثة من طباعة وتدريب وتأهيل للصحافيين.

الامر الثالث يتمثل في عدم الاستقرار السياسي، حيث ظل كل نظام يأتي يضرب الصحافة، وبالتالي اصبح هناك انقطاع واهدار للامكانيات التي جمعها الصحافيون ورجال الاعمال والمستثمرون في قطاع الصحافة وهذا ادى ايضا الى عزوف رأس المال سواء ان كان وطنيا او اجنبيا من الاستثمار في مجال الصحافة.

> ماهو مستوى انتشار الصحف في السودان، وماهي خطوط ومدارس الاخراج التي تتبعها بشكل عام؟ ـ مدرستنا الاخراجية في السودان تقوم على المدرسة المعتدلة او التقليدية، التي لا تعتمد الميل الى الاثارة، بسبب أن معظم القراء لا يميلون الى الاثارة، ولا يحبون المبالغات ونشر الاخبار التي تثيرهم مثل اخبار الفضائح والجريمة واخبار المجتمع المختلفة، والمجتمع السوداني مجتمع محافظ، ومن خلال هذه الخاصية لا يقبل استغلال الصحف ووسائل الاعلام لمثل هذه الاخبار في تسويقها او في عرضها كموضوعات صحافية.

المطبوعات الصحافية في السودان تستغل مساحة الحريات، وليس لهامش الحريات، فمساحة الحريات الممنوحة الان تكاد تكون حريات مطلقة باستثناء بعض التحفظات الواردة في القوانين، والسودان بصفة خاصة ظل يعيش في حالة حروب وتدخلات لسنوات طويلة جدا. ولهذا نجد ان الصحافة في غالبها تنتهج الاسلوب التقليدي في تحرير الاخبار وفي عرض الموضوعات سواء كانت تحقيقات او مقالات أو اعمدة او بقية القوالب الصحافية. > تحدثت عن ان الحرية في النشر هي اصل وليست هامشاً، لكن ذلك لم ينطبق على حادثة اغتيال الصحافي محمد طه محمد احمد رئيس تحرير جريدة «الوفاق»، أليس كذلك؟

ـ حادثة الصحافي القتيل سابقة تحدث لاول مرة في السودان، ولاول مرة يجرؤ اناس على اختطاف صحافي سوداني وقتله داخل السودان ـ كانت هناك حادثة مثيلة في اوائل السبعينات من القرن الماضي لصحافي سوداني هو محمد مكي الذي اختطف واغتيل خارج السودان ـ وفي الحقيقة هي جريمة بشعة، وقد وجدت الادانة من كل من سمع بها. انا كرئيس لاتحاد الصحافيين لم اكن اعلم بأي تفصيلات لسبب هذه الجريمة.

> هناك من يرى ان قوانين النشر في السودان لا تزال مقيدة لحرية الرأي، مما يجعل الهامش ضيقا في تناول بعض القضايا، على الرغم من الانفراجة التي روجت لها السلطات عقب توقيع اتفاقيات السلام، فما رأيك؟ ـ الحريات بموجب القانون الصادر في عام 2004 تكاد تكون مطلقة، وان كانت لا توجد هناك حرية مطلقة في النشر على مستوى العالم، فهناك خطوط حمراء خاصة بالامن الوطني والقوات النظامية، وخطوط حمراء خاصة بسلوك المجتمع وتحفظاته وارثه، نحن مثلا في المجتمع السوداني واحدة من خصوصياتنا تتمثل في عدم التطرق الى نشر الجريمة، فالجريمة حتى وان وقعت وكانت حقيقة وصدرت فيها احكام قضائية، فإن اهل صاحب الجريمة وقبيلته واسرته لا يقبلون ان يشهر بهم وبمنسوبهم عبر الصحف، وهذه خصوصية يتفرد بها المجتمع السوداني، ولهذا فان المشرع حرص على وضع مثل هذه المحاذير في خلفية القانون، حتى يكون هناك حذر للصحيفة او للصحافي عند التطرق لمثل هذه الموضوعات. ولكن بالنسبة للعمل السياسي وحريات التعبير وحريات التملك، فهناك حرية كاملة واستطيع ان اجزم بان مثل هذه المساحة لا توجد في قانون في دول المنطقة. > هناك اعلامي سوداني معتقل في سجن غوانتانامو، ماذا فعلتم بشأنه كاتحاد للصحافيين؟

ـ سامي الحاج مصور قناة الجزيرة، اختطف من باكستان ولم يكن يحمل مدفعا ولا بندقية، ولم يقبض عليه متلبسا بتهمة، ولم توجه له اساسا حتى الان اي تهمة، وبالتالي نحن نعتبر ان هذه جريمة اختطاف واعتداء على صحافي بريء، لأنه لو كانت ضده تهمة لوجهت له ولقدم للمحاكمة. نحن في اتحاد الصحافيين نظمنا حملة استمرت لفترة للمطالبة بإطلاق سراحه ضمن حملات تثار من حين لآخر. نحن نعتبر ان هذه جريمة ضد الانسانية وضد الصحافة، وجريمة ضد اناس ابرياء اختطفوا واودعوا في ذلك السجن النائي والذي يعتبر مجرد الدخول فيه انتهاكا صارخا لحقوق الانسان.

> يلاحظ وجود عدد كبير من الصحافيين السودانيين خارج بلادهم، هل مهدتم السبيل لعودة هذه الكوادر ؟

ـ الصحافي السوداني اعتبره قدرة شأنه شأن الصحافيين العرب الآخرين، والصحافي السوداني خرج مثله مثل المهنيين الآخرين يبحث عن تحسين اوضاعه المعيشية، والحق يقال أنهم اثبتوا كفاءته في كل المواقع التي مارسوا فيها العمل، ونحن نعتبر ان الصحافي المغترب كسبان من جهتين، فمن جهة هو حقق طموحاته ومن جهة اخري تعامل مع التقنيات الحديثة واكتسب خبرات والتقي بعدد من الصحافيين من بلدان مختلفة، مما اكسبه خبرات اضافية، ونأمل ان يعود الصحافي السوداني الى وطنه ويسهم مع اخوانه في نهضة الصحافة السودانية التي بدأت الان في التطور مع بداية مرحلة السلام والاستقرار.

> عرف عن القارئ السوداني نهمه للاطلاع، فهل لا يزال يبتاع صحيفة بدلا من «ساندويتش» لافطاره؟

ـ لا، لقد تغير الامر، ولم يعد السوداني يشتري صحيفة بدلا من شراء افطاره كما كان في السابق، وان كان هناك قلة من المثقفين يتمسكون بهذا الاطار، لكن المواطن السوداني وفي ظل الظروف التي عاشها، فقد بدأ يضمن افطاره في الاول، ثم تأتي الصحافة في الاولوية الثانية. واستنادا على الوضع الاقتصادي فقد ظهرت هناك اساليب لتداول الصحف، وهي ما يعرف بالاستبدال والايجار، حيث يدفع القارئ خمس سعر الصحيفة، يقرأها ثم يعيدها الى الموزع المتجول مرة اخرى، ثم تعود تلك النسخ الى المؤسسة الصحافية كرجيع يؤثر في المبيعات واقتصاديات المؤسسة الصحافية، وهذا المسلك جرَ الكثير من المشاكل على الصحف وأثر في التوزيع، والجهات المعنية تسعى لمحاربة هذه الظاهرة حتى تعود للصحافة السودانية مكانتها في سلم اولويات اهتمامات القارئ السوداني.

هذه المشكلة ناجمة للوضع الاقتصادي وهو ضعف دخل الفرد، وللوضع الاقتصادي للسودان، وايضا لقلة التعديلات التي كانت تجيء في اوقات متفرقة على راتب المواطن من قبل الدولة.

> في مجال ترقية المهنة للصحافيين، ما هو دور نقابتكم، وهل لديكم تحالفات مع الكيانات المثيلة في الخارج؟

ـ نعم، لدينا برنامج لتأهيل ورفع قدرات الصحافيين مهنيا، وهو مقسم الى قسمين قسم يقوم به اتحاد الصحافيين ممثل في ادارة التدريب، وقسم آخر يقوم به المجلس القومي للصحافة والمطبوعات عبر قسم التدريب ايضا، وهناك تنسيق كامل بين الجسمين في خلق الفرص واستثمار العلاقات مع النقابات والاتحادات والجمعيات العربية المختلفة وننتهز الفرص التي تتاح من بعض المنظمات الدولية لتدريب وتأهيل الصحافيين. هذا على الصعيد الداخلي، أما خارجيا، فهناك فرص تدريبية يقدمها اتحاد الصحافيين العرب واتحاد الصحافيين الافارقة، وفي كل الفرص التي تتاح نركز على فئات الشباب لانهم يمثلون المستقبل.

> على الرغم من مرور قرن من الزمان على الصحافة السودانية الا انه لم يبرز منها على الساحة الدولية سوى قلة، فما هو السبب في رأيكم؟

ـ يكفى انه برز صحافي سوداني واحد على نطاق العالم، فقد منح الصحافي محجوب محمد صالح جائزة القلم الذهبي وهي تمنح لصحافي واحد بعد فترات طويلة، ومحجوب محمد صالح مارس العمل الصحافي لأكثر من 50 سنة وعاصر العمل الصحافي في السودان منذ وقت كانت فيه الصحافة متأخرة جدا وقد اجتهد في ترقية العمل الصحافي عبر صحيفته التي عمل على تطويرها وتحديث آليات عملها، كل هذا يعطيه الحق في الجائزة، بعد أن ظل يعمل بقلمه لنصف قرن.

> لا تزال الصحافة السودانية موغلة في المحلية، ولا تهتم كثرا بالشأن الخارجي، ماهي الاسباب في نظركم؟

ـ الصحافة كأداة تعبر عن مجتمعها وتطلعاته، والمجتمع يتعامل مع الاطروحات التي تقدمها صحافته، ورغم ان القارئ السوداني مزاجه يبين انه متطلع الى آفاق ارحب من العالمية الا ان مزاجه يتوافق مع الطرح المحلي في السياسة والجوانب المختلفة من الطرح الصحافي، ولهذا لايمكن ان احول صحيفتي الى عالمية ثم لا اجد من يشتريها او يقرأها، خاصة ان السماء اصبحت مليئة بالاخبار ومن يملك ريموت كنترول يستطيع ان يجذب كل العالم خلال طرفة عين الى غرفته، فيستمع الى الاخبار ويشاهدها ويستمع الى التحليلات والتعليقات والحوارات، لذلك لم تعد الاخبار العالمية بذلك الرنين والاثارة كما كانت في السابق.

* سيرة ذاتية

* د. محيي الدين تيتاوي

* يرأس د. محيي الدين أحمد ادريس (تيتاوي) الاتحاد العام للصحافيين السودانيين لدورة العام 2005 ـ 2009، وهو يشغل كذلك منصب الامين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب، ورئيس لجنة الشؤون الاجتماعية للاتحاد.

تخرج من قسم الصحافة والاعلام بجامعة امدرمان الاسلامية عام 1970، وعمل صحافيا منذ ذلك الحين وترأس عدة صحف سودانية، وهو حاصل كذلك على شهادة الدكتوراه في استخدامات النشر الالكتروني في الاخراج الصحافي.

كما كان عميد سابق لكلية الاعلام بجامعة امدرمان الاسلامية. ويعمل الآن استاذا مشاركا في جامعة امدرمان الاسلامية.